فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3044.84
إعلانات


فرنسا هي منبـــع شقائنـــا وبلائنـــا

فرنسا هي منبـــع شقائنـــا وبلائنـــا

المطورالأثنين 5 ربيع الأول 1443? 11-10-2021م

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

بين الجزائر الحضارية العريقة الضاربة في عمق التاريخ، وفرنسا الاستعمارية الاستيطانية الوافدة على التاريخ، بينهما هوة حضارية سحيقة وعميقة، وهي، أي هذه الهوة، في سعتها، وشساعتها أعمق وأوسع من رقعة البحر الأبيض المتوسط جغرافيا.
فالدماء الطاهرة التي أريقت، والنفوس البريئة التي أزهقت، والأراضي الشاسعة التي صودرت، والأعراض الشريفة التي انتهكت، هذه كلها قد حكمت على هذه الهوة الفاصلة بين البلدين، باستحالة الردم.

إن ذاكرتنا المثخنة بالجراح، وأيامنا الملبدة أحداثها بالأتراح، وأجداث مقابرنا التي تعج بأطيب الأرواح، تأبى علينا النسيان، وطيّ صفحة الزمان، والتصالح مع من كانوا سببا في إصابتنا بكل هذه الأحزان.
ذلك –إذن- هو شأن الوطن الجزائري في علاقته مع الاستعمار الفرنسي الذي هو أبو مأساته، ومنبع شقائه وعِلاّته، وزارع المحن والفتن في كل مراحل حياته وتطوراته..
وصدق إمامنا محمد البشير الإبراهيمي عندما وصف الاستعمار «بالشيطان»، فقد جاء الاستعمار الفرنسي إلى وطننا، كما جاءت جائحة كورونا القاتلة، وكما تجيء الأمراض الوبائية حاملة أسباب الموت.
إن الاستعمار بمثابة «الإيدز» أو «السيدا» الذي إذا حل بالجسم الصحيح، قضى فيه على أسباب المناعة البدنية، وإذا ابتلي به شعب من الشعوب، قضى فيه على المناعة الحضارية، فهو يفرغه من فصاحة لسانه، ويشوه فيه كل ما يربطه بعنوانه، ويستأصله من أصوله وبنيانه.
وليت الاستعمار يتوب عن ذنبه، فيطلب الصفح من ضحاياه، ويعتذر لهم عن خطاياه، ويعوضهم، ولو بالقول الطيب عن عواقب بلاياه، بل إن ما راعنا في الاستعمار الفرنسي هو أنه تكررت نزواته، وتكاثرت عداواته، مهما اختلفت أنظمته وحكوماته.
وكمثال على المراهقة الفكرية التي اتصف بها أساطين الاستعمار الفرنسي، يمينا ويسارا المواقف العدائية من الرئيس الفرنسي الحالي الذي خرج من المواقف السرية إلى العلن، ومن لغة الدبلوماسية إلى بث المكائد والفتن؛ ومعاداة كل ما يمت بصلة إلى انتمائنا ممثلا في وحدة الوطن.
فهناك الإسلاموفوبيا التي حمل لواءها الرئيس ماكرون، بمحاولة التضييق على المسلمين، وغلق المصليات، وقمع الأئمة والمصلين.
وهناك الانحياز السافر في القضايا الدولية كقضية فلسطين، والصحراء الغربية، ومالي، وليبيا، وغيرها، ليغيض بموقفه، مواقف الجزائريين.
إلى جانب هذا، جاءت قضية تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين، وتكريم الحركى الذين خانوا وطنهم، وكل ذلك عدوانا على ذاكرة المجاهدين والوطنيين.
وأنكى المصائب التي أصابت جزائرنا من الرئيس الفرنسي، هو الاعتداء على أصولنا، والمساس بتاريخنا وعقولنا، وتشجيع دعاة النزعة الانفصالية، على نسج المؤامرات لاقتلاعنا من جذورنا.
أهذا جزاء من أطعم الفرنسيين من جوعهم، يوم أرسل إليهم الحبوب، وأنفق عليهم الملايين مما تخفيه الجيوب، وستر عنهم ما ظهر وما خفي من العيوب؟
ألم يقدم الجزائريون –مرغمين- دماءهم في الحروب، التي لم تكن لهم فيها ناقة أو جمل، فأمنوا فرنسا من الجوف، في البر والبحر، فحموها من القراصنة، وأبعدوا عنها الأبالسة؟
وماذا كان الجزاء عن كل هذا؟ نفي الوجود الحضاري عنا، ومعايرتنا بالجيش الانكشاري ضدنا، واعتبار الوجود العثماني استعمارا واحتلالا لنا.
كبرت كلمة تخرج من أفواههم، إن يقولون إلا كذبا، فالعثمانيون الذين جاءوا إلى الجزائر لم يجيئوا محتلين مستعمرين، وإنما جاءوا بدعوة من الجزائريين عام 1586، موجهة إلى السلطان العثماني سليم الأول لمساعدتهم على دحر العدوان الصليبي الإسباني، فكان القائد البحري خير الدين بربروس المسلم الذي استقبله الجزائريون استقبال الفاتحين.
ولم يؤخذ على العثمانيين الذين جاءوا إلى الجزائر بطلب من أبنائها، لم يؤخذ عليهم أن قاموا بالقتل أو التدمير، ولم ينهبوا ثروات الجزائريين الذين كانوا ينعمون بالخير الكثير.
لم يفرض العثمانيون علينا لغتهم، وليس فينا اليوم من يتحدث لغتهم، ولم يحاربوا معتقدنا، ولا حتى مذهبنا، فالجزائر كانت قبل العثمانيين مالكية، وبقيت بعدهم مالكية.
كان العثمانيون مسلمين، فلم يلغوا العمل بالشريعة الإسلامية كما فعل الفرنسيون، ولم يحولوا مساجدنا إلى كنائس كما فعل المستعمرون، ولم يقضوا على لغتنا وإبدالها بالفرنسية التي لازلنا نعاني إعاقتها إلى اليوم، في ألسنتنا، وفي إدارتنا، وفي بعض عقولنا، مما أكسبنا داء فقد المناعة الثقافية، والحضارية بسبب الغزو الفرنسي، وها نحن نعاني من بعض المنسلبين الذين هم بقايا الاستعمار في مجتمعنا.
وإذن، فماذا ينبغي أن يكون موقفنا من هذه العدوانية، التي جردتنا من مليوني سنة من تاريخنا؟
ألا يحق لنا، أن نعمل بمبدإ الدفاع والحماية عن وجودنا، وحدودنا، وبنودنا؟
فإزاء الألفاظ المهملة التي تقوّل بها وتغوّل علينا الرئيس ماكرون، من حقنا أن نتصدى لحماية ذاتنا، من قطع لكل العلائق التي تربطنا بمن يعتدي علينا.
يجب أن نفك الارتباط الثقافي مع ثقافة المعتدين، فنعود إلى ذاتنا الحضارية الإسلامية، لنعمقها، ونكون العقل الجزائري على ضوئها.
كما نحن مطالبون بإلغاء الاتفاقيات الاقتصادية، والتجارية، مع الشركات الفرنسية، حتى لا تتغوّل علينا سياستها من جديد، فننوع العقود، ونعدد العهود، ونحصن الوجود، ولن نكون أبدا من الظالمين.
?وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَ?ئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَ?ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?[سورة الشورى،
الآيات 42-41]


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع

| حجيرة ابراهيم ابن الشهيد | جنين بورزق | 13/10/21 |

 

مـــاذا أكــتــب؟ ولـمـــن؟

المطورالأثنين 27 صفر 1443? 4-10-2021م

 

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

تساورني كلما هممت بالكتابة، وأخذت القلم لتسجيل افتتاحية البصائر، تساورني شكوك، وتستبد بي هواجس، وتطوقني أسئلة، أهمها: ماذا سأكتب؟
فالأحداث اليومية والأسبوعية تتراقص أمام العين، وكلّها تغري بالكتابة عنها، والتعليق عليها، وفيها السياسي، والديني، والاجتماعي، والثقافي، والاقتصادي، ومنها المحلي والدولي.

فإذا انتهيت من الإجابة عن السؤال الأول ذي الأسئلة الفرعية، يواجهني سؤال أهم، وهو «لمن أكتب»؟ وينتج عن هذا السؤال أسئلة أخرى أكثر تعقيدا، وهي لمن أتوجه بما سأكتب؟ فأية فئة من القراء أخاطب؟ وما هو الأسلوب الأنسب لمخاطبتها؟ وكيف أتفادى ردود الفعل الناجمة عن سوء فهم ما أكتب؟
وعندما أتذكر أن ما أكتبه لا يلزمني شخصيا، بقدر ما يلزم البصائر، التي هي لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والبصائر كما يذكر الجميع إرث ثقافي، ورثناه أبا عن جد، فهي مدرسة للفكر، ومنبر لتسجيل جميل الذكر.
فقد تعلمنا عن أساطينها الماهدين، الشجاعة في الجهر بكلمة الحق، والأمانة في أداء الرسالة، والصدع بالنصح لمن ولاه الله أمر المسلمين، من أئمتهم، ولخاصة المسلمين.
من هنا تبدأ الصعوبة في تناول المواضيع الافتتاحية للبصائر، وتبدأ الصعوبة الأولى من اختيار العنوان، فالبعض لا يكلفون أنفسهم عناء القراءة المتأنية والمتأملة، لفهم ما بين السطور، فهم يحكمون على المقال من عنوانه، وتلك هي الطامة الكبرى.
وهناك من يعيبون على البصائر، خوضها في السياسة، ويتساءلون ما لجمعية العلماء والسياسة، فلسان السياسة أعجمي، ولسان جمعية العلماء عربي مبين؟
وهناك الذباب الإلكتروني، وهم فئة من الناس لا يكادون يفقهون حديثا، فهم يقحمون أنفسهم فيما لا يعنيهم، فيهرفون بما لا يعرفون، ويلجأون إلى تعاليق بليدة، باردة، تنم إما عن سذاجة في الفكر، أو عن خبث في القناعة، أو عن حسد في التعامل، وكل هدفها النيل من المقال أو من صاحب المقال.
فإذا وجدت من يتطاول على من هو أكبر منه سنا، أو أكثر منه علما، أو أعلى منه قيمة، فاعلم أن هذا يعاني أزمة ذبذبة في أصالة الانتماء، ذلك أن الأصيل يتميز بالطيبة في المعاملة، وبحسن القول وحتى المجاملة، ولذلك تفهم من هذا الصنف من الذباب، أنه يطمح إلى أن يجرك إلى العناية به، والتعليق على تعليقه، ومن وجهة نظرنا فإن الرد الوحيد الذي ينبغي أن يجاب به هو قول شاعر في حق أمثاله:
ليس له في لغة من اللغات وصف ملائم لشكله، ووصفه سوى «أتفو»
أسوق هذا كله لأبين مدى المعاناة التي يعانيها الكاتب الملتزم برسالة جليلة ونبيلة كرسالة البصائر.
فالالتزام، كما يعرفه الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر، هو أن تملك الحرية في أن تقول نعم، وفي أن تقول لا، وهو عكس الالتزام الذي يجبرك على أن تصطف في طابور واحد، وتسير على عزف نغمة واحدة، حتى ولو كانت لا تستجيب للقاعدة الموسيقية الأصيلة.
وقد علّمنا أسلافنا، أن حرية الفكر والشجاعة في إبداء الرأي، قاعدة إسلامية نبيلة، ?لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ …? [سورة البقرة، الآية 256]، ?..وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى? هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ?[سورة سبإ، الآية 24]، ?لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ?
[سورة الكافرون، الآية 6].
وحذرنا إمامنا محمد البشير الإبراهيمي من مغبة بيع القلم، أو رهن الذمة، أو التضحية بالشرف، فقال: «إن بيع المثقف لقلمه، كبيع الجندي لسلاحه».
على أننا، ونحن نؤمن بحرية الفكر في الكتابة، نؤمن أيضا بحرية الرأي في القراءة، وفي التأويل، وفي النقد، وشتان ما بين من ينتقد انطلاقا من النص، فيناقشك في الفكرة، ويبطل الفكرة بالحجة، والدليل، والبرهان، وبين من يعيب عليك مبدأ الحرية، وأساس الكتابة، وقاعدة الحكم، وهذا ما نصطدم به في بعض المواقف، إضافة إلى النعت بالأوصاف البذيئة، لمجرد أنك تختلف معه في الانتماء، أو في القناعة.. وتالله إن هذا لهو الإرهاب الفكري المقيت، خصوصا ونحن جميعا نرفض الإرهاب بجميع أنواعه، وأيا كانت مصادره وألوانه.
فيا بني قومي، إن مما يعانيه الخطاب الإعلامي اليوم، هو الحجر على الناس في التعبير عن قناعاتهم، وتصنيف كل من يخالفهم في خانة سقط المتاع، وتلك هي الجائحة التي أصابت بعض العقول، والوباء الذي استبد ببعض الألسنة، والأقلام.
إن ما نؤكد عليه في هذا المستوى من الحوار، الذي نريده أن يكون فصيحا وصريحا، وتريد البصائر أن تكون رائدة فيه، هو أن نمنح حق التعبير للمؤالف والمخالف، فنشيد بالمؤالف إذا كان مقصده يصب في مقصد المصلحة العامة، ونحاور المخالف، إذا بدا لنا أنه قد يثير فتنة، أو يحدث محنة، ولكن مع الحفاظ على أدب الخلاف، وحرية الرأي، وعدم الإسفاف أو السقوط في الفاحش من القول.
أما أن يكون المنطلق، هو التجريم، والمنع، وتكميم أفواه الناس، فهذا ما تأباه الوطنية الصحيحة، والعقيدة الصريحة، واللغة الإعلامية الفصيحة.
ذلك أنه يحق لكل مواطن، أن يتناول كبريات القضايا المحلية والعالمية مهما تعقدت أبعادها، ومعالجة الأمر السياسي بالكلمة الطيبة، والمجادلة بالتي هي أحسن، فباقة الورد، لا تكتسب قيمتها إلا من تنوع الألوان، والمعزوفة الموسيقية لا تستمد طيب نغمها إلا من تناسق آلات العزف وأصابع العازفين، كي يستفيد الناظر والسامع من عبق الورد، وطيب النغم، فيشيع الانسجام بين الجميع، وتتحقق الوحدة، بالتنوع، ونبني المجتمع الفاضل القائم على الأسس المضادة للزلازل والزعازع.
هذا مجمل القول، وقد نعود إلى هذا الموضوع من جديد لوضع المزيد من النقاط على الحروف.
وكما يقول أئمتنا، في الختام أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة