فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3050.2
إعلانات


ولكنّه أخلد إلى الأرض!

ولكنّه أخلد إلى الأرض!

سلطان بركاني

2021/07/07

لعلّ من أجلّ نعم الله على عباده في دار الامتحان، أنْ جعل للهداية أسبابا كثيرة، قد يكون بعضها سهلا هيّنا في منظور النّاس، لكنّه عند الله عظيم؛ فقد يوفّق العبد للصّواب والهدى بصدق نيته وإخلاصه لمولاه في طلب الحقّ وتواضعه لله ثمّ لخلقه، وقد يوفّق بدعوة صادقة يرفعها في ظلمة الليل إلى الله أن يهديه لما اختلف فيه من الحقّ بإذنه، وقد يُهدى إلى الصّراط المستقم بخبيئة عمل صالح يجتهد في إخفائها.

يهدي الله تبارك وتعالى عبده إلى دينه الحقّ، ويشغل جوارحه بما يحبّ من الأعمال والأقوال، ويكرّه إليه كلّ عمل لا يحبّه سبحانه ولا يرضاه ويصرف قلبه وجوارحه عنه، مصداقا لقوله تقدّست أسماؤه: ((وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)).

في المقابل، قد يتخلّى الله عن عبد من عباده ويتركه للشّيطان ولنفسه وهواه، بسبب ذنب يصرّ عليه، أو ظلم يقع فيه، أو كبر في نفسه، أو بسبب إصغائه لشكوك نفسه، وما أكثر من يضلّون عن الحقّ ويسيرون في طريق الباطل بسبب ركونهم إلى نفخة الكبر في دواخلهم واتّباعهم أهواءهم وشكوك أنفسهم! ((كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ)).

وربّما يتمادى العبد في الركون إلى نفسه واتّباع هواه، فيملي له الله، حتّى يظنّ ذلك العبد أنّه يحسن صنعا، ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)). ويظلّ سائرا في طريقه سادرا في غيّه، معرضا عن نصح النّاصحين، يظنّ أنّه يحسن صنعا وأنّه هُدي إلى ما ضلّ عنه كثير من النّاس حوله، ويلقي الشّيطان في روعه أنّه وفق لتلك الطريق بذكائه وفطنته، وينظر إلى كلّ الذين لم يسيروا معه في تلك الطريق على أنّهم جاهلون ضالون ملبّس عليهم.

في زماننا هذا أصبحنا نرى ونعاين هذه الحقيقة رأي العين، وصرنا نرى شبابا كالريشة في مهبّ الريح أمام المذاهب والأفكار والآراء الهدامة؛ يمسي الواحد منهم على فكرة ويصبح على أخرى، يعيش سنوات من عمره على مذهب ثمّ يتركه إلى مذهب آخر، وفي كلّ مرّة يظنّ أنّه وفق للحقّ المبين وهدي إلى الصراط المستقيم.. أصبحنا نسمع بشباب أغيار، الواحد منهم لا يحفظ حزبا واحدا من القرآن، وربّما لا يحسن تفسير الفاتحة وقصار السّور، ولم يقرأ في حياته ردا على شبهة من الشبهات التي تثار حول الدّين ومصادره ورموزه، وفوق هذا ربّما تجده من ضحايا التسرّب المدرسيّ لا يحمل أيّ مستوى علميّ، أو قد يحمل شهادة جامعية لا تعدو كونها ورقة مختومة يزاحم بها في سوق العمل؛ يعتنق الإلحاد، ويَغرق في براثنه ويتشرّب شبهاته، وينفخ فيه الشّيطان نفخته، فيعتدّ بنفسه ورأيه، ويظنّ أنّه قد أصبح على درجة كبيرة من الوعي لم يصل إليها كلّ من هم حوله، وأنّه قد أصبح صاحب فكر حرّ وثاقب يفهم ما لا يفهمه المؤمنون الذين ينظر إليهم على أنّهم جهلة لا يفهمون شيئا.. تجد المسكين لا حظّ له من علوم الفيزياء ولا البيولوجيا ولا الجيولوجيا ولا التاريخ، ومع ذلك يزعم بملء فيه أنّه يصدّق العلم والعلم فقط، لمجرّد أنّه قرأ بعض الشّبهات التي لم يجد لها جوابا أو قرأ مقالة هنا أو هناك لم يستطع اكتشاف عوارها وتدليس كاتبها، فبلع كلّ محتواها دون تمحيص.. ومع هذا الخذلان المبين، يمتلئ كبرا وغرورا وازدراءً للآخرين: حاله كما قال الله: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ * مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون)).

أمثال هذا المسكين يفترض أن يستحي من نفسه أنّه ترك دين الحقّ والعقل والعلم، بشبهات لم يجد لها جوابا، ويفترض فيه أن يطأطئ رأسه الفارغ الذي أصبح مرتعا للأفكار التّافهة.. لكنّه يأبى إلا أن يتشبّع بما لم يعط ويرفع عقيرته بجهالته، وربّما يصل به الأمر إلى حدّ التطاول على الخالق ودينه ورسوله، ليثبت أنّه متحرّر وصاحب فكر هارب! نعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن الضّلالة بعد الهدى.

من المهمّ أن يحصّن العبد المؤمن نفسه ضدّ الشّبهات التي تثار على دين الله الحقّ، بكثرة الاطّلاع في المصادر المتخصّصة في الردّ على الشّبهات، والاجتهاد في معرفة دلائل أحقية الإسلام وبطلان ما سواه، لكنّ هذا وحده لا يكفي، بل لا بدّ قبل هذا من خروج العبد من حوله وقوته إلى حول الله وقوته، ومن إدامته اللّجوء إلى الله وسؤاله الثّبات، ولا بدّ من الحرص على رصيدٍ من الأعمال الصّالحة يكون بعد حفظ الله حصنا للعبد من الارتكاس في الضّلال بعد الهدى، يقول المولى سبحانه: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب)).


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة