فضاءات بشار

بشار

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1579.48
إعلانات


فضائــل شهــر شعبــان

فضائــل شهــر شعبــان

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبي سَلَمَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: (سَأَلْتُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا)، ومعنى يصوم شعبان كلّه: أي أكثره، والعرب تُطلق الكلّ على الأكثر.
هذا حديث صحيح، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الصيام، باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان، واستحباب أن لا يُخلي شهراً عن صوم.
لقد أظلَّنا شهر شعبان، وأَهَلَّ ببركاته ونفحاته، تمهيدًا وتوطئة لشهر رمضان المبارك، فشهر شعبان حافلٌ بالذكريات الإسلامية العظيمة، فهو الشهر الذي انتصر فيه الرسول – صلّى الله عليه وسلّم – في غزوة بني المصطلق، وفيه تزوّج رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – حفصة بنت عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما-، كما فرض الله فيه صيام شهر رمضان المبارك في السنة الثانية من الهجرة، ولكن أبرز حدثٍ في هذا الشهر المبارك هو تحويل القبلة من المسجد الأقصى ببيت المقدس إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة.
وشهر شعبان يقع بين شهرين عظيمين، هما: رجب ورمضان، فقد وَدَّعنا قبل أيام شهر رجب الذي شهد حادثة الإسراء والمعراج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كما نعيش الآن أياماً مباركة في ظلال شهر شعبان الذي شهد تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، كما أن شهر شعبان هو الشهر الذي يستعدّ فيه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لاستقبال شهر رمضان شهر الخير والبركة، بكثرة الصيام والطاعات والقُربات.
شهر شعبـان …وتحويل القبلة
إنّ شهر شعبان حافلٌ بالذكريات الإسلامية العظيمة، وفي مقدمتها تحويل القبلة من المسجد الأقصى المبارك بالقدس إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة، فقد مكث رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وهو يستقبل بيت المقدس، كما جاء في الحديث الشريف عن البراء بن عازب-رضي الله عنه-قال: (صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ)، وكان رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم – يتمنى أن يأذن الله له في تحويل القبلة إلى الكعبة، ويقلّب وجهه في السماء ترقُّباً لنزول الوحي بذلك وتضرُّعاً إلى الله عزَّ وجلَّ، فنزلت:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، فَصُرِف إلى الكعبة، وفي هذا تكريم من الله سبحانه وتعالى لرسوله– صلّى الله عليه وسلّم– واستجابة له.
فضل ليلة النصف من شعبان
لقد بيّن لنا رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – فضل أوقات معينة، منها شهر شعبان عموماً وليلة النصف منه بخصوصها، لأسباب صرَّح بها ومنافع دعا إلى اكتسابها، فليلة النصف من شعبان ليلة مباركة جليلة، يتجلَّى الله سبحانه وتعالى فيها على عباده بالرحمة والمغفرة.
ففي هذه الليلة يُستجاب الدعاء، وَتَعُمّ المغفرة، وتهبط الملائكة على أهل الأرض بالرحمة، ولله فيها عتقاء كثيرون من النار، حيث ينظر الله سبحانه وتعالى إلى عباده، فيغفر للمستغفرين، ويتجاوز عن سيئات التائبين، ويجيب دعوة المضطرين الصادقين المخلصين.
ومن المعلوم أنّ الله عزَّ وجلَّ يعفو عن عباده في هذه الليلة المباركة الطيبة، ولا يُحْرَم من عفو الله ورحمته إلا الذين هم على الخطايا مُصِرُّون، كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (إنَّ اللهَ لَيطَّلِعُ في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ، فيَغفِرُ لجميع خلْقِهِ، إلا لِمُشْركٍ أو مُشاحِنٍ)، أما المشرك: فلقوله تعالى:{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}، وأما المشاحن: فهو الذي تكون بينه وبين أخيه المسلم شحناء وخصومة، كما جاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا).
أُحِبّ أن يُرفع عملي وأنا صائم
مِنْ خصائص شهر شعبان أنه شهر تُرفع فيه الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى؛ لذلك كان رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم– يُكثر الصيام فيه، كما جاء في الحديث عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟! قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَب وَرَمَضَانَ؛ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)، وعند دراستنا لهذا الحديث يتبين لنا أنّ حكمة تخصيص الرسول–صلّى الله عليه وسلّم– شهر شعبان بكثرة الصيام تتلخص في أمرين:
– الأمر الأول: فهو شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وفيه دلالة واضحة على فضيلة العمل في وقت غفلة الناس؛ لأنه أشقّ على النفوس، ومن المعلوم أنّ العبادة في هذه الأوقات أكثر ثواباً، ولذا كان لصلاة الليل وهي في وقت الغفلة ونوم الناس أكبر الأثر وعظيم الثواب، كما في قوله سبحانه وتعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
– الأمر الثاني: أنه شهر تُرفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، ورسولنا –صلّى الله عليه وسلّم – يُحبُّ أن يُرفع عمله وهو صائم.
تحويل القبلة….ووحدة الأمة الإسلامية
من الواجب على المسلمين أن يتعلّموا من وحدة القبلة وحدة الأمة الإسلامية، فأمتنا العربية والإسلامية اليوم أحوج ما تكون إلى الوحدة ورصّ الصفوف في ظلّ الظروف القاسية التي يَمرُّ بها العالم اليوم، هذا العالم الذي لا مكان فيه للضعفاء ولا للمتفرقين.
ويتجلّى في توحيد القبلة الأثر الواضح في وحدة المسلمين، فمهما تباعدت أقطارهم ودولهم واختلفت أجناسهم وألوانهم يتجهون إلى قبلة واحدة، فتتوحد عواطفهم ومشاعرهم ويستشعرون الانتماء الروحي والديني والعاطفي في اتجاههم إلى أقدس بقعة وأشرف مكان اختاره الله سبحانه وتعالى بيتاً له، وأمر بإقامته والطواف حوله والاتجاه إليه في كل صلاة.
إنّ ديننا الإسلامي الحنيف يُرْشدنا إلى أهمية الاتحاد واجتماع الكلمة ليرقى بذلك أن يكون أصلاً من أصول الدين، وأمراً ربانيا ًتضمّنه القرآن الكريم، وتأكيداً نبوياً فيما لا يُحصى من الأحاديث الصحيحة الصريحة، وتطبيقاً عملياً لحياة الصحابة والتابعين –رضي الله عنهم أجمعين-، بينما نجد واقع المسلمين اليوم يُنبئ عن قدرٍ كبير من الاختلاف والتباعد.
عجيب أمر المسلمين!! إلههم واحد، ورسولهم واحد، وقرآنهم واحد، وقبلتهم واحدة، ومع ذلك فهم دول مُمَزّقة وشعوب مُتَفَرّقة، مع أنّ الإسلام يدعوهم إلى الوحدة في صراحة واضحة لا تحتاج إلى تفسير ولا إلى تأويل، كما في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}.
ما أحوج أمتنا العربية والإسلامية إلى الوحدة والتَّرَفُّع عن الأحقاد، وطيّ صفحات الماضي المؤلمة، وأن نفتح جميعاً صفحة جديدة من المحبة والإخاء، ففي ظلّ التعاليم القرآنية والسُّنَّة النبوية الشريفة تعيش البشرية حياة الأمن والخير والسعادة .
اللهم بارك لنا في شعبان، وبلِّغنا رمضان
هذا هو شهر شعبان بنفحاته الطيبة وبركاته العديدة ومآثره الباقية، فهو توطئة لشهر رمضان المبارك، فعلينا أن نتهيأ فيه لاستقبال سَيِّد الشهور بكثرة الطاعات وكثرة الصيام والتوبة والاستغفار والبُعْد عن المعاصي والآثام، لذلك يجب على المسلمين جميعاً أن يجعلوا شهر شعبان فاتحة خيرٍ يُقبلون فيه على الطاعات والقُربات، من صلاة وصيام وقيام وتلاوة للقرآن والاستغفار، والبُعْد عن المعاصي والآثام، وفعلٍ للخيرات ومساعدة للضعفاء، وصفحٍ عن المُسيئين، ونعمل جاهدين على أن يكون شهر شعبان فرصة لنا جميعاً للتوبة الصادقة.
اللهم بارك لنا في شعبان، وبلِّغنا رمضان، واحفظ شعبنا ومقدساتنا وأمتنا من كلّ سوء
وصلّى الله على سيّدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

المحرر الأثنين 16 شعبان 1442? 29-3-2021م

د. يوسف جمعة سلامة*/

* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق
www.yousefsalama.com


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة