فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 2946.93
إعلانات


هل في بيتك بابٌ إلى الجنّة؟ سلطان بركاني يكتب

هل في بيتك بابٌ إلى الجنّة؟

سلطان بركاني

ح.م

2021/01/03

روى لي أحد إخواني الأفاضل قصّة رجل من ولاية بسكرة، من أنجح وأنبل التجار هناك.. تجارته في الفريك، يبيع ما لا يبيعه عشرات التجار مجتمعين. ليس لجودة سلعته وأمانته فحسب، إنّما لسرّ آخر نكتشفه بعد أن نعلم أنّ هذا التاجر، ولكثرة إقبال الزّبائن عليه، قرّر أن يغلق محلّه بعد منتصف النّهار، ليترك لإخوانه التجار فرصة البيع في المساء!

سرّ هذه البركة التي حظي بها هذا التّاجر، أنّ أمّه مرضت مرضا شديدا، فتفرّغ لخدمتها وسهر وتعب كثيرا حتى امتنّ الله عليها بالشفاء، فشكرته على ما فعل لأجلها، ودعت الله له أن يفتح له أبواب الرّزق.. فاستجاب الله دعاءها، وألقى البركة في رزق ابنها، فكان من أمره ما سبق ذكره.

باب البرّ بالوالدين

من رحمة الله بعباده المؤمنين، أنّه يتفضّل على كلّ عبد منهم بأن يمنحه فرصة بين يديه، فينصب له في بيته بابا إلى سعادة الدّنيا والآخرة؛ فإن هو فتح الباب ودخل، أفلح ونجح، وإن أبى إلا أن يترك الباب مغلقا أو يوصده بالأقفال، خاب وخسر.. ولعلّ من أعظم وأوسع الأبواب التي سخّرها الله لكثير من عباده المؤمنين، باب برّ الوالدين والإحسان إليهما والشّفقة عليهما.. باب واسع بعده سعادة وتوفيق ونجاح في الدّنيا، وفلاح وفوز في الآخرة.. يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف؛ مَنْ أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة” (أخرجه مسلم).

عودا إلى قصّة التاجر التي بدأنا بها حديثنا؛ هذا التّاجر سخّر الله له أمّه لتكون سببا لخير عظيم يُفتح عليه،؛ مرضت مرضا عصيبا، وكان يمكن أن يرخي سمعه لنزغات الشيطان، فيقول في نفسه كما يقول كثير من الأبناء العاقين الذين لا يدركون حكمة الله في تدبير شؤون خلقه وفي سَوق فضله ورحمته إلى عباده، كان يمكن أن يقول: لماذا أنا؟ لماذا لم يكن مرض أمّي في بيت أحد إخوتي الآخرين؟ لقد عطّلني مرضها عن عملي وكسب رزقي، وحرمني النّوم.. لكنّه غلب نفسه، ونظر إلى أمّه على أنّها باب من أبواب الجنّة سُخّر له، وما بقي له إلا أن يفتح الباب ويدخل.. ففاز بدعوة خرجت من قلب أمّه قبل أن تتحرّك بها شفتاها، هي خير له من الدّنيا وفيها، لعلّ الله يكتب له بها رضاه، بعد أن أسعده بها في الدّنيا بما حباه، فأصبح التّاجرَ الذي يتدافع الزّبائن لاقتناء بضاعته، ويجني وافر الأرباح.

نعم، أخي المؤمن.. إنّها فرصة العمر، عندما يطيل الله في عمر والديك أو أحدِهما، حتى تبلغ سنّ الكسب. فرصة العمر لتظفر بجنّة الدّنيا وجنّة الآخرة.. تعتني بأمّك أو أبيك أو بهما معا، فتذلّ لهما نفسك وتسخّر مالك وجهدك لخدمتهما، وتتفقّد حاجاتهما وترحم ضعفهما وتكون طوع أمرهما ورهن إشارتهما.. هو عمل، عند الحديث عنه، سهل يسير، لكنّه في الواقع يحتاج إلى مجاهدة للنّفس وصبر، وإخزاء للشّيطان الذي يبغّض إلى الابن البرّ بأمّه ويصوّرها له في صورة العجوز التي لا فائدة منها، ويقبّح له كلّ قول تقوله وكلّ فعل تفعله، وربّما يصل بالابن إلى درجةِ أن لا يحبّ سماع كلمة لأمّه أو طلب لأبيه! خاصّة إذا ثقل سمع الأب، وأصبح الابن يضطرّ إلى إعادة الكلام أكثر من مرّة، أو ضعف بصر الأمّ، وأصبحت في حاجة إلى من يأخذ بيدها في وقوفها ودخولها وخروجها، فيكون البرّ حينها مرتقى صعبا على النّفس الأمّارة بالسّوء.

من السّهل أن تكون حسَن المعاملة لأبيك عندما يكون في كامل صحته، ويكون عنده راتب يكفيه أو يزيد، ومن اليسير أن تكون بارا بأمك تقبّل رأسها وحتى رجليها عندما تكون في صحة جيدة، ويكون لها مدخول تطمع في شيء منه.. من السّهل أن تكون محسنا إلى أبيك بارا بأمّك عندما تكون أعزب.. لكنّه يكون من العسير أن تبقى بارا بأمّك عندما تكبر المسكينة وتمرض، خاصّة إذا كان مرضها مزمنا يقعدها، كيف لو ثقل سمعها وبصرها! كيف لو ارتعشت يداها وأصبحت تسكب الطّعام على ثيابها، وربما تقضي حاجتها في ثيابها.. عندها تعرف قيمة البرّ بالوالدين.. خاصّة إن كنت متزوجا وكان عندك أبناء.. ستجد كلّ السّهولة في تحمّل أخطاء أبنائك وتحمّل شقوتهم وعبثهم، وستنظر إليهم بفرح عندما يوسّخون ثيابهم بالطّعام وحتى بالنجاسة.. وربّما لا تملّ من طلبات زوجتك وأبنائك.. لكنّك تملّ من إعادة الحديث لأبيك الذي ثقل سمعه، وتملّ من تقديم الطّعام والماء لأمّك إذا ضعف بصرها، وتملّ من مراقبة خطواتها.

ستدرك أنّ برّ الوالدين ليس عملا سهلا عندما تصغي لنزغات الشّيطان وتركن إلى نفسك الأمّارة بالسّوء، لكنّه يكون سهلا حينما تقرع الشّيطان بقول الله تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)).. وتزع نفسك بقول الحقّ سبحانه: ((وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير* وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون)).

باب كفالة اليتامى

ومن أبواب الجنّة التي يمكن أن تُسخّر للعبد المؤمن في بيته، كذلك، كفالة اليتامى، سواءٌ كان اليتامى له من زوجته المتوفاة، أو كانوا لغيره؛ كأن يكونوا إخوة صغارا يتامى تركهم أبوه من خلفه، أو أخوات ضعيفات لم يبق لهنّ بعد وفاة والدهنّ غير أخيهنّ، وقد يكون اليتامى في بيت آخر، في حجر أرملة مسكينة، قريبة أو بعيدة، تنتظر صدقات المحسنين لتطعم فراخها.. يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: “كافل اليتيم، له أو لغيرهِ، أنا وهو كهاتين في الجنَّة”، وأشار بالسبابة والوسطى، ويقول أيضا: “من عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختين أو ثلاثًا، حتّى يَبنَّ (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموت عنهنّ، كنت أنا وهو في الجنّة كهاتين”، وأشار بأصبعه الوسطى والتي تليها (رواه ابن ماجه).

فرصة عظيمة، لا تقدّر بثمن، لمن امتنّ الله عليه وألجأ إليه إخوة يتامى صغارا، أو أخوات يتيمات ضعيفات.. باب الجنّة أمامه، وما عليه إلا أن يفتح الباب ويدخل.. يتقي الله في نفسه ويخزي شيطانه.. لا يسمع لنزغات نفسه، وإن كانت زوجته، من أهل الدنيا، وتريد أن تستأثر بكلّ شيء وتكون وحدها لزوجها، فلا ينبغي أبدا أن يرضخ لكلامها إن هي أرادت أن تفتن بينه وبين إخوته اليتامى أو أخواته اليتيمات، لأنّها بذلك تغلق باب الجنّة في وجهه.. الزّوج الصّالح اللّبيب يطيّب خاطر زوجته ويحسن إليها، لكنّه لا يسمع كلامها إن هي أرادت أن تبعده عن إخوته اليتامى أو أخواته اليتيمات.. سعادة الدّنيا والآخرة بين يديه وفي حجره، فلا ينبغي له أن يفرّط فيها لأجل دنانير يبخل بها عن أخواته اليتيمات أو كلمات طيّبة يسمعنها منه.

حرام هذا الذي نسمع عنه ونراه في مجتمعنا المسلم؛ يتامى صغار يتخلّى عنهم إخوتهم وأعمامهم؛ كلٌّ يقول: لماذا أنا وليس الآخرون؟! يتيمات لا يستطعن حيلة، يتركهنّ إخوتهنّ يعانين الفقر والحرمان.. تجد الإخوة يتمتّعون بالأموال التي ربّما يكون جلّها من الميراث الذي يستأثرون به! ويوسّعون في المساكن ويبدلّون السيارات والهواتف، وأخواتهم اليتيمات يتجرّعن الغصص والحسرات، ويبكين تنكّر إخوتهنّ؛ هذا منشغل بنفسه وتجارته، وذاك بزوجته وأبنائه، ولا أحد منهم يسأل عن أخواته اليتيمات وعن حاجاتهنّ، حتى ربّما تضطرّ الأخوات اليتيمات ليتكفّفن عند النّاس لقمة العيش.

تجد الأخ يملك تجارة لا بأس بها ويحقّق أرباحا تكفيه وتكفي أسرته وتزيد، أو يتقاضى راتبا محترما، وله أخوات يتيمات ضعيفات، لا يجدن ضروريات العيش. تجده يحمل إلى زوجته وأبنائه من كلّ ما لذّ وطاب، بينما يبخل عن أخواته اليتيمات بالسّميد والسّكر والحليب. وربّما يبخل عنهنّ بدفع مستحقّات الكهرباء والغاز، ويتركهنّ في البرد والظّلام.. وربّما يسمع شكاوى زوجته صباحا ومساءً: أختك فلانة قالت وقالت، وأختك علانة فعلت وفعلت؛ فيمتلئ قلبه حقدا على أخواته اليتيمات فيهجرهنّ ويقطع عنهنّ الكهرباء والغاز والخبز والحليب، ويتركهنّ يعانين ما الله به عليم.

لماذا نستسلم بكلّ سهولة لأنفسنا الأمّارة بالسّوء؟ لماذا نبخل عن أنفسنا بفتح أبواب الجنّة التي تسخّر لنا؟ لماذا نبخل عن أنفسنا بالبركة؟ ألا يعلم من حرم أخواته اليتيمات الميراث، ألا يعلم من ترك أخواته اليتيمات للفقر والمعاناة، أنّه طرد البركة عن بيته وعن زوجته وأولاده، وأنّه جلب لنفسه الهموم والغموم والضّيق والأحزان؟ لماذا تصرّ بعض الزّوجات هداهنّ الله على أن يأخذن بأيدي أزواجهنّ إلى النّار؛ حين تحرّض الواحدة منهنّ زوجها على قطيعة إخوته اليتامى أو إهمال أخواته اليتيمات، وتسعى بالنميمة بين زوجها وبين إخوته وأخواته، وهي تعلم أنّه ليس لليتيمات بعد الله غير أخيهنّ؟ لماذا يطيع الزّوج زوجته ويعصي الله في أخواته اليتيمات؟ الزّوجة العاقلة التي تحبّ زوجها حقيقة، هي من تأخذ بيته ليفتح أبواب الجنّة، وليست التي تصرّ على أن تدخل وإياه من أبواب النّار.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة