فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1619.56
إعلانات


أ. عبد الحميد عبدوس / ...مجـــازر الثــامـــن مـــــاي 1945 … مازال قانون تجريم الاستعمار الفرنسي معطــــلا !

مجـــازر الثــامـــن مـــــاي 1945 … مازال قانون تجريم الاستعمار الفرنسي معطــــلا !

المحرر الأربعاء 20 رمضان 1441? 13-5-2020م

أ. عبد الحميد عبدوس /

رغم أن مظاهر إحياء ذكرى مجازر الثامن ماي 1945 في هذا العام، كانت أقل بروزا على المستوى الاحتفالي والاستعراضي من السنوات السابقة ،بسبب ما فرضته جائحة كورونا من الحد من تنظيم التظاهرات الرسمية والشعبية ،إلا أن احياء الذكرى الخامسة والسبعين كانت أكثر فاعلية من الناحية الرمزية في ترسيخ هذه المحطة التاريخية في الذاكرة الوطنية ، فقد اتخذ رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون قرارا يندرج في إطار تحصين تاريخ مقاومة الشعب الجزائري و إعادة الاعتبار لتضحيات الشعب الجزائري ،وذلك بإصدار قرار يعتبر الثامن ماي من كلّ سنة، يومًا وطنيا للذاكرة. وهذا القرار يؤشر على مدى الاتجاه الجديد في التعامل مع قضايا التاريخ الوطني منذ سقوط حكم العصابة في الثاني أفريل 2019 بعد أن جثمت على صدر الجزائر طوال عشرين سنة كاملة.
ففي السنة الماضية(2019) ، وبمناسبة إحياء الذكرى الرابعة والسبعين لمجار الثامن ماي 1945 ، عاد بعض نواب البرلمان وممثلو الطبقة السياسية إلى المطالبة بإعادة طرح وتفعيل قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، الذي تم وأده بسبب ضغوط السلطات الفرنسية وتواطؤ عصابة النفوذ الفرنسي في الجزائر تحت حكم الرئيس المقال عبد العزيز بوتفليقة، حيث قام كل من رئيسي المجلس الشعبي الوطني الاسبقين عمار سعداني، وعبد العزيز زياري بتجميد مشروع قانون تجريم الاستعمار وسحبه من جدول أعمال المجلس بعد حصول المشروع على الأغلبية اللازمة لإقراره وإصداره في شكل قانون ملزم للدولة الجزائرية.
والمعروف أن نفوذ اللوبي الفرنسي تعاظم داخل الدولة الجزائرية من بداية فترة تسعينيات القرن الماضي إلى حين سقوط نظام بوتفليقة، و لذلك كان وزير الخارجية الفرنسي الأسبق بيرنارد كوشنر على سبيل المثال، يستبق نتيجة مناقشة مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي والبرلمان الجزائري وهو ويصرح بكل ثقة ،حتى قبل نهاية النقاش بأن الحكومة الجزائرية لن توافق على إصدار قانون تجريم الاستعمار رغم أن مسعى استصدار القانون من المجلس الشعبي الوطني كان يحظى بدعم أغلبية النواب وبتأييد وحماس شعبي كبيرين، ولكن بعد أيام قلائل من تصريح وزير الخارجية الفرنسي بيرنارد كوشنر ، أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني عبد العزيز زياري في سبتمبر 2010أن: « مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي لن يكون مطروحا على البرلمان خلال دورته الجارية ولا الدورة القادمة وذلك لاعتبارات دبلوماسية وقانونية». وجمد مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي طوال فترة حكم الرئيسين الفرنسيين السابقين، نيكولا ساركوزي، وفرانسوا هولاند.
لقد ظهر بصيص أمل في إمكانية التوصل إلى معالجة منصفة لملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا مع وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قصر الرئاسة في فرنسا ،خصوصا بعدما صرح خلال زيارته للجزائر في شهر فيفري 2017 بصفته مترشحا لانتخابات الرئاسة الفرنسية بأن ما قامت به فرنسا في الجزائر ”هو شكل من جرائم ضد الإنسانية وأن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي، إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية» ، ولكن بعد ستة أشهر من انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا لفرنسا لحس كلامه بلا خجل ولا وجل، وصرح في نهاية نوفمبر 2017، في بوركينافاسو أن: « فرنسا اليوم لا تتحمل استعمار الأمس» لقد تجرأ الرئيس الفرنسي على اتخاذ هذا الموقف المخزي من الماضي الاستعماري الفرنسي للجزائر بسبب معرفته بحقيقة رد فعل جماعة بوتفليقة المستهتر بكرامة الشعب وسيادته.
جريمة الثامن ماي 1945 لم تكن معزولة أو متفردة في سجل الهمجية الفرنسية في الجزائر، بل كانت مخططة ومتعمدة، فغداة مظاهرة الثامن ماي 1945م أعطى حاكم فرنسا الاستعمارية الجنرال شارل ديغول أوامره الصارمة لقوات الاحتلال في الجزائر بالقول:” استعيدوا النظام“! فتصدت قوات الاحتلال الفرنسي للمتظاهرين العزل بنيران الدبابات والطائرات والمدافع والرشاشات، وجندت قواتها البرية والبحرية والجوية لارتكاب مذابح بشعة راح ضحيتها أزيد من 45 ألف شهيد، ولم يكتف المحتل الفرنسي بالتقتيل والترويع للمدنيين المتظاهرين، ولكنه قام أيضا بحل الحركات الوطنية والأحزاب السياسية الجزائرية وزج بزعماء تلك الحركات في السجون مع إعلان الأحكام العرفية في كافة البلاد وإلقاء القبض على آلاف المواطنين، وإيداعهم المعتقلات بحجة أنهم خارجون عن القانون وإصدار في حقهم أحكاما بالإعدام والسجن المؤبد والنفي خارج الوطن والحرمان من الحقوق المدنية. وللمفارقة إن كل هذه الأعمال التي تفوق في وحشيتها الممارسات النازية كانت بأمر مباشر من بطل تحرير فرنسا الجنرال ديغول، حيث قامت الحكومة العامة الفرنسية في 12 ماي1945م بالإبلاغ عن برقية أرسلها ديغول مؤكدا فيها: “رغبة فرنسا المنتصرة في عدم السماح بالمساس بسيادة فرنسا بالجزائر”، وطالب باتخاذ الإجراءات اللازمة لقمع كل السلوكات المعادية لفرنسا والتي تقوم بها أقلية من المحرضين حسب قوله؛ وبعد هذه المجزرة التاريخية للجزائريين المنتفضين سلميا في 8 ماي 1945م أبرق الحاكم العام الفرنسي في الجزائر لقائده الجنرال ديغول يقول له:” إن العرب خضعوا بعد إبادتهم”. وذكرت الكاتبة فرانسيس ديساني أن السفير الأمـريكي في القاهرة بانكنـي توك أخبر رئيس الجامعة العربية عزام باشا بأن هناك «45 ألف جزائري» قتلهم الفرنسيون في مظاهرات 8 ماي 1945م، مما أغضب الجنرال ديغول من هذا التصريح باعتبار ما قامت به فرنسا في الجزائر « قضية داخلية».
كان يجب انتظار عام 2011م، أي بعد مرور 66 سنة على جريمة فرنسا في 8 ماي 1945م، حتى بدأت بعض تصريحات المسؤولين الفرنسيين تشير على مضض إلى بشاعة ما اقترفته فرنسا المحتلة في حق الشعب الجزائري على غرار ما صرح به السفير الفرنسي بالجزائر -آنذاك – كزافييه دريانكور، بأن فرنسا لم تتنكر أبدا لمسؤوليتها تجاه بعض الأحداث المؤلمة التي وقعت خلال فترة الاستعمار، ولكنه أضاف حول ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها في مجازر 8 ماي 1945م متهربا من السؤال بالقول:” أتركوا بعض الأشياء للوقت… الوقت سيتكفل بها”.
وفي ديسمبر 2012م اعترف فرنسوا هولاند بـ: «العذاب الّذي تسبّب فيه الاحتلال» للجزائريين، وندّد بـ: «النظام الظالم والوحشي للغاية». ولكن رغم صدور العديد من الشهادات والاعترافات من جنود وضباط فرنسيين كانوا شهودا على الحدث أو مشاركين فيه، ومع توفر الوثائق الدامغة والحقائق التاريخية الساطعة عن مسؤولية الدولة الفرنسية عن ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بصورة مخططة وممنهجة ضد المدنيين الجزائريين، فإن رفض الاعتراف بالجرائم وتقديم الاعتذار والتعويضات اللازمة للضحايا كان بسبب اطمئنان السلطات الفرنسية على أن عملاءها ووكلاءها في الجزائر يؤيدون لعبة الخداع والتضليل التي يلعبها أسيادهم في فرنسا بخصوص ملف الذاكرة مع الجزائر التي عبر عنها المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا بالقول في أحد حواراته الصحفية:» إن هناك خطابين (عند الرسميين الفرنسيين) الأول يخص السياسة الخارجية، ويتضمن خطوات لبناء اعتراف؛ والثاني داخلي موجه إلى زبائن عدد الناخبين، يراعي وجود حساسيات تجاه كل ما هو اعتراف واعتذار بما وقع في الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي».
وإذا كان تغير الحكام في فرنسا لم يغير من طبيعة استهتارهم بحق الجزائر في الحصول على اعتراف واعتذار عن الجرائم التاريخية التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي طوال 132سنة، فقد أن الأوان للسلطات الجزائرية أن تعيد ترتيب أولياتها الوطنية والتاريخية مع فرنسا التي مازالت لم تنه حربها ضد الجزائر .


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة