تميم بن جميل السدوسي و المعتصم
تميم بن جميل السدوسي و المعتصم
كان تميم بن جميل السدوسي قد خرج (1) بشاطئ الفرات و اجتمع إليه كثير من الأعراب ، فعظم أمره ، وبعد ذكره ، فكتب المعتصم إلى مالك بن طوق في النهوض إليه ، فبدد جمعه و ظفر به وحمله موثقا إلى المعتصم . قال أحمد بن أبي داوود ما رأينا رجلا عاين الموت فما هاله و لا أذهله عما كان يجب عليه أن يفعله الا تميم بن جميل ، فانه أوفى به الرسول باب أمير المؤمنين المعتصم في يوم الموكب حين يجلس للعامة ، ودخل عليه ، فلما مثل بين يديه ، دعا بالنطع (2) و السيف فأحضرا ، فجعل تميم بن جميل ينظر إليهما و لا يقول شيئا ، وجعل المعتصم يصعد النظر فيه وكان جسيما وسيما ، ورأى أن يستنطقه ، لينظر أين جنانه ولسانه من منظره ، فقال : يا تميم ، إن كان لك عذر فات به ، أو حجة فأدل بها . فقال : أما وقد أذن لي أمير المؤمنين ، فاني أقول : الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء معين ، جبر بك صدع الدين ، ولمّ بك شعث (3)المسلمين و أوضح بك سبل الحق ، وأخمد بك شهاب الباطل ، يا أمير المؤمنين ، إن الذنوب تخرس الألسنة الفصيحة ، و تعيي الأفئدة الصحيحة ، ولقد عظمت الجريرة ، و انقطعت الحجة ، و كبر الذنب ، و ساء الظن ، ولم يبق إلا عفوك ، أو انتقامك ، و أرجو أن يكون أقربهما مني و أسرعهما إلى أولاهما بامتنانك ، و أشبههما بخلافتك ث/ أنشأ يقول :
أرى الموت بين السيف و النطع كامنا...
يلاحظني من حيثمــــا أتلفت
وأكبر ظني أنك اليوم قاتــــــــــــلي ...
وأي امرئ مما قضى الله يفلت
ومن ذا الذي يدلي بعــــــذر و حجة...
وسيف المنايا بين عينيه مصلت
وما جزعي من أن أموت وإنني ...
لأعلم أن الموت شيء مؤقت
ولكن خلفي صيية قد تركتهم ...
و أكبادهم من حسرة تتفتت
كأني أراهم حين أنعى إليهم ...
وقد خمشوا تلك الوجوه و صوتوا
فان عشت، عاشوا خافضين بغبطة
أذود الردى عنهم ، وان مت موتوا
فكم قائل , لا أبعد الله داره ....
و آخر جذلان ، يسر و يشمت
فتبسم المعتصم وقال : كاد والله يا تميم أن يسبق السيف العذل ، فقد غفرنا لك الصبوة ، ووهبناك للصبية ، ثم أمر بفك قيوده و خلع عليه ، وعقد له بشاطئ الفرات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- خرج على السلطان : أي ثار عليه
2- النطع : البساط الذي يوضع عليه المحكوم بالإعدام
3- لم شعث المسلمين أي جمعهم بعد تفرق