فضاءات تيموليلت

تيموليلت

فضاء الأخبار والمستجدات

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـجماعة
باخشى ولعيد
مسجــل منــــذ: 2013-10-20
مجموع النقط: 152.14
إعلانات


السلطان لكحل مع مول البركي في الحكاية الشعبية

الآن وقد استعرضنا مجمل تاريخ الدولة السعدية ، وما كان بين الإخوة والأعمام من منافرات وصراعات حول السلطة والحكم، لابد أن نطرح السؤال حول من: من بين أمراء الدولة السعدية يمكن أن يكون هو السلطان الأكحل الذي تحدثت عنه الحكايات الشعبية، هل هو محمد الشيخ الذي تولى الحكم بعد أن أزاح أخاه أحمد الأعرج وامتحن أرباب الزوايا وطالبهم بخزائن بني مرين، بل وأخرج أبي محمد عبدالله الكوش من زاويته، ورحله إلى فاس حيث مات ودفن هناك؟ أما هو الغالب بالله الذي كان ، كما تقول الرواية تواقا إلى سفك الدماء ، بل قتل ثلاثة من إخوته، وفر الباقون إلى الجزائر، وأوصى بالخلافة لابنه محمد المتوكل ، رغم مخالفة ذلك لتراتبية الخلافة عند السعديين حيث يتولاها الأكبر سنا كما حدد ذلك مؤسس الدولة الأول المولى محمد القائم بأمر الله؟ أم هو محمد المتوكل الذي حكي عنه بأنه كان متكبرا تياها غير مبال بأحد ولا متوقفا فيالدماءعسوفا على الرعية..."[30]،وجاءذكره مرتبطا بهذه الصفة عند منويل كما نقل ذلك الناصري في الاستقصا؟، " ... قال لما استولى عبد الملك السعدي المدعو عند أهل المغرب بمولاي ملوك على ملك المغرب، وطرد ابن أخيه مولاي محمد المعروف بالأكحل يعني المسلوخ..."[31].ولكن قبل ذلك، نعرج على الأثر المكتوب، حديثا، لقصة السلطان الأكحل مع السلطان سيدي عبدالرحمن مول البركي، والمتمثل في ما ورد عند (Antona ) ، حيث يقول : "...فالسلطان الأسود، تلك الشخصية الغامضة التي نجدها دائما مذكورة عبر الأساطير، جاء يوما إلى قبيلة الولي الصالح، وكان يريد أن يقوم بقياس مقدار سلطته على السكان. وعندها دارت باب الضريح للولي مول البركي متوجهة نحو الغرب، فما هي إلا لحظات حتى وجد المهاجمون أنفسهم محاطين بسحابة من النحل فألزمتهم التراجع..."[32] . غير أن القول بأن هذه الشخصية أسطورية، أمر فيه نظر، إذ تؤكد كل الوقائع التاريخية بأن المقصود بهذا اللقب هو أبو عبد الله محمد المتوكل السعدي[33]. ولا يختلف اثنان، من كون الدولة السعدية قامت على أكتاف الزوايا والعلماء والمجاهدين من الأشراف، من مريدي الإمام محمد بن سليمان الجزولي[34]. وكان من جملة أهدافها القضاء على الوطاسيين وإجلاء البرتغاليين عن الثغور المغربية المحتلة، كأسفي، و أزمور، و أكادير وغيرها، وقد تم لها ذلك فتوطدت أركانها بمختلف ربوع المغرب، وتمكنت من قهر البرتغاليين، و الاسبان، والتملص، إلى حد ما، من الأتراك، وذلك بفعل الدور الذي لعبته الزوايا والعلماء والأشراف، في حض الناس على الرجوع إلى ينابيع الإسلام الصافية، ومكافحة أهواء النفس وكبح جماحها، والجهاد ضد الغزاة المحتلين، برا وبحرا. إلا أن العلاقة بين المخزن السعدي والزوايا، لم تكن دائما على ما يرام، إذ يحفظ لنا التاريخ المغربي كثيرا من الصراعات والخلافات ، بل والصدامات بين ملوك الدولة السعدية والعلماء وأرباب الزوايا، من ذلك ما قام به الخليفة أبي عبدالله الشيخ من امتحان للزوايا ، مما نجده مفصلا في كتاب الاستقصا للناصري، حيث يقول : "...امتحان السلطان أبي عبد الله الشيخ أرباب الزوايا والمنتسبين والسبب في ذلك . لما كانت سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، أمر السلطان أبو عبد الله الشيخ بامتحان أرباب الزوايا والمتصدرين للمشيخة خوفا على ملكه منهم لما كان للعامة فيهم من الاعتقاد والمحبة والوقوف عند إشاراتهم، والتعبد بما يتأولونه من عباراتهم، ألا ترى أن بيعة والده أبي عبد الله القائم لم تنعقد إلا بهم، ولا ولج بيت الملك إلا من بابهم، فامتحن جماعة منهم كالشيخ أبي محمد الكوش فأخلى زاويته بمراكش وأمر برحيله إلى فاس.

وفي الدوحة : لما امتحن السلطان أبو عبد الله الشيخ زوايا المغرب قيل: لأبي علي الحسن بن عيسى المصباحي دفين الدعادع(ة) التي على وادي مضى من عمل القصر: "... ألا تخشى من هذا السلطان؟..."، فقال: "... إنما الخشية من الله ومع هذا فالماء والقبلة لا يقدر أحد على نزعهما، والباقي متروك لمن طلبه..." . وكان السلطان المذكور يطالب أرباب الزوايا بودائع أمراء بني مرين ويتهمهم بها. وبعث خديمه يوما إلى الشيخ أبي عثمان سعيد بن أبي بكر المشترائي، دفين مكناسة، يطالبه بشيء من ذلك، فوجده جالسا بناحية زاويته يضفر الدوم، وإذا بطائر، لعله اللقلاق سلح أمامه، فما رفع أبو عثمان بصره حتى سقط الطائر ميتا متطاير الريش، فلما رأى الخديم ذلك فزع وولى هاربا. قاله: في الممتع، والله تعالى أعلم ...".[35] . قد يكون السلطان الأكحل هو أبي عبدالله الشيخ الذي امتحن الزوايا، كما رأينا سابقا، وشرد أبي محمد عبد الله الكوش[36] ، إلا أن هذا الملك لم يكن خارجا عن الشرعية، وإنما الذي دفعه إلى ذلك هو حرصه على صيانة أركان دولته من التصدع، وقد صرح بهذا السبب الناصري نفسه، حين قال: "... خوفا على ملكه منهم..." ، وهذا كما نعرف حكم قبل ألمسلوخ بسنوات عديدة، إذا وصل إلى السلطة بعد خلافه مع أخيه حول اقتسام غنائم حصن سانتكروز ، كما أشرنا إلى ذلك في موضعه، ثم أوصى بالخلافة من بعده، لابنه الغالب بالله ، ويبقى من المرجح أن المقصود بالسلطان الأكحل، هو محمد المتوكل، حيث تنص بعض الوثائق التاريخية على ذلك، كما تؤكده الوقائع والأحداث، حيث اعتبر خارجا عن الشرعية لغصبه للخلافة واستنجاده بالنصارى ضد المسلمين ، و معلوم أنه لما أكرهه عمه على الخروج من فاس ثم من مراكش ، أخد يطوف في أرجاء المغرب، يدعو لنفسه ويكره الناس على بيعته ولابد أن يصطدم أثناء ذلك بأرباب الزوايا والعلماء والأشراف والأولياء والصالحين، من ذلك ما ذكر في سيرة الولي الصالح سيدي محمد ين موسى المعروف عند العامة بأبي الشتاء[37] الخمار دفين آمركو بفشتالة، حيث تذكر الأخبار المتواترة بأن سيدي عبدالله بن حسون دفين سلا، قال للسلطان الأكحل محمد المتوكل ،ملك فاس، وكانت السنة جعفاء، لم تمطر فيها السماء ، بأن سيدي محمد بن موسى مستجاب الدعاء ، ولعل الخير يأتي على يديه فتمطر السماء، فطلبه السلطان هذا ، فلم يجب دعوته، وتعلل بانشغاله بعبادة ربه،فرحل إليه السلطان الأكحل في قبيلته، فالتقاه على ضفة نهر سبو، في مكان يسمى بالحجرة الشريفة، وصلى الشيخ بهم صلاة الاستسقاء ثم رفع أكفه بالدعاء قائلا : " ... اللهم إن السلطان الأصغر يسألك أنت السلطان الأكبر المطر لعبادك...". و ما إن أكمل الشيخ دعاءه، حتى تلبدت السماء بالغيوم وبدأت تمطر قبل أن يصل السلطان الأكحل إلى فاس, ولما انفض الجمع ورحل كل إلى حال سبيله، ذهب الشيخ أبي الشتاء إلى سيدي عبدالله بن حسون ولامه على فضح أمره لهذا السلطان، إذ يعتبر الجفاف عقابا من الله لمن حاد عن جادة الصواب، وقيل بأنه قال له : "...إن عصفورين لا يسعهما عش واحد ولا بد لأحدهما أن يغادر...".[38] وقيل بأن سيدي عبدالله بن حسون قال للشيخ أبي الشتاء : " ... إنك ضيف علينا ونحن أصحاب البلاد فنحن نغادر وأنتم تبقون...". ويؤكد ما ورد هنا في سيرة أبي الشتاء الخمار وقصته مع محمد المتوكل ، أنه طارئ على البلد وهذا ما أكده صاحب مرآة المحاسن ، وصاحب الاستقصا، من كون هذا الولي جاء من الشاوية واستقر بالمنطقة[39]، ,وأنه لم يكن راضيا عن محمد المتوكل لاغتصابه الحكم من عمه عبد الملك، ولتيهه وعجرفته، لذلك رفض القدوم إليه بفاس متعللا بالعبادة والانقطاع إلى الله تعالى، وأخفى عنه سر ولايته، ولما جاءه في مقر إقامته لام سيدي عبد الله بن حسون على فضح سره. كما تؤكد هذه الحادثة على أن محمد المتوكل هو المقصود بالسلطان الأكحل وليس أبي عبد الله الشيخ الذي امتحن أرباب الزوايا ورحل أبي محمد عبدالله الكوش من زاويته نحو فاس حيث توفي، إذ حكم المتوكل مابين سنتي 981 هـ و983 هـ ، وكانت فاس عاصمة ملكه، قبل أن يخرجه عنها عمه عبد الملك السعدي، فيلجأ إلى البرتغال ثم يموت في معركة وادي المخازن فيسلخ جلده ويحشى بالتبن ويطوف به في أرجاء البلاد، ويسمى بالسلطان الأكحل المعروف عند العامة بالمسلوخ[40]، مما بسطنا القول فيه سابقا. أما أبي عبد الله الشيخ ، فرغم أنه كان "... مولعا بتدبيرأمر الرعية مستيقظا في أموره حازما غير متوقف في سفك الدماء..." إلا أنه "... لما دخل فاسا حاول أن يتأدب بأدب أهل الحاضرة، فـ "... تأنق على يد رجل وامرأة، فأما الرجل فقاسم الزرهوني، فإنه رتب للسلطان أبي عبد الله الشيخ، هيئة السلاطين في ملابسهم، ودخولهم، وخروجهم، وآداب أصحابهم، وكيفية مثولهم بين أيديهم، وأما المرأة فالعريفة بنت خجو، فإنها علمته سيرة الملوك في منازلهم، وحالاتهم في الطعام واللباس، وعاداتهم مع النساء، وغير ذلك، فاكتسى ملك الشيخ بذلك طلاوة، وازداد في عيون العامة رونقا وحلاوة، بسبب جريانه على العوائد الحضرية،... ولم يزل السلطان أبو عبد الله الشيخ يدور على مدن المغرب وأمصاره، ويطيل الإقامة بفاس..."[41] فمن تكن هذه سيرته، لا يمكن إلا أن تحبه رعيته وأن تواليه لا أن تعاديه كما فعلت مع محمد المتوكل المسلوخ، أضف إلى ذلك أن أبا عبدالله الشيخ لم يكن في يوم من الأيام خارج الشرعية.بل على العكس من ذلك الذي كان خارجا عنها واستعان كما قلنا، بالنصارى لحرب المسلمين ، هو محمد المتوكل، وهو ما لم يغفره له العلماء والأشراف وشيوخ الطرق والصوفية وأرباب الزوايا خصوصا وأن الدولة السعدية قامت على أكتاف هؤلاء ، يقومون بالدعوة لخلفائها في أرجاء المغرب، يحثون الناس على ذلك، ويحثون على الجهاد لدحر العدو البرتغالي الذي بدأ يتغلغل في الثغور المغربية. وقد قام هؤلاء بدور كبير في كل المعارك التي خاضها السعديون ضد خصومهم في الداخل وضد المحتل. وقد شاركوا في معركة وادي المخازن الشهيرة. وقاوموا الخروج عن الشرعية ومقتضيات البيعة، ذلك الخروج المتمثل فيما قام به أبو عبد الله محمد المتوكل المسلوخ، الذي احتمى بنصارى الضفة الأخرى، وثار على عمه عبد المالك السعدي، الملك الشرعي للمغرب. وقد وجه علماء المغرب وأولياؤه إلى أبي عبد الله محمد المتوكل المعروف بالمسلوخ[42] ، والأكحل كذلك[43]، رسالة يدعونه فيها إلى الرجوع عما هو فيه، والاعتراف بشرعية ملك عمه، ولأهمية هذه الرسالة في الدلالة على شخصية السلطان الأكحل ، نوردها كاملة كما نقلها الناصري في كتابه الاستقصا:

" الحمد لله كما يجب لجلاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير أنبيائه و أرساله، و الرضى عن آله و أصحابه، الذين هجروا دين الكفر فما نصروه ولا استنصروا به، حتى أسس الله دين الإسلام بشروط صحته وكماله.

وبعد، فهذا جواب من كافة الشرفاء والعلماء والصلحاء والأجناد، من أهل المغرب وفقهم الله، لمولانا محمد بن مولانا عبد الله السعدي، عن كتابه الذي استدعاهم فيه لحكم الكتاب والسنة، واستدل بحججه الواهية المنكبة عن الصواب، قائلين له عن أول حجة صدر بها الخطاب، لو رجعت على نفسك اللوم والعتاب، لعلمت أنك المحجوج والمصاب، فقولك: خلعنا بيعتك التي التزمناها، وطوقناها أعناقنا وعقدناها، فلا والله ما كان ذلك منا عن هوى متبع ولا على سبيل خارج عن طريق الشرع مبتدع، وإنما ذلك منا على منهج الشرع وطريقه، وعلى سبيل الحق وتحقيقه، وسنشرح لك ذلك ونبينه، ونسطره لك بالأدلة الشرعية التي ترقيه وتزينه، نعم كنت سلطانا بما عقد لك والدك من البيعة، وترك لك من الأموال والعدد والحصون مما لم يتهيأ مثله لأحد من أسلافكم الكرام رضوان الله عليهم، فجاهدوا بما حصل لهم من ذلك في الله حق جهاده، حتى استخلصوا من أيدي الكفار رقاب عباد الله وحصون بلاده، وأسسوا لدين الله قواعد وأركانا، وملكوا من المغرب بلادا معتبرة وأوطانا، فلما وصل ذلك إليك ألقت إليك العباد أعنتها، وملكتك أزمتها، غير مبدلين ولا مغيرين، ولا باغين ولا منكرين، إلى أن قام عليك عمك بحجته التي لا يمكنك جحدها، حسبما ثبت كما يجب عقدها، فخرجت مبادرا له بدفعها، ولقيته بها وأنت واسطة عقدها، وحامل راية عهدها، وعمك في فئة لا يخطر على بال عاقل أن يقابل جندا من جنودك، أو يدافع ما تحت لواء من ألويتك وبنودك، فما هو إلا أن جرى القتال، وحضر النزال، رجعت على عقبك هاربا هروب مطرود بقصاص، وجنودك تناديك ولات حين مناص، فتركت عددك ومحلتك بكل ما فيها، وخلفتها لعدوك ينهبها ويسبيها، وهربت عن مدينة فاس المحروسة وسكانها ينادونك: لمن تركتنا وإلى من تكلنا ؟ فلم تلتفت إليهم، وأسلمت بلادهم على ما فيها من خزائن ا لأموال والعدد الوافرة والرجال والأسوار المرتفعة المانعة، والمدينة المشهورة الجامعة، فأصبح أهلها واليد العادية من المفسدين تريد أن تمتد إلى الحريم والأولاد، و الطارف و التالد، ولا دافع عن الضعفاء والمساكين إلا الله تعالى، الذي قال في مثلهم: "... ومن أصدق من الله قيلا.."، "... لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا،..." فما أمكنهم بعد هروبك عنهم وإسلامك لهم فوضى مهملين إلا النظر في أمرهم، وإعمال الفكر في التدبير على أنفسهم، فبينما هم على ذلك إذا بعمك بجنوده على باب مدينتهم قائما بحجته، سالكا في ذلك سبيل أبيه رحمه الله و محجته، حسبما تقرر ذلك عندكم وظهر، ولم يخف عنكم منه عين ولا أثر، إذ كان مولانا محمد الجد الأكبر عهد لأولاده مولانا أحمد، ومولانا محمد الشيخ وإخوانهم، لا يتولى الخلافة منهم ولا من أولادهم إلا الأكبر فالأكبر، فالتزموا ذلك إلى أن كبر أولادهم فطلب جدك من عمك الوفاء بذلك فامتنع، فقاتله على ذلك حتى تم له الأمر وانتظم، فعهد لوالدك الذي كان أكبر أولاده، فلم ينازعه أحد في ذلك إلى أن ألقى والدك رحمه الله ذلك، وعهد إليك فلم ينازعكم أحد، فأبى الله إلا الحق فأعطى ملكه لعمك الذي هو أكبركم بعد أبيك، فإن سلمت هذا فأي حجة تدلي بها وأي طريق تعتمد عليها ؟ وإن أنكرت هذا فلا أثر لخلافة أبيك من قبلك ولا لجدك من قبله لثبوتها لعمكم مولانا أحمد، إذ لا حجة حينئذ لجدك في القيام على عمك، فخلافته صحيحة لبيعة جدك له، فلم يبق إلا التغلب الذي تدلي به في مسألة عمك وفي قيامه عليك، فإن كنت تريد أن تسقط حجته بالتغلب عليك فحجتك أبين في السقوط لعدم ثبوت الخلافة لمن عقدها لك، إذ المعدوم شرعا كالمعدوم حسا، فلم يبق بينكم إلا: "... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا..." فيلزمك على هذا أن تثبت ما عقده مولانا الجد رحمة الله، وعليه فالخلافة لعمك القائم عليك إذ هو أكبركم في هذا التاريخ.

فإن قلت: إن ما عقده الجد غير صحيح، قلنا: فقد ذكر الإمام الماوردي رحمه الله ورضي عنه في كتاب الأحكام السلطانية له في باب عقد الخلافة : أن عبد الملك بن مروان رتبها في الأكبر فالأكبر من بنيه فلم ينازعه أحد في ذلك.

فإن قلت: فعل عبد الملك ليس بحجة، قلنا: سكوت العلماء على ذلك وهم ما هم في زمانه هو الحجة، إذ لا يمكن أن يسكتوا على باطل، وإقرار أهل العصر الواحد على مسألة من المسائل واتفاقهم عليها، يقوم مقام الإجماع الذي هو حجة الله في أرضه، وكان أيضا من محفوظات علماء فاس المحروسة ما أخرجه مسلم رضي الله عنه في صحيحه في كتاب الإمارة، ما نصه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند رأسه يقال هذه غدرة فلان بن فلان، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة..." قال القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله في كتاب إكمال المعلم على شرح فوائد مسلم : "... يعني لم يحطهم ولم ينصح لهم ولم يف بالعقد الذي تقلده من أمرهم..."، وفي الباب نفسه عنه (صلعم)ما نصه: "... ما من أمير استرعاه الله رعية ثم لم ينصح لهم إلا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام...". وفي الإكمال نفسه قال القاضي: "... والذي عليه الناس: إن القوم إذا بقوا فوضى مهملين لا إمام لهم فلهم أن يتفقوا على إمام يبايعونه، ويستخلفونه عليهم، ينصف بعضهم من بعض، ويقيم لهم الحدود...". فلما أسلمتهم وأضحوا بغير إمام، وعمك يدلي بحجته التي ذكرنا لك مع ما حفظوه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام السلف الصالح، و أيسوا من رجوعك إليهم، وبقوا فوضى مهملين لم يسعهم إلا الرجوع إلى ما عليه الناس رضوان الله عليهم، فاتفقوا على أن يبايعوا عمك لما ذكرنا لك من الحجج التي لا يسعك جحدها إلا على وجه المكابرة، فاطمأن الناس وسكنوا وانفتحت السبل وأقيمت الحدود وارتفعت اليد العادية.

فإن قلت: كان يجب على أهل فاس أن يقاتلوا على البيعة التي التزموها لك، قلنا: إنما يلزمهم القتال أن لو أقمت بين أظهرهم، فيكون قتالهم على وجه شرعي، لأن القتال على الحدود الشرعية إنما يكون بعد نصب إمام يصدر الناس عن رأيه، ولا يمكنك أيضا جحدها إيه. ثم وصلت إلى مراكش الغراء التي تجبى إليها الأموال من البوادي والأمصار، وتشد إليها الرحال من سائر الأقطار، فلقيك أهلها بالترحاب والسرور، وأنواع الفرح والحبور، فوجدت خزائنها تتدرج ملئا من كل شيء، فأما أسوارها ورحابها فهي كما قيل: تربة الولي، ومدرج الحلي، وحضرة الملك الأولي، والبرج النير الجلي، فحللتها وتمكنت من أموالها وخزائنه،ا ووافقك أهلها فما نكثوا ولا غدروا، ولا خرجوا عليك في سلطانك ولا أنكروا، فطلبت أيضا قتال عمك وجندت جنودا لا يجمعها ديوان حافظ، ولا يعهدها لسان لافظ، فخرجت إليه تجر أعنة الخيل وراءك كالسيول، والرماة قد ملأت الهضاب والتلول، فما كان من حديثك إلا أن وقع القتال وحضر النزال، بادرت هاربا محكما للعادة، تاركا للرؤساء من أجنادك والقادة، فحلت بهم الخطوب والرزايا، واختطفتهم أيدي المنايا، فتركت أيضا محلتك بما فيها من حريمك وأموالك وعدتك، ثم أسرعت هاربا إلى مراكش فما صدك عنها أحد من أهلها، ولا قال لك أحد لست ببعلها فعملوا على القتال معك والتمنع بأسوارها الحصينة، والحصار داخل المدينة، فلما كان الليل غدرتهم وغادرت بناتك وأخواتك وعماتك ونسائك، وخرجت عنهم من القصبة وتركتهم لا بواب عليهم ولا حارس، ولا راجل ولا فارس، فيالها من مصيبة ما أعظمها، ومن داهية ما أعضلها. ولولا فضل الله ولطفه ووعده بتطهير أهل البيت لامتدت إليهم أيدي السفلة من الفسقة فأي حجة تبقى لك بعد هذا؟ وأي كلام لك بين الرجال يا هذا ؟ ثم جاءك عمك أيضا بما سلف من الحجج فوجد أهلها في لطف الله سبحانه وهم يحرسون أولادهم وديارهم من اليد العادية، فأنقذهم الله به أيضا فبايعوا عمك بما سلف من الحجج، واطمأنوا وسكنوا ثم هربت للجبل عند صاحبه[44] فصرتما في نهب أموال الرعية وسفك دمائهم، وأكثر ما صفا لك من ذلك أهل الذمة المصغرون بحكم القرآن، الداخلون تحت عهد سيد الثقلين في الأمن والأمان فأنت وهم في استيلائك عليهم وظلمك إياهم كما قيل:

إن هو مستوليا على أحد إلا على أضعف المجانين

ولم تبال بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "... أنا خصيم من ظلم ذميا يوم القيامة..." ثم خربت العامر، وأفسدت ما شيدت الأسلاف للإسلام من المآثر، فلما رأى أهل السوس الأقصى ذلك أيقنوا أنك إنما قصدت خراب الإسلام وأهله، فنكب عنك أهل الدين والعلم منهم وبقيت كما قيل،: "... في خلف كجلد الأجرب...


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة