فضاءات أزمور (البلدية)

أزمور (البلدية)

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـجماعة
محمد الصفى
مسجــل منــــذ: 2013-02-28
مجموع النقط: 223.04
إعلانات


مدينة آزمـــور الخصوبة بين الدلالات و الرموز

بقلم محمد الغوفير.

آزمور كلمة بربرية تعني ذكر شجرة الزيتون البري، مدينة عرفت باسم الولي الصالح مولاي بوشعيب السارية، يأتين إليها النساء من كل مناطق المغرب، فضريح مولاي بوشعيب معروف ب “عطّاي العزارة”، و قد اظهرت بعض الخرائط القديمة بأنه كان يتواجد بمكان الولي الصالح مولاي بوشعيب فوق تلك الثلّة المرتفعة فيما قبل معبد العدراء ( Temple de la vierge) ( Virginis Templum).

شكلت مدينة آزمور عبر تاريخها مركزا للحرف المرتبط بالأولياء الصالحين منها الحدّادة و الفخار و النسيج، و قد مارس هذه الحرف كثير من الرسل و الأنبياء و الصالحين قبلهم، و في مدينة آزمور نجد الولي الصالح سيدي وعدود الذي احترف الفخار و كان يرسل منه للولي الصالح مولاي عبد الله أمغار، حينها كانت تمتد على طول ساحل نهر أم الربيع في اتجاه منطقة مهيولة مقالع الطين.
و حسب Michaux-Bellaire فإن سنة 1860م تواجد بمدينة آزمور 180 عامل فخار (معلم) و 250 مستخدم (متعلم)، و لم يتبقى منهم سنة 1932م سوى 190 فخاري، و يعزى هذا التراجع إلا الاستغناء على الأواني الفخارية التي كانت تستعمل في الناعورات لجلب الماء من الأبار في الضيعات الفلاحية و تعويضها بالحديدية (القزديرية) .
و من أدوات الفخار نجد آلة الدف الطعريجة التي تستعمل في المناسبات الدينية كعاشوراء و العقيقة و الختان و الزواج…، فخلال عاشوراء يشترين النساء الطعريجة، و يحرصن على شراء الأواني الفخارية من نساء مدينة آزمور المتواجد بأسواق المدينة و من سوق الغزل المصنوعة من الطين المحلي و من جلود أضاحي “العيد الكبير” و يمتنعهن على شراءها من المحلات التجارية بسبب معرفتهن بأنها مستوردة من مدن أخرى. و خلال يوم العاشر من عاشوراء يزرن قبور أموات المسلمين، و يملأن كؤوس الفخار الصغيرة بالماء و الحليب ليتصدقن به على الأطفال الصغار بالإضافة إلى التين المجفف، و بالإنتهاء من كؤوس الفخار يتم تكسيرهم لطرد الأرواح الشريرة.

و هناك اعتقاد سائد لدى الفخاريين، هو أن للفخار روح و جسد مثل الإنساء، فتجدهم يتحدثون على العنق و الصدر و البطن و الفم خلال صناعتهم للأدوات و الأواني الفخارية، و يتجسد هذا الوصف في آلة “الطعريجة” النسائية، فهي تتنوع في حجمها حسب سن النساء؛ فالطعريجة التي طولها 7 سنتم لصغيرات السن، و للفتيات أكبر منها بقليل، و هما ضعيفا الصوت لأنهما لعبتان فقط، و للمراهقات حجم أكبر، أما بالنسبة للمتزوجات فهي أكبرهم حجما، و هناك طعريجة صنعت للمغنيات “الشيخات” فقط، لها خصوصيات متميزة لا من حيث الصوت و لا من حيث الحجم، فهي صغيرة الحجم 15 سنتم و صوتها يطرب الأسماع.


و الطعريجة لا تختار بناء على ثمنها فقط بل بانتسابها إلى المجال الجغرافي و علاقته بالأولياء الصالحين، و قد صممها صانعوا الفخار على شكل الساعة الرملية، و تستعملها النساء إلى جانب الحناء التي اشتهرت بها مدينة آزمور في الأعياد و المناسبات الدينية، يقال بأنها استنبطت من جسم المرأة فالجزء العلوي يشكل عنق المرأة و الوسط يشكل صدر المرأة بينما الجلد الموضوع على قاعدة الطعريجة فيرمز إلى بكارة المرأة و هو الجزء الذي يرمز إلى المكانة العظيمة عند المرأة و المتعلق بالشرف و العفة.


و قد كان لأولياء الله الصالحين دور مهم في توريث صناعة الفخار لأثباعهم، فنجد الولي الصالح سيدي وعدود بمدينة آزمور يمتهن هذه الحرفة خلال القرن 11-12 الميلادي في عهد الدولة المرابطية، و كان يؤخد منتوجاته الفخارية إلى الولي الصالح مولاي عبد الله أمغار عبر البّر، و بسبب ما كان يتكبده في طريقه من مشقة و تعب رّق الولي الصالح مولاي عبد الله أمغار لحالة و أوصاه برميها في مصب نهر أم الربيع لتصل إليه عبر التيار البحري، و من حينها أصبح يقوم بذلك حتى ألتحق الولي الصالح مولاي عبد الله أمغار بمثواه الأخير إلى جانب الأولياء و الصالحين و حسن ذلك رفيقا. و يحكى أنه في يوم من الأيام، قام الولي الصالح سيدي وعدود بزيارة للولي الصالح مولاي عبد الله أمغار و هو على فراش الموت فأسر له بأنه سينتقل من صناعة الفخار إلى علاج الإنسان، و من ذلك اليوم اشرقت أنوار البركة و الكرامة فأصبح الولي الصالح سيدي وعدود يداوي الناس في خلوته بجانب نهر أم الربيع.


اتخذ الفخار و صناعته بمدينة آزمور صبغة روحانية ارتبطت في اعتقاد الفخّارين بخلق آدم عليه السلام، و امتدت إلى أولياء الله الصالحين، و لأن مكانة أولياء الله الصالحين كانت عظيمة عند الفخاريين فإنهم لجؤوا إليهم في حالة النزاع و إبرام عقود البيوع و الشراء و اداء اليمين، و في اعتقادهم أن مخالفة ما تم الاتفاق عليه بضريح الولي الصالح يجلب لهم اللعنة و المصائب و الكوارث.
و مما يزيد في تعظيم مادة الطين، و خاصة نوع الصلصال، لذى الفخاريين هو استعماله في طلي الألواح الخشبية لكتابة سور القرآن الكريم بالجوامع و المساجد…كما أن للفخار لغة يتحدث بها من خلال خصائصه كالصوت و طريقة الصناعة و الحرق أو التجفيف و مكان المقلع و بركة الولي الصالح التي تحيط به.
و ما يميز فخار آزمور عن غيره بالمناطق المغربية أنه غير مطلي (Vernissée)، و أن صناعته تعود إلى مراحل قديمة جدا، لكن بالمقابل لا نتوفر على معلومات تاريخية تؤكد لنا بداية نشأته، و يعزى ذلك إلى أن منطقة دكالة كانت دائما مغيبة على الكتابات التاريخية العربية بسبب مقاومتها للمد العربي . فالفخار الآزموري يعتبر من خصوصية المدينة نشأ و مات بها، و قد يكون من أسباب اندثارها عدم قابليتها للتغيير و التطور.
و إلى جانب صناعة الفخار بمدينة آزمور، كانت هناك حرف مقدسة أخرى كمنتجات الصوف و الحدادة و بيع الحبوب و الحناء و الثمور و الثين المجفف، و قد تجدها مجتمعة في مكان موحد قرب أضرحة الأولياء و في الأسواق، و في مدينة آزمور بسوق الغزل أو بالقرب من ضريح الولي الصالح مولاي بوشعيب، و غالبا ما تجد نساء المدينة يبعن بسوق الغزل الجلابيب الصوفية و الأغطية الصوفية “اللعبانة” و “الحيك” و الزربية الأزمورية، و قد كان سوق الغزل سوق النساء بامتياز.
و من الأواني الفخارية المعروضة للبيع تجد الجرة “البرادة” التي كانت مخصصة لتخزين الماء و اللبن، فقد كانت تحتفظ على برودة السوائل الموضوعة بداخلها، و هي إما أن تصنع من الجلد الخالص أو من الطين الخالص، و لا يمكن أن يطلق عليها إسم “الطارة”، هذا المصطلح المتداول عند الفخّارين و الذي يعني كل ما يصنع من الطين و الجلد، و يطلق أيضا على الجزء السفلي من “الطعريجة” مصدر صوتها.

و بمدينة آزمور تجد بائع الفخار يبيع أيضا أغراس النخيل قصيرة الحجم و الحصير و الحبال المصنوعة من “الدوم” (نوع من النخيل الذي لا يتجاوز طوله 40 سنتم تقريبا)، و هو أيضا يداوي الجمال، و يبيع المشط المصنوع من قلب الدوم للنساء حيث كن يستعملنه لإحداث شقوق في الأدوات الفخارية لتزينها، و استعمل قلب الدوم أيضا كفتيل للإنارة بواسطة قنديل الزيت .
و لأن آلات الدف الفخّارية ارتبطت بالمناسبات و الحفلات و المواسم الدينية، نجدها أيضا ارتبطت بالزوايا، فالحمدوشيون، و هم في أغلبهم من الحدّادين، يستعملون آلة “الهراز” و هي تشبه الطعريجة لكنها أطول منها حجما (35 سنتم)، و للهراز نفس الرمزية التي نجدها عند الطعريجة، فهما معا يرمزان للخصوبة (Fécondité)، فالخصوبة عند الحمدوشي مرتبطة بالماء المخصّب للأرض، و كلمة الهراز تم استنباطها من ” المهراز” آدات تستعمل لسحق الحبوب، و هذا الاستنباط يظهر علاقة الحمدوشي بالأرض، فالهراز المصنوع من الطين و الجلد يرمز إلى الجرة الجلدية “القربة” المملوءة بالماء، و الضرب على الهراز وبطريقتهم المتميزة، في اعتقادهم، يرمز إلى صوت سقوط المطر المخصب للحبوب و منبع الحياة، و من أجل هذا يرقص الحمدوشيون و يقدمون الدبيحة قربانا لله مرة في كل سنة، و يكون ذلك في اليوم السابع من عيد المولد النبوي، و خلال هذا اليوم يرتفع صوت ايقاع الضرب على الهراز ليشعل لهيب الرقص، فتجد النساء الحمدوشيات ينجرفن وراء الأصوات المتعالية لآلة الهراز، و قد يدخلن في حالة من الجدب الحمدوشي “الجدبة”، حالة تشبه الهيستيريا، و الانجذاب إلى العالم الباطني و الخروج من عالم المادة إلى عالم الروح الصفية و الانصهار، حسب اعتقادهم، مع الروح الإلهية، و غالبا ما تدخل النساء في غيبوبة، و هناك بعض النساء يربطن أحزمتهن على قرون الدبيحة، و منهن من يضعن الخبز فوق رؤوس أدوات حديدية حادة من الفؤوس و السيوف… يمسك بها الحمدوشي، و هذا يرمز إلى علاقة الحدّاد الحمدوشي بالحبوب و الأرض.
و إلى جانب هذه الممارسات، يقمن اتباع الطريقة الحمدوشية من الرجال بتحطيم جرار (جمع جرة) من الطين مليئة بالماء على رؤوسهم، و بعد دبح الدبيحة (الثور) يتسابقن النساء لأخذ جزء من جلدها تيمنا و تبركا بها لإنجاب الولد الذكر، و هذه الطقوس كلها هي جزء من الإعتقاد الحمدوشي المبني على فكرة الخصوبة. و نجد هذه العادة بشكل واضح عند النساء العواقر و اللواتي تأخرن في الإنجاب بمدينة آزمور، فبعد مرور أيام على عيد الأضحى (العيد الكبير) يقمن بزيارة المنازل طلبا في الحصول على أجزاء من اللحم المجفف “القديد” مقابل جزء من جلد أضحية العيد كشكل من أشكال المقايدة الرمزية، و هذا اللحم يحضرن به أكلة الكسكس، و في اعتقادهن أن كل النساء اللواتي يأكلن منه يحضون بخصوبة على طول أيام السنة.

و لأن مفهوم الخصوبة حاضر عند الحمدوشيون، فإنه حاضر أيضا عند المرأة الآزمورية من خلال شكل الطعريجة و استعمالها في مناسبة الزواج و عاشوراء. و أيضا من خلال جلد “الطارة” الذي يرمز إلى بكارة المرأة، كما يرمز إلى الخلود عندما يؤخذ من جلد أضحية “العيد الكبير” على اعتبار بأن هذه الأضحية ستبقى خالدة تنتظر صاحبها بالبرزخ الأعلى لتدخله الجنة على ظهرها، و من هذا الجلد العظيم الشأن يصنع أيضا مئزر الحدّاد مما يبين مدى قوة العلاقة التي تربط الحدّاد و الطريقة الحمدوشية و الحرف الروحانية في علاقتهما مع مفهوم الخصوبة.

و بمدينة آزمور، تجد نقوشا و رسومات على الأطباق الفخّارية في أغلبها عبارة عن اليد و السمك، و هذا حسب HERBER له دلالات جنسية . ولليد “الخمسية” كذلك أبعاد روحانية أخرى، فهي تطرد الحسد و تبعد العين.

و من الإعتقادات السائدة بآزمور أيضا أن تحطّم الأواني الفخارية يبعد المرض و الموت، و في القرى المجاورة يقمن الرجال عند بناء الخيم بوضع “قدرة ” من الطين تحت عمود يتوسط الخيمة، و يشكل الركيزة الأساسية لحملها، يسمى “الحمّار” حتى تتكسر بجزئيها في الوقت نفسه، فإن وقع عكس ذلك فهي إشارة بقدوم عام سيء .
و خلاصة الحديث هو أنه قد تختلف طريقة التفكير و الاعتقاد و الممارسات و التعابير و الطقوس، لكن تبقى فكرة الخصوبة هي سر البقاء سواء تعلق الأمر بخصوبة الأرض أو الانسان، و أن الكل سيعود في النهاية إلى الأصل، و الأصل في هذا المقام هي الأرض المتوى الأخير لكل الأشياء و الكائنات.


تقييم:

11

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة