فضاءات مدينة منفلوط

مدينة منفلوط

فضاء الإبداعات الأدبية والفنية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
جمال هديه
مسجــل منــــذ: 2011-06-22
مجموع النقط: 109.11
إعلانات


قصة الصياد للأديب مصطفى لطفى المنفلوطى

https://scontent-hbe1-1.xx.fbcdn.net/v/t1.0-9/49707208_1970536363042976_1407991593612345344_n.jpg?_nc_cat=104&_nc_ht=scontent-hbe1-1.xx&oh=2c7febefa764d698bcae72f0e100dbd1&oe=5D728470
حدث أحد الأصدقاء قال: بينا أنا في منزلي صبيحة يوم إذ دخل علي رجل صياد يحمل في شبكة فوق عاتقه سمكة كبيرة, فعرضها علي فلم أساومه فيها بل نقدته الثمن الذي أراده فأخذه شاكرا متهللا وقال: هذه هي المرة الأولى التي أخذت فيها الثمن الذي اقترحته، أحسن الله إليك كما أحسنت إلي وجعلك سعيدا في نفسك، كما جعلك سعيدا في مالك، فسررت بهذه الدعوة كثيرا وطمعت أن تفتح لها أبواب السماء، وعجبت أن يهتدي شيخ عامي إلى معرفة حقيقة لا يعرفها إلا القليل من الخاصة، وهي أن للسعادة النفسية شأنا غير شأن السعادة المالية، فقلت له: يا شيخ وهل توجد سعادة غير سعادة المال؟، فابتسم ابتسامة هادئة مؤثرة وقال: لو كانت السعادة سعادة المال لكنت أنا أشقى الناس؛ لأنني أفقر الناس، قلت: وهل تعد نفسك سعيدا؟ قال: نعم؛ لأنني قانع برزقي مغتبط بعيشي لا أحزن على فائت من العيش ولا تذهب نفسي حسرة وراء مطمع من المطامع فمن أي باب يخلص الشقاء إلى قلبي، قلت: أيها الرجل أين يذهب بك وما أرى إلا أنك شيخ قد اختلس عقله، وكيف تعد نفسك سعيدا وأنت حاف غير منتعل وعار إلا قليلا من الأسمال البالية والأطمار السحيقة، قال: إن كانت السعادة لذة النفس وراحتها، وكان الشقاء ألمها وعناءها، فأنا سعيد؛ لأني لا أجد في رثاثة ملبسي ولا في خشونة عيشي ما يولد لي ألما، أو يسبب لي هما، وإن كانت السعادة عندكم أمرا وراء ذلك، فأنا لا أفهمها إلا كذلك، قلت: ألا يحزنك النظر إلى الأغنياء في أثاثهم ورياشهم، وقصورهم ومراكبهم، وخدمهم وخولهم، ومطعمهم ومشربهم، ألا يحزنك هذا الفرق العظيم بين حالتك وحالتهم، قال: إنما يصغر جميع هذه المناظر في نظري ويهونها عندي أني لا أجد أن أصحابها قد نالوا من السعادة بوجدانها، أكثر مما نلته بفقدانها.
هذه المطاعم التي تذكرها إن كان الغرض منها الامتلاء فأنا لا أذكر أني بت ليلة في حياتي جائعا، وإن كان الغرض منها قضاء شهوة النفس فأنا لا آكل إلا إذا جعت فأجد كل ما يدخل جوفي لذة لا أحسب أن في شهوات الطعام لذة تفضلها، أما القصور فإن لدي كوخا صغيرا لا أشعر بأنه يضيق بي وبزوجتي وولدي فأقرع السن على أن لم يكن قصرا كبيرا، وإن كان لا بد من إمتاع النظر بالمناظر الجميلة فحسبي أن أحمل شبكتي فوق كتفي كل مطلع فجر وأذهب بها إلى شاطئ النهر فأرى منظر السماء والماء، والأشعة البيضاء، والمروج الخضراء، فما هي إلا لفته الجيد حتى يطلع من ناحية الشرق قرص الشمس كأنه ترس من ذهب، أو قطعة من لهب، فلا يبعد عن خط الأفق ميلا أو ميلين حتى ينثر فوق سطح النهر حليه المتكسر، أو دره المتحدر، فإذا تجلى هذا المنظر في عيني يتخلله سكون الطبيعة وهدوؤها ملك على شعوري ووجداني فاستغرقت فيه استغراق النائم في الأحلام اللذيذة حتى لا أحب أن أعود إلى نفسي إلى يوم النشور، ولا أزال هكذا غارقا في لذتي حتى أشعر بجذبة قوية في يدي فأنتبه فإذا السمك في الشبكة يضطرب، وما اضطرابه؛ إلا لأنه فارق الفضاء الذي كان يهيم فيه مطلق السراح وبات في المحبس الذي لا يجد فيه مراحا ولا مسرحا، فلا أجد له شبيها في حالتيه إلا الفقراء والأغنياء، يمشي الفقير كما يشتهي ويتنقل حيث يريد كأنما هو الطائر الذي لا يقع إلا حيث يطيب له التغريد والتنقير، ولولا أن تتخطاه العيون وتنبو عنه النواظر ما كار في كل فضاء


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة