فضاءات أزمور (البلدية)

أزمور (البلدية)

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـجماعة
محمد الصفى
مسجــل منــــذ: 2013-02-28
مجموع النقط: 223.04
إعلانات


قراءة في كتاب "نحن و التراث" لمحمد عابد الجابري 2 / 2

بقلم : محمد سعيد :

لقد بدأ موقف العرب المعاصرين من التراث بمرحلة تأكيد الذات، و نحن الأن ندشن مرحلة إعادة بناء الذات، لقد كان التحدي الحضاري الغربي الذي واجه العرب في القرن الماضي (التاسع عشر) من القوة و العنف إلى الدرجة التي جعلت لزاما عليهم أن يتشبتوا بمرحلة من مراحل ماضيهم التي تمنحهم القوة و الحصانة للدفاع عن الذات و تأكيدها و بعث الثقة فيها، و لذلك اتجهوا إلى تمجيد التراث و التنويه الذاتي لمواجهة هذا التحدي. هذه المرحلة الأن بصدد الإنتهاء و قد طالت أكثر من اللازم، و يمكن القول بكيفية عامة أننا بدأنا ندخل في مرحلة ثانية: مرحلة إعادة بناء الذات، و هي تتطلب موقفا جديدا من التراث يتجاوز التمجيد إلى الحوار النقدي. من هنا يمكننا أن ننظر إلى الموقف الصحيح مرحليا من التراث، ففي نظري إنه من الضروري أن ندخل في حوار مع أسلافنا و ذلك من أجل فهمهم فهما أعمق و ربطهم بنا بشكل من الأشكال، كلما كان ذلك ممكنا، و بعبارة أخرى كما يقول محمد عابد الجابري "إنني أعتقد أنه علينا،في المرحلة الراهنة،أن نجعل مقرؤنا التراثي معاصرا لنفسه،بمعنى أن لا نحمله ما لا يستطيع،أن نفهمه في ضوء محيطه التاريخي و مجاله المعرفي و حقله الإيديولوجي،هذا من جهة، و من جهة أخرى علينا أيضاً أن نجعل مقرؤنا التراثي هذا معاصرا لنا على صعيد الفهم و المعقولية،و هذا لا يتأتى إلا بالدخول معه في حوار نقدي يطلعنا على جوانب الخصوبة و جوانب الضحالة في موروثنا الفكري، أما الدعوة التي تنادي بقبول التراث جملة و تفصيلا فهي دعوة لا تاريخية غير منتجة، و كل ما يمكن أن تفعل هو أن تجعل ماضينا منافسا لحاضرنا باستمرار، الشيء الذي قد يصنع منا كائنات تراثية لا كائنات لها تراث" (1). إن الذين يقفون من التراث موقف الرفض الكامل بالنسبة لمحمد الجابري :"هم مستلبون،لأنهم عندما يرفضون تراثهم العربي الإسلامي يقبلون قبولا غير واع تراثا أخر يتخذون منه منظومتهم المرجعية"، فمحمد عابد الجابري لا يعترض على الإرتباط بالتراث الإنساني عامة بل يالعكس، و لكنه لا يفهم كيف يمكن أن يكون الإنسان "عالميا" في عالم يهيمن عليه الصراع الإيديولوجي، الصراع من أجل المصالح، و الصراع للدفاع عن الخصوصية - فيجب أن نمتلك شخصيتنا كاملة و أن نصحح و نثبت أبعادها التاريخية لكي نجد لنا في عالم اليوم مكانا مناسبا يقول محمد عابد الجابري، فهذه القضية نوع من علاقة الخاص بالعام، فالإرتباط بالعام لا ينفي الإرتباط بالخاص، بل يستدعيه، و العكس صحيح أيضاً، فمثلاً إذا طلبنا من الفرنسيين أن يتخلوا عن ديكارت و يرتبطوا بالتجريبية الإنجليزية فماذا سيكون موقفهم؟ إن تراث شعب من الشعوب مقوم أساسي في هويته و من لا هوية له، مثله مثل من يمتلك هوية ناقصة، كلاهما ناقص الوجود. كيف ينظر محمد عابد الجابري للتراث؟ قراءة الماضي عند محمد عابد الجابري تضيء شيئاً لهؤلاء الذين تحول الماضي عندهم إلى عصاب قهري مسيطر بشكل باثولوجي على "حاضرهم" و "مستقبلهم"، فالحصول على الماضي لا يتم إلا بالإختلاف الإبداعي معه، و ليس التهرب المرضي منه، فالتراث أو الماضي عند محمد عابد الجابري ليس منافسا للحاضر بل يحل محله، لأن البداية النهضوية لم تبدأ نقدية، فالصواب عند إبن خلدون هو ما كان، و هنا تطرح مشكلة البداية بالنسبة للفكر العربي في الظروف الراهنة، لقد قامت النهضة العربية الحديثة أو ما يسمى بهذا الإسم على أساس توفيقي، بعث الماضي أو ما يعتبر فيه مشرقا، و الأخذ من الحضارة الحديثة ما ينسجم مع هذا التوجه المشرق من تراثنا، الإنطلاقة إذن إنتقائية توفيقية، فكأننا أردنا أن نؤسس الإستمرارية بواسطة شيء خارج هذه الإستمرارية، أي ما يقتبس من الغرب،هذه النظرة بطبيعة الحال نظرة لا نقدية لا تاريخية، فالنهضة العربية لم تعش نقد العقل، ذلك أن المفروض في كل بداية جديدة حقيقية هو الإنطلاق من نقد القديم،و عندما نقول نقد القديم فإن هذا يعني أساسا نقد العقل، لأن الموروث القديم ليس هو ذاك الذي تضمه المخطوطات و الكتب، بل الموروث الثقافي هو دائما ما يبقي في فكر الإنسان بعد أن ينسى كل شيء، البداية الجديدة التي تستحق هذا الإسم يجب أن تكون بداية نقدية، النهضة الأوربية الحديثة بدأت بداية نقدية جديدة مع غاليلو و ديكارت، و إستمر النقد و نقد النقد ملازمان لتلك النهضة ،يغذيها و ينميها و يحملها على مراجعة نفسها باستمرار،أما النهضة العربية الحديثة فلم تعش،و ما زالت لا تعيش،لحظة النقد،نقد العقل العربي (2). فمن خصائص العربي المعاصر أنه منذمج في الماضي، منخرط في صراعاته، يعيشه لا كشيء مضى بل كواقع حاضر، بعبارة أخرى، إن العربي المعاصر يعيش في وعيه زمنه الثقافي ممتدا كامتداد الصحراء، فلا تتابع، لا سابق و لا لاحق،و إنما حضور على نفس البساط، فليس الماضي منافسا للحاضر و حسب عند العربي، بل هو يحل محله، و أكثر من هذا فصورة المستقبل الأتي تشيد على غرار "المستقبل" الماضي، بطبيعة الحال هناك عدة عوامل يمكن أن تفسر هذه الوضعية، فالعربي يرفض الحاضر لأنه يرى فيه وضعا لا يسمح له بممارسة حريته و لا بتحقيق ذاته و لا بالإرتكاز عليه من أجل مستقبل أفضل، لذلك ،فعندما يفكر العربي في المستقبل فهو لا يجد مرتكزه في هذا الحاضر المرفوض بل يبحث عنه في مرتكز أخر، في الماضي الممجد الذي تسقط عليه كل أمال المستقبل أو يبحث له عن مرتكز أخر خارج الدائرة العربية، و في الغالب داخل الدائرة الأوربية ماضيها و حاضرها، و هذا ما حدى بمحمد عابد الجابري بالإهتمام بالإبستمولوجيا بسبب سؤال أحد طلبته عن التراث، كان سؤال الطالب هكذا - كيف يجب أن نتعامل مع التراث، سواء كان تراثنا نحن أو كان تراثا عالميا؟ هذا السؤال يحمل ضمنيا، موقفا جديدا من التراث،موقفا يفصل التراث عن الذات و يريد أن بتخذ منه موضوعا له ! بعبارة أخرى هو موقف يطمح إلى تحرير الذات من التراث قصد السيطرة عليه. المسألة المطروحة إذن هي مسألة المنهج، كيف نفكر فيما فكر فيه غيرنا،سواء كان هذا الغير ينتمي إلينا أم إلى حضارة أخرى؟ إذن كان تأليف محمد عابد الجابري لكتاب "مدخل إلى فلسفة العلوم" جواب عن هذا السؤال، لقد أراد محمد عابد الجابري من خلال هذا الكتاب أن يجعل طلبته و القراء عموما يمارسون المنهج النقدي في ميدان المعرفة، ميدان العلم. إن تجديد العقل العربي أو تحديث الفكر العربي لا يمكن أن يتم بمجرد الدعوة، بل لابد من ممارسة جديدة للمعرفة، فالفكر العربي المعاصر إيديولوجيته منقولة إما من ماضيه أو من ماضي و حاضر غيره، ليست هناك إذن مطابقة بين الفكر و الواقع في العالم العربي، و هذا ما يجعل الفرد العربي يعيش نوعا من الإنفصام، فذاته هي دوما خارج ذاته، البعض منا يجد ذاته متحققة في التراث العربي الإسلامي فيتخذه إيديولوجيا للحاضر و المستقبل، و البعض الأخر منا يجد ذاته متحققة في فكر الغير فيتخذ منه إيديولوجيا لحاضره و مستقبله. يعتبر محمد عابد الجابري في كتابه "نحن و التراث" أن مقدمة بن خلدون تجربة الحضارة العربية الإسلامية على مختلف الأصعدة، السياسية و الثقافية و الإجتماعية و الإقتصادية، فمقدمة بن خلدون إذن هي الحضارة العربية الإسلامية، تقدم نفسها في صورة مكثفة، صحيح أن بن خلدون كان هو نفسه جزءا من هذه الحضارة، و لكنه يتميز عن غيره من المفكرين السابقين له بكونه عاش في فترة قلق جعلته يعي أن العالم بصدد تحول جذري،فهذا الوعي الذي حصل له مكنه من فصل ذاته عن الحضارة العربية الإسلامية و النظر إليها كموضوع، من هنا جاءت تحليلاته علمية، بمعنى أنها تطمح إلى أن تقدم الأشياء بدون الإندماج فيها عاطفيا أو إيديولوجيا. و لذلك فنحن ملزمون للرجوع لإبن خلدون سواء انصرف إهتمامنا إلى الحضارة العربية الإسلامية كدول و مجتمعات و إقتصاد أو كان شاغلنا الحضارة العربية كفكر و ثقافة، فإبن خلدون لا يقدم لنا المادة و حسب، بل يقترح نوعا من القراءة لهذه المادة،قراءة واعية بأسسها و منهجها، ليس المهم أن يكون إبن خلدون قد أصاب في هذه النقطة أو أخطأ في تلك، المهم أنه حاول أن يضع فهمه للحضارة العربية الإسلامية خارج منطقة الصواب و الخطأ، أي خارج النظرة المعيارية، فالصواب عنده هو ما كان، و الصواب عنده هو أن نفهم ما كان على الشكل الذي به كان،فقد أتى محمد عابد الجابري ب"القطيعة الإبستمولوجية" مع التراث، فهو يقترح قراءة جديدة للتراث، لأن الفهم العربي المعاصر للتراث هو إما يقع داخل التراث نفسه، فهو فهم تراثي للتراث، و ما يقع خارج التراث مرتبط بإطار مرجعي بعيد عن هذا التراث، و بالتالي فهو ينظر إليه نظرة إثنوغرافية، كما يفعل الباحث الأنتربولوجي في حياة الشعوب البدائية، فما يريده محمد عابد الجابري هو إقتراح قراءة جديدة للتراث تجعل هذا التراث معاصرا لنفسه و معاصرا لنا في ذات الوقت. المراجع: 1 - مواقف / إضاءات و شهادات (ص 43) 2 - مواقف / إضاءات و شهادات (ص 47) * محمد سعيد: عضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات و الأبحاث الإنسانية

* محمد سعيد: باحث بمركز مدى للدراسات و الأبحاث الإنسانية


تقييم:

2

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة