فضاءات بشار

بشار

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1619.56
إعلانات


عُذرًا.. شُهداءَنا الأبرار

عُذرًا.. شُهداءَنا الأبرار

2018/02/16

سليم قلالة

أستاذ جامعي

في الثامن من جانفي سنة 1992، بعد ثلاثين سنة من الاستقلال، أصدرنا في الجريدة الرسمية قانونا يمنحنا يوما في السنة لإحياء ذكراكم، سمّيناه "اليوم الوطني للشهيد"، الموافق للثامن عشر من فبراير من كل سنة. انتظرنا طول هذه المدة، لنضطرَّ بعد إلحاح من أبنائكم الذين اجتمعوا في ندوة وطنية يوم 18 فبراير 1989 وقرروا أن يكون يوم تمكنهم من توحيد صفوفهم، بعد نضال طويل، يوما لإحياء ذكرى آبائهم.

بعد غد سنحيي هذا اليوم في جميع ربوع الوطن، لا أقول لكي نترحم على أرواحكم الطاهرة، ونرفع الراية الوطنية لنذكِّر أبناءنا ببطولاتكم وأمجادكم وكيف صنعتم التاريخ، كما كُنَّا نفعل في كل مرة، ولكن استثناء، هذه المرة لنعتذر إليكم.. لنقول لكم إننا لم نكن في مستوى تضحياتكم ولا استطعنا بناء الجزائر التي كنتم بها تحلمون.

رغم كل ما نزعم من انتصارات على كافة الجبهات، ورغم كل ما نُحصِي من إنجازات على مستوى كافة القطاعات، ورغم كل مظاهر التطوُّر المادي التي عرفناها، إنْ في المأكل أو الملبس أو الإقامة... فإننا على جبهة الإنسان خسرنا المعركة، على جبهة القيم التي تحكم هذا الإنسان خسرنا المعركة، وعلى جبهة تربية أبنائنا على المبادئ التي استشهدتم من أجلها نكاد نخسر المعركة.

اليوم، هناك مَن يسخر من قيم التضحية والإخلاص والوفاء للوطن، هناك مَن أصبح يعتقد أن مثل هذه القيم بالية وقديمة قِدم رفات أصحابها الشهداء.. اليوم هناك من أصبح لا يعترف بالمبادئ السامية ولا بحب الوطن، يزدري مَن يتعلق بها، إن لم يضعه ضمن خانة البشر الذين لا يُدرِكون مصالحهم وغير القادرين على التكيُّف مع العصر الذي أصبحت تحكمه قيمٌ جديدة صانها ورعاها أناسٌ جُدد على غير ما كان يحلم به الشهداء: الأنانية بدل التضحية، وحب المال بدل حب الوطن، والمصلحة الخاصة بدل المصلحة العامة، وأبنائي قبل أبنائك، والأكثر من هذا وذاك، استبدال تلك العبارة الموحية الجامعة الشهيرة التي ترمز إلى عبقرية الجزائريين: بطل واحد هو الشعب، بعبارة بطل واحد هو أنا، وإن كان في ذلك إلغاء كلي لهذا الشعب...

لذلك، فإنه ليس أمامنا اليوم، ونحن نُحيي ذكراكم، أيها الشهداء الأبرار، سوى التصريح بالاعتذار إليكم، لعلكم تصفحون عنّا وتمكِّنونا ببعض الطاقة التي لديكم، وأنتم الأحياء عند ربكم تُرزقون، لعلنا نستطيع، بما بقي لدينا من قيم مُبعثَرة هنا وهناك بيننا، بما بقي لدينا من رجال ونساء وطنيين مخلصين مازالوا أوفياء لكم.. أن ننتصر لمبادئكم، وتضحياتكم، وأن نُعيد الأمل للناس، في أن دماءَكم الطاهرة لم تسقِ هذه الأرض عبثا، وستنبت أفضل إنسان حلمتم بأن يعيش فيها.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة