فضاءات بشار

بشار

فضاء المتغيبين وقدماء الأصدقاء

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1579.48
إعلانات


قصة -سلحفاة -قصة حقيقية --مقالة د.رجاء إبراهيم سليم


سلحفاة
قصة - مقالة د.رجاء إبراهيم سليم

هذه قصة حقيقية وما زالت السلحفاة بطلتها على قيد الحياة.

تبدأ وقائع هذه القصة عام 1981 عندما انتهت اعارتى أنا وزوجى بجامعة قسنطينة فى مدينة قسنطينة الجميلة بالجزائر،والتى قضينا فيها خمس سنوات سعيدة بين شعبها الودود،وأنجبت ولدَى فيها.وعند قرب سفرى أهدانى أحد الطلاب الجزائريين الذين درسَت لهم سلحفتين صغيرتين حصل عليهما من الجبل. وقد سعدت بهما جدا ووضعتهما فى كيس شفاف بعد عمل ثقوب به لمساعدتهما على التنفس, وحملته فى يدى أثناء سفرى بالطائرة ،ولم يعترض عليه أحد سواء فى مطار قسنطينة أو مطار القاهرة.

ونظرا لمعيشتى فى مدينة القاهرة وكثرة سفرى للخارج أعطيت السلحفاتين لوالدتي. ماتت احداهما بعد فترة وظلت الأخرى فى رعاية والدتي. وكانت تعتنى بها عناية شديدة وتوفر لها الماء والطعام والمكان الأمن شبه المفتوح. وكانت دائما تقول لى إن هذه السلحفاة روح حية زى بنى آدم وتستحق أن تعيش.

وبعد 25 عاما أحلت للتقاعد وعدت للإقامة فى القرية مع والدتى. وعلمت منها أن بعض النسوة من أهل القرية يستعرن السلحفاة قبل صلاة الجمعة ويعدنها بعد الصلاة. وعند سؤالها عن السبب قالت إن المتزوجات الجدد اللائى لم يحملن يقمن بتخطيها أثناء صلاة الجمعة سبع مرات مع التضرع لله بالدعاء ليمن عليهن بالحمل، اعتقادا منهن أن ذلك سيعجل بحملهن. استغربت من هذا الكلام: وما علاقة السلحفاة بالحمل؟ وقلت لوالدتى إن هذا حرام والرزق بالذرية شأن من شئون المولى عز وجل، وطلبت منها عدم إعطاء السلحفاة لأحد لأن ذلك يروّج للدجل. فكان ردها “سيبيهم يفرحوا يا بنتي.أنا عارفة إن الخلفة حاجة من عند ربنا ولكن ده شيء بيريحهم نفسيا وما بيعملوش حاجة غلط وأنا بأفرح لما أعرف انهم خلفوا”.

والواقع أن السحلفاة لم يكن لها أى دخل فى حملهن، وكل ما فى الأمر أن الحموات كن يقلقن إذا تأخر» حمل زوجات أبنائهن لشهور بعد الزواج، على الرغم من عدم وجود موانع للحمل .

ومنذ عودتى للقرية منذ عشرة أعوام, ونظرا لتقدم العمر بوالدتي، توليت العناية بالسلحفاة, وأتذكر دائما قولها: «دى روح ولازم نحافظ عليها علشان تعيش»، فأضع لها الجزر الخيار وأوراق التوت وأوراق العنب وأحيانا قليلاً من الأرز المطبوخ والمكرونة المطبوخة والخبز المبلل بالماء. وظل اهتمام والدتى بها كما هو, وتذكَرنى دائماً:«حطيتى ميه وأكل للسحلفة ونضفتى مكانها؟»

ومر الآن 35 عاما على وجود السلحفاة عندنا- ما زال حجمها صغيراً لا يزيد عن حجم حمامة, ولا أعرف إذا كانت ذكرا أم أنثي. وعندما يحضر أحفادى الصغار لزيارتى يسعدون بها وهى تمشى ببطء أو تنكمش داخل صدفتها. وفى السنتين الأخيرتين نادرا ما تحضر إحدى السيدات لأخذ السلحفاة يوم الجمعة؛ ربما مرد ذلك لزيادة الوعى أو لانتشار اللجوء لأطفال الأنابيب.

إن ما سردته عن هذه السلحفاة ليس المقصود فى حد ذاته؛ وإنما الهدف هو إظهار ماتركته من تأثير وعبر. فكلما أنظر إليها أتذكر السنوات الجميلة التى عشتها فى الجزائر،وأتذكر كل الطلاب والزملاء والعاملين فى معهد العلوم الاقتصادية بالجامعة، وأتذكر جيرانى وكل أصدقائى هناك. وأحيانا أتأملها وهى تأكل وأقول لنفسي: كيف أن هذه المخلوقة الوديعة المسالمة، والتى لايصدر عنها أى صوت ولا تؤذى أحداً،والتى جلبتها من بلد بعيد بدون جواز سفر، لتعيش سنوات طويلة وحيدة بدون أنيس, سواء من جنسها أو من غير جنسها،وأصبحت تعيش فى بيئة غير البيئة التى نشأت فيها وبين اناس غير الذين كانوا فى بلدها ولكنها تلقى منهم كل رعاية- كيف تكون سببا فى توارد الذكريات الجميلة التى أكنها لبلد عربى عزيز ولأهله؟ اننى أقارن بين ما يلقاه هذا المخلوق من عناية وبين ما يعانيه اللاجئون من أهوال ومهانة وسوء معاملة، وأتعجب من حال وفعل البشر الذين يقتلون بعضهم البعض، وما يرتكبه الارهابيون من مآس فى حق الأبرياء،وأتذكر قول والدتي”دى روح حية ولازم نحافظ علها علشان تعيش”...........

الاهرام


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة