فضاءات مقريصات

مقريصات

فضاء الموروث الثقافي الشعبي

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـجماعة
عزالدين الفغلومي
مسجــل منــــذ: 2015-10-27
مجموع النقط: 2.8
إعلانات


المرأة الجًّبْلية :نضال دائم

×××××

بعيدا عن فصول الدستور ومدونة الأحوال الشخصية وباقي قوانين البلد، بعيدا عن صراخ ناشطات جمعيات المجتمع المدني في الحواضر المغربية الكبرى ، بعيدا عن استديوهات و كاميرات و أضواء البرامج التلفزيونية ،بعيدا عن الساحات العمومية والحدائق ، بعيدا عن شعارات 8 مارس في الشوارع ووسائل الإعلام ....بعيدا تعيش المرأة الجًّبْلية ومنذ الأزل مثلها مثل باقي النساء القرويات في بلدنا فصولا من النضال البطولي من اجل كرامتها ،من اجل لقمة عيش ،من اجل غد أفضل، تعيش ظروفا قاسية وتهميش مطلق ومعاناة بألوان الطيف ،تفرح،تحتفل ،تضحك،تبكي،وتحزن،...ولكنها دائمة الصمود.

جْبَالة بشريا أو الريف الغربي جغرافيا :هي منطقة جبلية تضاريسها وعرة و مناخها قاسي خاصة في أعالي الجبال ، منذ القديم استقرت بها قبائل مختلفة الأصول والأعراق عربية و امازيغية وموريسكية...انصهرت فيما بينها لتفرز مكونا بشريا متميزا غني بثقافته و تراثه وتاريخيه وعاداته ...ومن السمات البارزة و المتفردة للمجتمع الجًّبْلي" تعدد وظائف المرأة"لدرجة قد تصل حد تعويضها للرجل في مهام شاقة.

  • مكانة المرأة في المجتمع الجًّبْلي .

تطلع المرأة في هذا الإقليم الجبلي بدورها كعضو فاعل في المجتمع وخصوصا في البادية ، فهي تقوم بأشغال البيت إلى جانب أشغالها في الحقل الزراعي وتربية الماشية .... لها فضل كبير على أسرتها، تقوم بتربية الأطفال والعناية بهم و وتنشئتهم والحرص على دراستهم، فهي أول مدرسة في الحياة و طبيبة عند المرض و معالجة نفسانية ومرشدة اجتماعية و موجهة ومنارة تضيء طريق معالم طريق أجيال المستقبل.

دائمة الكفاح من أجل الحفاظ على تماسك أسرتها وبالتالي ربة بيت بكل ما في الكلمة من معنى ، ولهذا نجدها تحظى باحترام وتقدير عظيم تشريفا لمكانتها الجليلة.

فإلى جانب اهتمامها بالبيت وصيانته وسقي الماء وجلب الحطب وطهي الطعام ... ، فإنها تشارك الرجل في الأعمال وتقوم بجمع الغلل المختلفة وجمع مختلف المحصولات الزراعية وتوفير الكلأ للماشية ... هي عمدة الحياة وأساسها.

كما عرفت المرأة الجبلية منذ القديم بمزاولة بعض الحرف كصناعة الأواني الفخارية وغزل الصوف وصناعة الجبن وامتهانها لنشاط التجارة في الأسواق... وإن كانت بعض هذه الحرف قد اختفت بشكل كبير...ولا ننسى أن المرأة في هذا الوسط تحرص على جمال رونقها وهي ذاهبة لحفل زفاف أو لحضور موسم من المواسم الكبرى التي تشتهر بها منطقة جبالة كموسم مولاي عبد السلام بن مشيش بإقليم العرائش أو موسم الوالي الصالح سيدي علال الحاج بإقليم شفشاون وهي في كامل زينة مظهرها وإن اختلفت الأزياء وألوانها من قبيلة الى قبيلة، فالشاشية و المنديل الأحمر و الأبيض رموزها الخالدة.

  • · يوميات امرأة جّبْلية.

يصيح الديك و تشير الساعة إلى الخامسة صباحا تستيقظ و كلها حيوية وأمل ليوم جديد في حياتها الخاصة، يوم يبدأ بإعداد فطور لأسرتها ، لتتفرغ لباقي أشغال البيت اليومية والروتينية من تنظيف المنزل ومحيطه وغسل الملابس إلى أعداد الخبز وأحيانا وجبة الغذاء ثم الاستعداد للخروج إلى الحقل حيث العمل الشاق في انتظارها.

يختلف عملها باختلاف الشهور و الفصول و المواسم لكن المعاناة قاسما مشتركا بينها،فعادة ما يبدأ الموسم المهني /الفلاحي للمرأة الجبلية بجني الزيتون ابتداء من شهر نونبر و يطول حتى شهر فبراير أحيانا (حسب الغلة).

وهو ما عمل يستوجب خروجها الباكر مع تحمل الصقيع و البرد القارص قاصدة بساتين الزيتون ليوم كامل من شروق الشمس إلى غروبها،لتعود إلى المنزل منهكة القوى في انتظار صباح جديد و يوم جديد لا يختلف عن الذي سبقه، صعوبة هذه العملية وخطورتها تفرضها الطريقة التقليدية للجني ،فالطبيعة تجبرها على تسلق شجرة قد يصل علوها إلى 30 مترا أو أطول أحيانا (غالبا ما ينجز العمل بشكل جماعي من طرف أفراد الأسرة )

و هو نشاط يشبه كثيرا عملية جني التين التي تباشرها المرأة ولكن هذه المرة خلال فصل الخريف.

و مع حلول فصل الصيف يبدأ موسم الحصاد حيث يبلغ النشاط المهني للمرأة ذروته، موسم ينطلق في أجواء حارة ومعها فصول أخرى من حرارة المعاناة، البداية أولا بجمع ما زرع من عدس وفول ثم الشعير فالقمح وباقي المزروعات المختلفة...الرائع و المميز في العملية هو عندما تصبح الحقول فضاءات للاحتفال و الغناء و مهرجانات شعبية في الهواء الطلق بين قمم الجبال والأودية تردد خلالها المرأة أهازيجا جبلية بأصوات رنانة ترد الجبال صداها مع فن العايوع * الذي تتقنه الجبلية حق الإتقان، تزداد حدة العايوع وجمالية إيقاعاته و ألحانه كلما تزايد عدد النساء اللواتي يشتركن الحصاد أيام ثاويزا( شكل من أشكال العمل التضامني الذي كان سائدا بين سكان المداشر ).

*أعايوع عبارة عن صيحات بلحن واقاع خاصين تطلقها المرأة بشكل منفرد ليرد عليها الباقي بالزغاريد ويكون عبارة عن بيت شعري مستوحى من صميم حياة الإنسان الجبلي و همومه وهو موال جبلي يشبه إلى حد كبير تاماويت الأطلس .

ومن شدة حبي و ولعي به أقدم بيتين منه أحفظهما منذ صغري:

ـــ طلعت الجبل نتسارا لقيت الزرع كيسنبل === عمري مايحسبلي فراق الحبيب كيهبل.
ـــ لالة بلادي جبالة بين الجبال متلوفة === إذا خفات عليكم بالطبيعة معروفة .

  • · نور العلم يشع على الفتاة القروية بجْبَالة.

كباقي المناطق الهامشية في المغرب تأخر كثيرا ولوج الفتاة الجبلية الى المدرسة وهنا يمكن التأكيد على أن العوامل المتحكمة والمفسرة للواقع التعليمي المتردي لتمدرس الفتاة في هذا الإقليم الجغرافي كثيرة ومتعددة لا تخص الإقليم فقط ، بل تشمل باقي البوادي المغربية من خلال تداخل وتفاعل ما هو اجتماعي و ثقافي و وسياسي وطبيعي...

ـــ اجتماعية وثقافيا: بحكم أن الإقليم وسط ريفي كانت تحكمه عادات وتقاليد موروثة ، إذ كن الفتيات في البوادي تسند لهن " وظائف " في صغرهن كالرعي وجمع الحطب وجلب الماء ومساعدة أمهاتهن في الأشغال المنزلية ، وكذلك تربية الإخوة الصغار، أضف إلى ذلك النظرة التي كانت سائدة في المجتمع الريفي(القروي) بأن الفتاة غير مؤهلة للذهاب إلى المدرسة ، ومن الأفضل لها الالتزام بالمنزل في انتظار الزوج ، وخصوصا أن البعض كان ينظر للمدرسة بكونها قناة تروج أفكار تهدد المجتمع التقليدي والحياء والأخلاق ، والنتيجة الحتمية إذن تدني نسبة التمدرس لدى الإناث ، والأقلية المحظوظة هي التي تتردد على المدرسة أغلبهن ينقطعن في نهاية المرحلة الابتدائية ، وهو ما كانت تعكسه نسبة الأمية المهولة عند الفتيات .

ـــ سياسيا: جاء التدخل متأخرا جدا ، وصادف وضعا سوسيواقتصاديا مترديا ومعقدا لجل ساكنة المنطقة وخصوصا في الأرياف ، وضعفا على مستوى التجهيزات والبنيات التحتية.

ــــ طبيعيا: منطقة شديدة التضرس و مناخها بارد وممطر شتاء وهو ما يزيد من عزلتها.

لكن في السنوات الأخيرة عرفت نسبة التمدرس بالمنطقة تطورا إيجابيا ملحوظا ، بالنظر إلى التزايد الذي عرفه عدد التلميذات اللواتي يسجلن بجميع الأسلاك وان كان العدد يتناقص تدريجيا من الأساسي إلى الثانوي والقلة القليلة هي التي تتابع دراستها الجامعية.

حيث أصبح من المألوف أن تصادف فتيات صغيرات يرافقن أقرانهن من الذكور إلى المدرسة حتى في المداشر النائية و المعزولة ، وان تطلب الأمر إلى قطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام ذهابا وإيابا صباحا ومساء دون كلل .

في انتظار مزيدا من الاهتمام و الدعم والتشجيع و الإنصاف مادام التعليم يعتبر المدخل الأساسي لأي تنمية شاملة عبر استنفار وتعبئة كل الإمكانيات والموارد والطاقات المتوفرة بالمجال المحلي من رجال و نساء.

أملنا في تعميم تعليم(أولي،أساسي،ثانوي إعدادي وتأهيلي،جامعي وعالي) فعال نوعي وديموقراطي لصالح كل فئات المجتمع(إناثا وذكورا،في السهل و الجبل ) في إطار تكافؤ الفرص ،تعليم مساير لكل التغيرات الراهنة والمحتملة مستقبلا ( اقتصاد ، إعلاميات ، تكنولوجيا ، تواصل ... ) مع تكافؤ فرص الشغل طبعا.

علاقة بالتعليم دائما لا يفوتني أن أشير إلى انفراد (ربما) منطقة جبالة بإدخال الفتيات إلى الكتاب/المسيد القرآني الموجود بمسجد المدشر لحفظ القران الكريم ،حينها كانت المساجد تقوم بدور تعليمي رائد .

فالتعليم سيفتح أمام الفتاة القروية آفاقا لاحدود لها ويزودها بأليات الفهم الحقيقي لدورها الكامل كمربية للأجيال ومواجهة المستقبل بكل ثقة.

كما قال الشاعر الكبير حافظ ابراهيم: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق

أملنا في المستقبل ، مستقبل ينصف المرأة الجبلية لتواصل الكفاح و النضال ليس من فوق شجرة زيتون أو حقل شعير بل من مواقع جديدة في المجتمع من موقعها كأستاذة جامعية وباحثة و طبيبة و قاضية و مهندسة ووزيرة وبطلة رياضية وصحافية وقيادية في الجمعية و الحزب و النقابة ......

فإذ ا كان يوم 8 مارس يصادف العيد الاممي للمرأة فأقول كل يوم وكل شهر تحية إجلال و تعظيم للمرأة على امتداد جغرافية البلاد...


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة