فضاءات سبت النابور

سبت النابور

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـجماعة
jakoum
مسجــل منــــذ: 2011-04-01
مجموع النقط: 276.07
إعلانات


المدرسة العتيقة فيلالت بجماعة النابور

المدرسة العتيقة فيلالت بجماعة النابور

إنجاز : أبو الحسن

كنت قد حررت نبذة عن تاريخ هذه المدرسة، وأودعتها منذ سنوات لدى إدارتها، قصدا لكل غاية مفيدة، واليوم (يوم ثاني ماي 2014م) أجد نفسي مرة أخرى مدعوا لوصف ما جد من أحوالها، وما ينبغي أن يؤول إليه مستقبلها إن شاء الله.

في البداية أشير إلى أن المدرسة مازالت تواصل أداء رسالتها بإشراف الأستاذ سيدي محمد بن خالد الحسني الذي يؤطر مجموعة من التلاميذ، ذكر لي أن عددهم عشرة من الفتيان يحفظون القرآن الكريم، ويرفعون أصواتهم بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، أما تنظيم دروس علمية فإن ذلك لم يتيسر في الوقت الحاضر، مع الأسف الشديد، رغم أن الأستاذ الحسني كفء، ومؤهل لذلك، وقادر عليه، ولست أدري ما المانع من إحداث تطور في هذا الاتجاه، ليس بالنسبة لمدرسة فيلالت وحدها، وإنما بالنسبة للمدرسة العتيقة عموما، ففي غياب تلك الدروس العلمية يمكن للمرء أن يتساءل عما تتميز به تلك المؤسسة عن الكتاتيب القرآنية الملحقة بجميع مساجد الدواوير في المنطقة؟ فجميع تلك الكتاتيب تقوم بتحفيظ كتاب الله لتلاميذها، وليس- في نظري- مما ينسجم مع روح العصر أن يظل أطفال يافعون ومراهقون وشبان حبيسي الكتاب يستهلكون فتوتهم في التلاوة وحفظ النص المنزل فقط، فمتى سيأخذون نصيبا من مبادئ علمية في اللغة والدين، والحضارة، وثقافة العصر التي تنمو وتزداد في كل لحظة بشكل مهول؟.

هذا، وإن أهل تينكرتيل مافتئ اهتمامهم بالمدرسة ونزلائها يتزايد، فقد زودوها بالكهرباء والماء الشروب، وحرصوا على توفير التغذية وتحسينها للنزلاء، ولم تفتر أعمال الإصلاح والتجديد والتوسيع لمرافق المدرسة طيلة العقود الأخيرة، فقد عملوا على إعادة هيكلة جزء من البناية القديمة، ليتمكنوا من توفير سكن لابأس به للفقيه، مع حجرات لإقامة التلاميذ، وشملت التعديلات الهيكلية إغلاق المدخل الرئيسي ذي الباب الخشبي التراثي، وفتح بدلا منه مدخل جديد بباب حديدي، ولحسن الحظ لم يتم هدم كتلة البناء التي أقيمت عليها الأهراء المتخذة لخزن الحبوب، فهذه البناية جديرة بالصيانة والحفظ، لما لها من قيمة تاريخية تراثية، وقد شاهدت جناحا مماثلا لها تماما في مدرسة إيغشان العتيقة بجماعة تاهلا بقيادة تافراوت، وإقٌليم تيزنيت.

والواقع أن أهل تينكرتيل قد دأبوا على صيانة مرافق مدرستهم باستمرار، ففي عام 1948م قاموا بتبديل سقف المسجد باستعمال خشب مستقيمة، وأعواد من العرعار المنجور المنسق، تحملها قناطر خشبية قوية، وفي السبعينات من القرن الماضي أزيلت تلك الأخشاب، واستعمل بدلها سقف من الخرسانة بالإسمنت المسلح، كما تم توسيع الجناح الذي كان مخصصا للمدرر وتلاميذه، فأضيفت به حوانيت للتلاميذ النزلاء. ومن أجل توسيع الساحة الداخلية للمِؤسسة أزالوا مؤخرا بعض المرافق القديمة مثل قاعة أخوربش، التي يتوسطها الموقد الذي كانت تسخن عليه مياه الوضوء، والذي كان في القديم يتحلق حوله الطلاب ليلا لقراءة ألواحهم على ضوء ألسنة النار، كما هدموا المتوضأ الأصلي رغم طابعه الأثري، وعوضوه بمراحيض وحمامات عصرية، ومن الإصلاحات الملحوظة تبليط السطوح لمنع تسرب مياه الأمطار من خلال السقوف، ومنها إحداث سقيفة في باب المسجد بعد إزالة سلاليم كانت هناك، وذلك بغاية التخفيف من الاكتظاظ بداخل المسجد يوم الجمعة، ومن ذلك بناء مسجد جديد للمدرسة.

بناء مسجد جديد للمدرسة:

لما شرع في إقامة صلاة الجمعة بفيلالت ظهرت الحاجة إلى توسيع مسجدها الذي أصبح يضيق برواده يوم الجمعة وفي بعض المناسبات، وظل التفكير في الأمر يشغل بال الجمعية المهتمة برعاية هذه المؤسسة، وطرحت المسألة للنقاش في مناسبات كثيرة، لكن ضيق ذات اليد لم يسعف لتحقيق المأمول، حتى قيض الله لهذه المهمة أحد المحسنين، وهو السيد أحمد بن مبارك المنصور من آل الذيب الذي هو من جيران المدرسة، والذي يعيش منذ مدة مع عائلته مغتربا في باريس بفرنسا، وحين جاء لصلة الرحم في العام الماضي 2012م وجد أشغال الاصلاح والترميم متواصلة في المدرسة ومرافقها، فأبدى رغبته في المشاركة في عمل الخير، وأعلن استعداده لبناء مسجد يليق بالمقام، ويشفي الغليل، فتلقى الجميع استعداده بالترحاب، والتشجيع، وتم اختيار موقع خارج المدرسة لبناء المسجد الجديد وفق تصميم لائق وتخطيط رائق، فتواصل فيه البناء طيلة عام 2013 وشغل مساحة تزيد عن200م بطول22 م وعرض 9 أمتار، فإذا هو بلاط فسيح، تعلوه قبة جميلة تبدو من الخارج- وقد غشاها القرميد الأخضر- أبهى وألطف، وتم تزيين الجدران والأعمدة من الداخل بالزليج المزخرف، وبالنقوش الجبسية الرائعة، وأضيفت إليه مئذنة عالية زادت المنظر بهاء وجمالا وخصص فيه جناح علوي للنساء. وبعد أن انتهت فيه الأشغال فرشه أحد المحسنين من جيرانه بزرابي جديدة، ثم دشن في حفل بهيج تميز بإقامة الصلاة فيه يوم الجمعة ثاني ماي عام 2014م الموافق لثاني رجب عام 1435 هـ بحضور ممثل السلطة المحلية، والمنتخبين والفاعلين المحليين، وجمهور الطلبة القراء والمصلين، وحضر الاحتفال جم غفير من النساء أدين الصلاة في الجناح المخصص لهن، وهذه هي أول مرة تشترك فيها نساء المنطقة في الصلاة الجامعة بالمسجد، واستمع الجميع إلى خطبة الجمعة، كما استمعوا إلى كلمات أخرى ألقاها بعض الحاضرين الوافدين من خارج المنطقة، وفي مقدمتهم الفقيه سيدي محمد بن عبد العزيز الحسني فقيه مدرسة أوخريب في بلفاع بهشتوكة، وأقيمت بالمناسبة مأدبة غذاء على شرف الوافدين وجموع الحاضرين الذين ناهز عددهم ستمئة نفر، وتميز الحفل أيضا بتكريم العمال المهرة، والفنانين الذين أبدعوا في بناء المسجد، وفي زخرفته وتلوينه، فقد تم إحضارهم وشكرهم، وتشريفهم بهدايا رمزية، واختتم الحفل بالدعاء والابتهال إلى الله أن يضاعف الأجر والثواب للمحسنين.

تطوير مدرسة فيلالت حاجة ضرورية:

أشرت سابقا إلى حاجة الطفل المتعلم للانفتاح على ما يجري حوله من أنشطة بشرية بالغة التعقيد والتنوع، وإلى الأخذ بنصيب من الثقافة المتداولة في هذا العصر الذي تنمو فيه المعارف وتتكاثر بوتيرة هائلة، كما تتقارب فيه أطراف المعمور من بعضها حتى غدت الكرة الأرضية أشبه بقرية صغيرة، وأصبح الإنسان يتطلع إلى غزو السماء، وإقامة مستعمرات على الكواكب التي تسبح في الفضاء. إن كل ما يلمسه المرء في حياته اليومية من تقنيات وصناعات وعجائب الآلات، وتعاظم الثروات، إنما هو من ثمار العلوم والمعارف المتدفقة. فإلى متى نبقى نحن ويبقى أبناؤنا وأحفادنا بعيدين عن الأخذ بنصيب يسير من الخير الذي يفيض أمامنا كالسيل الجارف؟ إن التعليم العتيق التقليدي الذي قام في الماضي ببعض الواجب مطلوب منه اليوم أن يخطو خطوات جادة للتخلص من العشوائية، والتحرر من الإنزوائية والجمود، ويندمج في المنظومة التربوية المنفتحة الواعية الهادفة.

وعليه فإن جمعية الأعمال الاجتماعية لمدرسة فيلالت العتيقة إذا أرادت أن تنهض بمدرستها نهضة حقيقية يجب عليها أن تسعى إلى إدماجها في سلك التعليم العتيق المنظم، على أن تقتصر في المرحلة الأولى على المستوى الإبتدائي، وهذا ليس بالأمر المستحيل أو العسير، إنما يتطلب ذلك إنجاز بنية تحتية ضرورية تتمثل أساسا في بناء ثلاث قاعات للدروس تكون مجهزة بالسبورات، والطاولات، إضافة إلى مكتب أو مكتبين للإدارة، مع المرافق الأخرى اللآزمة للقسم الداخلي كالمطبخ، وقاعة للأكل، وغرف للنوم..إلخ

ويمكن للجمعية حين تتوفر لها العزيمة والإرادة لتحقيق هذا المبتغى أن تستعين بمندوبيات الأوقاف، والتعاون الوطني والتربية والتعليم، على غرار ما فعله العديد من المدارس العتيقة بالمنطقة، وستستوعب المدرسة حينئذ التلاميذ الذين تخرجهم الكتاتيب، وكذلك التلاميذ الذين يتسربون من التعليم العصري، فالتعليم العتيق المنظم هو في الحقيقة بمثابة سلك إنقاد في الوقت الضروري، لمن فاتهم التمدرس الجيد في الوقت المختار، لسبب أو لآخر، وقد تخرج منه مؤخرا أساتذة جامعيون وأطر مختلفة، فهل تنشط العزائم، وتتكاثف الجهود للخروج بالمدرسة العتيقة من عصر إلى عصر؟ ذلك ما نأمله، وندعو له، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، واللهم أعن العاملين، وسدد خطا المجددين.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة