فضاءات الشلالة

الشلالة

فضاء الإبداعات الأدبية والفنية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
رفيقة سماحي محمد
مسجــل منــــذ: 2014-03-01
مجموع النقط: 10.4
إعلانات


قصة قصيرة

رحلتي إلى بغداد: من تأليف أستاذة الرياضيات فاطمة مباركي

كنت جالسة و بيدي جريدة يومية على صفحتها الأولى عنوان بالبند العريض :" أمريكا ستمنح الاستقلال للعراق" استغربت و تعجبت لأنني أعلم جيدا أنّ الحرية تؤخذ و لا تعطى ، بعد قراءة المقال جالت في خاطري فكرة لماذا لا أزور بلاد الرافدين لأعرف ماذا يجري هناك دون اللجوء إلى الإعلام بشتى أنواعه فالكل ينشر الخبر حسبما يراه مفيدا لمصلحته.

في ساعات الصباح المبكرة بدأت رحلتي من الجزائر نحو بغداد، رحلة طويلة و شاقة و لكن الأكيد أنها مليئة بالإثارة و الحقائق المخفية بين سطور المقالات ، بعد مدة وصلت إلى العراق لأستقبل هناك بانفجار سيارة مفخخة و لحسن حظي أني كنت بعيدة عنها بما يكفي تجنبها ، واصلت طريقي و أنا لا أعرف عن هذا البلد سوى أنه وقع في أيدي آكليه بسبب طمع و جشع أصحاب القلوب المريضة ، توكلت على الله و تشجعت لأكمل ما بدئت به، و بينما أنا غارقة في بحر التفكير حتى سمعت صوتا أطربني لحنه الشجي و أشعرني بالطمأنينة ، تقدمت بضع خطوات لأعرف صاحب اللحن فإذا بها فتاة لا تكاد تبلغ من العمر 14 سنة جالسة خلف جدار دمر سقفه ، توقفت لكي لا أقاطع لحنها الرائع المنبعث من داخل قلب ملأته الأحزان ، كانت شاردة الذهن تعزف بكل جوارحها لدرجة انها لم تنتبه لوجودي ، عندما أنهت عزف مقطوعتها تقدمت منها و حييتها بتحية الإسلام فردت بمثلها ، و قلت لها : اسمي فاطمة جئت من الجزائر رغبة مني لأرى كيف يعيش شعبنا العربي هنا بين أنياب الذئاب الجائعة و أنت ما اسمك ؟ فردت بحزن عميق: اسمي زينب.

- لماذا أنت جالسة وحدك ؟ أين أفراد العائلة؟
لم تستطع زينب تمالك نفسها فسالت دمعة من عينيين قد أرهقهما البكاء ، كانت تريد إخفاء حزن عميق لتظهر بمظهر التحدي ،فيالها من جرأة و ياله من صمود ، حين تجد نفسك أمام حكاية بريئة تجسد في طياتها مقولة "عش عزيزا أو مت وأنت كريم".

- آسفة يا صديقتي إن أزعجك كلامي ، لم............

- ما كان عليك ان تاسفي ، فهذه الدموع ليست بسببك، بل بسبب أعدائنا و أعداء الله الذين دمروا البلاد و أهلكوا العباد و نشروا الفساد، لم يجدوا صغيرا إلا ذبحوه ، و إن كان كبيرا فبالرصاص قتلوه، حتى النساء لم يسلمن من البلاء .إن اردت قصتي كاملة فاسمعيها ، و إن كنت اديبة في الكتب دوينيها، و إن لم تكوني فبلسانك انشريها: "ولدت في هذا البيت قبل أن يصبح حطاما ، بل قبل أن تصبح بغداد عرضة للفساد، كنت اعيش مع امي و ابي و اخوتي الاربعة ، كان ابي يصنع المزامير و يبيعها ليكسب قوت عيشه ،اما امي فتبقى لرعاية اخي الصغير و اخوتي الثلاثة مصطفى ، محمد، علي طلاب في جامعة بغداد ، كنا نعيش بسلام و عندما بلغت التاسعة من عمري احتلت بلادي، حينها كنت اعرف ما معنى ان تحتل بلادي ، حزنت حزنا شديدا ، لكن ماذا عسى الحزين أن يفعل؟

ذات يوم ذهبت كعادتي للمدرسة ، لم يكن اليوم سهلا فدوي الانفجارات لا يكاد ينقطع، قتلى و جرحى في كل مكان ، حتى الان لايوجد امر غريب فكل هذا أصبح من يوميات العراقيين ، المهم انتهى اليوم الدراسي و عدت للمنزل فوجئت عندما لم اجد شيئا سوى هذا البيت المخرب، إنّه مشهد مؤلم أن أفقد عائلتي بين عشيّة و ضحاها ، فأمي وأبي و اخي الرضيع قطعت اشلاءهم اربا اربا ووضعوا على الطريق لتدوسهم الاقدام ، اما اخوتي الثلاثة فاسروا في سجون جيش الاحتلال . الان لم يبق اي شئ سوى هذا المزمار فهو اخر ما صنع ابي و هذا اللحن الذي سمعته فقد علمني اياه اخي الاكبر محمد و اسمه لحن الامل ، اللحن الذي يثلج الصدور و يدخل السرور الى كل قلب مهجــور، انه اللحن الذي انساني همومي و احزاني فبفضله احسست انني قد ولدت من جديد و انّ طاقة كبيرة تخللت اعضائي ، انها طاقة الدفاع عن الوطن، و لديّ موهبة في الشعر يا صديقتي لذا سادافع عن وطني بالالحان و هذه القصيدة التي بين يديّ بعنوان وطني، ستنشر غدا في جريدة الحرية ،ان كان لك رغبة في سماعها ساسمعك اياها، فقلت بحزن عميق و تاثر بالغ بصمود الفتاة : تفضلي ، أنا اصغي إليك. فقرأت:

بغداد أيتها الجميلة...................

انت وردة أنت ثمينة

بل انت عروس الدنيا

كانك جنة عليا...

احتلك الاستعمار

فأصبحت ارضك دم و دمار

كأنّه كلب غدار

تدخل و قال: أنا صاحب الدار

اخرجوا و اليّا القرار

فالارض ارضي و الدم دمكم

و المال مالي و الذنب ذنبكم

صمد الرجال الابرار

قاومــوا الاستعمار

لكن دون جدوى..........دون ثمار

بقلم: زينب

عندما أنهت زينب من إلقاء قصيدتها قلت بنبرة تتخللها نغمة التأثر : بارك الله فيك و اكثر من المخلصين للوطن مثلك، و في هذه الليلة بقيت معها لوقت متاخر من الليل نتسامر و نحكي في امور عديدة الى أن نامت ، كانت مرتاحة جدا و كأنها نائمة على بساط من حرير، أما أنا فلم استطع النوم لأنّ البرد كان شديدا و انا غير معتادة على النوم في ظل اوضاع مشابهة.

في صباح اليوم الموالي و قبل ان تشرق شمس يوم جديد استيقظت على مزمار و الحان زينب ، فقد اشعرني لحنها الشجي بالطمأنينة و بشعلة الامل الدائمة، لترافقني اول صديقة في هذه الرحلة التي لم اكن اتصور انها صعبة الى هذا الحد ، ذهبنا الى شوارع عديدة ، عرفتني على كل من تعرفهم، بعد ذلك توجهنا نحو مدرستها التي لم ترها منذ ان قتل والداها ، و في طريق العودة وجدنا بائع الصحف ، فاشترينا جريدة الحرية التي نشرت عليها كلمات زينب تحت عنوان " الشاعرة العراقية الصاعدة تعلن التحدي" ، كم كانت صورتها رائعة بابتسامتها الهادئة و كانها لم تتذوق مرارة الحياة ، مر الوقت سريعا واوشكت الشمس على الغروب ,عدنا الى مكاننا المعهود لننام هناك فاليوم كان متعبا جدا , ومن شدة تعبي نمت نوما لم استطع ان ادرك خلاله اي شيء ,مضت الليلة مسرعة و عندما استيقظت كانت الشمس قد بسطت نورها في الارجاء ، سمعت ضجيجا ، فوضى عارمة وراء الجدار، فتساءلت ماذا حدث لزينب؟ ولماذا لم تعزف اليوم لحن الامل لاستيقظ بعد دوامة من الاسئلة المعلقة ،قمت برجلين ترتجفين و قلب يزداد خفقانا كلما تقدمت و رايت مالم اكن اريد رؤيته ، صديقتي ممددة على الارض ملطخة بالدماء، اقتربت منها فاذا بها جثة هامدة ، قد ماتت زينب ، رحلت الى الابد دون وداعي، قتلت و اثار الرصاص على جسدها ،لم افهم شيئا ، بقيت في مكاني جامدة ، انعقد لساني و بدأت سلسلة من الذكريات تجول في خاطري، تذكرت لحن الامل الذي تعزفة صبيحة يوم مشرق ، تذكرت كلماتها التي تنبع من القلب لتصل للقلب، تذكرت انها قالت لي في الليلة الماضية: "انّ كل شئ في هذا البلد يستحق الشهادة" . قبلتها قبلة الوداع و الحزن يعصر قلبي عصرا ، بعد ذلك ذهبت لعجوز كانت جالسة بالقرب من مكان الحادثة لأسألها عن مجريات القصة الاليمة فحدثتني قائلة: قبل ان تبعث الشمس اشعتها في الارجاء جاء اولئك الوحوش الذين لا يعرفون غير سفك الدماء إلى فتاتي المسكينة ، لكنها لم تخف منهم بل قابلتهم بشجاعة، كانت مصرة على التحدي فعلا ، فأخرج ذلك اللعين جريدة الحرية و صرخ في وجهها قائلا:

- ماالذي دفعك لكتابة هذه القصيدة التافهة؟

- بكل بساطة ، لأنّه حقي وواجب عليّ الدفاع عن وطني بما استطيع.

- (ردّ بنبرة مليئة بالحقد و الكراهية) إذن انت مصرة على المواجهة؟

- صدق الشاعر حينما قال:
إنّ الفتى اذا كان ذا بطش فانّ مساوئه شريفة

و إن كان الضعيف فان حجته ضعيفــــــــــة

أثارت هذه الكلمات جنون اولئك الحمقى، فأطلقوا النار عليها ، و كم كان ذلك مؤلما.

أليس من السخافة أن يجنّد جيش ضد فتاة ، صدق الذي قال انّ الظالم يخاف من يهزمه ظلمه فيجهز العدة لذلك.

توفيت زينب وهي ترسم على شفتيها ابتسامة و تنشد آخر الكلمات:

من مات مات شهيدا و سيظل في قبره سعيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا.

حزنت حزنا شديدا و تاثرت بموقفها الشجاع حتى اخر لحظة في حياتها، و لم أكن وحدي من انفطر قلبها على فقدان شمعة من شموع الحرية بل جميع سكان هذا الحي البائس الذين اعتادوا على سماع لحن الامل كل صباح.

رحلت الفتاة و تركت الالحان و الكلمات و لم تكن الا مثالا عن ما يقدمه ابناء الوطن من تضحيات.

بالنسبة لي كانت اول و اعز شخص التقيت به لهذا لم استطع ان اواصل رحلتي من دونها، فقررت أن أعود لارض الوطن بحقيبتي الصغيرة التي وضعت فيها مجلة الحرية ، غادرت و الدموع لا تفارقني ، فصورة زينب امامي و لحنها الشجي في اذني، كلامها الحلو الطيب يودعني، لم أنساها و لن انساها و لن اتذكر سواها و سأتعلم عزف لحن الامل لاحيي ذكراها.

يوم : 21 يناير 2007


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع

| رفيقة سماحي محمد | الشلالة | 27/05/14 |

العفو بالنيابة شكرا على مرورك أخي وتقبل الله الدعاء


| رشيد لكحل | 18/04/14 |
اشكر الاخت فاطمة مباركى على تلك القصة القصيرة عن معاناة الشعب العراقى الذى نتمنى له ان يضمد جراحه ويعود الى السلم والامن ويبى عراق الحضارة والشهامة + اللهم ارزقه بالامن والامان امين


...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة