فضاءات الاحراز

الاحراز

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ناصر قطب محمد سليمان
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 52
إعلانات


أمن الأسرة.. في الآخرة

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) ? (التحريم).
وعن زيد بن أسلم قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ?قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا?، فقالوا: يا رسول الله كيف نقي أهلنا نارًا؟ قال: "تأمرونهم بما يحبه الله، وتنهونهم عما يكره الله" (1).
يقرأ المسلم هذه الآية ويرى من خلالها الواجب المنوط به نحو أهله من أبناء وزوجة، وإذا كان يسعى من أجل أن يؤمِّن حياة كريمة لمن يعول بحيث يجدون فيها الضروريات والكماليات، وسائر الاحتياجات.. انطلاقًا من إيمانه بضرورة تأمين مستقبلهم بما يدخره لهم من أموال، ليكون عونًا لهم على ما يطلع به الغد من أحداث، وأنه يتعبد الله بذلك حتى لا يضيِّع من يعول، وأنه يقوم بذلك استجابة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (2).
وإذا كان هذا هو الواجب المنوط به برعايتهم في الاحتياجات الدنيوية، فإن واجبه أعظم في رعايتهم، وتأمين المستقبل الأفضل لهم في الآخرة، وذلك بأن يحميهم من النار، ويقودهم إلى جنات ونهر، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولن يكون ذلك إلا بأن يقودهم إلى طاعة الله، ويحذّرهم من معصية الله، فعن مجاهد قال في تفسير الآية السابقة: اتقوا الله، وأوصوا أهليكم بتقوى الله. وقال قتادة: تأمرهم بطاعة الله، وتنهاهم عن معصية الله، وأن تقوم عليهم بأمر الله، وتأمرهم به، وتساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية قذعتهم عنها، وزجرتهم عنها (3).
الابن المطيع لله قرة العين:
إن قرة عين المؤمن بأبنائه وأهله لا تتم إلا إذا كانوا على طاعة لله، ولا تتحقق إلا إذا كانوا من أهل الصلاح والتقى، بل إن المؤمن ليستعين بالله على تحقيق ذلك بالدعاء: ?وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)? (الفرقان).
يقول الإمام ابن كثير: "يعني الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له"، وقال ابن عباس: "يعنون من يعمل بطاعة الله فتقر أعينهم في الدنيا والآخرة". وقال عكرمة: "لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمالاً، ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين".
وسئُل الحسن البصري عن هذه الآية فقال: أن يرى الله العبد المسلم من زوجته ومن أخيه ومن حميمه طاعة الله، لا والله لا شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدًا أو ولد ولد أو أخًا أو حميمًا مطيعًا لله عز وجل (4).
وعن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ يَوْمًا فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ طُوبَى لِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاللهِ لَوَدِدْنَا أَنَّا رَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ وَشَهِدْنَا مَا شَهِدْتَ، فَاسْتُغْضِبَ فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ، مَا قَالَ إِلاَّ خَيْرًا، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا يَحْمِلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَتَمَنَّى مَحْضَرًا غَيَّبَهُ اللهُ عَنْهُ لاَ يَدْرِي لَوْ شَهِدَهُ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ فِيهِ وَاللهِ لَقَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقْوَامٌ أَكَبَّهُمُ اللهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ لَمْ يُجِيبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ أَوَلاَ تَحْمَدُونَ اللهَ إِذْ أَخْرَجَكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ إِلاَّ رَبَّكُمْ مُصَدِّقِينَ لِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ قَدْ كُفِيتُمُ الْبَلاَءَ بِغَيْرِكُمْ، وَاللهِ لَقَدْ بَعَثَ اللهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَشَدِّ حَالٍ بُعِثَ عَلَيْهَا فِيهِ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فِى فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ دِينًا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِه،ِ حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرَى وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ أَوْ أَخَاهُ كَافِرًا وَقَدْ فَتَحَ اللهُ قُفْلَ قَلْبِهِ لِلإِيمَانِ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ هَلَكَ دَخَلَ النَّارَ فَلاَ تَقَرُّ عَيْنُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ وَإِنَّهَا لَلَّتي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ" ?وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) ? (الفرقان) (5).
واجعلنا للمتقين إمامًا: أئمة يقتدى بنا في الخير، وقيل هداة مهتدين، دعاة إلى الخير، فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم، وأن يكون هداهم متعديًا إلى غيرهم بالنفع، وذلك أكثر ثوابًا وأحسن مآبًا (6).
هدي الأنبياء طلب الولد الصالح:
كان من هدي الأنبياء حين يسألون الله الولد إنما يسألون له الصلاح حين الطلب، فدعاء إبراهيم عليه السلام: ?وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)? (الصافات).
كما كان من دعائه: ?رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)? (إبراهيم).
ومن دعاء زكريا عليه السلام هنالك دعا زكريا ربه: ?هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)? (آل عمران: 38).
صلاح الذرية من دعاء الصالحين:
المسلم حين تتقدم به السن، ويشعر بدنوِّ الأجل، يرى متعته في شكر النعمة، وصلاح الذرية: ?وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)? (الأحقاف: 15).
خسارة الأهل في الآخرة هو الخسران المبين:
وكم تكون حسرته شديدة، وخسارته كبيرة، حين يرى نفسه وأهلهُ يلقى بهم في النار: ?وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)? (الشورى).
بل إن ذلك لهم الخسران المبين: ?فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)? (الزُّمَر:15)، قال ابن كثير: "أي تفارقوا، فلا التقاء لهم أبدًا، وسواء ذهب أهلوهم إلى الجنة، وقد ذهبوا هم إلى النار، أو أن الجميع أسكنوا النار، ولا اجتماع لهم ولا سرور" (7).
جمع شمل الأسرة الصالحة في الجنة:
كم تكون سعادة المسلم غامرة، وفرحته عامرة، حين يجمع الله شمل أسرته في الآخرة يلحق الذرية المتبعة لنهج آبائهم الصالحين والسائرين على دربهم، قال تعالى: ?وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)? (الطور).
عن ابن عباس رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرفع ذرية المؤمن إليه في درجته، وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه، ثم قرأ: ?وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ..?، قال: وما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين (8).
عن سعيد بن جبير رضى الله عنه قال: يدخل الرجل الجنة فيقول أين أمي؟ أين ولدي؟ أين زوجي؟.. فيقال: لم يعملوا مثل عملك- فيقول: كنت أعمل لي ولهم، ثم قرأ: ?جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23)? يعني من آمن بالتوحيد بعد هؤلاء (9).
الهوامش:
1- الدر المنثور 6-375.
2- أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، 15/3 (7138)، ومُسْلِم في كتاب الإمارة، باب: فَضِيلَةِ الإِمَامِ الْعَادِلِ وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ 3/1459 (1829).
3- تفسير ابن كثير 4-391
4- الدر المنثور 5-149
5- أخرجه أحمد 6/2 (23810)، وابن حبان 14/489 (6552)، والطبراني 20/253 (17356).
6- تفسير ابن كثير 3-318.
7- المرجع السابق 4-49.
8- الدر المنثور 6-148
9- المرجع السابق 4-108

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة