فضاءات آيت نعمان

آيت نعمان

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـجماعة
فريد وشطين
مسجــل منــــذ: 2013-02-17
مجموع النقط: 2.8
إعلانات


المبادرة الوطنية للتنمية البشرية : التنمية غير المتكافئة

بقلم : فـــريد وشطــــين.
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
التنمية غير المتكافئة !!
منذ أن دشن المغرب ما يصطلح عليه بالعهد الجديد و هو يراهن على تحقيق التنمية الشاملة للخروج بالبلاد من براثن الفقر و الهشاشة، و فكّ العزلة الاقتصادية و الاجتماعية عن مجموعة من المناطق، و رفع الإقصاء و التهميش عن فآت عريضة من الشعب المغربي. و التنمية بمفهومها العام و البسيط هي نسق متكامل من المقاربات و الآليات و التدابير السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي تروم تحسين ظروف عيش السكان و تأهيلهم للمساهمة في بناء الوطن و نهضته. و حسب الباحث بليس فالتنمية هي "تصوّر شامل يستهدف مختلف الميادين المجتمعية بما فيها الاقتصادية و البيئية ، أياستثمار معقلن لكل الموارد من أجل الإنسان "
لقد أوجد المغرب مجموعة من الآليات و المخططات لتحقيق التنمية منها "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية " و المخطط الأخضر للنهوض بالقطاع الفلاحي، و المخطط الأزرق لتأهيل القطاع السياحي. كما راهن المغرب على استقطاب المستثمرين و فتْح أوراش كبرى كمشروع طنجة المتوسط و تأهيل ضفتي أبي رقراق و مشروع محطة السعيدية المتوسط.
بدون أدنى شك، أحدثت هذه الآليات و المشاريع تحولات كبرى على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي، و حسنت كثيرا من صورة المغرب لدى الهيآت و المنظمات الدولية . فقد سبق لتقارير الخارجية الأمريكية أن أشادت بالجهود التي تبذلها بلادنا من أجل القضاء على الفقر، و سجل أحدها بأن المغرب "واصل تفعيل إصلاحات داخلية ترمي إلى تحسين الوضعية السوسيو اقتصادية ". كما سبق لتقرير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية أن صنف المغرب في الرتبة الثانية بعد إندونيسيا في مجال خفض دور الصفيح. لكن آثار هذه المبادرات ظلت محدودة و مقتصرة فقط على المراكز الكبرى ذات الإشعاع الاقتصادي و البعد الاستراتيجي أي محور طنجة، الرباط، الدار البيضاء، مراكش، أكادير. فما نصيب المغرب العميق من هذه الأوراش الكبرى ؟
للأسف، ظل التصنيف الاستعماري للمغرب إلى نافع و غير نافع يحكم مخططات الدولة و سياساتها الإنمائية. فهل تلك المشاريع التي أتت بها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كافية لتحقيق التنمية المنشودة في المناطق الجبلية ؟ إن مشاريع المبادرة لا تعدو أن تكون وسيلة لضمان العيش العادي لفآت من المواطنين، طالها النسيان لعقود، و أداةً للحفاظ على كرامتهم كآدميين. إن التزويد بحاويات المياه و توفير المدارس و المراكز الصحية و مساعدة السكان على خلق مشاريع ذات دخل قار... هي في نظرنا من أولى أولويات شروط المواطنة و من أبسط الحقوق التي يجب أن توفرها الدولة لمواطنيها. ناهيك عن أن هذه المشاريع قد لا يحالف بعضها النجاح في كثير من الأحيان. فما جدوى المدرسة إذا لم يكن منها إلا الاسم؟ و ما جدوى المراكز الصحية إذا افتقرت للأطر الطبية و المعدات و الأدوية؟ و ماذا تجدي مشاريع تربية الأرانب مثلا إذا تعرض أصحابها للإفلاس . فالقطيع مهدد في أية لحظة للزوال نتيجة التقلبات المناخية و انتشار الأوبئة ؟ أليس من شأن هذه الإكراهات أن تجبر هؤلاء على العودة إلى نقطة الصفر؟ و في أية خانة ضمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يمكن إدخال عملية توزيع البنادير على بعض الفرق الفنية في الأطلس المتوسط؟ و كيف يمكن التباهي بمثل هذا الإجراء التافه و السخيف عبر كتابة عبارة " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إطار البنادير"؟إن التنمية الحقيقية لا تعني " كيف نغذي الفقراء، بل كيف نجعلهم أقوياء".
مرت ثماني سنوات الآن على المبادرة دون أن يكون لها أثر واضح على نمط عيش السكان في المناطق المعزولة، و لازالت وطأة المعاناة تشتد كلما حل فصل الشتاء. و ما المسيرات الاحتجاجية الجماعية المتتالية التي نظمها الأهالي في كل من أقاليم أزيلال و الرشيدية و خنيفرة إلا صور معبرة عن هول المأساة و بؤس الأوضاع !
في هذه المناطق، تصادف أطفالا في عمر الزهور يستجدون المارة حفاة عراة. في هذه الربوع المنسية من المملكة، تدفع الفاقة السكان إلى ابتكار أساليب لا يمكن أن تخطر على البال من أجل كسب لقمة العيش. و لعل أغربها حالة رجل كهل يظل رابضا قرب إحدى المنابع بإقليم خنيفرة، يملأ بالرمال الحفر التي أحدثتها السيول في الطرقات، ثم يستوقف السائقين لِمدّه ببعض الدريهمات نظير خدمته التطوعية تلك. و بمجرد ما تتوقف حركة المرور لبعض الوقت يقوم بتعرية تلك الحفر، لتتكرر عمليات الهدم و البناء و الاستجداء في مشهد سريالي يثير الأسى و يبعث على الحسرة و الشفقة. ما الذي دفع هذا الشخص، و أمثاله كثيرون، إلى امتهان المهانة؟ إنه الفقر المدقع بالطبع !!
إن ما قاسته المناطق الجبلية في الأطالس من ظروف القهر و الإقصاء طيلة عقود لا يمكن القضاء عليها أو التخفيف منها على الأقل، بمثل هذه الإجراءات. إنها تحتاج إلى إقلاع اقتصادي حقيقي و مندمج، و ذلك بتركيز الجهود عليها كتعويض لها عما لحقها من أضرار خلال تلك السنوات العجاف.على الحكومة أن تفكر في التشريع لقانون خاص بالمناطق الجبلية، و تعمل على تأسيس صندوق خاص بها. إن المناطق الجبلية تحتاج إلى تأهيل كلّي يمكنها من جلب المستثمرين من أجل إنشاء مشاريع كبرى مواطِنة. أي أن تكون تنمية المنطقة إحدى أولوياتها. و لهذه المناطق من الموارد ما يؤهلها للعب هذا الدور. إن المناظر الطبيعية الخلابة و المنتجعات السياحية المتنوعة التي تزخر بها أقاليم صفرو، إفران و خنيفرة مثلا، تصلح لأن تكون مدارات سياحية عالمية لو استغلت إمكانياتها بشكل جيد، و لو توفرت فيها الشروط اللازمة كالمركبات الفندقية و الطرق المعبدة. لقد صنفت بحيرة "أ?لمام أزي?زا" تراثا إنسانيا بمقتضى ظهير 1943، و مع ذلك فالوصول إليها أمر صعب للغاية بسبب حالة الطرق المتردية جدا. نفس الوضعية المزرية تعرفها منابع أم الربيع التي أضحت نقطة سوداء تبتلع المصطافين، و عدد ضحاياها من الغرقى أصبح يتزايد سنة بعد أخرى، نتيجة للإهمال و سوء التسيير و لافتقادها لأبسط شروط السلامة و التخييم.
إن منطقة الأطلس خزان مهم للثروة الغابوية، لكنها تكتفي فقط بكونها منطقة لإنتاج الخشب الذي تحتكره لوبيات تستثمر عائداته خارج المنطقة. لماذا لا يتم التفكير في إنشاء وحدات صناعية كبرى تحتضن كل مراحل الصناعة الخشبية انطلاقا من المادة الأولية، إلى المادة المصنعة، إلى التسويق؟ لماذا لا يتم تحويلها إلى قطب للصناعة التحويلية المرتبطة بمجموعة من الغلات الفلاحية كالكرز و اللوز و التفاح مثلا ؟ إنجازات مثل هذه ستمكن من توفير مناصب الشغل لجحافل العاطلين عن العمل، و ستساهم في استقرار الساكنة و إنماء المنطقة.
ما الذي يحول دون استفادة هذه المناطق من المغرب العميق، من ثلاثية الطريق السيار و القطار و المطار؟ صحيح أن المنطقة ليست بها مدن كبرى تضاهي الرباط و الدار البيضاء مساحة و كثافة سكانية، و لكن أي منطق هذا الذي يحكم على الصغير أن يبقى دائما صغيرا و مهمشا، و على أن يزداد الكبير نموا و قوة ؟
لقد أصبح المغرب الآن يتجه إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين كل المناطق، و من أعلى سلطة في البلاد. فقد أولى عاهل البلاد عناية فائقة لأقاليم الشمال المنسية، و تتبع عن كثب كل أوضاعها و سير أشغال أوراش التنمية بها. و خلال زياراته التفقدية للعديد من المناطق، وقف على حجم الأوضاع المزرية لبعض المدن و منها على سبيل المثال مدينة بني ملال التي وصفها جلالته ب "القرية الكبيرة". فإذا كانت هذه هي صورة عاصمة الجهة، فكيف يمكن أن نتصور حالة باقي المدن و القرى المجاورة. فجماعة زاوية الشيخ، رغم كونها خزانا مهما للثروة المائية و منطقة زاخرة بالمناظر الطبيعية المؤهلة لأن تكون فضاءات رائعة للتخييم، و رغم مواردها الفلاحية المتنوعة، خاصة ثمار الزيتون المعروفة بجودتها العالية، فإنها تعاني من نقص حاد في البنيات التحتية الأساسية، و من انتشار البناء العشوائي و مظاهر التلوث نظرا لافتقار أغلب أحيائها لقنوات الصرف الصحي.
إن التنمية لا يمكن لها أن تتبلور بشكل ملموس إذا لم تتحقق العدالة الاجتماعية بين كل أبناء الوطن، و إذا لم يستفيدوا كلهم، على قدم المساواة، من خيرات بلادهم. آنذاك سيتعزز لديهم شعور الاعتزاز بالوطن، و تتجذر في نفوسهم قيم المواطنة الحقة. إن إيلاء الاهتمام لكل المناطق دون تمييز خطوة مهمة من أجل وضع قطار التنمية على السكة الصحيحة و هذا ما سجله المستشار الأممي إيف بارسيليو في تقريره الأخير عن المغرب بأنه " إلى جانب الأهمية الكبيرة المعطاة للمدن كمحرك للتنمية، هناك مصالحة مع جميع المدن سواء منها الكبرى أو المتوسطة أو الصغرى "

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة