فضاءات آيت نعمان

آيت نعمان

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـجماعة
فريد وشطين
مسجــل منــــذ: 2013-02-17
مجموع النقط: 2.8
إعلانات


إماطة اللثام عما قيل في الحجاب و النقاب


ذ. فريد وشطين
إمــاطة اللثام
عما قيل في الحجاب و النقاب
لقد كرم الإسلام المرأة، و حفظ لها حقوقها و حث على التعامل معها بمعروف و إحسان (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).بل إن الرسول صلى الله عليه و سلم أوصى أصحابه و عموم المسلمين بالنساء خيرا. لقد ساوى الإسلام بين المرأة و الرجل في الحقوق و الواجبات اللهم ما يتعلق بأنصبة الإرث (للذكر مثل حظ الأنثيين)، و بالشهادة ( و استشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين، فرجل و امرأتان). و أفضلية الرجل عن المرأة في هذين المجالين، ليست نابعة من منطلق تمييزي أو تحقيري ضد المرأة، بل مرده إلى اعتبارات اقتصادية و اجتماعية و نفسية.
فإذا كان الرجل يأخذ ضعف نصيب المرأة في الإرث، فإنه بالمقابل هو المكلف شرعا بالنفقة على الأسرة حتى لو كانت الزوجة موسرة أو ذات دخل قار. أما التمييز في الشهادة، فراجع إلى طبيعة المرأة الفيزيولوجية و النفسية حيث تتعرض خلال فترات الحيض و الحمل لتغييرات هرمونية تؤثر على مزاجها و تركيزها (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى). و هناك من الفقهاء من حصر هذا التمييز في الشهادة في أمور المعاملات المالية فقط كما تنص على ذلك آية التداين. أما في أمور النساء كالرضاعة مثلا، فتكفي فيها شهادة امرأة واحدة.
لكن التيارات الإسلاموية بمختلف مشاربها، تنظر إلى المرأة نظرة أخرى و لا تقف عند حدود التمييز الذي سنه القرآن الكريم، بل تتعداه إلى طريقة لباسها و في أهليتها لتحمل المسؤوليات. إنها تنظر إلى المرأة ككائن مادي مفعم بالمفاتن المادية، و تختزلها في جسدها الذي هو في نظرها مصدر فتنة و غواية و لذلك وجب حجبه و تغليفه اتقاءَ الوقوع في المعصية.
و الإسلام لم يفرض على المرأة نمطا معينا من اللباس كما يروَّج لذلك، بل اشترط فيه الحشمة و الوقار. و هذا ما يفهم من سياق الآيات القرآنية التي يحتج بها الإسلاميون. يقول تعالى في سورة النور:( و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جيوبهن). فالمفهوم من الآية هو ستر الجيب و هو فتحة الصدر بأي رداء كيفما كان، قميصا أو فستانا...و ما الخمار إلا وسيلة من بين وسائل أخرى تحقق هذا الستر و هو علامة على الحشمة و الوقار كما هو الشأن مع غض البصر. و هذه أمور يستوي فيها الرجال و النساء. يقول تعالى في سورة الأحزاب : ( و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله و الذاكرات. أولائك أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما)
و الكل يعلم أن الخمار و الجلباب و النقاب و غيرها من التسميات، مصطلحات تختلف معانيها من أمة إلى أخرى حسب الأعراف و التقاليد. و طريقة اللباس هي من عناصر التراث و مكونات الموروث الثقافي الذي يتميز به كل شعب عن الآخر و يحقق به هويته الثقافية و الحضارية، و تتحكم في اختياره عوامل البيئة و أنماط العيش و الإمكانيات المادية. فلدى شعب الطوارق مثلا، الرجال هم من يتلثمون و يغطون الرأس و الوجه ولا يتخلون عن اللثام إلا عند الخلود للنوم. و عادتهم هذه فرضتها عليهم بيئة الصحراء القاسية حيث الزوابع الرملية و الحرارة اللافحة و الرياح القوية.
أما مصطلح الحجاب، فلم يرد ذكره في القرآن الكريم إلا في موضع واحد في آية خاصة بنساء النبي ( و إذا سألتموهن متاعا، فاسألوهن من وراء حجاب). و رغم أن الآية نزلت في أمهات المؤمنين، فإن أغلب الفقهاء يجعلون حكمها عاما لكل نساء المسلمين. و رغم أن معنى الحجاب في الآية واضح جلي و هو الستار و الحاجز، فإنهم يأخذونه بمعنى غطاء الرأس أو ما يطلق عليه اللباس الشرعي
و لتأكدهم من ضعف هذه الحجة في فرض الحجاب، فإنهم يحتجون بحديث رواه أبو داود عن عائشة و هو : " يا أسماء إن المرأة ذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا و هذا و أشار إلى وجهه و كفيه ". هذا الحديث مشهور لكنه ضعيف السند و قال عنه المحدثون إنه مرسل لأن روايته من خالد بن دربك و هو لم يسمع من عائشة. و أضافوا إليه علة أخرى و هي أن خالدا هذا معروف بالتدليس. فكيف يتم الاحتجاج بحديث ضعيف أحد رواته من المدلسين؟ لكن المحتجين به يتجنبون الخوض في تخريجه و درجته و تتبع رواته.
و مع انتشار الحركة الوهابية، و تصديرها إلى كل بقاع العالم الإسلامي بفضل إمكانيات و إغراءات البتر ودولار، فرضوا على المرأة النقاب فتحولت إلى خيمة سوداء متحركة. و لما كان حديث أسماء السالف الذكر لا يتماشى مع نظرتهم للمرأة، شككوا هم كذلك في صحته و استكثروا على المرأة حتى إظهار الوجه و الكفين و اعتبروها كلها عورة و الشيطان يترصد خطاها متى خرجت من بيتها. و يستشهدون بحديث لابن حبان لم يرد - لا عند البخاري و لا عند مسلم و هو : "المرأة كلها عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان و أقرب ما تكون من رحمة ربها و هي في قعر بيتها "
إنهم يريدون أن يجردوا المرأة من إنسانيتها و يقطعوا كل صلة لها بالمجتمع و يلغوا أي دور لها في الحياة العامة. يركنونها في قعر البيت كآلة لإنتاج النسل البشري و يرمون بها في مرآب المتلاشيات متى ترهَّلت أجزاؤها و تعطلت أجهزتها الإنتاجية ليتم بعد ذلك تعويضها بأخرى تفي بالغرض.
إنهم يريدون لها أن تبقى مجرد متاع ملفوف كالبصلة، بسلسلة من التلافيف، و لا يمكن أن تتجرد منها إلا عند الإيواء إليها، و لا دخل لها بأمور السياسة و تدبير الشأن المحلي و غيرهما. و كل من سولت لها نفسها الخروج عن هذه القاعدة، ستلقى نفس مصير الصحافية السودانية لبنى حسين التي حكمت عليها حكومة البشير الإسلامية بأربعين جلدة لأنها تجرأت على لباس السروال. و الحقيقة أن ما يخيف هؤلاء الإسلاميين ليس سروالها و إنما قلمها الذي تكرسه لتحرير المرأة من براثن الرجعية و تخليصها من قيود الأصولية.
فالمرأة في نظر هؤلاء لا حق لها في أية ولاية و لا حق لها في الوظيفة و لا في تقلد مراكز المسؤولية كالوزارة و رئاسة الدولة و يستدلون بحديث مشهور لكنه هو الآخر ضعيف و هو : " لن يفلح قوم ولوا على أمرهم امرأة ". هذا الحديث سمع لأول مرة في خضم أحداث واقعة الجمل حين قادت عائشة رضي الله عنها الفريق المناهض لعلي كرم الله وجهه. و هو مشكوك فيه لأن دوافعه سياسية و الغرض منه ثني المسلمين على اتباع السيدة عائشة و مناصرتها. و من جهة أخرى، فقد رواه أبو بَكْرة و هو رجل أقام عليه عمر بن الخطاب الحد ثمانين جلدة و أسقط شهادته لأنه رمى المغيرة بن شعبة بالزنا و لم يأت بالشهود عملا بقوله تعالى في سورة النور ( و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولائك هم الفاسقون). فكيف يقبل حديث و يحتج به و راويه ممن لا تقبل لهم شهادة أبدا ؟
كلما تحدث الإسلاميون عن المرأة، قالوا عنها إنها هي الأم و البنت و الأخت و الزوجة، لإثبات غيرتهم عليها و حرصهم على حقوقها. و نحن نقول إن المرأة قبل كل شيء كائن إنساني مستقل الذات، ليس في حاجة لربطه بأي كائن آخر مهما كان، و ليس في حاجة لأية وصاية ممن كان. و كلما عارض أحدنا نظرتهم للمرأة و رأيهم في لباسها، اتهموه بالتحريض على العري و نشر التفسخ. و نحن نقول إن ما نعارضه هو اللباس النمطي الذي يعوق تقدم المرأة و الذي تريد أقلية أن تفرضه باسم الدين على الأغلبية، أما الحشمة و الوقار و حسن الخلق، فهي قيم كونية تجتمع حولها كل الديانات و كل الشعوب و ليس هناك من عاقل يمكن أن يعارضها و يقف ضدها.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة