الشعر الأمازيغي بالأطلس المتوسط: الوظائف و الأنماط الشعرية
ذ. فـــريد وشطيـــــن
ورقة حول الشعر الأمازيغي بالأطلس المتوسط:
الوظائف و الأنماط الشعرية
يعتبر الشعر الأمازيغي ديوان إيمازيغن ، الذي يعبر بكل صدق عن همومهم و يترجم أحاسيسهم و يصور أنماط عيشهم و يثير واقعهم المعيش من دقائق الأمور و عظامها. فيه يصوغ الشعراء ( إنشادن، إمديازن) عواطفهم و انطباعاتهم و أفكارهم و تصوراتهم للحياة و لمختلف القضايا المرتبطة بهم، في قالب فني رائع يجمع بين جزالة الكلمة و رصانة المعنى و عمق الدلالة و بلاغة الأداء و جمالية اللحن. و قد التصق الشاعر الأمازيغي عبر العصور بالقبيلة فكان المدافع الشرس عن حياضها و الممثل الأمثل لها في مختلف اللقاءات و المجمعات (إكراون) و المبلغ الأمين لرسالتها. من هنا كانت همومه الذاتية تذوب في بوثقة هموم القبيلة.
فإلى الشاعر الأمازيغي يعود الفضل الأكبر في الحفاظ على اللغة الأمازيغية إذ يحرص على أن ينتقي كلماته من القاموس الشعري الأصيل، و إليه يعود الفضل في الحفاظ على عناصر الثقافة عبر الزي التقليدي الذي يرتديه ، فهو يظهر في أحسن حلة و أبهى صورة من خلال الجلباب و الرزة و البلغة... و إليه يرجع الفضل في ترسيخ الهوية عبر ما تحمله قصائده من قيم محددة للإنسان الأمازيغي في علاقته مع الذات و الطبيعة و مع الآخر. و لا أحد يمكن أن ينكر دور الشاعر الأمازيغي في تطوير الإبداع و الأدب الأمازيغيين.
و جدير بالذكر إلى أن الشعر الأمازيغي في الأطلس المتوسط لازال شعرا شفهيا مما يعرضه للتلف و الضياع. من هنا فالحاجة ملحة من كل الأطراف الرسمية و غير الرسمية و المجتمع المدني من أجل تضافر الجهود حتى يعرف هذا الكنز الثمين من موروثنا الثقافي طريقه إلى التدوين. كما أن الشاعر الأمازيغي في الأطلس المتوسط يعرف نوعا من التهميش و العزلة و المهانة وسوء الاعتبار و تدني المكانة الاجتماعية، و لازال يلعب أدوارا فلكلورية لا ترقى إلى مستوى الرسالة الشعرية النبيلة التي يضطلع بها و هذا ما يفرض على الجهات المعنية التفكير مليا في رد الاعتبار للشاعر الأمازيغي و تمكينه من حقوقه الثقافية إسوة بباقي المبدعين من وطننا الحبيب...
و قد اضطلع الشاعر الأمازيغي عبر التاريخ بمجموعة من الأدوار و الوظائف هذه بعض منها :
- الوظيفة التعبيرية : الشاعر الأمازيغي هو المعبر الصادق عن آلام و آمال القبيلة و له قوة كاريزمية خارقة في استمالة قلوب المستمعين و التأثير فيهم.
- الوظيفة الإعلامية : الشاعر الأمازيغي هو المبلغ عن مختلف القضايا المرتبطة بالقبيلة و الوطن بل و العالم. وكثيرا ما ينخرط في التعريف بالمستجدات و إعطاء رأيه حولها ( الانتخابات مثلا).
- الوظيفة الحماسية : الغاية منها شحذ الهمم و تحميس الحاضرين و المتلقين للإقبال على فعل أو اتخاذ رد فعل ( التحريض على المقاومة خلال الاستعمار)
- الوظيفة الدينية : يقوم الشاعر بعرض أفكار دينية و شرحها على ضوء اكتسبه من مجالسته للخطباء و الأئمة و يطغى عليها طابع الوعظ و الإرشاد. كما تتضمن قصص الأنبياء و الرسل بغاية التأثير في المستمعين ( نماذج الشيخ أخريدان، الشبخ أوسليمان...)
و يمكن تقسيم الأنماط الشعرية بالأطلس المتوسط إلى :
- تاماوايت : و تعني "المرافقة" و فيها يطلق ملقيها العنان لحنجرته عبر التموجات الصوتية الرنانة لترددها أصداء الجبال و الغابات و توصلها إلى صاحبها الذي يرد عليها بعد ذلك. إنها رسالة مشفرة بين اثنين ( غالبا بين رجل و امرأة)
- ازداي أو باي بابا :و معناه "الممتد" نوع شعري يعتمد على ترديد الكلمات الأخيرة من كل شطر و الامتدادات الصوتية فيه واضحة الغاية منها إظهار مدى الانسجام الصوتي بين ملقيها ( أكثر من واحد)
- أفراذي : يقوم على بيتين مزدوجين لا يستقيم المعنى إلا بهما. و يعتمد هذا النوع على الرمز و الإيحاء و عمق المعاني و لا يستوعبه إلا من خبر الكلمة الموزونة المعبرة و نجدها في فن أحيدوس و الأغنية (إزلي).
- تايفارت: و تعني "العقال الذي يربط قوائم الدابة" و هي متتاليات من الأبيات (القصيدة) و تتميز بتعدد المواضيع و قد لا تكون بينها أدنى علاقة أحيانا. و هي أرقى أشكال الشعر الأمازيغي يلقيها الشيخ الرئيس و المرددين (إردّادن) و قد تتخذ طابعا حواريا فيشترك في إلقائها أكثر من شاعر. و القصيدة الأمازيغية لا تلتزم بوحدة الروي لكنها تلتزم بوحدة الوزن و اللحن.
و قد كان الشعراء يلقون قصائدهم في الولائم و المناسبات و المواسم التي تنظم عند نهاية الحصاد. كما كانوا يجتمعون في أماكن و مواسم معروفة كموسم الهادي بنعيسى بمكناس و مولاي ادريس الأكبر بزرهون لكن حضورهم فيها بدأ يتلاشى سنة بعد سنة بسبب النغيرات السوسيوثقافية الطارئة على بنية المجتمع المغربي.
ورقة حول الشعر الأمازيغي بالأطلس المتوسط:
الوظائف و الأنماط الشعرية
يعتبر الشعر الأمازيغي ديوان إيمازيغن ، الذي يعبر بكل صدق عن همومهم و يترجم أحاسيسهم و يصور أنماط عيشهم و يثير واقعهم المعيش من دقائق الأمور و عظامها. فيه يصوغ الشعراء ( إنشادن، إمديازن) عواطفهم و انطباعاتهم و أفكارهم و تصوراتهم للحياة و لمختلف القضايا المرتبطة بهم، في قالب فني رائع يجمع بين جزالة الكلمة و رصانة المعنى و عمق الدلالة و بلاغة الأداء و جمالية اللحن. و قد التصق الشاعر الأمازيغي عبر العصور بالقبيلة فكان المدافع الشرس عن حياضها و الممثل الأمثل لها في مختلف اللقاءات و المجمعات (إكراون) و المبلغ الأمين لرسالتها. من هنا كانت همومه الذاتية تذوب في بوثقة هموم القبيلة.
فإلى الشاعر الأمازيغي يعود الفضل الأكبر في الحفاظ على اللغة الأمازيغية إذ يحرص على أن ينتقي كلماته من القاموس الشعري الأصيل، و إليه يعود الفضل في الحفاظ على عناصر الثقافة عبر الزي التقليدي الذي يرتديه ، فهو يظهر في أحسن حلة و أبهى صورة من خلال الجلباب و الرزة و البلغة... و إليه يرجع الفضل في ترسيخ الهوية عبر ما تحمله قصائده من قيم محددة للإنسان الأمازيغي في علاقته مع الذات و الطبيعة و مع الآخر. و لا أحد يمكن أن ينكر دور الشاعر الأمازيغي في تطوير الإبداع و الأدب الأمازيغيين.
و جدير بالذكر إلى أن الشعر الأمازيغي في الأطلس المتوسط لازال شعرا شفهيا مما يعرضه للتلف و الضياع. من هنا فالحاجة ملحة من كل الأطراف الرسمية و غير الرسمية و المجتمع المدني من أجل تضافر الجهود حتى يعرف هذا الكنز الثمين من موروثنا الثقافي طريقه إلى التدوين. كما أن الشاعر الأمازيغي في الأطلس المتوسط يعرف نوعا من التهميش و العزلة و المهانة وسوء الاعتبار و تدني المكانة الاجتماعية، و لازال يلعب أدوارا فلكلورية لا ترقى إلى مستوى الرسالة الشعرية النبيلة التي يضطلع بها و هذا ما يفرض على الجهات المعنية التفكير مليا في رد الاعتبار للشاعر الأمازيغي و تمكينه من حقوقه الثقافية إسوة بباقي المبدعين من وطننا الحبيب...
و قد اضطلع الشاعر الأمازيغي عبر التاريخ بمجموعة من الأدوار و الوظائف هذه بعض منها :
- الوظيفة التعبيرية : الشاعر الأمازيغي هو المعبر الصادق عن آلام و آمال القبيلة و له قوة كاريزمية خارقة في استمالة قلوب المستمعين و التأثير فيهم.
- الوظيفة الإعلامية : الشاعر الأمازيغي هو المبلغ عن مختلف القضايا المرتبطة بالقبيلة و الوطن بل و العالم. وكثيرا ما ينخرط في التعريف بالمستجدات و إعطاء رأيه حولها ( الانتخابات مثلا).
- الوظيفة الحماسية : الغاية منها شحذ الهمم و تحميس الحاضرين و المتلقين للإقبال على فعل أو اتخاذ رد فعل ( التحريض على المقاومة خلال الاستعمار)
- الوظيفة الدينية : يقوم الشاعر بعرض أفكار دينية و شرحها على ضوء اكتسبه من مجالسته للخطباء و الأئمة و يطغى عليها طابع الوعظ و الإرشاد. كما تتضمن قصص الأنبياء و الرسل بغاية التأثير في المستمعين ( نماذج الشيخ أخريدان، الشبخ أوسليمان...)
و يمكن تقسيم الأنماط الشعرية بالأطلس المتوسط إلى :
- تاماوايت : و تعني "المرافقة" و فيها يطلق ملقيها العنان لحنجرته عبر التموجات الصوتية الرنانة لترددها أصداء الجبال و الغابات و توصلها إلى صاحبها الذي يرد عليها بعد ذلك. إنها رسالة مشفرة بين اثنين ( غالبا بين رجل و امرأة)
- ازداي أو باي بابا :و معناه "الممتد" نوع شعري يعتمد على ترديد الكلمات الأخيرة من كل شطر و الامتدادات الصوتية فيه واضحة الغاية منها إظهار مدى الانسجام الصوتي بين ملقيها ( أكثر من واحد)
- أفراذي : يقوم على بيتين مزدوجين لا يستقيم المعنى إلا بهما. و يعتمد هذا النوع على الرمز و الإيحاء و عمق المعاني و لا يستوعبه إلا من خبر الكلمة الموزونة المعبرة و نجدها في فن أحيدوس و الأغنية (إزلي).
- تايفارت: و تعني "العقال الذي يربط قوائم الدابة" و هي متتاليات من الأبيات (القصيدة) و تتميز بتعدد المواضيع و قد لا تكون بينها أدنى علاقة أحيانا. و هي أرقى أشكال الشعر الأمازيغي يلقيها الشيخ الرئيس و المرددين (إردّادن) و قد تتخذ طابعا حواريا فيشترك في إلقائها أكثر من شاعر. و القصيدة الأمازيغية لا تلتزم بوحدة الروي لكنها تلتزم بوحدة الوزن و اللحن.
و قد كان الشعراء يلقون قصائدهم في الولائم و المناسبات و المواسم التي تنظم عند نهاية الحصاد. كما كانوا يجتمعون في أماكن و مواسم معروفة كموسم الهادي بنعيسى بمكناس و مولاي ادريس الأكبر بزرهون لكن حضورهم فيها بدأ يتلاشى سنة بعد سنة بسبب النغيرات السوسيوثقافية الطارئة على بنية المجتمع المغربي.
