فضاءات الجديدة (البلدية)
إعلانات


احتفاظ وزارة التربية الوطنية ببيداغوجيا الكفايات مع إلغاء ببيداغوجيا الإدماج دليل على الارتجال

بقلم محمد شركي

لا يجادل أحد في كون بيداغوجيا الكفايات هي الخيار الاستراتيجي للنهوض بالمنظومات التربوية في البلاد المتطورة التي تعتبر مصدر اقتنائنا للبيداغوجيات منذ استقلالنا . ولقد أكد الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد الشباب أن بيداغوجيا الكفايات لا زالت خيارا بيداغوجيا استراتيجيا ، وهذا القرار السياسي الرفيع المستوى يؤكد أن الرهان على هذه البيداغوجيا لا زال قائما ، خصوصا وأن فقرة من فقرات هذا الخطاب السامي نبهت إلى أن النهوض بالمنظومة التربوية لا يكون عبر تغيير المناهج و البرامج والوسائل بما فيها الكتب المدرسية ، بل بتغيير الذهنيات خصوصا بعدما ثبت أن أصحاب القرار التربوي الذين طالبوا بصبيب الأموال من أجل إنجاح رباعية الإصلاح الفاشلة بعد فشل العشرية ، إنما كان قصدهم خلق فرص للسحت وأكل المال العام بالباطل ليس غير.

ولهذا قطع الخطاب عليهم سبل الارتزاق بالمنظومة التربوية من جديد ، واتخاذها مطية من أجل الوصول إلى المال العام المحرم ،مع أن المطلوب ليس صبيب المال ، وإنما صبيب الضمائر الحية المقتنعة بضرورة الاستماتة من أجل إنقاذ المنظومة التربوية من الانهيارالمحقق. ونشر أخبار احتفاظ الوزارة ببيداغوجيا الكفايات مؤخرا مجرد اجترار لقرار ملكي سام قطع كل شك بأن بيداغوجيا الكفايات هي الرهان من أجل إنقاذ منظومتنا ، لأنها بيداغوجيا تقوم أساسا على تنمية وتطوير القدرات والمهارات عوض تكديس المضامين وحشو الأدمغة بها مع أنها سريعة التبخر ولا تجدي نفعا.

والوزارة بإعلانها استمرار العمل ببيداغوجيا الكفايات رغما عنها بموجب قرار سياسي لا يمكنها أن تتخطاه مع إسقاطها تقنية من تقنيات هذه البيداغوجيا، وهي تقنية الإدماج تضع نفسها في موقف حرج ومتناقض في نفس الوقت ،لأنها في وضعية من لا يأكل الميتة ، ولكنه يغمس خبزه في مرقها . ومع أن مقاول ما يسمى بيداغوجيا الإدماج كان دائما ولا زال هو وسماسرته مصرين على أنها بيداغوجيا قائمة بذاتها ، وليس مجرد أداة من أدوات بيداغوجيا الكفايات ، وليست مجرد تقنية من تقنيات ممارسة بيداغوجيا الكفايات ، وهي تقنية تتضمن آلية تقويم مقتبسة من مرجعيات التقويم في بيداغوجيا الكفايات ،فإن إقدام الوزارة الحالية على شطبها إنما يعني شط إجراء من إجراءات بيداغوجيا الكفايات بسبب مشكل تصفية حساب مع الوزارة السابقة ، لأن دأب الوزارات المتعاقبة على قطاع التربية عندنا هو أن كل وزارة تلعن أختها مع أن اللعنة تلاحق الجميع ما دامت المنظومة في حالة إفلاس وخراب بشهادة محاولتي إصلاح العشرية والرباعية .

ومن المؤكد أن الوزارة الحالية لم تشطب تقنية الإدماج التي هي من تقنيات بيداغوجيا الكفايات إلا لأنها كلفت خزينة الدولة أموالا صرف أكثرها على المرتزقة بها . وربما كان في نية الوزارة الحالية أيضا أن تبتدع بيداغوجيا بديلة عما سمي بيداغوجيا الإدماج من أجل تبرير صرف أموال أخرى بعدما أفنت الوزارة السابقة مالا لبدا على بيداغوجيا الإدماج التي أثنى صاحبها في رسالته الأخيرة على الذين كانوا وسطاء بينه وبين المغرب ليجني ما جناه ابن بلده مدرب فريقنا الوطني لكرة القدم بلا طائل ولا نتيجة . أقول لا أستبعد أن تكون نية الوزارة الحالية كانت على غرار نوايا الوزارات السابقة المبيتة ،خصوصا وأن نفس اللوبي المهيمن مركزيا يساير كل وزارة جديدة، ويشير عليها بما يفعل الموسى في الرأس على حد تعبير المثل العامي ، إلا أن الخطاب الملكي السامي وضع حد لكل الأطماع في المال العام بذريعة النهوض بالمنظومة التربوية عندما جعل الإصلاح خارج تغيير المقررات والبرامج والكتب .

وأمام ارتجال الوزارة بقرارها شطب تقنية الإدماج التي هي ممارسة من ممارسات بيداغوجيا الكفايات عوض الاستفادة منها على الأقل مقابل ما صرف عليها من مال عام ،وما طبع من وثائق بالأطنان صارت كلها إلى سلة المهملات ، وما غل لوبي الوزارة وسيأتي يوم القيامة بما غل ، وما صرف على الممضوغات كما نسميها مقابل المصوغات لم تجد بد من تسويق شعار “ اجتهاد المدرسين في إطار بيداغوجيا الكفايات وتنويع المبادرات . فإذا كانت الوزارة قد استغنت عن تقنية مقاول بيداغوجي متخصص فكيف تراهن على محاولات المدرسين الذين ليس من اختصاصهم وضع المقاربات والبيداغوجيا وتقنياتها بل تنفيذها ؟ ووزارتنا ،وهي تعول على المدرسين ، وما تعويلها عليهم إيمانا منها بهم أو بقدراتهم، بل لأنها ستجد في مجانية ما سيقومون به من محاولات بغض الطرف عن سدادها أو انحرافها مجرد بديل عن تقنية مستوردة كلفت الدولة ثمنا باهظا وليس غير، ولذلك ينطبق عليها المثل العامي : ” اللي ما جا مع العروس ما يجي مع أمها ” .فما لم يحققه المقاول المتخصص في المجال البيداغوجي لن يحققه أبدا من لا يجيدون سوى تنفيذ ما ينظر له فقهاء البيداغوجيا. والوزارة بقرارها الارتجالي الثاني بعد قرارها الأول وهو إلغاء تقنية الإدماج ، ستفتح الباب على مصراعيه للفوضى البيداغوجية حيث سيدعي كل من هب ودب أنه يجتهد في تطوير بيداغوجيا الكفايات ، وأنه يملك البديل عما هو موجود . هذا إن استجاب البعض لحلم الوزارة ، أما المتوقع فهو بقاء دار لقمان على حالها كما جرت العادة .

وسيتحرك المرتزقة والانتهازيون الذين يحسبون على فقه المناهج والبرامج من أجل تسويق محاولاتهم مستغلين غطاء الوزارة كما فعل بعض المهرولين الذين سارعوا إلى تغيير الكتب المدرسية على خلفية تقنية الإدماج ، فلما أدركهم قرار شطب الوزارة لها برروا ارتزاقهم بأنه كان قبل تقنية الإدماج مطلب المدرسين ، وأن ارتزاقهم بالتأليف مخالفين روح الخطاب الملكي السامي جاء استجابة لغير خلفية تقنية الإدماج وهم كاذبون . وسيكثر فينا فقهاء البيداغوجيا الذين سيقدمون أنفسهم منظرين لتطوير بيداغوجيا الكفايات ، وهو أمر سترتاح له الوزارة طالما أن هذه المحاولات ستكون بدون كلفة كما كانت محاولة تقنية الإدماج المكلفة . وعلى غرار ما قيل عن فشل المدرب البلجيكي في تحقيق نتائج في مجال كرة القدم بسبب وجود من كان يضع له أعوادا في عجلته من المرتزقة ، يمكن القول بأن مرتزقة آخرون صنعوا مثل صنيعهم بالنسبة للمقاول البيداغوجي البلجيكي الذي لا زال تسجيله محفوظا في موقع وجدة سيتي يوم زار أكاديمية الجهة الشرقية ،وحوصر بملاحظة مفادها أنه نزل تقنيته على برامج غير مناسبة ، وأنه طبقها على مستويين دراسيين دفعة واحدة ، فتبرأ من ذلك و حمل المسؤولية للوزارة التي استعجلت تطبيق تقنيته على مستويين دفعة واحدة بسبب ضيق أجل رباعية الإصلاح ، واعتماد برامج غير منسجمة معها بسبب صفقات التأليف التي تنتهي بنهاية رباعية الإصلاح .

وبهذا تكون ذمته من الناحية الأخلاقية قد برئت ، وإن كان من الأخلاق ألا يغامر بسمعة تقنيته مع إصرار لوبيات الوزارة السابقة في المركز عليها من أجل اتخاذها ذريعة للسطو على المال العام ، وقد فعلوا بكل جشع . وكم تمنينا لو أن وسائل إعلامنا استضافت المقاول البلجيكي من أجل الانصات إليه ليؤكد أن سبب فشل تقنيته البيداغوجية سببها لوبي الوزارة المرتزق بها ، وليست هي في حد ذاتها ، مع أن المقاول لا يقل طمعا عن اللوبي الذي ركبه واستغله ، وعليه ينطبق المثل العامي : ” شاف الحشيش ما شاف الحافة ” .لأنه فضل المال على سمعته البيداغوجيا ، فلو أنه رفض الصفقة مع لوبي الوزارة السابقة لكان ذلك خيرا له ، وربما كان الإقبال عليه أكبر ، ولكنه الطمع الطاعون الذي يعمي البصائر قبل الأبصار.


وأخيرا نقول مع الخطاب الملكي السامي ليس الحل في تغيير البرامج والمناهج والكتب ، بل في تغيير العقليات وعلى رأس التغيير الإيمان بنكران الذات لدى الجميع من أجل إنقاذ المنظومة الذي هو إنقاذ للوطن في نهاية المطاف . فإذا كان رئيس أقوى دولة في العالم يصرح في خطاب فوزره للمرة الثانية بأنه سيعمل على تطوير المنظومة التربوية الأمريكية ، فلأنه يعلم علم اليقين أن تطويرها يعني تطوير المجتمع الأمريكي . وإنقاذ منظومتنا المحتضرة يقتضي اتخاذ الأسباب ، وعلى رأس الأسباب صرف من لا يجمعهم بهذه المنظومة سوى الخير والإحسان على حد التعبير العامي من أعلى هرم الوزارة إلى أسفلها، لأن ذلك من صميم تغيير العقليات المعرقلة لإصلاح المنظومة التربوية الموبوءة . فمن لا يعرف كوعا من بوع في المنظومة لا يحق أن يجعل الأمر بيده ليعبث به . ووضع الأمور بيد غير أهلها هو إعلان عن نهايتها وقيامتها ، ولهذا من وضع مصير المنظومة التربوية في يد من يجهل أبسط ما فيها ،ويسأل من دونه مسؤولية عن عجائبها التي هي من البديهيات إنما غامر مغامرة خطيرة بمصير هذه المنظومة ، وهي مغامرة أخطر بمصير الوطن و لا تحمد عقباها .


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة