فضاءات الشغادره

الشغادره

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـمديرية
حسن القطري
مسجــل منــــذ: 2012-06-14
مجموع النقط: 9
إعلانات


إصلاح ذات البين


الإسلام بمسألة احتمال وقوع الخلاف بين المؤمنين وأخذها بعين الاعتبار؛ وذلك لأن المؤمنين بَشَر يخطئون ويصيبون، ويعسر أن تتَّفق آراؤهم أو تتوحَّد اتجاهاتهم دائماً، ولهذا عالج الإسلام مسألة الخلاف على اختلاف مستوياتها بدءاً من مرحلة المشاحنة والمجادلة، ومروراً بالهجر والتباعد، وانتهاءً بمرحلة الاعتداء والقتال، والإسلام دين يتشوّف إلى الصلح ويسعى له وينادي إليه، وليس ثمة خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة يصلح فيها العبد بين اثنين ويقرب فيها بين قلبين، فبالإصلاح تكون الطمأنينة والهدوء والاستقرار والأمن، وتتفجر ينابيع الألفة والمحبة.
أهمية الإصلاح:
1- الإصلاح عبادة جليلة وخلق جميل يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو خير كله: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128].
2- بالإصلاح تكون الأمة وحدة متماسكة، وبالإصلاح يصلح المجتمع، وتأتلف القلوب، وتجتمع الكلمة، وينبذ الخلاف وتزرع المحبة والمودة. الإصلاح عنوان الإيمان في الإخوان {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10]. إذا فقد الإصلاح هلكت الشعوب والأمم، وفسدت البيوت والأسر، وتبددت الثروات، وانتهكت الحرمات، وعم الشر القريب والبعيد.
والذي لا يقبل الصلح ولا يسعى فيه رجل قاسي القلب قد فسد باطنه، وخبثت نيته وساء خلقه وغلظت كبده فهو إلى الشر أقرب وعن الخير أبعد.
ومن عظيم بركة الرب وعفوه ورحمته أنه يصلح بين المؤمنين يوم القيامة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ فقال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله -تبارك وتعالى- للطالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب فليحمل من أوزاري، قال: وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذاك اليوم يحتاج الناس إلى من يُحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من ذهب وقصور من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا؟ أو لأي صديق هذا؟ أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم؛ فإن الله يصلح بين المؤمنين».
ميادين الإصلاح:
1. في الأفراد والجماعات: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ» [رواه البخاري].
2. في الأزواج والزوجات: «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ عَمِّك؟ قَالَت:ْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإِنْسَان:ٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَال:َ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ» [رواه البخاري].
3. بين المتداينين: عن كَعْبٍ بن مالك أَنَّه تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتٍه، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ: «يَا كَعْبُ فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه! ِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ، فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ فَاقْضِه» [رواه البخاري].
4. في الأقارب والأرحام: حُدِّثَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لأحْجُرَنَّ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَهُوَ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَم.ْ قَالَتْ: هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لا أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا، فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا حِينَ طَالَتْ الْهِجْرَةُ فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ لا أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا وَلا أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ -وَهُمَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ- وَقَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ فَإِنَّهَا لا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذِرَ قَطِيعَتِي، فَأَقْبَلَ بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ، فَقَال: السَّلامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ أَنَدْخُل؟ قَالَتْ عَائِشَة:ُ ادْخُلُوا، قَالُوا كُلُّنَا. قَالَت:ْ نَعَم ادْخُلُوا كُلُّكُمْ. وَلا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إلاَّ مَا كَلَّمَتْهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ، وَيَقُولانِ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنْ الْهِجْرَةِ؛ فَإِنَّهُ «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ»، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنْ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا نَذْرَهَا وَتَبْكِي، وَتَقُول:ُ إِنِّي نَذَرْتُ وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ؛ فَلَمْ يَزَالا بِهَا حَتَّى كَلَّمَتْ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا" [رواه البخاري].
5. في القبائل والطوائف: عن أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ حِمَارًا فَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ َقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِك.َ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأنْصَارِ مِنْهُم:ْ وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْك.َ فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَشَتَمَه، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالأيْدِي وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}" [رواه البخاري].
6 . في الأموال والدماء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، فَقَالَ الَّذِي شرى الأرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، قال: فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا لِي غُلامٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ قَالَ أَنْكِحُوا الْغُلامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِكمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا» [رواه مسلم].
7. في النزاع والخصومات، عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: سَمِع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَ، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُول:ُ وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ» [رواه البخاري].
الإصلاح عزيمة، راشدة ونية خيرة، وإرادة مصلحة، والأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين، ويعيد الوئام إلى المتنازعين، إصلاح تسكن به النفوس، وتأتلف به القلوب، ولا يقوم به إلا عصبة خيرة من خلق الله، شرفت أقدارهم، وكرمت أخلاقهم، وطابت منابتهم.
وللإصلاح فقه ومسالك دلت عليها نصوص الشرع وسار عليها المصلحون المخلصون، ومن أعظم الصلحِ الصلح بين المسلمين المتقاتلين؛ لأن إراقة الدماء بين المسلمين من أعظم الكبائر، ومما يفرق الصفوف أشد تفريق، ولذلك قال الله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] فهذا أمرٌ بالصلح.
وكذلك فإن الإصلاح بين طالبي الدية في الجراحات مما جاء في السنة، فإن أنساً رضي الله عنه حدث أن الربيِّع بنت النضر اعتدت على جارية فكسرت ثنيتها، فطلبوا القصاص، فقال أهل الربيِّع: نعطيكم مالاً بدلاً مما فعلته الربيِّع، أو اعفوا عنها وتنازلوا عن طلب القصاص، فأبوا إلا القصاص، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالقصاص لأنه كتاب الله، فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيِّع يا رسول الله؟! -وكان رجلاً صالحاً من أولياء الله تعالى- لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال: يا أنس! كتاب الله القصاص، فرضي القوم وعفوا، وفجأة تغير الموقف، فرضي القوم فعفوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره».
شرف الحسن بن علي بإصلاحه بين أهل العراق والشام: وكان من أعظم البركة والخير على المسلمين الحسن بن علي رضي الله عنه، فإن الله أصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، كما جاء في الصحيح: أنه لما تواجه معاوية والحسن رضي الله تعالى عنهما، فقال عمرو: "إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها، فقال له معاوية -وكان والله خير الرجلين- أي عمرو! إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، فمن لي بأمور الناس؟ من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إلى رجلين من قريش، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له"، واطلبا إليه، فأتياه، فقبل رضي الله عنه الصلح، ورجع عن القتال، وهذا مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فإنه التفت إلى الحسن مرةً وإلى الناس، فقال: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».
ثمرات الصلح بين المسلمين:
أيها المسلمون!
إن فوائد الصلح كثيرة، فإنه يثمر إحلال الألفة مكان الفرقة، واستئصال داء النزاع قبل أن يستفحل، وحقن الدماء التي تراق، وتوفير الأموال التي تنفق للمحامين بالحق وبالباطل، والحماية من شهادة الزور، وتجنب المشاجرات والاعتداءات على الحقوق والنفوس، بل إن الشريعة جعلت للمصلح حقاً من الزكاة أو من بيت المال، لأداء ما تحمله من الديون بسبب الإصلاح، وإن كان قادراً على أدائها من ماله، فقال الله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] وهم من تحملوا الديات لأجل الإصلاح بين الناس، وكف بعضهم عن قتل بعض.
نسأل الله عز وجل أن يصلح ذات بيننا، وأن يهدينا سبل السلام، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور. اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، واغفر لنا، إنك أنت الغفور الرحيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه رءوفٌ رحيم.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة