فضاءات كفر طبلوها

كفر طبلوها

فضاء الأخبار والمستجدات

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
رضا
مسجــل منــــذ: 2011-01-16
مجموع النقط: 10
إعلانات


وضاعت هيبة الدولة

(( نقلاً عن جريدة الوطن ))
(( هل تنتظرون خيراً من هذا الشباب ))
الحياة تبدأ بعد «الفجر»: عندما يتحول «قصر النيل» إلى مضمار لسباقات الـ«توك توك»
أذان الفجر إشارتها، وسطوع الشمس يعنى بدء تشغيل محركاتها، تتجمع على ذلك الكوبرى تحت كنف تمثال الزعيم سعد زغلول الذى يُعطيها إشارة ملوحا بيده اليمنى كى تبدأ المسابقة، أما الأسود الأربعة القابعة على بدايته ونهايته فهى بمثابة حراس لها تستمد منها الشموخ والقوة، وترمى برعونتها عرض نيل القاهرة، منها ما يسير على ثلاث ومنها ما يسير على اثنتين.. أعين المارة تترقب حالة الهرج والمرج وعقولهم تتساءل فى حذر «ماذا يفعلون؟».
منذ 140 عاماً كان حلم الخديو إسماعيل أن يجعل مصر قطعة من أوروبا فقفزت فى ذهنه فكرة إنشاء معبر من ميدان الإسماعيلية الذى حمل اسمه وهو ما يعرف الآن بـ«التحرير» إلى الضفة الأخرى من النيل وكلف الخديو شركة فرنسية ببناء كوبرى يربط القاهرة بالجيزة.. وأطلق عليه مؤخراً «كوبرى قصر النيل».. «مدفعية» لامست عجلاتها أرض الكوبرى هى أول تجربة لقياس صلابته، وبعد مرور ما يقرب من قرن وربع القرن، أصبح للدراجات النارية وللتكاتك مأوى على «وش النيل».
«أوشا والبرنس وحماصة ومنص وكتكت» صاروا ورثة للمعبر الذى شيده الخديو على عينه، دراجات نارية تحمل كافة الأنواع، وتكاتك محشور بداخلها عشرات الأشخاص، تُحول المكان التاريخى الذى أصبح ملاذا للأحبة والعُشاق والباعة الجائلين إلى «أوتو كروس»، ماكينات تتحول إلى أحصنة تجول وتصول وترتفع عالياً بين أروقة المكان، وشباب لم يتعد عمرهم العشرين عاماً يقودونها بكل مرونة وسلاسة.
«مع أذان الفجر بتلاقينا متجمعين اللى من شبرا واللى من عابدين وبولاق والمهندسين ويبتدى المهرجان» قالها عبدالرحمن مصطفى أثناء متابعته للسباق الذى بدأ قبل ثوان من أمام بوابة دار الأوبرا المصرية، الشاب -الذى لم يبلغ عامه الـ 19- اتخذ جانبا ليحصل على قسط من الراحة بعد ساعتين قضاهما فى اللهو مع رفقاء الطريق، يؤكد الطالب فى دبلوم التجارة أن الموتوسيكل يجمعهم فى الفرح من أول أيام رمضان، «أنا كل يوم باجى من شبرا الخيمة عشان ألعب مع أصحابى».. مع شقشقة الشمس لتعلن بدء يوم جديد، تتوافد السيارات على الكوبرى، بعضهم يتذمر من الطريق الذى أغلقته الموتوسيكلات، إلا أن هذا لا يمنع المتسابقين من استكمال مسيرتهم.. تجد السيارات الفارهة تجاور التكاتك فيما ينظر أحد الموظفين من نافذة الميكروباص التى تقله إلى عمله فى أولى ساعات الصيام، مُتأففاً من الوضع الذى يراه «العيال مولعة سجاير فى نهار رمضان ولا هاممها حرمة الشهر الكريم.. مفيش تربية ولا أخلاق».
يمر ثلاثة من الشباب على أحد الأرصفة فيسأل أحدهم: «هى دى مسابقة يا نجم ولا إيه؟»، فيرد ساخراً: «آه بنيجى نلعب على الموتوسيكلات والهدوم»، قبل أن يُعقب أنها مجرد لحظات عبثية يُجربها مع أصحاب الدراجات البخارية فى رمضان من كل عام: «السنة اللى فاتت كنا فى الميرغنى بمصر الجديدة بس لقينا هنا الجو أحلى».. الكوبرى الذى سمى بهذا الاسم لمجاورته قصر نازلى هانم (الذى بناه محمد على لابنته على ساحل النيل) وقد هدمه سعيد باشا فيما بعد، ليبنى محله قشلاق قصر النيل لإقامة العساكر به.. كان من يعبره يدفع رسوماً سواء أكان بشراً أم دابة، فقد فرض على (الجمل المُحمل) قرشان رسم عبور، والفارغ قرش واحد.. اختلف الأمر كثيراً منذ ذلك الوقت حتى الآن فلم تعد الغزلان والكلاب والنعام تمر ولا حتى عربات الكارو، بل أصبح الكوبرى بعد أذان الفجر فى رمضان ملجأ حقيقياً لمجموعة من الشباب الذين يشتهون ركوب الدراجات النارية، فلماذا يمتلك واحداً إذا كان فى إمكانه التأجير، يُعلق أحد المارة: «كل الموتوسيكلات دى مسروقة من أيام الثورة، يعنى هيه دى عيال معاها فلوس تجيب الحاجات دى».
على بعد 10 أمتار من ميدان سعد باشا زغلول وبينما تسير على الكوبرى تباغتك (حفرة) يهبط منها نحو خمسة صبية لم يتعد عمرهم 12 عاماً، وبنظرة بسيطة تجدهم يقترعون على أسبقية القفز فى النيل من أسفل، فيما وقف «محمد» خالعاً ملابسه ممشوق القوام متخذاً من سور «الحبيبة» نقطة قفز مُعجباً بتجمع الشباب حوله مهللين لثقته الزائدة: «أحسن حاجة هنا إن العوم ببلاش.. أنا نفسى أنزل البحر.. بس أجيب منين فلوس».. يقولها أثناء تجفيف جسده من مياه النيل، الطالب بالثانوية العامة يقدم من حى عابدين إلى وسط البلد حتى ينال حظه فى «العوم»، وعندما تمر دورية لشرطة المسطحات المائية لا يخشاها أحد «الحكومة لما بتعدى بتقولنا تمام يا رياسة.. ثورة بقى يا باشا» يقولها بسخرية وهو قد أشرف على ارتداء ملابسه فيما يصعد الأطفال الكائنون فى الأسفل بعدما وضعوا غطاء البالوعة الذى هبطوا من خلاله بعد نصف ساعة تبدأ الشمس فى الوهج فتقل الأعداد رويدا رويدا قبل أن يتفقوا على التجمع على ميعاد سحور اليوم التالى.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة