فضاءات الأوسط قمولا

الأوسط قمولا

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ناصر بكر
مسجــل منــــذ: 2012-06-14
مجموع النقط: 9.85
إعلانات


الرقيق وموقف الإسلام من العبودية

*الرقيق وموقف الإسلام من العبودية*
إن الرقيق لم يأتِ به الاسلام ؛ بل الرقيق كان موجوداً في جميع الأزمنة في زمن الفراعنة وفي زمن الاغريق ، والرومان ومن كانوا قبلهم .
وفي لغة العرب :الرِّقُّ في لغة العرب هو العبودية. وأصل العبودية: الخضوعُ والذلّ
الرِّق، كما عرّفهُ فقهاء الإسلام: عجز حكمي، يصيب من يقع أسيراً في حربٍ مشروعة، وهو عجز مؤقت، يزول بالفداء أو العتق .
تجارة وثقافة الرق قبل الإسلام: كان الرق نظاماً شائعاً في اليونان، وكان اليونانيون قُساة في معاملة عبيدهم ، حتى أن عددهم إذا زاد عند سيِّدهم من الأسرى، كان من حقّه أن يقتلهم ولا يُبقي إلَّا على من يحتاج إليهم ؛ فحياة العبد بيد سيده يقتله إذا زاد عن حاجته .
الفلاسفة اليونانيين أمثال : أرسطو وأفلاطون فإن نظرتهم للعبيد كانت متدنية وتصفهم بأنهم نوع خسيس يستحق العبودية وكانوا ينظرون إلى هذا الأمر على أنه ضرورة اقتصادية واجتماعية وكان هذا رأي وليس فقط الطبقة المثقفة التي كانت تقر بالعبودية ؛ بل حتى القانون اليوناني كان يبيح الرق ويعطي للمرابي أو صاحب المال إذا أقرض شخصاً ولم يستطع سداد الديون فيحق له أن يمتلك هذا الشخص ويصبح عبداً عنده إذا كانت أملاك هذا المسكين لا تكفي لسداد الديون التي عليه فيؤخذ مثله مثل بقيه الأملاك من حيوانات ومنازل ثم جاءت الأديان السماوية وأتباعها يقرون بالعبودية منهجاً معروفاً لديهم ؛ فاليهودية يعتبرون أن الجنس البشري بأكمله خُلٍق من أجل خدمتهم وهم عبيد لليهود مع أن الله قد غضب على اليهود إلا أن الأنظمة اليهودية لا تحرم أو تجرم العبودية أو الرقيق ؛ ثم كانت المسيحية كذلك أقرت الرق وأمرت تعاليمهم العبيد بالصبر على العبودية والقبول بها .
والعرب قبل الاسلام كانوا يتاجرون بالعبيد حالهم حال الأمم التي سبقتهم بآلاف السنين وكان مصدر الرق هو الحرب ؛فكانوا يبيعون الأسرى ويتزوجون بالجواري وينجبون منهن وكانوا جزء من النسيج الاجتماعي .
ثم أتى الإسلام لينظم العلاقة ويهذبها ويرتقي بها الى التآخي ، فكان العبد الحبشي في العبادات مثله مثل ابو بكر الصديق ومثله مثل جميع الصحابة وشاهد ذلك قصة بلال الحبشي المملوك و أبو ذر الغفاري الصحابي المشهور ابن السلالة العربية والحسب والنسب ،حين غضب أبو ذر من بلال فقال له حتى أنت يا ابن السوداء ؛ فذهب بلال واشتكى الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فذهب أبو ذر الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليعتذر ويطلب منه أن يستغفر له
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أتعيره بأمه إنك امرؤٌٌ فيك جاهلية " . لأنهم في الجاهليه قبل الإسلام كانوا يحطون من قدر العبيد وفي الإسلام ذلك ليس من أفعال ولا من قيم المسلمين ؛ بل من أفعال الجاهليه التي يُلام عليها المسلم إن فعلها؛فبكى ابو ذر وانصرف يلحق بلال ليعتذر منه فوضع أبو ذر خده على التراب وهو يكلم بلال الحبشي ويقول له والله لا أرفع خدي حتى تطأه بقدمك أنت الكريم وأنا المهان ؛ فأخذ بلال يبكي .. وأقترب وقبل أبا ذر ثم قاما وتعانقا وبكيا سويا . وفي الحديث المرفوع : عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قَالَ : مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهُ ، فَقُلْنَا يَا أَبَا ذَرٍّ : لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً ، فَقَالَ : إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلَامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً (يقصد بلال رضي الله عنه)، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ ، قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " (رواه مسلم) . ولم يكن دين كالإسلام في معاملة الرقيق أبداً ، بل إن الإسلام كان يحث على عتق العبيد وتحريرهم مما يؤدي إلى القضاء على العبودية بالتدريج وهو ما تحقق بالفعل نتيجة تجفيف منابع الرق والتوسع في طرق القضاء عليه نهائياً على خطوات متتالية :
* أمر القرآنُ الكريم بتسريح الأسرى والسبايا بغير مقابل، وأباح تسريحهم مقابل الفدية بالمال أو المبادلة بالأسرى. ومثال على ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أطلق سبي هوازن، وأسرى فتح مكة وحنين وأسرى بني المصطلق ؛ كما في الحديث المرفوع: عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ فِي سَهْمٍ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ، أَوْ لابْنِ عَمٍّ لَهُ ، فَكَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا . قَالَتْ : فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي مُكَاتَبَتِهَا ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا جُوَيْرِيَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، سَيِّدِ قَوْمِهِ ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الأَمْرِ مَا لَمْ يَخْفَ ، فَوَقَعْتُ فِي سَهْمٍ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ ، أَوْ لابْنِ عَمٍّ لَهُ ، فَكَاتَبْتُهُ ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى كِتَابَتِي ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " فَهَلْ لَكِ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ " . قَالَتْ : وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَقْضِي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ " . قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ صلى الله عليه وسلم : " فَقَدْ فَعَلْتُ " . وَخَرَجَ الْخَبَرُ إِلَى النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ ، فَقَالُوا : صِهْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ . قَالَتْ : فَلَقَدْ أَعْتَقَ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، فَلا نَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا .
* أباح الإسلام للأرقّاء أن يكاتبوا سادتهم، أي يتفق العبد مع سيِّده على مالٍ يؤدِّيه له بالأقساط ؛ فإذا أدَّاه فهو حُرٌّ. قال تعالى: ? وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ? [النور:33] .
* سَهَّل الإسلام على الأرقّاء الحصول على المال الذي يفتدون به حرّيتهم؛ عن طريق الزكاة. قال تعالى: ?وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ? وبهذا المال يمكنه ان يعتق نفسه
وقال سبحانه وتعالى: ?إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ? (التوبة:60)
* جعل الإسلام عتق العبد كفارة لكثير من الذنوب، وكفارة للقتل الخطأ وهذا لم يكن أبداً في أي ثقافة أو شريعة سابقة؛ قال تعالى: ?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ الله وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا? [النساء:92] . وتحرير الرقبة أي عتق العبد كفارة لإفطار يوم من رمضان عمداً، للقادر على الصوم. جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله عن الفطر في رمضان، فقال: "أتجد ما تحرر به رقبة؟ ". وأيضاً عتق العبد كفارة للظهار: والظهار أن يحرّم الزوج على نفسه زوجته كتحريم أمّه قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) .( المجادلة:3 ) ،لفظ "أنت حرام عليّ كظهر أمي أو مثل أمي " يقولها شخص لزوجته ؛يكون الكفارة تحرير أحد العبيد وعتقه . وعتق العبد كفارة لليمين ( الكاذبة) تقول كلمة القسم كذباً يصبح من الواجب عليك أن تحرر أحد العبيد وتعتق رقبته ؛ قال تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون "(المائدة:89)
* حبب الإسلام إلى المسلمين أن يعتقوا من في أيديهم من الرقيق وأن يعتقوا من ليسوا في أيديهم بشرائهم من ملاكهم وجعل هذا العتق عملاً صالحاً له ثوابه العظيم ؛قال تعالى:
?فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ، فَكُّ رَقَبَةٍ) (البلد:11-13)
والفك : أخذ الشيء من يد من احتاز به ؛ يعني اعتاق رقبه .والرقبة مراد بها الإنسان ، من إطلاق اسم الجزء على الكل مثل إطلاق رأس وعينينٍ ووجهٍ ، وإيثار لفظ الرقبة هنا لأن المراد ذات الأسير أو العبد وأول ما يخطر بذهن الناظر لواحد من هؤلاء ،هو رقبته لأنه في الغالب يوثَق من رقبته .وأطلق الفك على تخليص المأخوذ في أسْرٍ أو مِلْك ، لمشابهة تخليص الأمر العسير بالنزع من يد القابض الممتنع . وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :"أيَّما مؤمن أعتق مؤمناً في الدنيا أعتق الله بكلّ عضوٍ منه عضواً منه في النار"
(حديث مرفوع) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ فَأَدَّبَهَا ، فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ، وَعَلَّمَهَا ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا ، فَلَهُ أَجْرَانِ " .(البحر الزخار بمسند البزار)
* قضى الإسلام بأن العبد يعتق إذا مَثَّلَ به سيّده أو ضربه وعذّبه عذاباً شديداً ؛(حديث مرفوع) عَنْ زَاذَانَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ ، وَقَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ ، فَكَفَّارَتُهُ عِتْقُهُ "
* أجمع علماء وفقهاء الإسلام على أن للعبد أن يتاجر ليكسب ما يقدّمه إلى مالكه أقساطاً، وعلى سيده أن يتركه ليعمل أين ما يشاء، فإذا كان العبد قادراً على العمل والكسب ولم يكن لديه مال فإن المالكين يجبرونه على العمل والكسب ليكسب ويتحرر
* انتهز الإسلام كلَّ الفرص السانحة لتحرير الرقيق، فمثلاً، إذا وَعَدَ السيِّدُ عبدَه بتحريره، كان ملزماً بتنفيذ هذا الوعد، وإذا قال له: أنت حُرٌّ بعد موتي، لم يكن له أن يرجع عن هذا الوعد، ولم يكن للوارث أن يبيع هذا العبد .لقد جاء الإسلام والرِّق نظام عام في العالم كلّه، من أسبابه الحرب والخطف والسرقة وعجز المدين عن دفع دَينه وتناسل الأرقاء لذلك، لم يكن من الحكمة في شيء أن يُلغي الإسلام الرِّقّ دفعة واحـدة؛ لأنه أساس الحياة الاقتصادية والاجتماعية ودعامتها الكبرى ؛ فهؤلاء بمثابة ملكية خاصة لأسيادهم . ونظام الرق والعبودية قد نشأ في أحضان الجاهلية ورسخت معانيه في أذهانهم , فكان يتحتم على النظام الإسلامي أن يقابل هذه الحالة السيئة السائدة بطريقة مرنة من خلال تثقيف المسلمين وحثهم على إطلاق سراح العبيد والإماء وتحريرهم , حتى تتم عملية فك رقابهم في المجتمع بصورة غير قسرية وبحالة تدريجية , لكي لا تؤثر في الموازنات الاجتماعية والاقتصادية بصورة فجائية لا تمهيد لها فيلفظ المجتمع تلك الفئة وهو ساخط عليهم فيقع الظلم على العبيد وتحدث الفوضى والاستغناء عنهم ولا ملجأ لهم ولا وسيلة رزق يعيشون منها .
الاسلام ومن منطلق حرصه على حرية الفرد كان يحرّض المسلمين دائماً على عملية تحرير الرقاب , فمرة يذكر الأجر والثواب في تحرير العبيد , ومرة أخرى يعتبر هذا العمل كفارة لبعض الذنوب والمعاصي , وبهذين الطريقين وطر ق أخرى لم توجد قبل إلا في الإسلام يحاول الإسلام أن يحرر الكثير من العبيد والإماء , وقد تخلص عدد كبير منهم من الرقّ وتم القضاء على مصادر الرق فلم يبق إلا المحاربين من الكفار الذين تمت عليهم الحجة , ولم يقبلوا الإسلام , وبعد هزيمتهم في الحرب تم أسرهم , وتكون مسألة الرق والعبودية لنسائهم وأطفالهم بمثابة مدرسة تعليمية يختلطون بواسطتها مع المجتمع الاسلامي , ويتعايشون معهم , ويتزوج بعضهم من بعض , مع تحديد شروط للمجتمع الاسلامي في معاملته معهم , كما أن الحلول التي وضعها الاسلام لعتقهم هي في غاية الدقة , تجعلهم يتحررون في أسرع وقت وقد اندمجوا في المجتمع الاسلامي وتعلموا المعاني والأخلاق الإسلامية , وهذا ما نشاهده بوضوح من معاملة النبي (صلى الله عليه وسلم) وأهل بيته مع العبيد من تعليمهم وعتقهم , وكانت علاقة هؤلاء العبيد مع أهل البيت بمكانة كانت تجعل العبيد يفضلون البقاء مع أهل البيت عبيداً لهم , على حريتهم وعتقهم أو موالي أحراراً . واستمر الحال كذلك في تعامل الإسلام للعبيد بحسن المعاملة والإسراع في تحريرهم إلى أن وصل الحال بالعبد المملوك الأعجمى أن يتصدر للإمارة والحكم على بلاد المسلمين وله السمع والطاعة كما في فترات حكم المماليك المعروفة في التاريخ الإسلامي والتي استمرت قرون طويلة حكم فيها المماليك العالم الإسلامي بأسره وما حدث ذلك إلا في ظل الإسلام الذي فرض المساواة والعدل والحرية.
[ابوجمال]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقاصد الشريعة ، فضيلة العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (رحمه الله) ، تحقيق محمد الطاهر الميساوي ،ط2 ، دار النفائس ، الأردن ،1421هـ -2001م.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة