فضاءات الأوسط قمولا

الأوسط قمولا

فضاء الإبداعات الأدبية والفنية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ناصر بكر
مسجــل منــــذ: 2012-06-14
مجموع النقط: 9.85
إعلانات


حسان بن ثابت شاعر الرسول (صلى الله عليه وسلم)

شعر حسان بن ثابت (رضي الله عنه)
حسان بن ثابت ، شاعر الرسول (صلى الله عليه وسلم): في تاريخ الشعر العربي عدد من الشعراء الفحول لا تنحسر عنهم دائرة الضوء، فأسماؤهم دائماً بارزة في قوائم المبدعين ووجودهم ساطع متألق لا يخبو وميضه مع حركة الزمن، ولا تنكسر أعواده من مهب الريح والأعاصير. ويبرز من بين هذا الوجود الشامخ، والحضور المتوهج حسان بن ثابت الأنصاري، لا باعتباره طاقة شعرية هائلة فحسب؛ بل باعتبار أنه شاعر استطاع في مرحلة من مراحل حياته أن يوظف هذه الطاقة لتؤدي دوراً هو بلا شك أجل وأعظم دور قام به شاعر في تاريخ الشعر العربي كله. وهل هناك ما هو أشرف وأعظم من الدفاع عن الإسلام، والوقوف إلى جانب النبي عليه الصلاة والسلام في مواجهة الشرك الوثنية، وتأييد الدعوة التي جاء بها رسول الله لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، والإشادة بما تنطوي عليه من قيم إنسانية عليا، و بانتصارات المسلمين ورثاء شهدائهم الأبرار ، فتميز شعره باللفظ الفخم ، والأسلوب القوي مع صدق اللهجة والتزام قواعد الدين ؛ فلم يقل إلا صدقاً ، ولم يمدح للتكسب إنما للدين والعقيدة .
أثره في الآخرين : كان رضي الله عنه يجاهد المشركين بلسانه كما يجاهدهم المسلمون بالسيوف، فكان يدعو إلى الله عز وجل بشعره، ويدافع عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم). ويهجو من يهجو رسول الله أو المسلمين. وقد رُويت له بعض الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رواها عنه من الصحابة (رضي الله عنهم) أبو هريرة(رضي الله عنه)، ومن التابعين سعيد بن المسيب وابنه عبد الرحمن وعبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب.
الحكمة في شعر حسان(رضي الله عنه) :
كان في شعره بعض الحكمة ومما يتمثل به قوله:
أصون عرضي عن المال لا أدنســـه
لا بارك الله بعد العرض في المــال
أحــتال المــال إن أودي فأكسبــــــــه
ولست للعرض إن أودي بمحـــتال
ما قيل عنه :
قال: أبو عبيدة: واجتمعت العرب على أن أشعر أهل المدر أهل يثرب ثم عبد القيس ثم ثقيف وعلى أن أشعر أهل المدر حسان بن ثابت . وقال أيضًا: حسان بن ثابت شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر أهل اليمن في الإسلام وهو شاعر أهل القرى .وعن أبي عبيدة وأبي عمرو بن العلاء أنهما قالا: حسان بن ثابت أشعر أهل الحضر وقال أحدهما أهل المدر وقال الأصمعي: حسان بن ثابت أحد فحول الشعراء.
مقتطفات من شعر حسان بن ثابت (t)
اشتهرت مدائحه في الغسانيين ملوك الحيرة قبل الإسلام، ومن أشهر ما وصلنا من تلك القصائد لاميته التي جاء فيها:
لله درّ عصـــــــــابةٍ نادمتهم يوماً
بجـِلَّقَ في الزمــــــــــان الأولِ
أولاد جفنة حـــــــــــول قبر أبيهمُ
قبر ابن مارية الكريم المفضـلِ
يسقون من ورد البريـــص عليهمُ
برَدى يصفّق بالرحيق السلسلِ
بـِيضُ الوجـــــوه كريمةُ أحسابهم
شُـــمَ الأنوف من الطراز الأولِ
يغشــــــــون حتى ما تهرّ كلابهــم
لا يسألون عن الســـواد المقبلِ
(1)
فخره واعتزازه بمكانة قومه بني النجار من الخزرج :
ما هَـاجَ حسّانَ رُسومُ المَقامْ
ومظعنُ الحيّ، ومبنى الخيــامْ
والنُّؤيُ، قدْ هَـــــدّمَ أعْضَـادَهُ
تَقادُمُ العَهــــــدِ، بوَادٍ تهــــــامْ
قدْ أدْرَكَ الوَاشونَ ما حَاوَلوا
فالحبلُ من شعثاءَ رثُّ الرمـامْ
جِنّيــــــــــّة ٌ أرّقَني طَيْفُـــــهَا
تـذْهَبُ صُبْحاً وَتُرَى في المنامْ
هَلْ هِيَ إلاّ ظَبْيَة ٌ مُطــــــــفِلٌ
مــــــألفها السدرُ بنعفيْ بــرامْ
تُزْجي غَزَالاً، فاتِراً طَـــرْفُــهُ
مقـاربَ الخطوِ، ضعيفَ البغامْ
كأنّ فاهـــــاً ثغبٌ بــــاردٌ في
رصفٍ، تحتَ ظــــلالِ الغمـــامْ
دعْ ذكرها، وانمِ إلى جسـرة
جلذية ٍ، ذاتِ مــــراحٍ عقـــــامْ
دفقة ِ المشية ِ،زيافةٍ، تهوي
خنوفاً في فضـــــولِ الزمـــــامْ
تحــــــسبها مجنونة ً تغتــلي
إذْ لفـــعَ الآلُ رؤوسَ الإكـــــامْ
قَوْمي بَنُو النَّجّـــارِ، إذْ أقْبلتْ
شــــهْباءُ تَرْمي أهْلَها بالقَتَــامْ
لا نخذلُ الجارَ ولا نسلمُ الـــــ
ـمولى ولا نخصمُ يومَ الخصامْ
منا الذي يحمــــــدُ معروفـــهُ
وَيَفْـــــــرُجُ اللَّزْبَة َيوْمَ الزّحـامْ
(2)
فلما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة أسلم حسان مع الأنصار ، وانقطع إلى مدحه والذود عنه، وأصبح شاعر الرسول (صلى الله عليه وسلم) المنافح عنه وعن دين الإسلام ، فاشتهر بذلك ذكره، وارتفع قدره .
حسان يباهي بنصرهم للرسول (صلى الله عليه وسلم) :

اللَّهُ أكْرَمَــنـــا بنصـــــــــــرِ نبيّـه
وبنا أقـــامَ دعائمَ الإســــــلامِ
وَبِنا أعَزَّ نَبيَّهـــــُ وَكِتَــــــــــــــابَهُ
وأعزَّنَا بالضّرْبِ والإقْــــــدَامِ
في كلّ معتركٍ تطيرُ ســــــيوفنـــا
فيه الجماجمَ عن فراخِ الهامِ
ينتــابنا جبريلُ في أبياتنـــــــــــــا
بفرائضِ الإسلامِ، والأحكــامِ
يتْلو علينا النّــُورَ فيها مُحْكـــــماً
قسماً لعمركَ ليسَ كالأقســامِ
فنكتتتونُ أولَ مستحــــلِّ حـــلالهِ
وَمُحَـــرِّمٍ لله كُلَّ حَــــــــــــرَامِ
نحنُ الخيــــارُ منَ البرية ِ كلـــها
وَنِظَامُها، وَزِمامُ كلّ زِمَــــامِ
الخائضُو غَـــــمَرَاتِ كلّ مِنيّــــــةٍ
وَالضّامِنُونَ حوَادِثَ الأيّـــــامِ
والمُبْرِمونَ قوَى الأمورِ بعزْمهـمْ
والناقضونَ مرائرَ الأقــــوامِ
سائِلْ أبا كَرِبٍ، وَســــــائلْ تُبّعــــاً
عنا وأهـــــــلَ العترِ والأزلامِ
وسـلْ ذوي الألباب عن سَرَواتهم
يومَ العهينِ، فحاجرٍ، فــرؤامِ
إنا لنمنــــعُ منْ أردنا منعــــــــــــهُ
ونجودُ بالمعروفِ للمعتـــــامِ
وَتَرُدُّ عَافِيَة َ الخَمِيسِ ســــيوفُنــــا
ونقينُ رأسَ الأصيدِ القمقـــامِ
ما زَالَ وَقْعُ سيوفِنا وَرِمــــاحِنـــــا
في كلّ يومٍ تجالدٍ وتـــــــرامِ
حتى تركنا الأرْضَ سهلاً حَـــزْنُهـا
منظومة ً منْ خيلنا بنظـــــامِ
وَنجا أرَاهِــــطُ أبْعَطُوا، وَلَوَ أنّهــم
ثَبَتُوا، لمَا رَجَعوا إذاً بســـلامِ
فَلَئِنْ فخَــــــــرْتُ بهمْ لَمِثْلُ قديمِهمْ
فَخَرَ اللّبيبُ بِهِ على الأقْــوَامِ
(3)
أما مدائح حسان في الرسول صلى الله عليه وسلم فتكشف عن عمق إيمانه به وعن مدى حبه وإجلاله له عليه الصلاة والسلام منذلك قوله:
وأحسن منك لم تر قط عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء
رده على أبي سفيان بن حرب :
قال حسان رضي الله عنه يمدح المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وذلك قبل فتح مكة ، ويرد على أبي سفيان بن حرب وقد كان هجا النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل إسلامه
عفـتْ ذاتُ الأصابـعِ فالجواءُ
إلـى عذراءَ منـزلها خـــــلاءُ
ديارٌ منْ بَني الحسحاسِ قفـرٌ
تعفيها الـروامسُ والسمــاءُ
وكانـتْ لا يـزالُ بِها أنيــــسٌ
خلالَ مروجهـا نعـمٌ وشـــاءُ
فدعْ هـذا، ولكن منْ لطيـــفٍ
يـؤرقنِي إذا ذهــبَ العشــاءُ
لشعثــــــاءَ التـي قـدْ تيـمـتـهُ
فليـسَ لقلبـهِ منهـا شــــفـاءُ
كـأنّ سبيئـةً مـن بيـتِ رأسٍ
يكـونُ مزاجهـا عسـلٌ ومـاءُ
عَلى أنيابـها أو طعـمَ غـضٍّ
مـنَ التفــاحِ هصّـرهُ الجـنـاءُ
إذا ما الأشرباتُ ذكـرنَ يومـًا
فهـنّ لطيـبِ الـراح الـفـــداءُ
نوليهـا الـملامـةَ إنْ ألـمنــا
إذا ما كــانَ مغْـثٌ أوْ لـحــاءُ
ونشـربـها فتتركنـا ملـوكـًا
وأسـدًا مـا ينهنهنـا اللقـــاءُ
عدمنـا خيلنـا إنْ لَم تروهــا
تثيـرُ النقـعَ، موعدهـا كـداءُ
يبـاريـنَ الأسـنـةَ مصعـداتٍ
عَلى أكتافها الأسلُ الظمــاءُ
تـطـلُّ جيـادنـــا متمطـراتٍ
تلطمهـنّ بالخمـرِ الـنــسـاءُ
فإمـا تعرضـوا عنـا اعتمرنـا
وكانَ الفتحُ وانكشفَ الغطاءُ
وإلا فاصبـروا لـجـلادِ يــومٍ
يـعـزُّ اللهُ فيـهِ مـنْ يـشــــاءُ
وجبـريـلُ أميـنُ اللهِ فـيـنـــا
وروحُ القدسِ ليـسَ لهُ كفـاءُ
وقالَ اللهُ : قـدْ أرسلتُ عبـدًا
يقـولُ الحـقَّ إنْ نفــــعَ البــلاءُ
شهدتُ بهِ فقومـوا صدقـوهُ
فقلتـمْ : لا نـقـومُ ولا نشـــاء
وقالَ اللهُ : قـدْ يسـرتُ جنـدًا
هـمُ الأنصارُ عرضتها اللقـاءُ
لَنَـا فِي كلّ يـــــومٍ مـنْ معـدٍّ
سبــابٌ،أوْ قتـالٌ ، أوْ هجــاءُ
فنحكمُ بالقَوافي منْ هجانـا
ونضربُ حينَ تَختلـطُ الدماء
ألا أبـلـغْ أبـا سفــيـانَ عنِّـي
فأنتَ مجـوفٌ نَخـبٌ هـــواءُ
بـأنّ سيوفنـا تركتـكَ عبــدًا
وعبـدَ الـدارِ سادتـها الإمـاءُ
هجوتَ محمدًا، فأجبتُ عنـهُ
وعنـدَ اللهِ فِـي ذاكَ الـجــزاءُ
أتَهجوهُ، ولسـتَ لـهُ بكـفءٍ
فشـركمـا لخيـركمـا الفـداءُ
هجوتَ مباركـًا،بـرًا، حنيفـًا
أميـنَ اللهِ، شيـمـتـهُ الوفـاءُ
فمنْ يهجو رسولَ اللهِ منكمْ
ويَمـدحـهُ وينصـرهُ ســــواءُ
فـإنّ أبِـي ووالـدهُ وعرضـي
لعـرضِ محمدٍ منكـمْ وقــاءُ
فـإمـــــــا تثقفـنّ بـنـو لـؤيٍ
جذيـمـةَ، إنّ قتلهـمُ شفــاءُ
أولئكَ معشـرٌ نصـروا علينا
ففـي أظفـارنـا منهـمْ دمـاءُ
وحلفُ الحارثِ بن أبي ضرارٍ
وحلـفُ قـريظـةٍ منـا بــــراءُ
لسانِـي صـارمٌ لا عيـبَ فيـهِ
وبَـحـري لا تكـدرهُ الـــــدلاءُ
(4)
ويقول عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) مشيراً إلى مكانة قومه واعتزازه بتأييده عليه الصلاة والسلام والوقوف إلى جانبه في مواجهة المشركين:
نصرناه لما حل وســـط رحالنا
بأسيافنا من كل باغ وظــالم
جــعلنا بنينا دونه وبنـاتنـــــا
وطبنا له نفساً بفيء المغانم
(5)
ورده أيضاً على أبي سفيان بن حرب :عند فخره بمقتل عدد من المسلمين من بينهم حمزة عم الرسول في واقعة أحد :
ذكَرْتَ القُرُومَ الصِّيدَ من آلِ هـاشِمٍ
وَلَسْــــتَ لِزُورٍ قُلْتَهُ بُمُصــِيبِ
أتَعْجَبُ أنْ أقصَدْتَ حَمـــــزَة َ منهمُ
نجيبــاً، وقدْ ســـميتهُ بنــجيبِ
ألمْ يَقْتُلوا عَمْراً وعُتْبــَة وابْنــــــَهُ
وشيبـة َ والحجاجَ وابنَ حبيبِ
غداة َ دعا العاصي علياً فــــــراعهُ
بضـــربة عضـبٍ بلهُ بخضيبِ
(6)
فإذا انتقلنا من المدح إلى الرثاء وجدنا حسان يرثي الرسول بمجموعة من القصائد التي تنم عن شعور صادق بالحزن والتي تنصهر فيها المعاني في بوتقة داكنة قاتمة، وتكاد الكلمات تتحول فيها إلى دموع ، ومن ذلك :
قال حسان بن ثابت يبكي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :
بطيبة َ رسمٌ للرســــــــولِ ومعهــدُ
منيرٌ، وقد تعفــــــو الرسومُ وتهمدُ
ولا تنمحي الآياتُ من دارِ حــرمةٍ
بها مِنْبَرُ الهـــادي الذي كانَ يَصْعَدُ
ووَاضِحُ آياتٍ، وَبَاقي مَعَـــــــــــالِمٍ
وربعٌ لهُ فيهِ مصلى ً ومســـــــــجدُ
بها حجراتٌ كانَ ينزلُ وسطــــــها
مِنَ الله نورٌ يُسْتَضَـــــــــاءُ، وَيُوقَدُ
معالمُ لم تطمسْ على العهدِ آيــها
أتَاهَا البِلَى ، فالآيُ منهــــــــا تَجَدَّدُ
عرفتُ بها رسمَ الرسولِ وعهــــدهُ
وَقَبْرَاً بِهِ وَارَاهُ في التُّرْبِ مُلْــــــحِدُ
ظللتُ بها أبكي الرسولَ، فأسعـدتْ
عُيــــون، وَمِثْلاها مِنَ الجَفْنِ تُسعدُ
تذكرُ آلاءَ الرســـــــولِ، وما أرى
لهَا مُحــــــصِياً نَفْسي، فنَفسي تبلَّدُ
مفجعة ٌ قدْ شفــــــــــــها فقدُ أحمدٍ
فظلتْ لآلاء الرســـــــــــــــولِ تعددُ
وَمَا بَلَغَتْ منْ كلّ أمْرٍ عَشِــــــــيرَهُ
وَلكِنّ نَفسي بَعْــــــضَ ما فيهِ تحمَدُ
أطالتْ وقوفاً تذرفُ العينُ جهـــدها
على طـــــــللِ القبرِ الذي فيهِ أحمدُ
فَبُورِكتَ، يا قبرَ الرّسولِ، وبورِكتْ
بِلاَدٌ ثَوَى فيهَا الرّشــــــــِيدُ المُسَدَّدُ
وبوركَ لحدٌ منكَ ضمنَ طيبــــــــــاً
عليهِ بناءٌ من صفيــــــــــحٍ، منضدُ
تهيــــــــــلُ عليهِ التربَ أيدٍ وأعينٌ
عليهِ، وقدْ غــــــــــارتْ بذلكَ أسعدُ
لقد غَيّبوا حِلْماً وعِلْماً وَرَحـــــــمة
عشـــــــية َ علوهُ الثرى ، لا يوسدُ
وَرَاحُوا بحُزْنٍ ليس فيهِمْ نَبيُّـــــهُمْ
وَقَدْ وَهَنَتْ منهُمْ ظــــهورٌ، وأعضُدُ
يبكونَ من تبكي السمواتُ يومــــهُ
ومن قـدْ بكتهُ الأرضُ فالناس أكمدُ
وهلْ عدلتْ يوماً رزية ُ هـــــــــالكٍ
رزية َ يومٍ مــــــــــــــاتَ فيهِ محمدُ
تَقَطَّعَ فيهِ منزِلُ الوَحْيِ عَنـــــــــهُمُ
وَقَد كان ذا نـــــــــورٍ، يَغورُ ويُنْجِدُ
يَدُلُّ على الرّحمــــــنِ مَنْ يقتَدي بِهِ
وَيُنْقِذُ مِنْ هَـــــــوْلِ الخَزَايَا ويُرْشِدُ
إمامٌ لهمْ يهديهمُ الحقَّ جـــــــــاهداً
معلمُ صدقٍ، إنْ يطيـــــعوهُ يسعدوا
عَفُوٌّ عن الزّلاّتِ، يَقبلُ عُـــــــذْرَهمْ
وإنْ يحســـــنوا، فاللهُ بالخيرِ أجودُ
وإنْ نابَ أمرٌ لم يقوموا بحـــــــمدهِ
فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْســـــــــــــِيرُ مَا يَتَشَدّدُ
فَبَيْنَا هُمُ في نِعْمَـــــــــــة ِالله بيْنَهُمْ
دليلٌ به نَهْجُ الطّــــــــــريقَة ِ يُقْصَدُ
عزيزٌ عليْهِ أنْ يَحِيــدُوا عن الهُدَى
حَريصٌ على أن يَستقِيموا ويَهْتَدوا
عطوفٌ عليهمْ، لا يثني جناحـــــــهُ
إلى كَنَفٍ يَحْنو عليهــــــــــم وَيَمْهِدُ
فَبَيْنَا هُمُ في ذلكَ النّـــــــورِ، إذْ غَدَا
إلى نُورِهِمْ سَهْمٌ من المَوْتِ مُقصِدُ
فأصبحَ محمـــــــوداً إلى اللهِ راجعاً
يبكيهِ جفنُ المرســـــــــلاتِ ويحمدُ
وأمستْ بِلادُ الحَرْم وَحشــاً بقاعُها
لِغَيْبَـــــة ِ ما كانَتْ منَ الوَحْيِ تعهدُ
قِفاراً سِوَى مَعْمورَة ِ اللَّحْدِ ضَـافَها
فَقِيدٌ، يُبَكّـــــــــــــــــيهِ بَلاطٌ وغَرْقدُ
وَمَسْجِدُهُ، فالموحِشـــــــ،ـاتُ لِفَقْدِهِ
خلاءٌ لهُ فيهِ مقــــــــــــــــامٌ ومقعدُ
وبالجمرة ِ الكبرى لهُ ثمّ أوحشـــتْ
دِيارٌ، وعَرْصَـــــاتٌ، وَرَبْعٌ، وَموْلِدُ
فَابَكّي رَســـــــولَ الله يا عَينُ عَبْرَة
ولا أعرفنكِ الدهــــــرَ دمـعكِ يجمدُ
ومالكِ لا تبكينَ ذا النعمــــــة ِ التي
على الناسِ منها ســـــــــابغٌ يتغمدُ
فَجُودي عَلَيْهِ بالدّمـــــوعِ وأعْوِلي
لفقدِ الذي لا مثلهُ الدهـــــــــرِيوجدُ
وَمَا فَقَدَ الماضُونَ مِثْلَ مُحَــــــــمّدٍ
ولا مثلهُ، حتى القيامـــــــــة ِ، يفقدُ
أعفَّ وأوفى ذمة ً بعدَ ذمــــــــــة ٍ
وأقــــــــــــــــْرَبَ مِنْهُ نائِلاً، لا يُنَكَّدُ
وأبذلَ منهُ للطــــــــــــــريفِ وتالدٍ
إذا ضَنّ معطـــــــــــاءٌ بما كانَ يُتْلِدُ
وأكرمَ حياً في البيـــوتِ، إذا انتمى
وأكرمَ جداً أبطحياً يســــــــــــــــودُ
وأمنعَ ذرواتٍ، وأثبتَ في العـــــلى
دعائمَ عزٍّ شــــــــــــــــاهقاتٍ تشيدُ
وأثْبَتَ فَرْعاً في الفُــــرُوعِ وَمَنْبِتــاً
وَعُوداً غَداة َ المُزْنِ، فالعُــودُ أغيَدُ
رَبَاهُ وَلِيداً، فَاسْتَتَمَّ تَمامَــــــــــــــهُ
على أكْرَمِ الخيرَاتِ، رَبٌّ مُمـــــــجَّدُ
تَنَاهَتْ وَصَاة ُ المُسْلِمِينَ بِكَفّــــــــهِ
فلا العلمُ محــبوسٌ، ولا الرأيُ يفندُ
أقُولُ، ولا يُلْفَى لِقَوْلي عَائِــــــــــبٌ
منَ الناسِ، إلا عــــازبُ العقلِ مبعدُ
وَلَيْسَ هَوَائي نازِعاً عَنْ ثَنــــــــائِهِ
لَعَلّي بِهِ في جَنّــــــــــة ِ الخُلْدِ أخْلُدُ
معَ المصطفى أرجو بذاكَ جــــوارهُ
وفي نيلِ ذاك اليومِ أســــعى وأجهدُ
(7)
شعر حسان بن ثابت في عيون النقاد
اشتهرت مدائحه في الغسانيين قبل الإسلام، ومن أشهر ما وصلنا من تلك القصائد لاميته التي جاء فيها:
لله درّ عصــــــابةٍ نادمتهم يوماً بجـِلَّقَ في الزمان الأولِ
أولاد جفنة حول قبر أبيهمُ قبر ابن مارية الكريم المفضلِ
يسقون من ورد البريص عليهمُ برَدى يصفّق بالرحيق السلسلِ
بـِيضُ الوجوه كريمةُ أحسابهم شمَ الأنوف من الطراز الأولِ
يغشون حتى ما تهرّ كلابهم لا يسألون عن السواد المقبلِ
ويؤكد الناقدون أن ما نظمه حسان بعد إسلامه افتقر إلى الجزالة وقوة الصياغة التي كانت له في الجاهلية. ولكنه في مقابل ذلك كان يتمتع بقدر كبير من الحيوية والرقة والسلاسة، ويتوهج من حين إلى آخر بتدفق عاطفي يكشف عما في قلبه من دفء وحرارة. ويتفق النقاد على أن أساليب حسان بن ثابت بعد إسلامه قد سلمت من الحوشية والأخيلة البدوية، ولكن خالطها لين الحضارة، ولم تخل في بعض الأغراض من جزالة اللفظ وفخامة المعنى والعبارة كما في الفخر والحماسة والدفاع عن النبي ورسالته ومعارضته المشركين وهجومهم. ويقول الناقد محمد مصطفى سلام: "لقد غلبت على أساليب حسان الشعرية الصبغة الإسلامية كتوليد المعاني من عقائد الدين الجديد وأحداثه والاستعانة بصيغ القرآن وتشبيهاته ولطيف كناياته، وضرب أمثاله، واقتباس الألفاظ الإسلامية من الكتاب والسنة وشعائر الدين، كما غلبت عليها الرقة واللين والدماثة واللطف وسهولة المأخذ وواقعية الصورة وقرب الخيال، وأكثر ما نرى ذلك في شعر الدعوة إلى توحيد الله وتنزيهه، وتهجين عبادة الأوثان، ووصف الشعائر الإسلامية وذكر مآثرها وبيان ثواب المؤمنين وعقاب المشركين وبعض ما مدح به الرسول أصحابه أو رثاهم به." وقال أبو عبيدة: فضل حسان الشعراء بثلاثة: كانشاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر النبي في النبوة وشاعر اليمانيين في الإسلام. وقال المبرد في الكامل: أعرق قوم في الشعراء آل حسان فإنهم يعدون ستةً في نسق كلهم شاعر وهم: سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام.
صورتان فنيتان :
حسان بن ثابت t أجمعت العرب على أنه اشعر أهل المدر، وشعره كشعر غيره من المخضرمين يجمع بين صورتين فنيتين صادقتين للشعر، إحداهما جاهلية، والأخرى إسلامية تعد مظهرا قويا لتأثر الأدب الإسلامي بالقرآن والحديث وأحداث الإسلام وعقائده. لقد دعا حسان إلى التغني بالشعر، وأجود الشعر عنده ما جادت به القريحة مطابقا للواقع وسلامة المنطق،وشاعريته محلقة تستلهم السماء فتوحي إليه بالعذب المعجز، وهو أمير نفسه في شعره، فلم يلتزم مذاهب غيره من شعراء عصره كزهير والنابغة والأعشى والحطيئة وغيرهم، ولم يعمد إلى التكلف في شعره، ولم يحفل بتنقيحه بل كان يرسله كما أوصت به القريحة وحدثت به النفس ودعت إليه الحال وكثيرا ما اضطرته بعض المواقف الإسلامية إلى الارتجال، فلا غرابة أن تتنوع أساليبه ومعانيه وتتباين ألفاظه ومبانيه، وأن تجتمع في قصائده الفخامة واللين والغريب والمألوف.
موهبة حسان وشاعريته:
يقول الشاعر الإسلامي صلاح الدين السباعي:
لقد عاش حسان في الجاهلية شاعرا قبليا يصوغ شعره في روية وأناة ويراجعه ويجوده قبل أن يخرج به على الناس، مما وفر لقصائده مستوى فنيا عاليا،وعندما دخل حسان الإسلام اكتشف أن دوره في تأييده ومؤازرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه في مواجهة المشركين، يفرض عليه جانبا تسجيليا وتاريخيا للمواقف والأحداث التي شهدتها الدعوة الإسلامية، ولم يكن حسان يمتلك أداة للتسجيل والتأريخ أفضل من الأداة التي تمرس على استخدامها طويلاً قبل الإسلام، وهي هذه الأوزان العروضية التي كان في الجاهلية يعبر من خلالها عن أفكاره ومشاعره. وهكذا اتخذ حسان من هذه الأوزان وسيلة لتسجيل تلك المواقف والأحداث شأن أي مؤرخ حريص على تدوين حقائق التاريخ، ومن هنا جاء إنتاجه بالنسبة لهذا الجانب التسجيلي خالياً تماماً من نبض الشعر ودقته وحرارته، بمعنى انه عندما كانت الأحداث تتوالى فإن كل اهتمامه كان ينصرف إلى الحرص على تسجيلها فقط، وبالتالي فإنه يتحول من حين إلى آخر إلى ناظم وفقاً لحركة الأحداث.وعندئذ تغطي عنده الحقيقة التاريخية على الحقيقة الشعرية وبحيث تتوارى، وذلك على نحو ما نرى في رده على أبي سفيان بن حرب وفخره على حسان بمقتل عدد من المسلمين من بينهم حمزةt عم الرسولr في غزوة أُحُد:
ذكرت القروم الصيد من آل هاشم ولست لزور قلته بمصيب
أتعجب أن أقصدت حمزة منهم نجيبا وقد سميته بنجيب
ألم يقتلوا عمرا وعتبة وابنه وشيبة والحجاج وابن حبيب
غداة دعا العاص عليا فراعه بضربه عضب بله بخضيب
فهذه الأبيات كما نرى ليس فيها إلا تذكير لأبي سفيان بانتصار المسلمين في واقعة بدر وتسجيل لأسماء المشركين الذين قتلوا فيها. وفي شعر حسان الكثير والكثير جداً مما يسجل هذه الأحداث والمواقف ومما يؤرخ لحياة الرسول r مما أشاع الاستشهاد بشعره في الكتب التي تناولت السيرة النبوية.
بين الجاهلية والإسلام:
فإن أكد النقاد أن شعر حسان بعد إسلامه لم يكن في قوته وجزالته في الجاهلية حيث افتقر شعره الإسلامي من وجهة نظر بعض النقاد وأساتذة الأدب العربي إلى الجزالة وقوة الصياغة التي كانت له في الجاهلية.لكنه في مقابل ذلك كان يتمتع بقدر كبير من الحيوية والرقة والسلاسة، ويتوهج من حين إلى آخر بتدفق عاطفي يكشف عما في قلبه من دفء وحرارة ويثبت للذين ارجعوا ضعف شعره إلى شيخوخته أن قلب الشاعر لا يشيخ. ويتفق النقاد على أن أساليب حسان بن ثابت بعد إسلامه قد سلمت من الحوشية (الألفاظ الغريبة) والأخيلة البدوية، لكن خالطها لين الحضارة، ولم تخل في بعض الأغراض من جزالة اللفظ وفخامة المعنى والعبارة كما في الفخر والحماسة والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته ومعارضته المشركين وهجومهم. يقول الدكتور محمد مصطفى سلام: لقد غلبت على أساليب حسان الشعرية الصبغة الإسلامية كتوليد المعاني من عقائد الدين الجديد وأحداثه والاستعانة بصيغ القرآن وتشبيهاته ولطيف كناياته، وضرب أمثاله، واقتباس الألفاظ الإسلامية من الكتاب والسنة وشعائر الدين، كما غلبت عليها الرقة واللين والدماثة واللطف وسهولة المأخذ وواقعية الصورة وقرب الخيال، وأكثر ما نرى ذلك في شعر الدعوة إلى توحيد الله وتنزيهه، وتهجين عبادة الأوثان، ووصف الشعائر الإسلامية وذكر مآثرها وبيان ثواب المؤمنين وعقاب المشركين وبعض ما مدح به الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أو رثاهم به.
أما مدائح حسان في الرسول (صلى الله عليه وسلم ) فتكشف عن عمق إيمانه به وعن مدى حبه وإجلاله له عليه الصلاة والسلام من ذلك قوله:
وأحــسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء
خُلِقْتَ مبرأ من كل عيــــــــب كأنك قد خلقت كما تشــاء
فإذا انتقلنا من المدح إلى الرثاء وجدنا حسان يرثي الرسول بمجموعة من القصائد التي تنم عن شعور صادق بالحزن والتي تنصهر فيها المعاني في بوتقة داكنة قاتمة، وتكاد الكلمات تتحول فيها إلى دموع، ومن ذلك قوله:
فابكي رسول الله يا عين عبرة ولا أعرفنك الدهــر دمعك يجمد
وجودي عليه بالدموع وأعولي لفقـــد الذي لا مثله الدهر يوجد
فمــا فقد الماضـــون مثل محمد ولا مثله حتى القيـــــامة يفقـــد
شِعْرُ حَسّانَ فِي رِثَاءِ الْمُطْعِمِ وَذِكْرُ نَقْضِهِ الصّحِيفَةَ : َقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : يَبْكِي الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيّ حِينَ مَاتَ وَيَذْكُرُ قِيَامَهُ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ التي دعت لمقاطعة بني هاشم في مكة:
أَيَا عَيْنُ فَابْكِي سَيّدَ الْقَوْمِ وَاسْفَحِي ... بِدَمْعٍ وَإِنْ أَنْزَفْتِهِ فَاسْكُبِي الدّمَـا
وَبَكّي عَظِيـــــمَ الْمَشْعَرَيْنِ كِلَيْهِمَا ... عَلَى النّاسِ مَعْرُوفًا لَهُ مَا تَكَلّمَا
فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلَدُ الدّهْرَ وَاحِدًا ... مِنْ النّاسِ أَبْقَى مَجْدُهُ الْيَوْمَ مُطْعِمَا
أَجَرْتَ رَسُولَ اللّهِ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا ... عَبِيدَك مَا لَبّى مُهِلّ وَأَحْرَمَا
فَلَوْ سُئِلَتْ عَنْهُ مَعَدّ بِأَسْرِهَا ... وَقَحْطَانُ أَوْ بَاقِي بَقِيّةِ جُرْهُمَا
لَقَالُوا هُوَ الْمُوفِي بِخُفْرَةِ جَارِهِ ... وَذِمّتِهِ يَوْمًا إذَا مَا تَذَمّمَا
فَمَا تَطْلُعُ الشّمْسُ الْمُنِيرَةُ فَوْقَهُمْ ... عَلَى مِثْلِهِ فِيهِمْ أَعَزّ وَأَعْظَمَا
وَآبَى إذَا يَأْبَى ، وَأَلْيَنَ شِيمَةً ... وَأَنْوَمَ عَنْ جَارٍ إذَا اللّيْلُ أَظْلَمَا


مَدْحُ حَسّانَ لِهِشَامِ بْنِ عَمْرٍو لِقِيَامِهِ فِي الصّحِيفَةِ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ( الْأَنْصَارِيّ ) أَيْضًا : يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَمْرٍو لِقِيَامِهِ فِي الصّحِيفَةِ
هَلْ يُوَفّيَنّ بَنُو أُمَيّةَ ذِمّـــــــةً ... عَقْدًا كَمَا أَوْفَى جِوَارُ هِشَـامِ
مِنْ مَعْشَرٍ لَا يَغْدِرُونَ بِجَارِهِمْ ... لِلْحَارِثِ بْنِ حُبَيّبِ بْنِ سُخَامِ
وَإِذَا بَنُو حِسْلٍ أَجَــارُوا ذِمّةً ... أَوْفَوْا وَأَدّوْا جَـــارَهُمْ بِسَلَامِ
حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ َيُعَيّرُ أَبَا سُفْيَانَt قبل إسلامه :
فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرّضُ فِي دَمِ أَبِي أُزَيْهِرٍ وَيُعَيّرُ أَبَا سُفْيَانَ خُفْرَتَهُ وَيُجْبِنُهُ.
غَدَا أَهْلُ ضَوْجَيْ ذِي الْمَجَازِ كِلَيْهِمَا ... وَجَارَ ابْنُ حَرْبٍ بِالْمُغَمّسِ مَا يَغْدُو
وَلَمْ يَمْنَعْ الْعَيْرُ الضّرُوطُ ذِمَارَهُ ... وَمَا مَنَعَتْ مَخْزَاةَ وَالِدِهَا هِنْدُ
كَسَاكَ هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ ثِيَابَهُ ... فَأَبْلِ وَأَخْلِفْ مِثْلَهَا جُدُدًا بَعْدُ
قَضَى وَطَرًا مِنْهُ فَأَصْبَحَ مَاجِدًا ... وَأَصْبَحْتَ رَخْوًا مَا تُخِبّ وَمَا تَعْدُو
فَلَوْ أَنّ أَشْيَاخًا بِبَدْرٍ تَشَاهَدُوا ... لَبَلّ نِعَالَ الْقَوْمِ مُعْتَبِطٌ وَرْدُ


فَلَمّا بَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ قَوْلُ حَسّانَ قَالَ يُرِيدُ حَسّانُ أَنْ يَضْرِبَ بَعْضَنَا بِبَعْضِ فِي رَجُلٍ مِنْ دَوْسٍ بِئْسَ وَاَللّهِ مَا ظَنّ (8).
وفاته رضي الله عنه :
لما هاجر رسول الله (r) إلى المدينة أسلم حسان مع الأنصار، وانقطع إلى مدحه والذود عنه، وأصبح الشاعر المنافح عن دين الإسلام، فاشتهر بذلك ذكره، وارتفع قدره، وعاش ما عاش موفور الكرامة مكفي الحاجة من بيت المال ، وقد كف بصره في آخر أيامه .قال ابن سعد : عاش في الجاهلية ستين وفي الإسلام ستين ومات وهو ابن عشرين ومائة، وقد توفي رضي الله عنه سنة 54 هـ عام 674م (9).
وختاماً ... فإنه مما لا ريب فيه أن شعراء الجزيرة العربية ظلوا ينظمون شعرهم بالصورة الجاهلية إلى أن دخلوا في دين الله أفواجا ، وكان الموت قد سبق إلى كثيرين منهم ، فماتوا قبل إسلامهم ، وحرى بهؤلاء أن يدخلوا في غمار الجاهليين . ومعروف أن قريشاً حين بُعث النبي (صلى الله عليه وسلم)، سرعان ما حادت رسول الله مما اضطره إلى الهجرة من مكة إلى المدينة ، ونشبت بين البلدتين غزوة بدر الكبرى ، وبمجرد أن اشتبكت السيوف ، أخذ الشعراء في الجانبين المتناقضين يسلون ألسنتهم دفاعاً عن كل منهما ، وهجاء للآخر إلا أن بعض الباحثين من عرب ومستشرقين أشاعوا فكرة ضعف الشعر العربي بعد الإسلام ، ويرددون أحكاماً وآراء أطلقها بعض النقاد ، عندما قرروا ضعف الشعر بعد الإسلام ، وانصراف الشعراء عن قولهم ، وبُعد الناس عن الاهتمام بالشعر منذ أن نزلت الآية الكريمة: " والشعراء يتبعهم الغاوون ، ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون" . ولعل سبباً آخر ما دفع الرواة واللغويين إلى المجاهرة بدعوى ضعف الشعر في العصر الإسلامي ، هو أن معاني الإسلام تطرقت إلى الشعر في موضوعاته وألفاظه ، فأصبح يغاير الصورة الجاهلية التي عُرف بها ، وأول ما نلحظه في ذلك أن الجزالة البدوية القديمة التي كانت صفة غالبة على الشعر الجاهلي كادت تتوارى تماماً لتحل محلها بساطة في الأسلوب والألفاظ الرقيقة لأن الشعر انتقل من البادية إلى المدينة ... ومن هؤلاء الشعراء البارزين في العصر الإسلامي ، (حسان بن ثابت) شاعر الإسلام الذي عرفناه من خلال هذا البحث:حياته، وشعره ، وآثاره قبل الإسلام ، وصحابياً مدافعاً عن الرسول والإسلام .رضي الله عن أبي الوليد حسان بن ثابت،شاعر الرسولr .
وصلى اللهم وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
(أبو جمال)
الهوامش :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حسان بن ثابت ، ديوان،تحقيق: عبد الله سنده ، ص 194- 195
(2) المرجع السابق ، ص 246- 248
(3) المرجع السابق ، ص 253- 254
(4) المرجع السابق ، ص 13- 16
(5) ابن هشام ، السيرة النبوية ، تحقيق مجدي السيد ، جـ 3 ، ص 125- 127
(6) المرجع السابق ، جـ 3 ، ص 26
(7) محمود علي مكي ، المدائح النبوية ، ط1 ، ص 22- 23
(8) ابن هشام ، السيرة النبوية ، جـ 3 ، ص 381 - 414
(9) خير الدين الزركلي ، الأعلام ، جـ 2 ، ص 175
المراجـــــــــــــع:
=================
(1) حسان بن ثابت ، ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، ت: عبد الله سنده ، ط1،دار المعرفة للطباعة والنشر ،بيروت لبنان ، 1427هـ - 2006م .
(2) خير الدين الزركلي ، الأعلام :قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين ، جـ2، ط15،دار العلم للملايين ، بيروت لبنان،2002م.
(3) عبد الملك بن هشام ، سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) ، ت : مجدي فتحي السيد ،جـ3 ، ط1 ،دار الصحابة بطنطا للنشر والتحقيق والتوزيع ،طنطا - مصر ، 1416هـ - 1995م .
(4) محمود علي مكي ، المدائح النبوية ، ط1 ، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان،الجيزة مصر ، 1991م .

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة