فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الإبداعات الأدبية والفنية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 2946.93
إعلانات


مناوشات***مرجعيات الهوية الجزائرية في فكر الإمام ابن باديس




مناوشات
الكاتب:
علي بن محمد
2012/05/21
الرأي
مرجعيات الهوية الجزائرية في فكر الإمام ابن باديس
هذه المساهمة شاركت بها في الملتقى الدولي الذي نظمته مؤسسة ابن باديس في قسنطينة، يومي 19 و20 ماي 2012، وموضوعه "الفكر السياسي عند العلامة عبد الحميد بن باديس".
إن إصرار السلطات الاستعمارية الفرنسية على إلغاء هوية الكيان الجزائري منذ بدايات الاحتلال هو الذي جعل موضوع الهوية في الجزائر ميدانا للكفاح الوطني، وموضوعا للمقاومة الشعبية. وقبل تناول الجوانب الهامة الخاصة بالهوية في فكر الإمام عبد الحميد بن باديس، نريد أن نـُذكـِّر ببعض القرارات الاستعمارية التي اتخذتها مؤسسات الدولة المحتلة لإلغاء الوجود الجزائري، في وقت مبكر جدا من عدوانها السافر، وهو ما تميزت به على معظم أنواع الاستعمار المعروفة في الأزمنة الحديثة، بل إنها تميزت به حتى على نفسها فى وجودها عند أشقائنا في تونس والمملكة المغربية !!
فما إن أعلِنت الجمهورية الفرنسية الثانية، في 24 فبراير 1848، وصادق المجلس الوطني الفرنسي التأسيسي على دستور جديد، (دستور 1848)، في 04 نوفمبر من الستة نفسها، حتى تقرر إلحاق الجزائر بفرنسا واعتبارها جزءا منها... فقد ورد في الفصل العاشر من ذلك الدستور، وفي المادة 109ما نصه "الجزائر أرض فرنسية" ولمقاربة التواريخ بعضِها ببعض، نذكـِّر بأن مقاومة الأمير عبد القادر قد انتهت في 21 ديسمبر 1847. وبعد نحو شهر من ذلك العدوان الدستوري السافر على سيادتنا الوطنية، أصدر رئيس الحكومة الفرنسية المؤقتة، في 09 ديسمبر 1848 قرارا يقضي باستحداث "ثـلاث عـمالات فـرنسية للجزائر"، كما كانت تسمى، أي ولايات،... والثلاث المقصودة هي الجزائر ووهران وقسنطينة.
لو شئنا الدقة في طرح موضوع "مرجعية" الهوية الجزائرية في الفكر الباديسي، لوجب أن نستعير من الاقتصاديين والدارسين في العلوم الاقـتصادية، بعض مصطلحات مناهجهم في البحث، حين يتحدثون فيها عن "اقتصاد كلي" و"اقتصاد جزئي" (Macro et Micro économie) لك أن لابن باديس في كل شأن يتناوله "مرجعية كلية" هي التي تنتظم كل فكره؛ و"مرجعيات فرعية"، تفصيلية، تدخل ضمن الإطار المرجعي الشامل، ولكنها أنسب للمسائل والموضوعات الأخرى التي يبسط فيها أفكاره ومذاهبه في الرأي. ولهذا اخترنا أن نجعل لهذه الفقرات عنوانا "مرجعيات" الهوية بصيغة الجمع.
أولا ــ الثـلاثـية الباديسية في تعـريف كـيان الأمة، هـي:
بيان هُـوية، وعنوان كفاح، وبرنامج عمل
"الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا".. كل واحد من هذه الأركان الثلاثة، يشكل مرتكزا مرجعيا لما يسميه الإمام "الذاتية الجزائرية". وإذا كا ن الحديث عن الجزائر هو الوعاء البارز لكل مضامين الفكر الباديشي، وإذ كان كل حديث عن الركنين الأخرين في الثلاثية، لأن كل حديث عنهما هو حديث عنها بوجه من الوجوه إننا سنركز في الفقرات التالية على الإسلم والعروبة، ونبسط القول خلالهما في أهم ما أثاره الشيخ الإمام من أفكار وآراء في شأنهما.
ثانيا ــ الدين الإسلامي هو أم المرجعيات كلها
1 ــ هو مــصـدر الــقــوة لشعب أعزل في مواجهة عدوه. تحت عنوان: "مبدؤنا السياسي" كتب الشيخ الإمام يقول: "نحن قوم مسلمون جزائريون... نعمل على المحافظة على تقاليد ديننا التي تدعو إلى كل كمال إنساني... وفي المحافظة على هذه التقـاليـد، المحافظة على أهم مقومات قوميتنا، وأعظم أسباب سعادتنا وهنائنا، لأننا نعلم.. أن الدين قوة عظيمة لا يستهان بها" (آثار.ج 3 ص277).
2 - ولذلك هـو مبتدأ الدعوة وخبرُها في إيديولوجية "جمعية العلماء". يقول الشيخ الإمام، في مقال عنوانه "مبادئ دعوة جمعية العلماء"، متحدثا عن الظواهر "الطـُّرُقية" في الجزائر، "الأوضاع الطرقية بدعة لم يعرفها السلف. ومبناها كلها على الغلوّ في الشيخ، والتحيز لأتباع الشيخ، وخدمة دار الشيخ، وأولاد الشيخ... إلـى ما هنالك من استغـلال وإذلال، وإعـانة لأهل الإذلال والاستغلال، ومن تجميد للعقول، وإماتة للهمم، وقتل للشعور، وغير ذلك من الضرور". (جريدة البصائرـ 18 يونيو 1937) ومعنى ذلك بوضوح أن قوة الشعب العظيمة هذه ينبغي أن لا تستعمل إلا في تقوية الشعب، وإعداده ليوم قريب آت، تواجه فيه القوة المعنوية الجبارة قوة الطغيان العاتية...
ثالثا ــ الإسلام، عند الإمام ابن باديس، إسلامان:
1 ــ "الإسلام الوراثي"، كما يسميه، هو عنده، "الإسلام التقليدي الذي يؤخذ بدون نظر ولا تفكير. وإنما يـتـّبع فيه الأبناءُ ما وجدوا عليه الآباء". وهو لذلك يتسع للخرافات، و"البدع الاعتقادية والعملية". ومع أنه يعترف له بغير قليل من الفضائل أهمها: أنه "حفظ على الأمم الضعيفة المتمسكة به ــ وخصوصا الأمة العربية منها ــ شخصيتها ولغتها وشيئا كثيرا من الأخلاق..."؛ فــإن له ـ في رأيه ـ عيبا كبيرا وخطيرا جدا، يلخصه في قولــه: "لكن هذا الإسلام الوراثي لا يمكن أن ينهض بالأمم، لأن الأمم لا تنهض إلا بعد تنبّه أفكارها وتـفـتح أنظـــارها. والإسلام التقليدي مبني على الجـمود والتقليد، فلا فـكر فيه ولا نظر".. (آثار، ج/ 3 ) 240.
2 ــ "والإسلام الذاتي"، وهو الذي يحبه الشيخ الإمام، ويفضله، ويدعــو الأمة إلى أن تجعله غاية لها، وهدفا لا تحيد عنه، لأنه: "إسلام من يـفـهم قـواعـد الإسلام، ويدرك محاسن الإسلام في عـقائــده، وآدابـه وأحكامه وأعماله..." وفـيه يكون المؤمن به هو من "يبني ذلك كله على الفكر والنظر" وهما اللـذان بهما "تنهض الأمم، فتستثمر ما في السماوات وما في الأرض، وتشيّد صروح المدنية والعمران"!.. أما سبل التوصل إلى "هذا الواجب" المفروض علينا شرعا فهو "سبيل واحد" هو سبيل "التعليم". ذلك لأنه "لا يكون المسلم مسلما حتى يتعلم... والمسلمون ــ أفرادا وجماعات ــ مسؤولون عن تعلم وتعليم الإسلام للبنين والبنات، للرجال والنساء". (السابق نفسه).
رابعا ــ مرجعيات العروبة في الهوية الجزائرية
أـ تصحيح النظرة التاريخية للعــرب قبل الإسـلام، ودحض الأفــكار الشائعة، يقول في الاجتماع العام السنوي لجمعية العلماء سنة 1949. "والحقيقة التي يجب أن أذيعها في هذا الموقف هي أن القرآن وحده هو الذي أنصف العرب. والناس، بعد نزول القرآن، قـصّـروا في نظرتهم التاريخية إلى العرب، فنشأ ذلك التخيل الجائر عن القصد". (آثار ج / 4 ،65).
ويمضي الإمام شوطا أبعد في تعميق رأيه بشأن تاريخ العرب قبل الإسلام، فيقول: "والعرب مظلومون في التاريخ، فإن الناس يعتقدون ويعرفون أن العرب كانوا همجا لا يصلحون لدنيا ولا لــدين... هكذا يتخيل الناس العرب، بهذه الصورة المشوهة"..! وخلاصة الرأي عنده، أن "التاريخ يجب أن لا ينظر من جهة واحدة، بل ينظر من جهات متعددة. وفي العرب نواح تجتبى ونواح تجتـنب".
وهو يكاد يوجب: "على كل من يدين بالإسلام، ويهتدي بهدي القرآن، أن يعـتـني بتاريخ العرب، ومدنيتهم، وما كان من دولهم وخصائصهم قبل الإسلام. ذلك لارتباط تاريخهم بالإسلام، ولعناية القرآن بهم، ولاختيار الله لهم لتبليغ دين الإسلام" (السابق. ص59).
ثم هو يرى "أن العرب هُـيّئوا تاريخيا لأجل أن ينهضوا بأعباء هذه الرسالة الإسلامية العالمية". وتفسير ذلك أنه "ما كان ليجعل هذه الرسالة العظيمة لـغـيـر أمـة عـظـيمة، إذ لا ينهض بالجليل من الأعمال إلا الجليل من الأمم والرجال!!" (السابق نفسه).
ب ـ العـزة العربية من مقومات الشخصية العربية
من أهم ما أعجبه في خصال النفس العربية، تلك العزة التي عرفت بها، ونفورها من كل إذعان أو خضوع وانقياد للأجنبي. يقول ابن باديس:
"فمن الطبيعة العربية الخالصة أنها لا تخضع للأجنبي في شيء، لا في لغتها ولا في شيء من مقوماتها..." ومن الواضح جدا مبلغ ما في كلام الشيخ الإمام من "التوظيف" في واقع الجزائريين آنئذ، وما ينطوي عليه من الاستفزاز والتحريض. ولن يترك الحديث عن "العزة العربية" فهو يذكـّـر بها في كثير من مقالاته. وقد وصف بها الشعب الجزائري ــ مفتخرا بها وبه ــ في شعر له مشهور يقول فيه:
أشــعـبَ الجزائـر روحـي الفِـدا * لـما فــيــك من عــزّة عربـيهْ
بــنيتَ عـلــى الديـن أركـانهـــا * فـكــانت سلاما على البشريهْ
ج ــ مـحـمـد (ص) رجـل القــومـيـة الـعـربـيـة:
إن الذين فاجأهم حديثُ الشيخ ابن باديس عن مدنية العـرب قبل الإسلام، واعتزازُه بالفضائل العربية في العصر الجاهلي، لا بدّ أن تكـون دهشتهم أكثر وهم يسمعونه يصف الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه "رجل الـقــومـيـة الـعـربـيـة"!!
وهو حين كتب هذه المقالة، ونشرها في مجلة "الشهاب"، في شهر يونيو/حزيران 1936، (آثار، ج4، ص 17)؛ إنما كان يريد أن يُـقــّر في الأذهان حقيقة على جانب كبير من الأهمية والخطر، وهي حلقة أخرى من المسلسل الفكري الباديسي الرامي إلى إبطال المكائد الاستعمارية التي كان من أوائل من فهم أنها قنابل موقوتة يطمح الاستعمار إلى تفجير النسيج الوطني للشعب الجزائري. وهو، من هذا المنظور، يُـقر عدة قواعد هي لديه مرتكزات أساسية مستـنبطة من مرجعياته الدينية والاجتماعية والتاريخية.. وهي التي نشير إلى بعضها فيما يلي:
د ــ اللغة العربية هي التي تمنح الجنسية العربية.
يبني الشـيخ الإمام كـل نظريته عـلى الحـديث الـنبوي المشهـور "... ليست العربية بأحـدكم من أب ولا أمّ؛ وإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي"!! لقد وقـف الإمام طويلا عند هذا الحديث النبوي الشريف. فـبعد أن يوثقه، ويذكر سنده ومصدره، والسياق العـنصري الذي جاء فيه، وما انتاب رسول الله من غضب شديد يسبب ذلك!!.... ويـيستخلص الإمام منه نتيجة في غاية الأهمية ــ لعلنا اليوم في أشد الحاجة إلي تدبّـرها ــ وهي التي نراها في حلقة الإثنين القادم بإذنه تعالى.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة