فضاءات قدارة بوزقزة

قدارة بوزقزة

فضاء الأخبار والمستجدات

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
M.said
مسجــل منــــذ: 2012-03-24
مجموع النقط: 1.2
إعلانات


بلدية بوزفزة قدارة في بومرداس قهرها "الإرهاب" وأضناها العطش وخنقها غبار المحاجر

لم يكن سكان بلدية بوزفزة قدارة في بومرداس، يدرون بأن التضحيات الجسام التي قدموها ضريبة خلال الثورة التحريرية ستقابل في جزائر الاستقلال بنكران للجميل، فهذا الدوار الذي رقي إلى مصاف البلديات لم ينل من هذه الترقية سوى الاسم، وهو ما تعكسه جليا الأوضاع المعيشية المزرية للسكان الذين أدار لهم المسؤولون ظهورهم وحرموهم من أبسط المشاريع الإنمائية.
عبر الطريق الوطني رقم 29 وانطلاقا من عاصمة الدائرة بودواو، بدأت رحلتنا إلى دوار ثالا خليفة أو بلدية قدارة اليوم التي ألصق بها المسؤولون كلمة بوزفزة، بعد تصنيفها كبلدية إثـر التقسيم الإداري لسنة 1984 كرمز لجهاد سكانها إبان الثورة التحريرية، ونسبة إلى جبل بوزفزة الذي كان واحدا من أهم ملاجئ المجاهدين آنذاك بما يوفره من مسالك وعرة وغابات وأحراش كثيفة، استغلتها منذ بداية تسعينيات القرن الماضي الجماعات الإرهابية التي اتخذته قاعدة خلفية لنشاطاتها الإرهابية؛ حيث كان من أهم مراكز التخطيط للعمليات الإرهابية التي شهدتها الناحية وجعلت منها منطقة ساخنة.
ولا يستبعد العارفون بالشؤون الأمنية أن تكون النواة الأولى للجماعات الإرهابية قد تكوّنت هناك نهاية الثمانينيات، عكس ما يشاع أن أعمال العنف بالجزائر بدأت بعد توقيف المسار الانتخابي؛ حيث تتهم الجماعات النشطة هناك وقبل هذه الانتخابات بالقيام بأول عملية إرهابية في المنطقة تمثلت في محاولة الدخول إلى مقر الدرك الوطني لبلدية بودواو للاستيلاء على الأسلحة، والتي أحيطت بسرية تامة رغم أنه تم إحباطها. كان دليلنا في هذه الرحلة كل من رضوان وعبد القادر، وهما شابان من المنطقة، أخذا على عاتقهما مسؤولية إيصال انشغالات السكان التي طالما انتظروا أن تجد حلولا لها.
وأول ما شد انتباهنا في البداية هو انتعاش الحركة بهذا الطريق الذي هجرته السيارات طيلة سنوات التسعينيات، واقتصرت الحركة به على سكان المنطقة فقط، بعدما كان ومنذ فجر الاستقلال شريان حياة المنطقة وسببا في انتعاش الحركة التجارية بها، والتي كانت المورد الأساسي لسكانها، باعتبار أنه كان من أهم الطرق التي تربط بين الولايات الشرقية بالعاصمة. ولكن لعنة السنوات الحمراء لم تستثنها وتركت عند سكانها أسوأ الصور. فقد كان هذا الطريق وحده مسرحا للعديد من العمليات الإرهابية التي راح ضحيتها عشرات المواطنين العزل، كما كانت ممتلكاتهم غنيمة سهلة لهذه الجماعات التي استباحت دماءهم وحتى أعراضهم، إلى أن طفح الكيل منتصف التسعينيات، حيث قرر السكان تنظيم أنفسهم للحراسة والدفاع عن النفس ولتصدي للإرهاب باستعمال العصي والأسلحة البيضاء، وباشروا حراسة ممتلكاتهم ليلا وبالتناوب ونجحوا في قهر ما عجزت عنه الدولة آنذاك، ليعطي بذلك السكان اللبنة الأولى لتشكيل مجموعات الدفاع الذاتي والتي تسلحت فيما بعد وكان لها دور فعال في محاربة الإرهاب. بدا وكأن الطريق الوطني رقم 29 قد استعاد عافيته بعد سنوات عجاف خرج فيها السكان في حركات احتجاجية وغلقوا الطريق في سبيل إعادة تزفيته، وولد من جديد بعد عملية قيصرية، حيث أعيد تزفيته ولكن أجزاء كثيرة منه لم تستطع أن تصمد أمام مئات الشاحنات التي تغدوا وتروح محملة بثـروات المحاجر، ما أدى إلى انهيار أجزاء كثيرة منه، وانحدرت أخرى من شدة ثقل الشاحنات التي تحمل بأكثـر من طاقتها، ما جعل السيارات تسير ولمسافات معتبرة في تموجات ألحقت بها الكثير من الأضرار. قرى ومداشر تفتقر إلى أدنى ضروريات الحياة بدخولنا قرية ''شطاطحة'' نكون قد ولجنا الحدود الإقليمية لبلدية بوزفزة قدارة. وكان طابعها الفلاحي يبدو واضحا من الحقول والبساتين التي تشغل حيزا كبيرا من رقعتها التي تتناثـر فيها مساكن حديثة البناء هنا وهناك، ويؤكد عدم اكتمالها محدودية دخل سكانها من جهة، ومعاودتهم الاستقرار بها في السنوات الأخيرة بعدما هجروها من جهة أخرى، على غرار الكثير من المناطق المجاورة هربا من بطش الإرهاب. كما تبين من خلال جولتنا بها أنها تفتقر لأدنى ضروريات الحياة الكريمة. محطتنا الموالية كانت قرية ''بودغاغن'' التي تحصي ما يقارب المائة عائلة، أوضاعها المعيشية ليست بأحسن حال من أوضاع نزلاء القرية السابقة، فالمساكن هنا بألوان جدرانها الآجورية الفاقعة وأعمدتها الإسمنتية التي تعلوها قضبان حديدية نال منها الصدأ أشده، تكسر صور الريف الجميل الذي تحاول بعض مظاهر التمدن أن تخترقه ولكن دون جدوى. ويبقي سكان ''بودغاغن'' محظوظين بامتلاك مدرسة ابتدائية هي الوحيدة في المحيط، يتمدرس بها عشرات التلاميذ من الجوار، تجدهم يمشون أفواجا على حواف هذا الطريق، غير آبهين بخطر الشاحنات التي تسير بسرعة جنونية وتتربص لاختطاف البراءة منهم في أية لحظة، ويبقى توقف سيارة بإشارة الإصبع الصغير من نصيب المحظوظين منهم والذين لا يتوانون في تكرار العملية يوميا للظّفر بوسيلة تقلهم من وإلى مساكنهم، في ظل عوز الأهل ومحدودية دخلهم.
كما يظهر بالجوار مسجد القرية الذي بقي ولعدة سنوات مجرد هيكل ظل فقر السكان يحول دون إتمامه ليجدوا أنفسهم مجبرين على التنقل إلى قرية ''بن نورة'' التي يتبع جزء كبير منها لإقليم بلدية الخروبة المجاورة لأداء فرائضهم اليومية بمسجد علي بن أبي طالب.
وبهذه القرية نجد أكبر نقطة سوداء على مستوى الطريق الوطني رقم 29 الذي يعرف أقصى درجة من الاهتراء بسبب انزلاق تربته على مسافة 20 مترا، لم تفلح عمليات التهيئة التي قامت بها المصالح الولائية في إصلاحه رغم صرف أموال طائلة ولمرتين متتاليتين، ليبقى الهاجس الذي يؤرق السكان ومرتاديه من أصحاب السيارات. وتسببت هذه الحالة في إقدام أصحاب سيارات النقل الجماعي على رفع تسعيرة النقل بين مركز البلدية ومدينة بودواو إلى 20 دينارا. نفس المشاكل والانشغالات يتقاسمها سكان كل من دواوير ايشوبار، امسطاس، بولزازن وبن حشلاف التي لم تنل هي الأخرى حظها من التنمية وظلت مقصاة.
بلدية تمتلك أكبر سد في الجزائر وساكنتها عطشى من هنا وعلى مد البصر تتراءى مدينة قدارة التي يحتضنها جبل بوزفزة وتعلوها غمامة بنية اللون وكأنها سحابة محملة بالغيث، تنتظر الوقت المناسب لتصب أمطارها على الحقول والغابات التي استحوذت على حيز كبير من هذا الديكور الأخّاذ الذي زادته جمالا زرقة لون السماء وخضرة الغابات وأشعة الشمس ببريقها المنعكس على مياه سد قدارة الشهير، الذي أنشىء خصيصا لتموين سكان العاصمة وضواحيها بالمياه الشروب التي ظلت ومنذ إنجازه محرّمة على سكان المنطقة التي تأويه والتي أضناها العطش، وأنهك جلب المياه مواطنيها الذين يشتكون ندرة كبيرة فيها بحيث لا تزور حنفياتهم إلا مرة واحدة كل أسبوعين.
كما لم تفلح الشكاوى المقدمة لأعلى السلطات ومطالبتهم بربط شبكة التوزيع الكائنة بالبلدية بمحطة المعالجة ببودواو، عوض آبار الشباشب أو إنشاء محطة تصفية المياه، في شد انتباههم. وظلت غير آبهة بهذه المطالب التي تعتبر من أدنى الحقوق المشروعة. لكن السكان لم ينالوا منه سوى هذه الصورة الجميلة التي طالما استهوت الكثيرين، والذين باتوا يتخذونه فضاء للفرجة والترويح عن النفس والاستمتاع بالغطاء النباتي والطيور التي تتخذه محطة لها، فيما لا يفوت هواة الصيد الفرصة لصيد أسماكه. ورغم كل هذه الإمكانيات السياحية التي تكتنزها بلدية بوزفزة قدارة، والتي تؤهلها لأن تكون قبلة لهواة السياحة الجبلية، إلا أنها ظلت أيضا بعيدة عن اهتمامات أصحاب القرار، فحتى مركز تربصات الفرق الرياضية الوطنية الذي جرى الحديث لإنشائه هناك قبل سنوات بقي حبرا على ورق وقبله الكثير من المشاريع السياحية، تارة بحجة تدهور الوضع الأمني وأخرى لنقص المرافق.سكان اختنقوا بغبار المحاجر.. وولايات اغتنت على حساب صحتهم تواصلت رحلتنا عبر هذا الطريق وسط ديكور خلاب صنعت الأنواع المختلفة من الأشجار خضرته والنسيم العليل ينعش النفوس، قبل أن تتخلله ذرات من الغبار كنا نجهل مصدرها. بدت المدينة تدنو منا رويدا رويدا، وبدت معها معالم الديكور المحيط بها تتضح هي الأخرى، ليتبين أن الانحدارات المشكلة لخلفيتها والتي يتدرج لونها بين الأبيض المصفر والبني المحمر والتي تشبه في شكلها بقايا شلالات جفت مياهها، ما هي إلا آثار آليات المحاجر التسع التي تراصت جنبا إلى جنب على مسافة لا تتجاوز 05 كلم، سخرت لسنوات عديدة لتنهش جبل بوزفزة وكأنه شيء مقصود لإذلال أو إزالة أحد رموز الثورة التحريرية. ويبدو أن جزءا كبيرا منه نجحت هذه المحاجر في محوه وقبضت ثمنه. والغريب أن البلدية لا تستفيد مطلقا من عائداته وحتى الضرائب المفروضة على استغلاله تستفيد منها ولايات أخرى على رأسها الجزائر، باعتبار أن المقرات الاجتماعية للمؤسسات المستغلة متواجدة هناك.
وبالوصول إلى حدود المدينة يتضح أن السحابة التي كانت تحيط بها ما هي أكوم من الأتربة والغبار الناتج عن المحاجر ليضاف للسكان الذين يضطرون مجبرين على استنشاقه، دوي التفجيرات اليومية التي تقوم بها المحاجر لتفتيت صخور الجبل، ما ألحق أضرارا معتبرة بالمساكن التي تشققت جدرانها وبالأخص بدوار ''لحدورة'' المحاذي لإحدى المحاجر، والذي تتساقط الكثير من حجارته ومن مختلف الأحجام عليهم مع كل تفجير، ناهيك عن الآثار النفسية التي تخلفها خصوصا عند الأطفال. علما بأن سكان هذه البلدية أفلحوا في إيصال مشكل ما تخلفه هذه المحاجر إلى المسؤول الأول عن القطاع في سؤال شفوي طرح في البرلمان على شكيب خليل، ودعوته إلى إجبار أصحابها على احترام المقاييس المسموح بها في استعمال المتفجرات واستعمال آليات لتصفية الغبار الذي تخلفه. ولم يكن مركز المدينة بأحسن حال من القرى التي زرناها في جولتنا الاستطلاعية، فافتقاره إلى أدنى مقاييس التهيئة جعل منه قرية كبيرة لا تحمل من البلدية سوى الاسم، فالطرق مهترئة والمنازل غير متناسقة وحتى المحلات المهنية التي أنجزت ضمن برنامج رئيس الجمهورية لم تضف على المدينة الجمال المنشود، وزاد تدهور حالتها وتشقق جدران الكثير منها حتى قبل توزيعها في تشويهها لتصبح عبئا ثقيلا على البلدية التي تجد صعوبة في توزيعها بعدما لم يبد شبابها أية نية في استغلالها، ولاسيما أن ركود النشاط التجاري لا يشجع مطلقا على ذلك. غير بعيد عن شطر من هذه المحلات تتراءى العيادة متعددة الخدمات التي طالما اشتكى السكان من تدني الخدمات المقدمة بها وافتقارها لأدنى الضروريات، حتى الأدوية الخاصة بالإسعافات الأولية لم تستطع مديرية الصحة توفيرها، وظلت صامتة أمام مطلب إلحاق مصلحة للأمومة والطفولة التي تبق حلما صعب المنال، إن لم نقل مستحيل شأنها شأن المشاريع السكنية التي ظلت محرومة منها منذ إنشائها، عدا السكنات الريفية التي أنشئت على شكل تجمع سكني أنجز وسط المدينة بدلا من أن ينجز في الأراضي الأصلية للمستفيدين منه ليرحلهم منها بدلا من تشجيعهم على الاستقرار بها، وهو الهدف الذي سطر من أجله هذا البرنامج.
أما في مجال السكن الاجتماعي فقد صنعت بلدية بوزفزة قدارة الاستثناء بظفرها ببرنامج سكني يضم 10 وحدات فقط استقبلت الدائرة أكثـر من 350 طلب بشأنها صعب من مهمة توزيعها، ولاسيما مع اقتراب أشغالها على الانتهاء. ورغم أن الدولة قد خصصت أغلفة مالية ضخمة لإنجاز بعض المشاريع الإنمائية والشبانية بهذه البلدية، إلا أن سياسة ''البريكولاج '' والتعامل مع مؤسسات بناء ومكاتب دراسات غير متمرسة جعل هذه الأموال تذهب مع مهب الرياح، وهو ما يعكسه حال القاعة المتعددة النشاطات التي تم إنجازها قبل عشر سنوات وانهار جزء كبير منها بعد إتمامها بسبب إنجازها على أرضية قابلة للانزلاق، لتصبح اليوم مجرد أطلال شاهدة على عجز في التسيير حالها حال النصب التذكاري المجاور الذي انهار هو الآخر لنفس الأسباب، شأنه شأن جزء من الملعب البلدي الذي منعت أشغال تدعيمه بجدار واق انهياره بشكل كلي. ويبقى توصيل هذه البلدية بشبكة غاز المدينة تقي سكانها من البرد الشديد، وإنجاز ثانوية توفر على أبنائها عناء التوجه إلى بلدية بودواو وضمان مداومة المركز الصحي 24/24ساعة، أحلاما يصعب تحديد تاريخ تحققها، ولا على يد مَن، ولا حتى في أي عهدة رئاسية.. لتبقى المعاناة قائمة إلى إشعار اخر.
المصدر :بومرداس: ع. سفيان النص مقتطف من منتدى الأخضرية ولاية البويرة

تقييم:

3

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة