فضاءات شلقان

شلقان

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ناصف عبدالله محمد السيد
مسجــل منــــذ: 2022-03-05
مجموع النقط: 2.38
إعلانات


موت الدماغ (حذيفة ناصف)

موت الدماغ
الدكتور محمد زهير القاوي
رئيس إدارة الطب الباطني
مستشفى الملك فيصل التخصصي
الولادة والوفاة أهم حدثين في حياة الفرد. إذ يتم بينهما تحديد الفترة التي يقضيها الفرد على سطح هذا الكوكب طالت أو قصرت. ويتعلق بالوفاة أمور هامة كالإرث وعدة الزوجة، ولذلك فإن تحديد وقت الوفاة وحدوثها أمر على قدر كبير من الأهمية العملية. وعلى الرغم من هذه الأهمية فإنه لم يرد نص شرعي واضح قاطع بتحديد الكيفية التي تعرف بها الوفاة أو علامات حدوثها. وحاشا أن يكون ذلك سهوا {لا يضل ربي ولا ينسى} (طه - 52). و{ما فرطنا في الكتاب من شيء} (الأنعام - 35). لكن هنالك أموراً كثيرة علم الله أن معرفة البشر بها يعتريها التبدل والتغير. والشريعة الصالحة لكل زمان ومكان لن تكون ملزمة بالجمود عند معرفة البشر في حقبة معينة من التاريخ. فكثير من هذه الأمور يترك تقديرها لأهل الخبرة من الناس. ولذلك نرى كثيرا من الفقهاء يعودون في مشاكل كثيرة إلى الرأي السائد في عصرهم من أهل الخبرة في ذلك الموضوع مثل (طول مدة الحمل) فيثبتونها في كتبهم ولو لم يرد فيها نص شرعي بناء على أنها من المصالح المرسلة.
وينطبق ذلك على تعريف الوفاة حيث نجد في بعض كتب الفقه أوصافا كانوا يعرفون بها حدوث الوفاة من برودة الجسم وشحوب الوجه وغؤور العين وانحدار الأنف وما إلى ذلك. ولما عرف الناس أهمية عمل القلب في استمرار الحياة أصبح غياب النبض علامة واسمة لحدوث الوفاة لأنه لم يكن بالإمكان إعادة القلب إلى الحركة بعلاج معين. وبقيت هذه العلامة معلما لتشخيص الوفاة أكسبها الزمن درجة تقترب من اليقين المطلق. إلا أنه مع التقدم في وسائل الإنعاش في النصف الثاني من القرن الحالي والنجاح في إنعاش القلب وإعادته إلى النبضان تزعزعت الثقة في هذه العلامة إلى درجة أن غالبية حالات توقف القلب في المستشفيات وكثيرا من حالات توقف القلب خارج المستشفى تعالج بالوسائل المعروفة للإنعاش القلبي الرئوي، ولا يُجزم بحدوث الوفاة في هذه الحالات إلا بعد إخفاق تلك الوسائل.
والحقيقة أن الحدود الفاصلة بين الحياة والوفاة قد تعرضت للتبدل على مستويات شتى وأدت إلى ظهور تعريفات جديدة.
فمن ذلك الحياة الخلوية.. فإن وسائل زرع أنسجة الجسم وخلايا الدم وتجميد البويضات وبنوك النطف وما إلى ذلك تجعل هذه الأجزاء الدقيقة من الجسم تبقى حية ولو توفي الشخص الذي أخذت منه. ولا يقول عاقل بأن ذلك الشخص ما يزال حيا بناء على حياة بعض خلاياه في المعمل. فالمستوى الأول من الحياة الخلوية لا يقضي بحياة الشخص ككل.
ويتبع ذلك حياة الأعضاء وصورة ذلك أن يتبرع حي إلى قريب له بعضو لا تتوقف حياته عليه كأن يعطيه إحدى كليتيه وتبقى هذه الكلية في جسم الشخص. ولو تصورنا أن المتبرع توفي فيما بعد في حادث أو نحوه فلن يعترض قائل بأن حياة جزء منه أو أحد أعضائه في جسم حي آخر دليل على استمرار حياته. فحياة العضو أو عدد من الأعضاء بذاتها لا تعتبر حياة الشخص بكامله، إذن حياة الشخص تبقى قائمة ما دامت كل أعضاء الجسم الضرورية للحياة تعمل مع بعضها كمجموع لا كأفراد.
ويقابل الوضع السابق وضع آخر ينفي أن يكون توقف القلب في حد ذاته علامة على الوفاة إذ أنه في عمليات القلب يتم إيقاف القلب عن النبضان مؤقتا ريثما يتم إجراء الجزء الحرج من العملية الجراحية يتم بعدها تنبيهه إلى النبضان مرة أخرى. وتوقفه بحد ذاته لم يكن معلماً لوفاة صاحبه. فمن الذي يجمع الأعضاء كلها للعمل في توافق وانسجام؟ يبدو أن ارتباط كل هذه الأعضاء بشكل مباشر أو غير مباشر بالجهاز العصبي أمر يوفق بينها ويجعل الشخص يتصرف ككل لا يتجزأ وتعطيه الشخصية الاعتبارية كفرد.
وهنا قد يبرز سؤال. ماذا عن الذي أصيب بمرض في الدماغ أدى إلى تعطيل جزء كبير من تفكيره ووعيه وقدرته على الكلام ولكنه احتفظ بقدرته على التنفس والتغذي فماذا نعده؟ هل هو في عداد الأحياء أم نحكم بوفاته؟ والظاهر في هذه الحالة أنه طالما استطاع أن يقوم بالوظائف الضرورية للحياة من تنفس ودورة دموية واغتذاء فهو حي وإن كان معاقاً غير قادر على النطق أو الحركة أو الإحساس، ولذلك يعد الأشخاص في مثل هذا الوضع في حالة نباتية مزمنة لأنه كالنبات يحتاج إلى تقديم الماء والمغذيات له.
إن تحديد الفصل بين الحياة والموت بعد إنعاش القلب وإعادته إلى النبضان أمر يتعلق بقدرة الدماغ على أن يستمر في عمله كرابط بين هذه الأعضاء جميعا وبقدرة الشخص على التنفس هذا من الناحية الطبية.
وإذا أردنا أن نسترشد بالنصوص الشرعية لوضع الخطوط العريضة في تقدير هذه الحالة لوجدنا أن التعريف الوحيد الذي يصفه القرآن لحالة الموت هو حالة اللاعودة.. {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلّي أعمل صالحا فيما تركت. كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} (المؤمنون - 100).
فالموت هو النقطة التي لا يمكن بعدها للشخص أن يعود إلى الحياة. ونظرا للتشابه الظاهري بين الموت والنوم في تعطل الحركة والوعي فإننا نجد في الآية الكريمة أيضا التعريف بواسطة اللاعودة {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} (الزمر - 42).
فالمعلم الأساسي والقرينة الكبرى هي عدم إمكان العودة. ولما كان تقدير إمكان العودة إلى الحياة من عدمه أمراً يقرره الأطباء ذوو الخبرة وذلك في حالات نجاح الإنعاش القلبي الرئوي فقد تحول الأطباء عن مفهوم موت القلب إلى مفهوم موت الدماغ مع اختلافات في مدى شدة القرائن التي يعتمدونها عند تقرير تلك النقطة، وهي هل وصل الشخص إلى نقطة اللاعودة؟ وهل أصبح من المستحيل بالوسائل الحاضرة إعادة أعضاء الجسم لتعمل سويا ولو لم تنته حالة الغيبوبة؟ وبنيت مثل هذه التقريرات على دراسة أعداد كبيرة من المصابين بتلك الحالة. والقرائن التي اعتمدت في المملكة تعتبر أقرب إلى القرائن الشديدة دفعا للخلاف ونفيا للاشتباه، فهي تعتمد وجود دليل سريري على توقف أعمال الدماغ بأكملها، ودليل مثبت أيضا بتوقف النشاط الكهربائي لخلايا قشر الدماغ أو انقطاع جريان الدم إلى الدماغ، تدل الدراسات إلى أن من تحققت فيه هذه القرائن جميعا فإنه لو استمر دعم قلبه بالأدوية ودمه بالأوكسجين عن طريق المنفسة فإنه صائر إلى الوفاة بتوقف القلب أو فشل الأجهزة الأخرى في الجسم في بضعة أيام نادراً ما تمتد إلى بضعة أسابيع.
وكل الدراسات للتحقيق في موت الدماغ تعتمد على إثبات هذه النقطة، وهي وصول المصاب إلى نقطة اللاعودة واليأس من استمرار الحياة بسبب التلف الشامل في الدماغ. والقرائن طبعا تختتم باختبار نهائي لمعرفة قدرة المريض على إحداث أي حركة تنفسية إذا ما أوقف منه جهاز المنفسة.
لكن السؤال ذا الأهمية الكبرى من الناحية الشرعية يتعلق بتوقيت الوفاة هل يحكم بتوقيت الوفاة من بدء اعتماد المريض على المنفسة أم حين استكمال الفحوص المثبتة لوفاة الدماغ أو بعد توقف القلب نهائيا عقيب سحب الأجهزة المساعدة؟
فإذا استعرضنا هذه الخيارات الثلاثة لوجدنا ما يلي:
1 ـ اختيار بدء الغيبوبة واعتماد المريض على المنفسة: يبرز هذا الخيار من الناحية المنطقية أنه يتزامن مع بدء الحالة النهائية وعدم خضوعه للتغير الناتج عن التأخر في استكمال الفحوص المثبتة. ويعارض بأن الوفاة الدماغية قد تتطور في أثناء وجود المريض في حالة الغيبوبة وتحت المنفسة وبذلك يكون التحديد غير دقيق.
2 ـ اختيار استكمال الفحوص المثبتة لوفاة الدماغ: يبرر هذا الخيار أنه دقيق التحديد ويتزامن مع الوقت الذي تحقق فيه الأطباء من الحالة. لكنه يعارض بأنه يمكن تأخيره رغبة أو اضطرارا مما قد يثير النزاع أو الشك.
3 ـ الخيار الثالث وهو انتظار توقف القلب: قد يبرره أنه يعتمد على إحدى القرائن التي اكتسبت ثقة على مر الأزمان، ولكن يعارضه أنه يجعل من عملية تقرير وفاة الدماغ عبءاً وأنه يفسد احتمالات نقل الأعضاء كالكبد والقلب.
ويبدو أن الخيار الثاني هو الأقرب إلى الواقع والمنطق.
فقد استبعدت في مقالي هذا تفاصيل كيفية التثبت من موت الدماغ وذلك لأنها معروفة لدى الاختصاصيين ومتداولة في الكراسات التي توزع مع الاستمارات الخاصة بها في وحدات العناية المركزة.
الرئيس الدكتور خيري السمرة: شكرا للأخ الدكتور محمد زهير القاوي والحقيقة أضاف لنا الكثير من المعلومات وأجاب على كثير من الاستفسارات وأود أن أقول بأنه كلما تقدم الوقت في هذه الندوة أشعر بالشكر الجزيل للدكتور عبدالرحمن العوضي والدكتور أحمد الجندي لاختيارهم هذه النخبة المتميزة من الأطباء المختصين، المتحدث الأخير في هذه الجلسة هو الأخ الدكتور محمود كريديه فليتفضل:

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة