فضاءات الشيخ مسعود

الشيخ مسعود

فضاء الأخبار والمستجدات

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
أحمد يحي عبد المقصود
مسجــل منــــذ: 2011-12-11
مجموع النقط: 1
إعلانات


بلال فضل

عبقرية الرئيس
بقلم بلال فضل ??/ ??/ ????
بالأمس شاهدت فيلما وثائقيا أمريكيا يقدم رؤية علمية يمكن أن تقنعك بأن العالم سيفنى فعلا عام ????. كان مخرج الفيلم يسأل بحُرقة عما فعلته شعوب الأرض للاستعداد لهذه النهاية الكارثية الوشيكة، لكننى لم أتفاعل مع مخاوفه، لأننى كنت مطمئنا جدا لأن العالم سيفنى بينما الرئيس مبارك سيكون فى العام الأول من فترته السادسة بإذن الله، وسيكون وعده للمصريين قد تحقق فعلا بأن يظل معهم حتى آخر نفس.
يشهد الله أننى لست منافقا ولا متهكما عندما أشهد للرئيس مبارك بأنه يمتلك نوعا خاصا وفريدا من العبقرية. حتى لو لم تصدقنى، فالله يعلم أننى صادق وجاد أيضا، ولو قررت أن تمنح نفسك إطلالة على التاريخ المعاصر للعالم، كما فعلت أنا، ستصل إلى النتيجة التى وصلت إليها دون أن يتم منحك جزيرة فى النيل أو صحيفة قومية فى وسط البلد. انظر كيف كان حال العالم وقت أن تولى الرئيس مبارك حكمه، وكيف أصبح الآن.
ليس أمامى أطلس ولا منفذ إلى الإنترنت، أكتب ما تسعفنى به الذاكرة ولعله يكفى لإيضاح فكرتى: سقط الاتحاد السوفيتى والاتحاد اليوغوسلافى واتحاد التشيك والسلوفاك وسور برلين ونظام التفرقة العنصرية فى جنوب أفريقيا، ورحل طغاة أبديون من أمثال التشيلى بينوشيه والفلبينى ماركوس والإثيوبى مانجستو هيلا مريام والعراقى صدام حسين والبنمى نورييجا والهاييتى دوفالييه، ولن أضيع وقتك بتعداد قادة الدول الديمقراطية الذين رحلوا عن كراسى الحكم طواعية وكلهم عرفوا الرئيس مبارك والتقطوا صورا تذكارية ضاحكة معه وأبدوا إعجابهم بحكمته، وتوقفت الحرب الأهلية فى أيرلندا، وقفزت النمور الآسيوية من المجهول، وأصبحت الصين قوة عالمية ضاربة بعد سنوات من الغموض، وتوارت سطوة العسكر فى تركيا شيئا فشيئا وخرج المارد التركى من قمقمه، كل هذا والرئيس مبارك لايزال باقيا فى كرسى الحكم، ثم يأتى بعضنا لينكر عليه استحقاقه عن جدارة وصفه بالعبقرية، عبقرية البقاء والاستمرار.
بمعيار عبقرية البقاء هناك زعماء عرب ينافسون الرئيس بقوة بل ربما تفوقوا عليه، القذافى وعلى عبدالله صالح والأسد ممثلا فى امتداده بشار، لكن هل تصح مقارنة الرئيس مبارك بأى من هؤلاء، أعتقد أن المقارنة ستكون ظالمة ومتعسفة، على سبيل المثال فى الكام مرة التى سافرت فيها إلى سوريا وبرغم عشقى للبشر والطبيعة والثقافة والفن والمقبلات كنت أعود من هناك وأنا على شفا حفرة من الانضمام طواعية إلى الحزب الوطنى، منذ سنين كتبت أنه لو قابلنى أحد باستمارة عضوية للحزب الوطنى على سلم الطائرة بعد عودتى من دمشق لانضممت إليه فورا، وبالطبع لم يقابلنى أحد بالاستمارة لأننى لم أكن معتوهاً لكى أسافر ثانية بعد ما كتبته.
لكن بما أننا فتحنا باب المقارنات المغرى دعنا نواربه بالقول إن حكمك على الرئيس مبارك يتوقف من زاوية النظر التى تنظر منها: إذا كنت ستضع مصر مثلا فى مقارنة مع الصومال وأفغانستان واليمن والعراق ولبنان فأنت يجب أن تبوس يدك وجها وظهرا على نعمة الاستقرار التى ترفل فيها مصر مقارنة بهذه الدول، لكن كيف سيكون رأيك فى حالنا لو قارنته بتركيا والهند وماليزيا وسنغافورة والبرازيل وغيرها من الدول التى تتطور كل لحظة. وكذلك الحال لو قارنت الصحافة المصرية بأحوال الصحافة فى جميع الدول العربية.
بينما يمكنك أن تقارنها بأحوال الصحافة فى دول كانت متخلفة مثلنا ثم منحت الصحافة حرية كاملة غير محكومة بمزاج شخصى لحاكم الدولة أو ممنوعة من الحصول الشرعى على المعلومات أو مهددة بترسانة قوانين يمكن أن تذهب بالصحفى إلى ستين داهية، وإنما حرية كاملة وحقيقية لا تعرف خطوطا حمراء ولا مؤسسات محظورة، حرية يكفلها قانون حازم وعادل يسرى على الهلفوت قبل المسنود. ثم بعد كل هذه الأسئلة يأتى السؤال الأهم الذى يجب أن يسأله كل مصرى لنفسه: هل مصر تستحق أن نقارنها بالدول المتكحولة لكى نحمد الله على ما لدينا من بلاوى، أم تستحق أن نقارنها بالدول التى تتطور لكى نلحق مثلها بركب الحضارة ونعلن فك الارتباط مع التخلف؟!
ربما ستكون المرة الأولى التى أقول فيها نعم فيما يخص الرئيس مبارك، نعم نجح الرئيس مبارك فى إبقاء مصر مستقرة على الأرض، لكنه لم ينجح وهو الطيار الماهر فى أن يُحَلِّق بها إلى آفاق رحبة كالتى طارت إليها دول كانت تعيش فى وكسة أعمق من وكستنا.
نعم نجح الرئيس فى أن يبقى على كرسى الحكم دون أن تشهد مصر انقلابات دراماتيكية حادة وذلك بفضل قراءته الجيدة لتجربة الرئيس السادات. نجح الرئيس فى تطوير بذور الديمقراطية الشكلية التى غرسها السادات، لكن السادات لم ينجح فى جنى ثمارها بسبب طبيعته الشخصية الانفعالية التى جعلت أعصاب الفنان تغلب على برود السياسى. نجح الرئيس فى استخدام أنياب ومخالب الديمقراطية دون أن يقوم بإعلان ذلك كما فعل السادات. نجح فى فهم وإدارة مفاتيح العلاقة مع الغرب وعلى رأسه الولايات «المصلحجية» الأمريكية بحيث يأخذ الغرب كل ما يريده ويأخذ النظام أيضا كل ما يريده.
نجح فى فهم واستغلال الضعف الإنسانى للنخبة المثقفة المصرية وهو ما لم يحققه كل من عبدالناصر والسادات اللذين كانا أكثر التصاقا بالمثقفين ولكن أقل فهما لهم. كل هذا نجح الرئيس فى تحقيقه، ولكن يا ليته مثلا نجح فى إصلاح التعليم أو حتى إعادته إلى ما كان عليه فى الخمسينيات والستينيات، نعم قام الرئيس بتطوير البنية الأساسية ولكن هل تطور الإنسان الذى يستخدمها ثقافيا وصحيا ونفسيا؟ نعم لا توجد لدينا اضطرابات أمنية حادة كالتى تشهدها دول أخرى، لكن ألا يريد أحد أن يتنبه إلى أن السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التى يمارسها هذا العهد تؤدى إلى نحر متواصل فى بنيان المجتمع لا يعلم إلا الله كيف ستكون نتائجه؟
بالتأكيد ينوى الرئيس لمصر كل الخير، لكن هل أوصلت هذه النية مصر إلى ما تستحقه، أو حتى إلى ما حققته دول أقل منها فى المكانة والإمكانيات، هذا سؤال مركزى أعتقد أن الرئيس لو فكر فيه بروح قائد الطيران فى حرب أكتوبر لبادر إلى إصلاحات دستورية حقيقية وشاملة، يترك بعدها الشعب لكى يقرر مصيره فى انتخابات برلمانية غير ملعوب فيها من الأجهزة العلنية والسرية، انتخابات بجد تخضع لإشراف قضائى ورقابة دولية كالتى تخضع لها الانتخابات الأمريكية مثلا، ثم نشهد بعدها انتخابات رئاسية يرشح الرئيس مبارك فيها «رجلا» محترما من قلب النظام لكى يتنافس مع معارضين حقيقيين، ومع أن كلمتى هنا لن تقدم ولن تؤخر، لكننى مستعد لأن أحلف على المصحف أن أى رجل محترم صاحب رؤية يرشحه الرئيس مبارك سينجح فى تلك الانتخابات أيا كان منافسه، لأن أى عاقل مخلص سيفضل دولة يحكمها رجل قوى صاحب مشروع على دولة يحكمها رجل ضعيف صاحب شعارات.
وبعدين يا سيدى حتى لو طلع حلفانى على الفاضى، ما حصلش حاجة، يكفى أن مصر ستشهد تغييرا سيكون فى صالحها فى كل الأحوال، فضلا عن أن الرئيس مبارك سيدخل التاريخ كأول رئيس مصرى سابق على قيد الحياة، وعندها قطعا ستكون المرة الأولى التى يسمع فيها كلمة نعم من معارضيه، وليس من المنتفعين من حكمه.
أيوه يا سيدى، هذا خيال رومانسى حالم أو حتى ساذج، ولكن بذمتك هل عاد حيلتنا غيره؟
belalfadl@hotmail.com

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة