فضاءات باعون

باعون

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
د محمد القدحات
مسجــل منــــذ: 2011-11-09
مجموع النقط: 0.4
إعلانات


عائلة الباعوني


عائلة الباعوني ودورها في الحياة العلمية
د. محمد عبد الله القدحات
باحث وأكاديمي أردني
شارك الأردن كغيره من أقاليم الدولة الإسلامية في صياغة أحداث التاريخ الإسلامي منذ الفتوحات الإسلامية، فقد قدم أول شهيد شامي في الإسلام: فروة بن عمرو الجذامي. كما شهدة أرضه أهم المعارك " الدولية" التي خاضتها الجيوش الإسلامية خارج الجزيرة العربية: مؤتة واليرموك. والتي كانت بدورها بوابة الفتح لبلاد الشام عامة.
وبعد انتشار الإسلام في معظم أرجاء العالم آنذاك، واستقرار أوضاع الدولة الإسلامية، أقبل المسلمون على العلم والتعليم، منطلقين في ذلك من دوافع دينية، تحث على الاهتمام بهما. ولقد شارك في مسيرة هذا التطور الحضاري مختلف أبناء أقاليم الدولة الإسلامية وأمصارها. وكان أبناء الأردن في جملة من تصدى للعلم تعلم وتعليما، فبرز منهم علماء في مختلف العلوم: النقلية والعقلية.
بلغ علماء الأردن قمة العطاء العلمي والفكري في العصر المملوكي. حيث برزت عدة مراكز علمية في هذا الإقليم منها: الكرك، وعجلون، وحسبان، وأيلة "العقبة"، والصلت( السلط).
كان وراء تطور الحياة الثقافية في بلاد الشام في هذا العصر عدة عوامل على رأسها تشجيع سلاطين المماليك للعلم والعلماء. فالمماليك كانوا يحسون أنهم غرباء عن البلاد وأهلها، وأنهم بحاجة إلى دعامة يستندون إليها في حكمهم، ويستعينون بها على أرضاء الشعب، فلم يجدوا أمامهم سوى العلماء، فاحترموهم، وشجعوهم. وتمثل هذا التشجيع بالرعاية المباشرة للسلاطين للمجالس العلمية. فكان السلطان المؤيد شيخ محمود يحب مجالسة العلماء، ويحرص على الاستماع إلى نصائحهم، ويحسن إلى أهل العلم والفضل. كما حرص السلطان قانصوه الغوري على عقد المجالس العلمية والدينية بالقلعة وحضورها، بل المشاركة في المسائل العلمية التي تثار في تلك المجالس.
في هذا العصر صارت بلاد الشام ومصر مراكز إشعاع حضاري وعلمي في العالم الإسلامي، بعد الذي حلّ ببغداد على يد المغول ، وكذاك ما أصاب المسلمين في الأندلس على أيدي الصليبيين. وفي وسط تلك الغمة التي ألمت بالعالم الإسلامي لم يجد علماء المشرق والمغرب بلدا آمنا تطيب لهم فيه الحياة الا مصر والشام ، اللتان غدتا في عصر المماليك مركز العالم الإسلام.
لم يقتصر دور الأردن الثقافي على حدوده الجغرافية ، بل ساهم في إثرائها في مختلف المدن الشامية في العصر المملوكي: القدس، ودمشق، وصفد، وحلب، من خلال إسهام علمائه الذين قدموا إلى تلك المدن إما للقاء علمائها أو للتدريس في مدارسها. بل أن عددا كبيرا منهم استقر فيها وصار جزءا من نسيجها الثقافي والاجتماعي، حتى صار ينسب إليها.
ويلاحظ أيضا أن الأردن قدم لتلك المدن عائلات علمية توارث أبناؤها العلم والتدريس إضافة إلى المناصب الرفيعة في الدولة المملوكية وخاصة مناصب القضاء. ومن أشهر تلك العائلات: آل الحسباني، وآل الباعوني، وأسرة ابن قاضي عجلون. فكل عائلة من هذه العائلات قدمت من العلماء ما لا يقل عن عشرة في مختلف صنوف المعرفة.
فعائلة الباعوني هاجر مؤسسها من قريته باعون إحدى قرى شمال الأردن إلى صفد بحثا عن مصدر رزق. لكن أبناء العائلة سرعان ما استجابوا لمتطلبات هذا العصر، فلم يعد البحث عن مورد للرزق هدفهم ، بل كان لاختلاطهم بمجتمع المدينة، وتفتح عيونهم مع الأيام على أن ليس احتراف المهن هو المصدر الأساسي لتوفير الدخل، بل أن هناك ما يمكن أن يوفر لهم هذا إضافة إلى المكانة الاجتماعية التي ترنوا إليها عيون أبناء مختلف الفئات الاجتماعية. ونقصد بذلك العلم والبروز فيه.
أقبل أبناء " ناصر الباعوني" على حلقات العلم في صفد. وكان لتفوقهم أن حظوا باهتمام خاص من قبل مدرسيهم ، فحفظوا القرآن الكريم، ثم أقبلوا على دراسة الفقه على المذهب الشافعي حتى برزوا به.
كانت نقطة التحول في حياتهم العلمية هي استقرارهم في دمشق، حاضرة العلم آنذاك، لقد وفر لهم هذا الاستقرار أخذ العلم على كبار علماء المسلمين، أمثال: السبكي وابن قاضي شهبة ، وعائشة و بنت عبد الهادي والنور الأبياري وغيرهم. ليس هذا فحسب، بل حرص أفراد هذه الأسرة على الرحلة في طلب العلم إلى عاصمة الدولة المملوكية "القاهرة" ، فأخذوا عن علمائها، نذكر على سبيل المثال إبراهيم بن أحمد بن ناصر، وابنة أخيه يوسف: عائشة المشهورة بالباعونية.
لم يمض وقت طويل حتى غدا لآل الباعوني مكانة مميزة بين علماء دمشق، فصار لهم قبة خاصة في المسجد الأموي يجلسون تحتها، لإلقاء دروسهم. كما تولوا التدريس في كبريات المدارس الموجودة في دمشق، منها: البادرائية، والركنية الجوانية، والعادلية، والعزيزية والباسطية.
لم يكن آل الباعوني بعيدين عن تأثيرات المرحلة التي عاشوا بها، فقد تأثروا بها شأن غيرهم من أفراد المجتمع. وكان التصوف يعد في هذا العصر من أهم التيارات الاجتماعية التي أقبل عليها كافة أفراد المجتمع: خاصتهم وعامتهم. وكان أول من ذكرته كتب التراجم من الذين تصوفوا من آل الباعوني إسماعيل بن ناصر الذي عرف بـ "الصوفي الباعوني" الذي أسند إليه منصب شيخ الشيوخ بدمشق. وكان إبراهيم بن أحمد أول من تولى مشيخة الخانقاه الباسطية بدمشق، ثم تولى منصب شيخ الشيوخ بدمشق. وتنسكت عائشة الباعونية على يد الشيخ محيي الدين الأرموي وإسماعيل الحوراني. حتى غدة من أبرز متصوفة القرن التاسع الهجري. وقد انتسب آل الباعوني في تصوفهم للطريقة الجيلانية " الكيلانية".
لذا نجد عائلة الباعوني بحكم طبيعة ثقافة أفرادها وعلومهم يتولون مناصب القضاء بمختلف درجاته بدءا بنيابة القضاء وانتهاء بمنصب قاضي القضاة. كما تولوا مناصب الإفتاء وخطابة الجامع الأموي.
حظيت عائلة الباعوني بمكانة اجتماعية متميزة في المجتمع الدمشقي. وكان وراء هذه المكانة عوامل عدة تمثلت بثقافتهم وورعهم وتصوفهم، إضافة إلى تولي بعضهم للمناصب الدينية كالقضاء، والإفتاء، ومشيخة الشيوخ. نجم عن كل ذلك أن آل الباعوني أضحوا في اعتقاد الناس نماذج دينية واجتماعية عليا. ونجد أصداء هذا الاعتقاد بالطريقة التبجيلية التي صيغت فيها تراجمهم، والتي تعكس حتى موقف زملائهم العلماء منهم. ومن أمثلة هذه الصيغ:" الإمام العالم المفنن"، "إمام البلغاء" ، "الشيخ الأديب"، "من نوادر الزمان"، " الشيخة الصالحة العالمة العاملةِ"، " الشيخ العلامة"
حاز غالبية آل الباعوني على تقدير العلماء وثنائهم عليهم، ووصفهم بصفات تدل على المكانة العلمية التي وصلوا إليها في مختلف العلوم والفنون التي اشتغلوا بها، وبرزوا فيها على أقرانهم من العلماء. فعدّهم ابن كنان في جملة العلماء والقضاة والمفتين والمتصوفة. يقول السخاوي في وصف أحمد بن ناصر: " كان رجلا طوالا، مهابا، له منطق فصيح، وعبارة عذبة، وقدرة على سرعة النظم، وارتجال الخطب، مع جميل المذاكرة وكثرة الفوائد". ويضيف ابن قاضي شهبة في الثناء عليه:" كان خطيبا، بليغا، له اليد الطولى في النظم والنثر، مع السرعة في ذلك".
ولم يكن ثناء العلماء والمؤرخين على برهان الدين إبراهيم أقل من ثنائهم على والده أحمد. يقول ابن تغري بردي:" الشيخ الإمام الخطيب البليغ المفنن". ونحو ذلك نعته السيوطي:" الإمام العلم الأديب البارع". ويضيف الشوكاني إلى ذلك صرامته في الحق :" وهو محمود المباشرة في جميع ما تولاه، يصمم على الحق، ولا يلتفت إلى رسائل الكبراء في الشافعات ونحوها"
. وأثنى عليه تلميذه السخاوي وأطرأ، فقال:" وقرأت عليه بباسطيته يقصد المدرسة الباسطية ـ أشياء، وسمعت منه نظمه ونثره ما لا أحصيه... وكان جميل الهيئة طوالا، مهابا، ذا فصاحة وطلاقة، وحشمة ورياسة، ومكارم وتودد، وعدم تدنس بما يحط من مقداره, واقتدار على النظم". كما يورد السخاوي على لسان غيره في وصف الشيخ إبراهيم:" وقد ترجمه بعض المتأخرين بالشيخ الإمام العلامة، خطيب الخطباء، لسان العرب، ترجمان الأدب برهان الدين، فريد العصر، إنسان عين الدهر" أما تلميذه الحمصي فقال في وصفه " شيخنا الإمام العلامة، خطيب الخطباء، شيخ الشيوخ".
أما محمد بن أحمد بن ناصر فقد وصف بـ :"الإمام الفاضل العالم"
وإذا وصلنا إلى السيدة عائشة بنت يوسف فإنها وصفت بصفات لم تنلها إلا قلة من النساء. فقد نعتها الغزي بـ :" الشيخة الأريبة العالمة العاملة الصوفية، أحد أفراد الدهر... ونوادر الزمان. فضلا وعلما وأدبا وشعرا وديانة وصيانة. ويقول المغربي في المحاضرة التي ألقاها في دمشق عام 1932م بعنوان" اثنا عشر كوكبا" يقول في الثناء على السيدة عائشة:" نذكر المرأة التي إذا عُدّ العلماء المؤلفون كانت واحدة منهم. وإذا عدّ الشعراء المتأدبون كانت في طليعتهم. وإذا ذكر الزهاد المتنسكون كانت لها المنزلة العظمى بينهم". وفي كتابه أعلام النساء يقول كحالة في وصف السيدة الباعونية:" عالمة جليلة، وأديبة عظيمة القدر، وشاعرة كبيرة مع صيانة وصلاح ودين"
وتمثلت هذه المكانة أيضا في تشييع جنائزهم. فقد كانت مواكب ظاهرة، سجّل المؤرخون أخبارها. فحين توفي أحمد بن ناصر " كانت جنازته مشهودة". كما يذكر الحمصي عند حديثه عن وفاة الشيخ إبراهيم" وكانت جنازته حافلة، حضرها نائب الشام والأمراء والأعيان". ويضيف الحمصي أيضا:" وحمل نعشه على الرؤوس، وعظم التأسف عليه، رحمه الله.".أما السخاوي في حديثه عن خبر وفاة الشيخ إبراهيم فيقول:"وعندما وصل خبر وفاته إلى القاهرة، صلي عليه صلاة الغائب بالجامع الأزهر.
لم تكن العلاقة التي كانت تربط أسرة الباعوني برجال الحكم والسلطة على نسق واحد، بل كانت متذبذبة بين الرضا والسخط. ويعود هذا إلى جملة عوامل أهمها حالة التردي والسوء التي أخذت تعاني منه الإدارة المملوكية وانتشار الفساد المالي والإداري الذي اخذ يتغلغل في مؤسساتها، إضافة إلى الرشوة وبيع المناصب علانية أو سرا، فتَولى المناصب"وخاصة القضاء" من هم أقل علما ودراية.
تأثر أفراد أسرة الباعوني بمثل هذه الأوضاع المتردية، فتعرضوا للمضايقة من منافسيهم وحسادهم. ولم يتوقف الأمر عند حدّ المضايقة، بل تعداه إلى المؤامرة ونسج المكائد ضدهم واتهامهم بتهم، استطاعوا أن يثبتوا براءتهم منها.


تقييم:

2

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع

| heba basem musa saleh | 18/12/12 |
aaaaaaaaa;;;;;;;vh

| محمد الدرابكة ابو علي | 14/12/11 |
الدكتور محمد القدحات اتمنى لك دوام التقدم وانت ممن كتبوا عن باعون وعلمائها واصبحنا نقراء كثير على الانترنت من مقالاتك وابحاثك الغنية
اخوك محمد درابكة


...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة