فضاءات جزيرة شارونة

جزيرة شارونة

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
emadgohar
مسجــل منــــذ: 2011-11-03
مجموع النقط: 0.2
إعلانات


يوسف الشارونى


يوسف الشاروني وخمسون عاماً مع القصة القصيرة?? آب (أغسطس) ????بقلم خليل الجيزاوي

يوسف الشاروني قامة أدبية كبيرة ورمزاً من رموز حياتنا الثقافية، تدرج بمناصب المجلس الأعلى للثقافة، حتى أصبح وكيل وزارة الثقافة، وترأس نادى القصة بالقاهرة بعد الروائي الكبير نجيب محفوظ، أخلص للقصة القصيرة طوال أكثر من خمسين عاماً، أصدر ست مجموعات قصصية: العشاق الخمسة 1954، رسالة إلى امرأة 1960، الزحام 1969، الكراسي الموسيقية 1990، الضحك حتى البكاء 1997، أجداد وأحفاد 2005، وأخيرا أصدر روايته الأولى الغرق 2007، وأصدر أكثر من عشرين دراسة أدبية في متابعة القصة القصيرة والرواية مثل: دراسات أدبية 1964، ودراسات في الرواية والقصة القصيرة 1967، الرواية المصرية المعاصرة 1973، القصة القصيرة نظرياً وتطبيقاً 1977، مع القصة القصيرة 1985، مع الرواية 1994، القصة القصيرة تطوراً وتمرداً 1995، مع الأدباء 1999.
حاز العديد من الجوائز الأدبية منها: جائزة الدولة التشجيعية في القصة 1961، وجائزة الدولة التشجيعية في النقد الأدبي 1969، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب 2005، وأخيراً جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتها العاشرة 2006ـ 2007 في حقل القصة القصيرة، وقد جاء في حيثيات اللجنة التي منحته الجائزة: أما القاص يوسف الشاروني فهو من رواد التجديد في القصة العربية الحديثة، كما أنه نجح في رصد توترات الواقع وأزمة الإنسان المعاصر في أعمال فنية تتجاوز ظاهر الأشياء إلى جوهرها.
النشأة والمولد
ولد يوسف الشاروني بمدينة منوف بمحافظة المنوفية في 14/10/1924، حيث كان يعمل والده، موظفاً بمدينة منوف، ونقل والده للعمل بالقاهرة عام 1927، واستقرت الأسرة بالقاهرة، وعن طفولته يحكى الشاروني: "طفولتي كانت موزعة بين القاهرة وشارونة حتى نهاية المدرسة الثانوية، الأشهر الدراسية التسعة في القاهرة، وشهور الأجازات الصيفية الثلاث في قريتنا، جزيرة شارونة بمحافظة المنيا، حيث كان يعيش جدي وجدتي لأمي، وشارونة كانت شبه جزيرة (قبل بناء السد العالي)، طوال فصول الخريف والشتاء والربيع، تحيطها مياه النيل من ثلاث جهات، أما الجهة الرابعة فيكون المجري فيها خلال هذه الفصول مليئاً بالرمال الناعمة، وذلك يتيح لأطفال القرية أن يلهو فيه بأمان، لاسيما في الليالي القمرية، ثم يأتي فيضان النيل، فيركب الجزيرة، ويمتلئ الخور بالمياة، وتصبح شبه الجزيرة مهددة بالغرق".
يوسف الشاروني يرصد فيضان نهر النيل وهو يأتي غاضباً مزمجراً ومكشراً عن أنيابه مثل وحش هائج فر من محبسه، تم ترويض ذلك الوحش الهائج ببناء السد العالي، ويتساءل: متى تروض الناس الوحش القابع في صدورهم وعقولهم، ذلك الوحش الذي يأكل الأخضر واليابس؛ لتبيت الأحقاد ناراً تأكل الصدور وتشـتهي
روائي وكاتب صحفي من مصر
النفوس الدماء غسلا للعار: "الأحقاد كالبذور التي يبذرها أهل قريتي، لا تدفن إلا لكي تعود وتنمو، يصبرون علي بذورهم شهوراً، وعلي أحقادهم سنين، حتى تنضج الثمار وتفرخ المآسي، وما أن تشتد أعواد الذرة أو القصب، وتعلو فوق قامة الإنسان، حتى يكون كل شيء قد نضج: الثمار والأحقاد، وأوشك موسم الحصاد، فيخرج كل من له ثأر أو يرى الوقت قد حان لغسل عاره، يختبئ بين أعواد الذرة الفارعة والخضراء متربصاً بعدوه، ومن حين لآخر تسمع طلقات أعيرة نارية تعقبها خشخشة بين العيدان التي تتكسر بعضها تحت هرولة الأقدام الهاربة، بعدها يحملون جثة قتيلهم، لا يبلغون الشرطة ولا يتقبلون العزاء." (قصة الثأر)
انتقل يوسف الشاروني للإقامة بالقاهرة بعد أن ودع القرية الخضراء، المشاعر والأحاسيس، والطفولة أحلام، نراه يكتب دهشته مع وجه المدينة/ القاهرة، الطافح بالزحام والغربة والاغتراب بعيداً عن رفقة الصحبة:
" بهرتني المدينة الكبيرة باتساعها وزحامها حتى كأنما اجتمع فيها ألف مولد مرة واحدة، كان واضحاً أننا قد جئنا متأخرين، فلا مكان فيها لمزيد من الناس، عندما رأيت العمارات بقاماتها المرتفعة وطوابقها المتعددة، عجبت كيف تزدحم البيوت بعضها فوق بعض! كنت أخاف دائماً أن تندك فوق ساكنيها؛ لثقل ما تحمل، رأيت لأول مرة الترامات والأتوبيسات تزحمها الناس، وهي تزحم شوارع المدينة، وبدا كأنما الجميع رجالا ونساءً، شيوخاً وأطفالا وشباباً يهرولون نحو شيء ما، كأنهم قطيع الأغنام تتدافع في طريق عودتها إلي قريتنا ساعة الغروب، كل منهم يشق طريقه معزولاً وحيداً وسط الزحام، فاجتاحتني نوبة كآبة عميقة، أعمق من تلك التي اجتاحتني يوم أن ضعت في المولد، قلت في نفسي: لو ضعت هنا وبكيت لن أجد من يقول لي: مالك يا ولد، هنا لا تعرف أحداً ولا أحد يعرفك". (قصة الزحام)
شغف القراءة والكتابة
خلال السنوات الخمس الأخيرة اقتربت كثيراً من يوسف الشاروني بعد نجاحي في انتخابات مجلس إدارة نادى القصة وترأس هو النادي، ولما كنت أسكن بالقرب منه كنت أصحبه على الأقل في رحلة العودة المسائية عقب ندوة الاثنين الأسبوعية بنادي القصة، وطوال الطريق كنت أحب أن أناوشه وأشاكسه، وتقبلني بصدر رحب وأجاب عن كل أسئلتي، سألته عن بداية تعلقه بالقراءة والكتابة، نظر ناحيتي طويلا كأنه يتذكر عمراً طويلا قد مر كشريط سينمائي، هز رأسه ثم قال: "في بداية حياتي، قررت بدلا من الجلوس في المقهى لشرب الشاي ولعب الطاولة، قررت أن أجلس في بيتي وعلي مكتبي لقراءة الكتب والاتصال بالهيئات الثقافية وبالمثقفين والمبدعين؛ لأكتب دون التزام بشكل معين، مرة أكتب قصة، ومرة أكتب نقداً لكتاب قرأته وأعجبني أو ترجمة، وهكذا تعددت كتاباتي، حتى بلغت حتى الآن 54 كتاباً، وهناك الكثير من الكتب لا تزال تنتظر دورها في النشر، أذكر أنني بدأت التعامل مع الكتب في وقت مبكر، ربما في سن الثالثة عشر، أثناء أجازة الصيف للصفين الأول والثاني الثانوي، وقتها لم تكن هناك مرحلة تسمى الإعدادية، في مكتبة الجامعة الأمريكية وجدتني شغوفاً في هذه السن الباكرة بالأدب العربي، قرأت طه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، وجبران خليل جبران، والأدب المترجم في سلسلة روايات الجيب، قرأت روائع كبار الكتاب (تولستوى، دوستوفيسكى، تشيكوف)، وكنت أدرس بالجامعة الأمريكية القسم العربي، حيث حصلت على التوجيهية منها، والتحقت بكلية الآداب جامعة القاهرة لأدرس الفلسـفة، وفي أثناء الدراسة بالجامعة بدأت أمارس كتابة الأدب
كمجرد هواية، أركبها ولا تركبني، بمعنى أن أترك نفسـي على سجيتها، أقرأ حين أجد كتاباً مُمتعاً يشـدني
إلى قراءته، وإذا ألحت عليّ قصة أن أكتبها أذعنت لإلحاحها".
جمهور القصة القصيرة
أعاود السؤال قائلا: بعد هذه الرحلة الطويلة كيف ترى واقع القصة القصيرة؟
يجيب منفعلا ومؤكداً: لا أزال أرى أن القصة القصيرة لها جمهورها العريض من القراء، كذلك لا تزال القصص القصيرة تحتل صدارة الدوريات الأدبية والثقافية، وبالنسبة لي فقد كانت آخر مجموعة صدرت لي أجداد وأحفاد، قد نفدت ثلاثة آلاف نسخة خلال أشهر بسيطة، وهذا يدل على أن جمهور القصة القصيرة لا يزال بخير، كذلك أصدرت مجلة العربي الكويتية (كتاب العربي) وهو مختارات قصصية لخمسين قصة قصيرة لخمسين كاتباً عربياً نفدت على الفور من الأسواق، وكذلك عندما أعلن المجلس الأعلى للثقافة، عن مسابقة يوسف إدريس للقصة القصيرة في مصر والعالم العربي، تقدم إليها أربعون قاصاً، وكانت هناك أكثر من مجموعة قصصية متميزة، تستحق الفوز، وفي النهاية ذهبت الجائزة إلى القاص سليمان المعمري من سلطنة عمان، وهى مجموعة قصصية متميزة كتبت بأسلوب مختلف وغير تقليدي.
عفوية كاتب القصة
يوسف الشاروني كتب في الدراسات الأدبية أضعاف ما كتب في مشروعه الأدبي، أسأله كيف وازنت بين عفوية كاتب القصة ونظرة الناقد الثاقبة داخلك؟
يقول: في اعتقادي، ومن خلال تجربتي اكتشفت أن الإبداع والنقد عمليتان متجاورتان، وأن المبدع هو الناقد الأول لعمله الفني، في أثناء الإبداع تتداخل العمليتان، لهذا أستطيع أن أقول إنني كمبدع ربما أفدت من تجربتي كناقد في جانب الكيف، وخسرت في الوقت نفسه في جانب الكم، لقد حاولت كثيراً أن أقترب بالنقد من العملية الإبداعية، و ليس شرطاً أن يتخصص الكاتب في القصة أو النقد، فهناك كتاب كثيرون جمعوا بين الشكلين، ومن أشهرهم الشاعر الإنجليزي ت .. إس .. إليوت، فقد كتب الشعر وله دراساته النقدية المتميزة والمشهورة، وكذلك عميد الأدب العربي د. طه حسين فقد كتب الرواية إلى جانب الدراسة الأدبية، وهناك نماذج أخرى كثيرة، بالنسبة لي لقد حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عن مجموعتي القصصية: "الزحام" عام 1961، ثم حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن النقد عام 1968عن كتابي النقدي: "نماذج من الرواية المصرية"، لكن أتفق معك أن نظرة الناقد المتفحصة تعطل عفوية كاتب القصة، ولكن من جهة أخرى قد تثري العمل الأدبي وتجعله أكثر عمقاً، فالقاص الذي يشتغل بالنقد أمامه ناحية سلبية وناحية أخرى إيجابية للنقد؛ لأنها تبصره أكثر بأعماق فكرة النص.
أدوات الكتابة الجيدة
من نافذة السيارة ألمح اقتراب ضاحية المعادى ـ حيث يسكن ـ فأقول له مُشاكساً ـ وفي يدي المسجل الصغيرـ بسرعة ماذا عن أدوات الكتابة الجيدة التي تهديها للأجيال الشابة بعد هذه الرحلة مع كتابة القصة؟
يضحك وهو ينظر لي، متأملا جرأتي معه، ولسان حاله يقول "صحفيو آخر الزمان"، لكنه يلتفت ناحيتي، حيث أجلس في المقعد الخلفي، قائلا: يمكنني أن أوجزها لك في خمس أدوات:
الأولى: ملاحظة الحدث الذي يوحي لي بالدلالة التي يمكن استخلاصها منه.
الثانية: القراءة العامة والخاصة للقصص والروايات الجديدة وكذلك الدراسات النقدية المكتوبة عنها.
الثالثة: التجربة والمعاناة، فالفن عندي إما أن يكون حياً وتوافقاً أو احتجاجاً ومعترضاً.
الرابعة: الموقف الخاص بالكاتب وأساسه الإخلاص باللحظة الراهنة.
الخامسة: الشعور الشديد بالمسئولية نحو الرغبة الملحة في كتابة القصة.
وعندما طالت وقفتنا بإشارة المرور على كورنيش النيل سألته: هل هناك لغة خاصة بالقصة القصيرة؟
أجاب مُتحمساً: نعم القصة القصيرة تتميز بلغة خاصة، وتركيب لغوي خاص، يُشكل بناء جمالياً رصيناً، أقرب إلى لغة الشعر، فهي تقترب من قصيدة الشعر في كثير من الصفات، تعتمد بالدرجة الأولي على اللغة المعبرة، فالأسلوب يجب أن يكون أسلوباً فنياً وشاعرياً ومكثفاً يخلو من التقريرية المباشرة والسرد المطرد، بمعنى أن الجملة توحي بأكثر من دلالة، وتحمل داخلها إيماءات وإشارات داخلية مشحونة، وهذا تفرضه فنية القصة أو البناء المعماري، دون اللجوء إلى الحشو والتكلف في اختيار الألفاظ والعبارات، فاللغة الشاعرة هي لغة القصة القصيرة.
شهادات معاصريه
إذا كان الشاروني أول كاتب أرسي قواعد القصة التعبيرية، إذ جنح في قصصه إلي التعبير عن موجة القلق التي كانت تسود القرن العشرين والضغوط التي تعرض لها الإنسان المعاصر ووحدة العالم الواحدة، وهكذا ثابر الشاروني بالصبر والنفس الطويل، متوشحاً بحكمة النهر في العطاء، و متسلحاً بموروثه الصعيدي وبالمثابرة، حيث واصل الكتابة وعمل على تطوير أدواته الفنية في كتابة القصة القصيرة، فنه الأثير، وكعبة عشقه التي لم يتحول عنها إلا قليلا، وكأنه آثر معشوقته كل حبه، فباحت له بأسرارها وأعطته مفاتيح خزائنها.
يقول الأديب الراحل فاروق خور شيد: " لقد شغل يوسف الشاروني مجتمع الستينيات الأدبي بقصصه القصيرة ذات الاتجاه المميز، وقد كتب عن هذا الاتجاه كل نقاد عصره وأفردوا لدراستها العديد من المقالات والأبحاث، وشارك الشاروني مشاركة نشطة في الحياة الأدبية، وما يزال يشارك بقصصه ومقالاته ودراسته النقدية حتى اليوم، ويعتبر كفاح الشاروني الأدبي صورة من كفاح جيله، جيل كله تطلع وعطاء وتجريب في مجالات الإبداع الأدبي ومغامرات البحث والنقد.
ويرصد د. غالي شكري تجربة الشاروني قائلا: "يوسف الشاروني كاتب يدرك أن القصة القصيرة فن مراوغ وحصان جامح لابد له من مقود بارع وماهر، يستطيع أن يروض هذا الفن المشاكس والمراوغ معاً والجميل والرائع أيضاً، وهكذا استطاع الشاروني أن يمتلك جماح فرس القصة القصيرة ويطوعه حتى استكان وهدأ؛ ليجرى في نهره ويفيض من قلمه درراً جميلة ورائعة.
ويكتب د. صبري حافظ تعليقاً على قصص الزحام قائلا: "هذا الاهتمام الحساس باللغة والتوظيف الناضج لها، أحد العلامات المهمة علي أن يوسف الشاروني يتعهد دائماً وباستمرار هذا البناء العظيم في داخله، فكاتبنا بنّاء من طراز فريد، لا تفلت من قلمه ولا لمحة إلا بعد أن يثقلها بالدلالات وبعد أن يوظفها في إثراء المستويات المتعددة من المعنى في عمله الفني، ولا يتريث لدي جزئية دون أن يكون لهذا التريث قيمته البنائية الكبيرة.
0


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة