فضاءات بوحجلة

بوحجلة

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـمعتمدية
زيدان جهيناوي
مسجــل منــــذ: 2011-10-12
مجموع النقط: 2.2
إعلانات


نحن قادرون


إعادة النظر في السياسات التنموية
كشفت الثورة جسامة البطالة في أوساط أصحاب الشهادات. وتبين عدم قدرة منوال التنمية الحالي على استيعاب الأفواج المتزايدة من خريجي الجامعات ، و تأكدت ضرورة إحداث منوال تنمية جديد يأخذ بعين الاعتبار ارتفاع مستوى الشباب، فيشغلهم، ويحقق قفزة نوعية وكمية للإنتاج الوطني في كل المجالات. وسأقترح هنا مشاريع إنتاج ذات قدرة تشغيلية عالية، لم يقع استغلالها بجد إلى حد الآن، وهي تتعلق بميادين الصناعة والسياحة والتصدير. الصناعة والابتكار
انطلقت الصناعة في تونس على أساس قانون 1972، الذي يسر تدفق الاستثمارات الأجنبية في بلادنا. وكان يستجيب في الحقيقة لتلاقي مصلحتنا مع مصلحة دول أوروبية. فقد وفر الشغل لعشرات الآلاف من التونسيين ذوي المستوى التعليمي الابتدائي والمتوسط من جهة، ومكن من جهة أخرى شركات أوروبية من تخفيض كلفة إنتاجها بتصنيع جزء منه في تونس، حيث أجور اليد العاملة أقل مما هي عليه في أوروبا. وقد تجسم هذا النوع من التصنيع في ورشات مناولة، ذات قيمة مضافة هزيلة، زيادة على أنها لا تُـحدث صناعات تتفرع عنها، ولا تـحل معضلة البطالة المتفشية منذ تسعينات القرن الماضي في أوساط الشباب الجامعي.
لكن العالم تغير منذ السبعينات. و حصلت تطورات في أوروبا، تــفـتَـح أمامنا أبوابا جديدة، من شأنها تـشغيل العديد من الشباب المتعلم. فنحن نلاحظ أن الدول الأوروبية تجابه حاليا إنتاجا صناعيا يرد إليها من البلدان الآسيوية الصاعدة. وهو إنتاج ذو جودة عالية وأسعار مناسبة، قادر على منافسة بضائع أوروبا في عقر دارها بنجاح. ومن أهم أسباب الغزو الصناعي الآسيوي، ارتفاع كلفة الإنتاج الأوروبي، و خاصة كلفة قسم البحث العلمي للتنمية والابتكار التكنولوجي، والذي بدونه لا يمكن للصناعة الأوروبية أن تتطور وتستمر في الوجود.
وأمام هذا الواقع الجديد، اضطرت شركات في أوروبا الغربية إلى تحويل أنشطتها في البحث والابتكار إلى وسط أوروبا وشرقها، حيث العدد الوفير من الشبان المتخرجين من المؤسسات الجامعية، والمستعدين للعمل برواتب أقل بكثير مما يطلبه زملاؤهم الغربيون، مما يؤدي إلى خفض كلفة إنتاج بضاعة دول أوروبا الغربية.
وقبل هذه الدول، سلكت الشركات متعددة الجنسيات نفس الطريق. وإن أكثر من نصفها، و لا سيّما الذي ينفق مبالغ طائلة في البحث للتنمية، قد بعث في الهند وسنغافورة والصين مراكز كبيرة من هذا القبيل.
الظروف الملائمة
و ليس من المستحيل على تونس أن تغتنم هذا الوضع العالمي وتـهيـئ الظروف الملائمة كي تـجعل من البحث للتنمية والابتكار نشاطا إنمائيا كثيفا، يتجسم في مخابر ومراكز للبحث التطبيقي، تُـحدثها في بلادنا شركات أجنبية، أو تكون نتيجة شراكة بين هذه الشركات ومجمعات مهنية تونسية، أو تستند حصرا إلى مؤسسات وطنية. ومن هذا النشاط سينبثق جيل من الأدمغة التونسية ليس قادرا فقط على تطوير صناعات ذات قيمة مضافة عالية، مما يرفع حجم الإنتاج المادي التونسي، وإنما هو قادر أيضا على وضع تونس في مستوى الدول المتقدمة، من حيث الإنتاج العلمي والتكنولوجي. وهذا هو أهم هدف نرنو إليه. ذلك أن التقدم الصحيح لا يقاس بقيمة دخل الفرد بالدولارات( فهناك دول تتمتع بدخل فردي ممتاز وهي غير متقدمة )، وإنما يقاس بما ينتجه العلم والتكنولوجيا لفائدة تطور الإنسانية.
لذلك فإن الدولة مدعوة إلى دعم البحث بكل أشكاله، باتخاذ القوانين المناسبة من جهة، وبإسناده المنح المالية الضرورية من جهة أخرى.
الخروج بجامعاتنا من وضعها المزري
كما يتوجب على جامعاتنا ومعاهدنا العليا إخراجنا من وضعنا الــمزرِي في ترتيب شنغاي للجامعات، وذلك برفع مستوى تعليمنا مع اهتمام أكثر بالبحث العلمي الأساسي، إذ هو الذي يـمهد السبيل أمام البحث للتنمية والابتكار التكنولوجي. ومن جهة أخرى، فإني لا أرى ضررا في أن تفتح الجامعات الكبرى الأمريكية والأوروبية فروعا لها في بلادنا. بل إن وجودها يحدث انتشارا أوسع للتعليم العالي، ويخفف من ضغط أفواج الطلبة على مؤسساتنا الجامعية.
ومما يبعث على التفاؤل انعقاد اجتماع في 29 جويلية الماضي ضم وزير الصحة وأصحاب مخابر صناعة الأدوية، وتم فيه التأكيد على ضرورة إعطاء ديناميكية جديدة لهذا القطاع، ترفع من إنتاجه كما وكيفا، وتحدث مواطن شغل أوفر لذوي الشهادات العليا. ذلك أننا متأخرون في مجال صناعة الأدوية. فنحن نحتل المرتبة الخامسة في القارة الإفريقية، بعد إفريقيا الجنوبية ومصر والجزائر والمغرب، رغم أن لدينا عددا من الكيميائـيين والصيادلة والتقنيين أكثر نسبيا مما يتوفر في الجزائر والمغرب، ورغم أن كلية الصيدلة عندنا أحدثت منذ سنوات شهادة في المرحلة الثالثة حول صناعة الأدوية. وها هي شركة أمريكية كبرى (Glasko Smith Kline) تقرر الاستثمار في مصر بمبلغ ستين مليون يورو لبناء معملين لصناعة الأدوية. وعلينا أن نفتح الطريق لشركات أخرى مماثلة حتى تنشئ مخابر بمفردها أو بالتعاون مع المؤسسات التونسية في هذا القطاع.
كفى نقلا ولا بد من الإبداع
ولا بد من الإلحاح هنا بأن الغاية لا تقف عند إنتاج أدوية جنيسة أو تحت شهادة براءة اكتشاف أجنبية، وإنما نطمح إلى أن يدخل شبابنا ميدان اكتشاف أدوية جديدة أو طُـرُق جديدة لإنتاجها، بعد التدرب والتعاون مع المخابر العالمية.
وفي هذا السياق، يحق التساؤل عما تقوم به المخابر ومراكز البحث الموجودة منذ عقود ببلادنا، وأذكر من بينها التجارب الجارية في إطار المجمع الكيميائي، أو بحوث معهد باستور، أو أنشطة المعهد الوطني للبحث الفلاحي بتونس. فهل تحولت التجارب والبحوث إلى تحاليل لما تم صنعه بالنسبة إلى الأولى، وإلى إنتاج أمصال بالنسبة إلى الثانية، وإلى أشياء أخرى أجهلها بالنسبة إلى الأخيرة؟ وليس غريبا أنها لا تـحظى حاليا بالتمويل الضروري، والذي يمكنها من انتداب عدد أكبر من الباحثين ومن شراء الأجهزة العصرية التي تيسّر أنشطتها.
إنه من الضروري جدا إعطاء أهمية كبرى لأنشطة البحث للتنمية و الابتكار، واعتبار التمويل فيها استثمارا لا تظهر نتائجه إلا في المدى المتوسط أو الطويل. وإن إشاعة ثقافة البحث تؤدي حتما إلى صناعات عديدة ومتنوعة، ومنها الصناعات المصنِّعة، فتـخرج بتونس من تبعية المناولة، وتساعد على تشغيل عدد كبير من أصحاب الشهادات العلمية والهندسية.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة