فضاءات الظافرية

الظافرية

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
مختار رمضان
مسجــل منــــذ: 2011-09-15
مجموع النقط: 4.2
إعلانات


مدينة جيبتو - قفط

مدينة جيبتو - قفط
د.إبراهيم دسوقى محمود /أستاذ الجغرافيا السياسية/جامعة جنوب الوادى
تردد اسم مدينة "جيبتو" أو "قفط" فى النصوص المصرية خلال عصر الدولة القديمة وتوارى اسم "نوبت"(على الجانب الغربى من النيل) وأصبح اسم "قفط" يتردد كثيرا كمحلة عمرانية مهمة تصدرت طريق الحمامات واحتلت مكانة نوبت فى وظيفتها التى اضطلعت بها خلال فترة قبيل الأسرات ، واستدمت قفط أهميتها من موضعها على رأس الطريق واكتسبت أهمية إدارية خلال عصر الدولة الموحدة باتخاذها عاصمة للمقاطعة الخامسة والتى عرفت باسم "نتروى Neterawi " أى "الإلهان" وارتبط اسم المدينة "جيبتو" بوظيفتها وهى "بلدة القوافل" .
وقد انتقلت قفط من مرحلة الريف إلى عداد الحضرية من خلال وظيفتها الأساسية التى قامت بها كبوابة للتجارة الشرقية إلا أن العامل الدينى كان له دوراً لا يغفل فى تطور المحلة العمراني حيث كان معبودها الأكبر "مين" سيد الصحراء وحامى القوافل ورب السيول له أهمية سياسية ودينية كبرى منذ قبيل الأسرات حتى أواخر الدولة القديمة والملاحظ أن هذا المعبود انتشر نفوذه عند تلاقى المحلات العمرانية بالطرق الصحراوية الشرقية .
واكتشف فى أطلال معبد للإله "مين" بقفط تمثال للملك "ساحورع" أحد ملوك الأسرة الخامسة (2563-2423ق.م) مع الإله "مين" معبود قفط وفى ذلك دلالة على أهمية المدينة الدينية والحضرية من قبل فراعين مصر القديمة ، وبالرغم من أن للدين أهميته الخاصة فى نشأة ونمو المدينة المصرية بصفة عامة خلال العصر القديم إلا أن التجارة كان لها نفس الأهمية فى انتقال المحلة العمرانية من القرية إلى المدينة وينطبق ذلك تماماً على قفط التى جمعت بين العاملين (الدينى ، التجارى).
وقد حاول "كارل بوتزر" رسم صورة تقريبية للعمران بوادى النيل خلال مصر القديمة اعتماداً على المصادر والبقايا الأثرية المتاحة بالإضافة إلى سلسلة خرائط مقياس (100.000:1) ، فقسم المحلات العمرانية إلى أربعة أنماط اعتماداً على وظيفة كل محلة أو الأهمية التى يعكسها كل نمط من هذه الأنماط والتى تتشكل كالأتى :
1- المدينة : وتمثل عاصمة المقاطعة والمدينة الأولى بالإقليم وكان يغلب على وظيفتها التجارة والتوزيع وكذلك التسويق ومثلت أيضاً مركز العبادة لإقليمها بوجود المعبد بها .
2- المحلات الكبرى : وهى فى مرتبه تالية من المدينة من حيث حجم السكان أو الوظيفة وكانت مركزاً للحرفيين والمتخصصين أو مركزاً لإعادة التوزيع .
3- المدن الكبرى والصغرى : وتمثل محلات عمرانية بين القرية والمدينة وإن كانت الزراعة تمثل النشاط الرئيسى الغالب للسكان بها.
4- القرى : تشكل عماد العمران فى وادى النيل والأساس للمحلات العمرانية .
وبتطبيق تلك الأنماط على مقاطعة قفط والتى كان ترتيبها الخامس جغرافياً إذ شكلت "آبو" المقاطعة الأولى جنوباً و "منتوت" الثانية والعشرين شمال الوادى ، وتشكلت المقاطعة الخامسة من مدينة كبرى وهى "قفط" عاصمة الإقليم وأحد المراكز العمرانية الكبرى واشتملت أيضاً على أحد المراكز العمرانية الكبرى ويحتمل أن تكون "جسى Gasy" (قوص) ، وأثنتان من المراكز العمرانية الصغرى مثل (Shen - Hor) (شنهور) ونوبت (طوخ) ، بالإضافة إلى ست قرى كبرى والعديد من القرى التابعة.
أما حجم سكان المقاطعة الخامسة فقدره "بوتزر" بحوالى تسعة وثلاثين ألف نسمـة موزعين على مساحة تبلغ ثلاثمائة وإحدى وثلاثين كم2 ، أى أن كثافة السكان بالمقاطعة كانت بمتوسط مائه وثمانية عشر نسمه /كم2 أى ذات كثافة متوسطة مقارنة بباقى مقاطعات مصر العليا ، وبلغ طول الجبهة النيلية للمقاطعة أثنين وأربعين كم .
طبقاً لدراسة "بوتزر" لمقاطعة قفط خلال العصر الفرعونى فقد اشتملت على مدينة كبرى وهى "قفط" عاصمة المقاطعة وسبعة محلات عمرانية أخرى تنوعت ما بين مراكز عمرانية كبرى وقرى ذات توابع متعددة ، أما حجم السكان فكان تسع وثلاثين ألف نسمة وعلى افتراض أن قفط وحدها استأثرت بحوالى 25% من حجم سكان إقليمها فيكون تقدير سكان مدينة قفط يقترب من عشرة آلاف نسمة مع التفاوت الزمنى ومراحل الازدهار وحالات الانتكاس التى تعرضت لها المدينة طوال العصر الفرعونى .
حافظت قفط على مكانتها الحضرية وأهميتها كبوابة شرقية خلال العصر البطلمى - الرومانى (332ق.م - 284م) وازدهرت خلال هذه الفترة "كوبتوس Coptos" وهو اسمها الذى عرفت به طوال هذه المرحلة ، وكانت خلالها المدينة "المشاعة لكل المصريين والعرب والهنود" أو "المدينة نصف العربية" حسب وصف استرابون ، وبلغت قفط فى العصر البطلمى (323-31 ق.م) درجة انزوت معها كل مدن ثنية قنا حيث لم تكن "كينابوليس Cainpolis" (قنا) قد أخذت وضعها كمدينة كبرى ولم تلعب دوراً حضرياً داخل إقليمها سوى ارتباطها بالميناء البحرى الصغير "ميس هرمس" على ساحل البحر الأحمر ، وكذلك الحال "أبوللو Apollo" (قوص) والتى لـم تشكل سوى قرية صغيرة تابعة لقفط.
أما خلال العصر الرومانى (31ق.م - 284م) فقد وضعت قفط تحت إمرة ضابط يحمل لقب "ضابط برنيك أو قائد جبل برنيك Proefectus montis Berenice " فكان يجمع بين العمل العسكرى والعمل الإدارى والمشرف المالى ، وأنيط به أيضاً الإشراف على المناجم والمحاجر وتأمين الطرق الصحراوية الممتدة فيما بين قفط وموانى البحر الأحمر ،وأصبحت قفط فى خلال هذه المرحلة على رأس أكبر أقاليم مصر الإدارية وهو الإقليم الثالث " إقليم الطبياد " وهو يمثل مصر العليا.
حافظت المدينة على مكانتها الحضرية طوال العصر الرومانى حيث اهتم بها الأباطرة والحكام مثل "تراجان" (98-117م) والذى نقش اسمه على صخور قصور النبات إحدى محطات طريق قفط - برنيك وأيضاً هادريان (117-138م) وأسرة أنطونيس بصفة خاصة .
مورفولوجية(شكل) المدينة :
تواجه الباحث فى دراسة المدينة المصرية القديمة دراسة تفصيلية أو ما يعرف فى جغرافية المدن حالياً "بالدراسة الموروفولوجية" ، يمثل ذلك للباحث صعوبة شديدة نظراً لتغير شكل المدينـة كلية وتغير معالمها بسبب طبيعة مادة البناء (الطوب اللبن) والذى كان يمثل المادة الأساسية للمنزل المصرى القديم ومن ثم كان سريع الاندثار والتأثر بمختلف العوامل التى تسبب التدمير والانهيار على العكس تماماً من مدن الأموات التى لا تزال شاهدة على اهتمامهم بها وببنائها من المواد الصلبة كالأحجار وغيرها .
وإن كانت هذه المصاعب لا تحول عن محاولة لرسم صورة تقريبية لشكل المدينة بناءً على ما توفر من معلومات ومصادر مختلفة يمكن أن تعكس النقاط التالية أبرز السمات المورفولوجية لمدينة قفط :
أولاً : أثر فيضان نهر النيل على اختيار موضع المدينة حيث مثلث التلال والأكوام المرتفعة المواضع الملائمة لنمو واستمرار المدن طوال العصور القديمة ، وفى ذلك السياق احتلت قفط ربوة مرتفعة على خط كنتور (75م) فوق مستوى سطح البحر .
ثانياً : نمت مدينة قفط تاريخياً حول معبد "مين" الذى توسط المدينة القديمة ولا تزال بقاياه ماثلة حتى الآن والذى ارتبطت نشأته بالأسرة الرابعة (2680-2650ق.م) والذى أعيد بنائه طوال المراحل التاريخية اللاحقة حتى العصر الرومانى وقد ازدادت المدينة نمواً واتساعا نتيجة لنمو النوايات أو الضواحى المتاخمة التى مالبث أن التحمت مع بعضها البعض لدرجة أن أقيمت معابد أخرى فى ضواحى المدينة مثل معبد إيزيس" والذى بنى جنوب شرق المدينة بحوالى (2.5كم) (بقرية القلعة حالياً ) والذى يؤرخ للعصر الرومانى وغيرها من البقايا الأثرية بضواحى المدينة .
ثالثاً : أخذت قفط الشكل الدائرى المرتبط بالربوة المرتفعة وساعد على اتخاذ ذلك الشكـل عدم ارتباط المدينة بجبهة مائية كنهر النيل أو غيره ، ويتسم هذا الشكل بأن منشآت المدينة تندمج فى كتلة واحدة متلاحمة "Compact" يحيط بها شارع رئيسى يعرف بداير الناحية و منه تتفرع الشوارع الصغيرة فى التواء حتى تصل إلى وسط المدينة حيث المعبد وما يحيط به من مؤسسات الإدارة ، وعلى ذلك يكون النمط المورفولوجى للمدينة يتسم بما يطلق عليه الخطة العشوائية أو العضوية "Organic plan"
رابعاً : شكلت المبانى الإدارية معلماً هاماً داخل المدينة مثل قصر الحاكم أو بيت المال وأهم هذه المنشآت فى قفط كانت "المخازن المركزية " والتى كانت بمثابة مركز تجميع للمواد القادمة من الشرق عبر طريق الحمامات أو العكس وكانت تشغل حيزاً كبيراً خاصة بضاحية المدينة الجنوبية الشرقية وقد كشف حديثاً عن بقايا العديد من هذه المبانى فى " بوصير قفط" (كوم المؤمنين) والتى كانت بمثابة النقطة الأولى للانطلاق إلى البحر الأحمر عبر قفط .
ومن المبانى الإدارية المهمة التى كانت بقفط إدارة للبعثات الخارجية والتى اهتمت بالتجارة الخارجية إلى بلاد "بونت" وكذلك إدارة خاصة للتعدين ويأتى على رأسها تعدين الذهب بأم الفواخير، وتركزت هذه المبانى بوسط المدينة محيطة بقصر الحاكم .
وأبرز تساؤل عن موضع قفط هو كيفية ارتباطها بنهر النيل حيث تبعد المدينة عن النهر بحوالى ثلاثة كم ، وقد كان أبرز سمات المدن التجارية القديمة مثل قفط كونها موانى تقع على النيل مباشرة وذلك لاستغلال النهر كشريان تجارى مهم ، ولم تدل القرائن الأثرية على موضع أو اسم ميناء قفط على نهر النيل خلال العصر القديم سوى ياقوت الحموى (1228م) الذى ذكر عن قفط "... ليسست على ضفة النيل بل بينهما نحو الميل وساحلها يسمى بقطر ..." فهذه هى الإشاره الوحيده عن ميناء قفط على النهر .
ومن المرجح أن يكون " بقطر" ميناء قفط خلال هذا العصر الوسيط قد ورث موضعاً قديماً لميناء قفط خلال العصرين الفرعونى والبطلمى الرومانى ولكن تغيرات النهر عبر الزمن من تآكل شاطئيه بفعل التعرية المائية أو الإرساب والطمى فى حالات أخرى قد غير معالم ميناء قفط النهرى القديم ومن الممكن أن تكشف المخلفات الأثريه فى بموضع بقطر ( نجع البارود حالياً) عن الغموض المكتنف لموضع الميناء القديم.
وخلال العصر الوسيط انزوت قفط تماماً وتوارت لترث موضعها مدينة قوص كميناء نهرى وبوابة شرقيه لطريق الحمامات وتشير إلى ذلك المصادر وتؤكدها ويذكر الأدريسى خلال القرن الخامس الهجرى (11م) أن قفط ".... كانت مشهوره بصناعة الصابون ........ وأنه يصدر إلى إلى شتى البلدان ".
ويلاحظ فى حديث الإدريسى عن قفط أنه يتحدث عن ازدهار ماضيها بقوله "كانت" ، ويقدم المقريزى لوضع كل من قفط وقوص بقوله "....ولمدينتى قفط وقوص أخبار عجيبه فى بدء عمادتها وما كانا فى أيام القبط من أخبارهما ، إلا أن مدينة قفط فى هذا الوقت متداعية للخراب وقوص أعمر والناس فيها أكثر ..." أى أن المدينة قد تداعت وبدأت فى الخراب والاندثار من وجهة نظر المقريزى وإن لم تصل إلى هذه الدرجة حيث استمرت المدينة فى تأدية دور تجارى ولكنه لا يصل مطلقاً إلى الدرجة التى وصلها خلال المرحلة السابقة .
ويحدد الإدفوى (القرن الثامن الهجرى /14م) وهو يؤرخ لأدباء الصعيد تاريخ انزواء مدينة قفط حيث يذكر ".....قوص بجانب قفط وحكى بعض المؤرخين أنها شرعت فى العمارة وشرعت قفط فى الخراب سنة أربعمائة (هـ) ...." .
وما أوردته المصادر عن خراب قفط بما تحمله الكلمة من اندثار وتدمير ليس له نصيب من الصحة حيث زارها عديد من رحالة العصر الوسيط (ابن جبير ، ابن بطوطه) وكتب عنها ياقوت والإدريسى وعديد من كتاب العصر الوسيط دونما إشاره لشىء من الخراب والدمار وإنما فقدانها لدورها المزدهر خلال االعصور القديمة ، والمرجح أن هناك العديد من الأسباب التى جعلت قفط تتخلى عن دورها كبوابة شرقية وأهم هذه الأسباب والعوامل :
أولاً: فقدان قفط لأهميتها الدينية القديمة حيث كان قاعدة للمقاطعة الفرعونية الخامسة وعاصمة لإقليم الطبياد (مصر العليا) خلال العصر البطلمى - الرومانى ومركزاً لعديد من الآلهة القديمة (مين - إيزيس - حورس) فكان التقديس الدينى جعلها محور اهتمام الحكام ولا تزال بقايا المعابد تتخلل المدينة وتحيط بضواحيها حتى الآن وتنتمى إلى عصور متباينه من الفرعونى حتى الرومانى ، وفى نهاية العصر الرومانى حملت قفط لواء المقاومة القبطية ضد الاضطهاد الرومانى للمسيحية حيث كانت بها أسقفية كبيرة للأقباط مما حدا بالإمبراطور الرومانى "مكسيمان" إلى تدمير قفط تدميراً شاملاً ، ويعتبره البعض بداية النهاية للمدينة ولمكانة موضعها بصفة خاصة ، وخلال دخول الإسلام مصر وانتشار تعاليمه التى تنبذ الوثنية تماماً لم تنل المدينة أى اهتمام كسابق عهدها بل العكس تماماً أهملت بسبب فقدانها لعامل مهم جعلها فى بؤرة الاهتمام كونها مركزاً دينياً.
ثانياً : كان الموضع الجغرافى لمدينة قوص والتى احتلت مكانة قفط يرجح كفتها من حيث موضعها على النيل مما يجعلها ميناء نهرى أقرب إلى النيل من قفط مما يسهل عملية نقل التجارة من القوافل إلى السفن مباشرة حيث كانت قفط تبعد عن النيل بحوالى ميل على حد قول ياقوت الحموى بل ثلاثة أميال كما ذكر ابن جبير .
ثالثاً : من المعروف أن قفط كانت طوال تاريخها القديم مشهورة بما يسمى "ذهب قفط" حيث شكلت مخزناً للذهب المستخرج من مناجم أم الفواخير بالحمامات فكانت قاعدة اقتصادية مهمة ومع نضوب ذلك المعدن وعدم استغلاله خلال العصر الوسيط إنتفى عامل مهم كان دافعاً لاستخدام طريق الحمامات وبالتالى تقلص دور قفط كقاعدة اقتصادية لتخزين الذهب وغيره من موارد الصحراء الشرقية ، وبسبب ذلك كله وغيره إنزوت قفط تماماً وتخلت عن دورها لمدينة أصبحت من أشهر مدن مصر خلال العصر الوسيط وهى مدينة "قوص" .
د.إبراهيم دسوقى محمود /أستاذ الجغرافيا السياسية/جامعة جنوب الوادى

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة