فضاءات الكلاحين

الكلاحين

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
موسى ابراهيم آدم
مسجــل منــــذ: 2011-07-06
مجموع النقط: 34.3
إعلانات


عمرو بن العاص ..القائد المسلم.. والسفير الأمين الجزء الأول » مـــع الـنبــي صلىالله عليه وسلم


1- إسلامــــــه
كانت الحرب بين المسلمين والمشركين، قد حجزت بين الناس، وانقطع الكلام، وإنما كان القتال حيث التقوا، فلما كانت هُدنة الحُدَيْبية، في ذي القعدة، من السنة السادسة الهجرية، وضعت الحربُ أوزارَها، وأَمِنَ الناسُ بعضُهم بعضًا، فلم يكن أحد تكلم بالإسلام يعقل شيئًا، إلا دخل في الإسلام، حتى دخل في تلك الهُدنة صناديد المشركين، الذين يقومون بالشرك والحرب: عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وأشباه لهم، وإنما كانت الهُدنة، حتى نقضوا العهد، اثنين وعشرين شهرًا، دخل فيها مثل ما دخل في الإسلام، قبل ذلك وأكثر، وفشا الإسلام في كل ناحية من نواحي العرب.
ولم يحضر عمرو الحُديبية، ولا صُلْحَها، إذ قصد أرض الحبشة في سفارته القرشية الثانية إلى النجاشي، وقد أسلم عمرو، قبل سرية مُؤتة -بَعْثُ الأمراء إلى الشام- التي كانت في شهر جُمادى الأولى، من السنة الثامنة الهجرية، وبعد هُدنة الحديبية، وغزوة خيبر، التي كانت في شهر محرم من السنة السابعة الهجرية، أي أنه أسلم قبل عُمرة القضاء، التي كانت في شهر ذي القعدة، من السنة السابعة الهجرية، وقيل: أسلم بعد عُمرة القضاء، فقد أسلم عمرو، وخالد ابن الوليد، وعثمان بن طلحة، في شهر صفر من السنة الثامنة الهجرية في هُدنة الحُديبية.
لقد كان عمرو، يفكّر باعتناق الإسلام، قبل إعلان إسلامه، ولكنه أعلن إسلامه سرًا، على يدي النجاشي، ومن الواضح، أنه كان يراود نفسه على الإسلام، قبل إعلانه سرًا للنجاشي، فأعلنه للنجاشي، تحقيقًا لتطلعاته الشخصية، وموافقةً للنجاشي لإرضائه، دون أن يناقض نفسه، في هذه الموافقة، فما كان مضطرًا لإعلان إسلامه للنجاشي، في حال من الأحوال.
وكان عمرو، قد هَمَّ بالإقبال إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، بالمدينة المنورة، في حين انصرافه من أرض الحبشة، بعد عودته في سفارته الثانية، ثم لم يعزم له، حتى سنة ثمان الهجرية.
وقد ذكر عمرو، قصة إسلامه، فقال: (... ثم خرجتُ عامدًا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلقيت خالد بن الوليد، وذلك قُبيل الفتح -فتح مكة الذي كان في رمضان من السنة الثامنة الهجرية- وهو مُقْبِل من مكة، فقلت: أين يا أبا سليمان؟! قال: والله لقد استقام المَنْسِم، وإن الرجل لنبي، أذهبُ والله فأُسْلِم، فحتى متى؟ قلت: والله ما جئتُ إلا لأُسلم، فقدمنا المدينة، على رسول الله صلى الله عليه و سلم، فتقدم خالد بن الوليد فأسلم، وبايع، ثم دنوتُ فقلتُ: يا رسول الله! إني أبايعك، على أن يُغفر لي ما تَقَدَّمَ من ذنبي، ولا أذكر ما تأخر، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (يا عمرو! بايعْ، فإن الإسلام، يَجُبُّ ما كان قبله، وإن الهجرة تَجُبُّ ما كان قبلها ). قال: فبايعته، ثم انصرفتُ).
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه و سلم، قال: (فإن الإسلام يَحُتُّ ما كان قبله، وإن الهجرة تَحُتُّ ما كان قبلها )، وكان عثمان بن طلحة مع عمرو وخالد بن الوليد.
وكان النبي صلى الله عليه و سلم، حين رأى عمرًا وصاحبيه، قد قال لأصحابه: (ألقتْ إليكم مكة أفلاذ كبدها ) يعني أنهم وجوه أهل مكة.
وأصبح عمرو بعد إسلامه، موضع ثقة النبي صلى الله عليه و سلم، لكفاياته المتميّزة، وحسن إسلامه، قال عمرو واصفًا هذه الثقة الغاليـة: (... فوالله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه و سلم، وبخالد بن الوليد أحدًا من أصحابه في أمر حَزَبَه، منذ أسلمتُ.
وقد سأل رجل عمرو بن العاص، في يوم من الأيام: (ما أبطأ بك عن الإسلام، وأنت في عقلك ؟) قال: (إنا كنا مع قوم، لهم علينا تقدّم، وكانوا ممّن توازي حلومهم الجبال، فلما بُعث النبي صلى الله عليه و سلم، فأنكروا عليه، فلذنا بهم، فلما ذهبوا، وصار الأمر إلينا، نظرنا، وتدبرنا، فإذا حقٌ بَيِّنٌ، فوقع في قلبي الإسلام، فعَرَفَتْ قريش ذلك مني، من إبطائي عمّا كنتُ أسرع فيه من عونهم عليه، فبعثوا إليّ فتى منهم، فناظرني في ذلك، فقلتُ: أنشدُك اللهَ، ربَّك وربَّ مَن قَبْلك، ومَن بَعْدك! أنحنُ أهدى أم فارس والروم؟ قال: نحن أهدى! قلتُ: فنحن أوسع عيشًا أم هم؟ قال: هم! قلتُ: فما يَنْفَعُنَا فَضْلُنا عليهم، إن لم يكن لنا فضل إلا في الدنيا، وهم أعظم منا فيها أمرًا في كل شيء؟ وقد وقع في نفسي، أن الذي يقوله محمد، عن أن البعث بعد الموت، ليُجْزَى المحسنُ بإحسانه، والمسيء بإساءته حق، ولا خير في التمادي في الباطل).
قال عمرو: (ثم جعل الإسلام في قلبي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم، أُبايعه، فقلتُ: ابْسُطْ يمينَكَ أبايعك يا رسولَ الله! فبسط يده، ثمّ إني قبضتُ يدي، فقال: (مالك يا عمرو؟!) فقلتُ: أردتُ أن أشترط! فقال: (تشترط ماذا؟) فقلتُ: أشترط أن يُغفر لي! فقال: (أما علمتَ يا عمرو، أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهـدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله فقد رأيتُني، ما من أحد أحب إليّ من رسول الله صلى الله عليه و سلم، ولا أجلّ في عيني منه، ولو سُئلتُ أن أَنْعَتَه ما أطقتُ، لأني لم أكن أطيق، أن أملأ عيني منه، إجلالاً له).
لقد أسلم عمرو بعد تفكير طويل، لذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم عن إسلامه: (أسلم الناسُ وآمن عمرو بن العاص).
وهذا الوصف النبوي الوجيز، لإسلام عمرو، يُجزي من أبلغ المطولات، وأوضحها وأشملها، ولما فتح النبي صلى الله عليه و سلم مكة المكرمة، في شهر رمضان، من السنة الثامنة الهجرية، وألقى خطابه من على باب الكعبة المشرَّفة، وعفا عن قريش، وطاف بالكعبة سبعًا، ودخلها، فاجتمع الناس لبيعة رسول اللهصلى الله عليه و سلم على الإسلام، فكان يبايعهم على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، فكانت هذه بيعة الرجال.
وأما بيعة النساء، فإنه لما فرغ من الرجال بايع النساء، فأتاه نساء من قريش، وكان من بين النساء المبايعات، رَيطَة بنت مُنَبِّه بن الحجاج.
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص، قد أسلم قبل أبيه، فاستكملت عائلة عمرو، وجمع شملها تحت لواء الإسلام.
2 ـ في سرية ذات السلاسل
كانت هذه السرية في شهر جُمادى الآخرة، من السنة الثامنة الهجرية، وكان سبب إرسال هذه السرية، أن النبي صلى الله عليه و سلم، بلغه أن جمعًا من بَلِيٍّ، وقُضاعة، قد تجمعوا، يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول الله صلى الله عليه و سلم، فدعا رسولُ الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن العاص، فعقد له لواءً أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في سُراة المهاجرين والأنصار، في ثلاثمائة مجاهد، وأمره أن يستعين بمن مرَّ به من العرب، وهي بلاد بَلِيّ وعُذْرَة وبَلْقِين، وذلك أن عمرو بن العاص، كان ذا رحم بهم، إذ كانت أم العاص بن وائل بَلَوِيَّة، فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم، أن يتألَّفهم بعمرو. وسار عمرو، وكان يكمُن النهار، ويسير الليل، وكانت معه ثلاثون فرسًا، فلما دنا من القوم، بلغه أن لهم جَمْعًا كثيرًا، فنزل قريبًا منهم عِشَاءً وهم شاتون، فجمع أصحابه الحَطَب يريدون أن يَصْطلوا -وهي أرض باردة- فمنعهم عمرو، فشقّ ذلك عليهم، حتى كلّمه في ذلك بعض المهاجرين فغالظه، فقال عمرو: (أُمِرتَ أن تسمع لي وتُطيع!) قال: (فأفعل).
وبعث عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، رافعَ بن مَكِيث الجُهَني، يخبره، أن لهم جمعًا كثيرًا، ويستمدّه بالرجال، فبعث أبا عبيدة بن الجراح، وعقد له لواءً، وبعث معه سَراة المهاجرين -أبي بكر وعمر ابن الخطاب، رضي الله عنهما- والأنصار، وأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم، أن يلحق عمرو بن العاص، فخرج أبو عبيدة، في مائتين من المجاهدين، وأمره أن يكونا جميعًا ولا يختلفا، فساروا حتى لحقوا بعمـرو. وأراد أبو عبيدة، أن يؤمَّ الناسَ، ويتقدم عَمْرًا، فقال له عمـــرو: (إنما قَدِمتَ عليّ مــددًا لي، وليــس لك أن تَؤُمَّني، وأنـا الأميــــر، وإنما أرســلك النبي صلى الله عليه و سلم إلىَّ مددًا)، فقال المهاجرون: (كلاّ، بل أنت أمير أصحابك، وهو أمير أصحابه!) فقال عمرو: (لا، بل أنتم مَددٌ لنا!)
ولما رأى أبو عُبيدة الاختلاف، وكان حسنَ الخُلُقِ، ليِّنَ الشَكيمةِ، قال: (لتطمئن يا عمرو! وتعلمنَّ أن آخر ما عَهِدَ إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم، أن قال: (إذا قَدِمتَ على صاحبك، فتطاوعا ولا تختلفا)، وإنك والله إن عَصْيتني لأُطيعنّك!)، فأطاع أبو عبيدة، فكان عمرو يصلي بالناس.
وأصبح مجموع رجال عمرو خمسمائة مجاهد، فسار الليل والنهار، حتى وَطيء بلاد بَلِيّ، ودوّخها، وكلما انتهى إلى موضع، بلغه أنه كان بهذا الموضع جمع، فلما سمعوا به تفرّقوا، حتى انتهى إلى أقصى بلاد بَلِيّ وعُذْرَة وبَلْقين، ولقي في آخر ذلك جمعًا، ليس بالكثير، فقاتلوا ساعة وتراموا بالنَّبْل، فحمل المسلمون عليهم، فهربوا، وأعجـزوا هربًا في البلاد، وتَفَرَّقـُـوا، ودوخ عمرو ما هناك. أقــام أيامــــًا لا يسمع لهم بجَمْع، ولا بمكان صاروا فيه، فكان يبعث أصحاب الخيل، فيأتون بالشاء والنَّعَم، وكانوا ينحرون ويذبحون.
وكان عمرو بن العاص في طريق عودته إلى المدينة، قد احتلم في ليلة باردة، كأشد ما يكون من البرد، فقال لأصحابه: (ما ترون؟ قد والله احتلمت، وإن اغتسلت مُتُّ)، فدعا بماء فتوضأ، وغسل فرجه، وتيمم، ثمّ قام فصلى بهم. ولما قدم عمرو على النبي صلى الله عليه و سلم، سأله عن صلاته، فقال: (والذي بعثك بالحق، لو اغتسلتُ لَمُتُّ، ولم أجد قطُّ بردًا مثله، وقد قال الله: (ولا تقتلوا أنفُسَكُم إنّ اللهَ كان بكم رحيمًا )(النساء:29)، فضحك النبي صلى الله عليه و سلم، ولم يقل شيئًا.
ولما هزم المسلمون أعداءهم طمعوا فيهم، فأرادوا مطاردتهم، فحال عمرو بينهم وبين ما يريدون. ثم أرادوا أن يوقدوا نارًا، يصطلون عليها من البرد -كما ذكرنا- فمنعهم عمرو من ذلك أيضًا، فشق على المسلمين هذا المنع، ولم يحتملوا تلك الشدة التي تصل إلى التهديد، بقذف مَنْ يوقد النار فيها، فشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، فكلّمه في ذلك، فقال له عمرو: (كرهتُ أن آذن لهم، أن يوقدوا نارًا، فيرى عدوُّهم قلّتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مَدَد)، فأعجب به رسول الله صلى الله عليه و سلم، أيما إعجاب، وحمد له رأيه، كما أقره النبي صلى الله عليه و سلم في اجتهاده بالتيمّم، مع وجود الماء، خوف الضرر.
وحين علم النبي صلى الله عليه و سلم بما كان بين أبي عُبيدة، وعمرو من اختلاف، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (يرحم الله أبا عبيدة بن الجراح)، تقديرًا لموقف أبي عبيدة السليم، وتصرّفه الحكيم.
وقد أثبت عمرو في هذه السرية، أنه قائد مكيث غير متهوّر، متين الضبط، قوي الشخصية، يهتم بأمن رجاله كثيرًا، فهو يقاتل بسيفه، كما يقاتل بعقله، بمهارة فائقة، لهذا استطاع تحقيق نتائج باهرة في سريته، فنال إعجاب النبي صلى الله عليه و سلم وتقديره.
3- هدم سُوَاع وفي الغزوات
أ- بعث النبي صلى الله عليه و سلم في شهر رمضان سنة ثمان الهجرية، حين فتح مكة، عمرو بن العاص، قائدًا لسرية، واجبها هدم سُواع صنم هُذَيْل. قال عمرو: (فانتهيت إليه، وعنده السادن، فقال: ما تريد؟ قلتُ: أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم، أن أهدمه، فقال: لا تقدر على ذلك، فقلتُ: لِمَ؟ فقال: تُمْنَع! فقلتُ: حتى الآن أنت في الباطل! ويحك، هل يَسْمَع، أو يُبصر! فدنوت منه فكسرته، وأمرتُ أصحابي، فهدموا بيت خزانته، فلم يجدوا فيه شيئًا، ثم قلتُ للسادن: (كيف رأيت؟) فقال: (أسلمتُ لله).
ب- وكان عمرو، قد شهد غزو الفتح، مع رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقاد سريته بعد الفتح -فتح مكة المكرمة، الذي كان في شهر رمضان من السنة الثامنة الهجرية- لهدم سُواع، فنهض بمهمته على أحسن وجه، وأدّى واجبه على ما يرام، ثم عاد إلى مكة المكرمة.
وشهد عمرو مع النبي صلى الله عليه و سلم، غزوة حُنين، في شوال من السنة الثامنة الهجرية، فلما هرب المشركون، وتفرقوا في كلِّ وجه، بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم نفرًا من أصحابه في الطلب (المطاردة)، فبعث خالد بن الوليد في وَجْه، وبعث عمرو بن العاص في وَجْه، وبعث غيرهما في وجوه أخرى.
وشهد عمرو مع النبي صلى الله عليه و سلم حصار مدينة الطائف، الذي كان في شهر شوال من السنة الثامنة الهجرية أيضًا، بعد غزوة حُنين مباشرة، فلما ثبت بنو ثَقِيف، أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالرحيل عن الطائف، فأثنى عُيَيْنَة بن حِصْن على ثبات ثقيف قائلاً عنهم: (مَجَدَة كِرام)، فقال عمرو: (قاتلك الله، تمدح قومًا مشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد جئتَ تنصره؟).
وهكذا نال عمرو شرف الجهاد تحت لواء النبي صلى الله عليه و سلم.
4- السفير إلى عُمَان
بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم، عمرو بن العاص، في شهر ذي القعدة سنة ثمان الهجرية، إلى جَيْفَر وعَبْدٍ ابنيّ الجُلُنْدَي، وهما من الأَزْد، والملك منهما جَيْفَر، يدعوهما إلى الإسلام، وكتب معه إليهما كتابًا، وختم الكتاب. قال عمرو: (فلما قَدمتُ عُمان، عهدت إلى عَبْدٍ، وكان أحلم الرجلين، وأسهلهما خُلُقًا، فقلتُ: إني رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه و سلم إليك، وإلى أخيك)، فقال: (أخي المقدّم عليّ بالسنّ والمُلْك، وأنا أوصلك إليه، حتى يقرأ كتابك)، فمكثتُ أيامًا ببابه، ثم إنه دعاني، فدخلتُ عليه، فدفعتُ الكتاب إليه مختومًا، ففضّ خاتمه، وقرأه، حتى انتهى إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه، فقرأه مثل قراءته، إلا أني رأيت أخاه أرقّ منه، فقال: (دعني يومي هذا، وارجع إليّ غدًا)، فلما كان الغد، رجعتُ إليه، قال: (إنّي فكرتُ، فيما دعوتني إليه، فإذا أنا أَضعف العرب، إذا ملّكْتُ رجلاً ما في يديّ!) قلتُ: (فإني خارج غدًا). فلما أيقن بمخرجي، أصبح فأرسل إليّ، فدخلتُ عليه، فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعًا، وصدّقا بالنبي صلى الله عليه و سلم، وخليا بيني وبين الصدقة، وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لي عونًا على مَنْ خالفني، فأخذتُ الصدقة من أغنيائهم، فرددتها على فقرائهم. فلم أزل مقيمًا، حتى بَلَغَنَا وفاةُ رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إذ ولاّه النبي صلى الله عليه و سلم على عُمَان وأعمالها، فعاد إلى المدينة المنورة، بعد انتقال النبي صلى الله عليه و سلم إلى الرفيق الأعلى.
وهكذا استطاع عمرو، أن يضمّ عددًا ضخمًا من العرب إلى الإسلام، وأن يضم بلادًا شاسعة إلى بلاد المسلمين.
لقد نال عمرو شرف الصحبة، وشرف الجهاد، تحت لواء النبي صلى الله عليه و سلم، وشرف قيادة بعض فصائله التعْبويّة، وشرف قيادة قسم من سراياه، وكان أحد سفرائه، وأحد عماله أيضًا، وأحد عماله على الصدقة.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة