فضاءات جوبة برغال

جوبة برغال

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
سامي محمود طه
مسجــل منــــذ: 2011-05-30
مجموع النقط: 2
إعلانات


الشريف و النظيف


الشَّريف والنَّظيف
د. رضارجب
منوعات
الخميس :14-4-2011
يا طالما يتردّد على مسامعنا القولُالمأثور: لكلّ مسمَّى من اسمه نصيبٌ, وهو قولٌ يجدُ له النَّاس مسوّغاً عندما يصحُّالاستشهادُ به في حالاتٍ عابرةٍ تتركُ ما تتركُ من جماليةٍ للتطابق بين المثلِومناسبته.
وأنا شخصيّاًأتمنى لو كان هذا القولُ يرقى إلى درجة القاعدة الثابتة التي لا استثناء فيها, عليّأنالُ قسطاً من اسمي الذي ـ وللأسف ـ حمَّلني من ساعات الغضب أضعاف ما حمّلني منساعات الرِّضا, معتقداً أنَّ الأشياء التي تدور حولنا تفجّر فينا من الغضب ما لايكون للرّضا عنده نصيب, وإذا كانت الذَّائقة العربية المترفة بربط الكلام بفحواه قدأصرَّت على الاحتفاظ بالمكانة السَّامية للكلمة الجميلة التي تنسكبُ في الأذنفتتحوّل إلى صورةٍ مشرقة في المخيلة, فما ذلك إلاَّ لتلك الرؤية الرّاقية التيوحَّد فيها العقل العربيُّ بين الصُّورة والمعنى فلسفيّاً وفكرّياً ومعرفيّاً.
وبلغ من جلالهذا التَّصور أن رأينا الخليفة الرَّاشدي عمر بن الخطاب يردُّ شهادة شاهدٍ, وقد قالله: ما اسمكَ ؟فقال: ظالمٌ بن سرَّاقٍ, فقال الخليفة: اخرج, أتسرقُ ويظلمُ أبوك ؟؟
وأنا أنحازُمرَّة أخرى لجلال الكلمة, فالجرأة على الاسم كالجرأة على المسمَّى, وإلاَّ فما هذهالثقافة المتوارثة في أسرةٍ يكون الوالدُ سرَّاقاً والولدُ ظالماً ؟ ومن إشكاليةهذا المأثور تفاوتُ وقع التصوَّر على الآخر, إذ قد يُسمَّى حسناً ما لم يكن حسنَالصُّورة, وقد تُسمَّى حناناً, ما لم تكنْ تمتّ بصلةٍ للشفقة والحنان حتى لأقربالنّاس إليها، وقد يُسمَّى فارساً من لايعرف أشكال الخيل ولا أدوات القتال، وقديُسمَّى شجاعاً من ليس في سلّم الجبناء له مثيلٌ، وهي إشكاليّةٌ يخفّف من وقعهاأنَّ حسناً قد يكون قبيح الصّورة جميلَ السّلوك والمضمون، وأنَّ فارساً قد يكونُجاهلاً بأمور الخيل ماهراً في أشكالٍ أخرى من الفروسية، وهذا سرُّ ثبات النصّ الذييوحي سياقه بعدمِ التعقيد، إذ للمسمّى نصيبٌ وقسطٌ، وليس كلّ شيء.
وتبقى المشكلةمستعصية إذا اقتضت ظروف الحياة وفرصها أن يتقلّد منصب قاضٍ من يُسمّى عادلاً أونزيهاً أو طاهراً، والنّاسُ يتهامسونَ بسوء سمعته وجوره وابتزازه للمتقاضين.
وتبقى المشكلةأكبرَ عندما تتّسعُ دائرةُ المسؤولية ليتصدر قيادة المجتمع أصحابُ أسماءٍ، ذاعَصيتُها، وصفّق لها النّاسُ، وقرّروا مصائر أجيالٍ، ثمَّ تبيّن أخيراً أنّهم أودعواالسّجن بجناية استغلال المنصب بما آل إلى ثروةٍ ضخمة سُرقت من حقِّ الشعب ومالهوقوتِ يومهِ، وليس فيها جنيهٌ واحدٌ يمتُّ إلى الشَّرف والنظافة بصلةٍ، وأنَّواحداً من هؤلاءِ كان يُسمّى شريفاً والآخرَ نظيفاً.
وعلى الدُّنياالسَّلام.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة