فضاءات جوبة برغال

جوبة برغال

فضاء الإبداعات الأدبية والفنية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
سامي محمود طه
مسجــل منــــذ: 2011-05-30
مجموع النقط: 2
إعلانات


قلوب للبيع


قلوب للبيع
قصة قصيرة : سامي محمود طه
( قلوب للبيع ) عبارة تشق طريقها إلى سمعي و أنا أجتاز صباحاً سوق المستهلك القريب من بيتي الجديد ، تصلني جلية رغم تزاحم عبارات التسويق المختلفة الأخرى ربما لوضوح صوت البائع الذي يبسط على قطعة من الخشب قلوباً عدة ، أو لمروري بمحاذاته ، أو لمكانة القلب السامية في نفسي فأنا من الذين يرون فيه نبع المشاعر و الأحاسيس ولو اجتمع علماء الدنيا و حاولوا بنظرياتهم تغيير قناعتي بهذا الأمر لضاعت جهودهم سدى ، كيف لي أن أبدل قناعتي و أنا أسمع نغمات لدقات قلبي تتباين بين حالة و أخرى . ( قلوب للبيع ) و أي شيء ليس للبيع إذا أصبحت القلوب للبيع ؟! . أهز رأسي ، أبتسم ربما سخرية ، تلح على مخيلتي مشاهدُ من أحداث يومية لقلوب ٍ و أرواح تباع و تشترى ، و حاجز الرفض في داخلي لا يعبأ بتلك المشاهد .
وسط ضجيج تساؤلاتي و أفكاري أدخل باب المشفى الذي يرقد أبي في إحدى غرفه منذ ما يزيد عن نصف شهر فهو يعاني من قصور كلوي حاد.
أبلغني الطبيب المشرف على علاجه أن حالته تزداد سوءاً و لا بد من قرار عاجل بالتبرع لتعويض إحدى كليتيه التالفتين إن كنا نريد لحياته أن تستمر..
كان أبي ينام عميقاً على سريره تاركاً لريشة الزمن أن ترسم على وجهه تشكيلاً ألوانُه مزيجٌ من آلام و آمال، بؤس و فرح ..
قلت لشقيقي اللذين سبقاني إلى المشفى: ماذا نفعل؟ لا بد من أن يتبرع أحدنا بكلية.
رد شقيقي الصغير: لنر أولاً من منا تتناسب زمرةُ دمه و زمرةُ دم أبي .
و لسوء الحظ ، أقصد للمصادفة علمنا أن زمرة دمِنا نحن الثلاثة تتيح لنا إمكانية التبرع.
من منا سيتبرع ؟ سأل شقيقنا الأوسط ، و كانت ملامح وجوهنا تفصح عما نريد قوله. علمنا من الطبيب أنه لا وقت لدينا لتأجيل القرار فاتفقنا على الحسم حالاً.
جلسنا في كافتيريا المشفى ، و بما أنني الولد الأكبر تحدثت أولاً عن فضائل والدي وتضحياته التي لا حدود لها في سبيلنا ، و واجبنا في محاولة إنقاذه مهما غلا الثمن ، لكنني أعقبت حديثي باعتذار مؤلم فأنا أشغل مركزاً هاماً في عملي يستنزف طاقتي ونشاطي ، و تبرعي بإحدى كليتي سيحد من قدرتي على الاستمرار في العطاء ، وربما هدد مستقبلي، وأنهيت حديثي بعرض مبلغ من المال على المتبرع.
شقيقي الأوسط أكد ما أوردته في مقدمة حديثي حول وجوب الوفاء لوالدنا المريض تقديراً لجليل تضحياته و راح يحدثنا عن مشاريعه و أسفاره التي تحتاج عزيمة رجل لا مكان فيها لوهن ، و عرض أيضاً مكافأة مجزية لمن ينقذ والدنا.
شقيقنا الأصغر وقف و تحدث غاضباً: إذاً فقد تركتم الأمر لي ، و أنا لن أتبرع فهو ليس والدي وحدي و المال الذي تعرضونه لا يعنيني و لا أريده.
ازداد الأمر تعقيداً ، قلت: المشكلة أن زمرة دمه نادرة ، و لكن ليس أمامنا من حل سوى البحث عن متبرع.
أسرعنا إلى الطابق الثالث حيث يقيم أبي ، كان الطبيب يقف عند باب غرفته و على وجهه اختصار لأي كلمات نريد قولها.
اغرورقت عيوننا بالدموع ، و تمدد ارتياح على بساط نفوسنا ، و طار فزع (كلانا ).
سنقف بعد قليل في مقدمة متقبلي العزاء، سيمطرنا الناس بعبارات المواساة.
الغطاء الأبيض الذي يلف أبي يسخر من ملامح حزن رسمناها على وجوهنا.
سألتُ نفسي: هل قتلناه؟! هل أدرك ما دار بيننا فقرر أن يَعفينا من عبء التفكير أو البحث و رحل بهدوء ؟ أما زلتُ أرى في القلب نبع المشاعر و الأحاسيس؟
صوت بائع القلوب يخترق صمت نفسي من جديد. أترى لو.. ؟ أترانا تبرعنا بقلوبنا أقصد بعناها دون أن ندري و لهذا لم نعد نشعر بها؟
أتراها قلوبنا تلك التي تباع على قارعة الطريق؟! .

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة