فضاءات أولاد عدي قبالة

أولاد عدي قبالة

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
adooahmed
مسجــل منــــذ: 2011-04-16
مجموع النقط: 7
إعلانات


المشروع الثقافي الاستعماري وثورة نوفمبر في الجزائر


بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلم: عبد الكامل جويبة
أستاذ مساعد بقسم التاريخ، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، الجزائر.
مما لا شك فيه أن موضوع التعليم, في الفترة الاستعمارية الفرنسية, في الجزائر, من المواضيع الهامة التي تكشف الستار عن جانب هام للسياسة الاستعمارية في الجزائر, التي وإن كانت ظاهريا تدعي أنها أتت إلى الجزائر لنشر رسالتها الحضارية فيها, وذلك بواسطة تعميم التعليم الفرنسي في البلاد, كخطوة أولى لتمكين الأهالي الجزائريين من استيعاب مبادئ الحضارة والمدنية الغربية, وذلك للتقرب منهم حسب منطلقات الإيديولوجية الاستعمارية الفرنسية كخطوة ثانية. أما المرحلة الثالثة والأخيرة, فهي حسب السياسة المذكورة تتمثل في دمج الأهالي كلية في المجتمع الغربي, بواسطة المدرسة الفرنسية, هذا نظريا ولكن من الناحية التطبيقية, فإن النظام الاستعماري الفرنسي قد عمل جاهدا على تحطيم المدارس العربية التقليدية, وملحقاتها ظنا منه أنها تحول دون نشر مدرسته وثقافته في البلاد.
هل سعى فعلا إلى توفير تعليم فرنسي, كما وكيفا, للأهالي الجزائريين, لتعويضهم على الأقل على فقدانهم تعلم لغتهم الأصلية؟ ([1])
وقبل الإجابة على هذا التساؤل في مضمون المقال, علينا أن نوضح ولو بشكل مختصر وضعية التعليم قبل مجيء الاستعمار الفرنسي.
فالتقارير العسكرية الفرنسية تشير إلى أن اللغة العربية وثقافتها كانت كثيرة الانتشار, على كامل امتداد تراب الجزائر آنذاك, وأن معظم الجزائريين كانوا يحسنون القراءة والكتابة وكان في كل قرية مدرستان اثنتان([2]).
فقد كانت هناك مؤسسات تعليمية, من مدارس ومساجد, وزوايا, تهتم بالتعليم في مراكز عدة من الوطن, مثل تلمسان, قسنطينة, بجاية, مازونة, وهران, الجزائر, عنابة, وبسكرة, وفي كل مدينة من هذه المدن ظهرت عائلات اهتمت بنشر العلم والحفاظ على مؤسساته التقليدية المعروفة: كالمساجد والزوايا والكتاتيب القرآنية, -التي غالبا ما كانت فروعا للمساجد والزوايا-([3]). وعلى حسب ما ورد في إحدى المجلات العربية([4]) كانت نسبة المتعلمين بالجزائر سنة 1830م, أكثر من 90% ([5])
فكان للتعليم في ذلك الوقت مكانة مرموقة, حاول الاستعمار أن يحطمها ليؤسس تعليما خاصا لسكان البلاد, لكن صعوبات اعترضت طريقه لأسباب منها:
رفض المعمرون إنشاء أي تعليم لفائدة أبناء الجزائريين لأنهم كانوا يرون أن التعليم من العوامل التي تدفع السكان للمطالبة بحقوقهم الشرعية, ومن أقوى الأسلحة لمقاومة الاستعمار, بالإضافة إلى انعدام ثقة الجزائريين بكل ما يصدر من طرف السلطات الاستعمارية ([6])
فقد ذكر هنري بورجو المفتش, في تقرير قدمه لوزارة المعارف العمومية الفرنسية ما نصه:
وبذلك فقد تدهورت حالة التعليم مع بداية الاحتلال, وما أن تم لهم الاستيلاء على البلاد حتى سارعوا إلى طريقة يعوضون بها ما خسروه في هذه الحروب الطويلة, فأعلنوا أن الجزائر جزء من فرنسا, وأوقفوا تدريس اللغة العربية وجعلوا تعليمها وتعلمها جريمة يعاقب عنها القانون, ولم يسمحوا إلا بتحفيظ القرآن وتلقينه, إلا أن تحفيظ القرآن بين أفراد الشعب كان بمثابة مصباح يحد من كثافة الغزو الذي اجتاح الجانب الثقافي العربي بالجزائر.([8])
وقد ضاعفت فرنسا من مضايقاتها على تعليم الجزائريين كلما اندلعت ثورة تهدد الوجود الفرنسي في الجزائر, وشيئا فشيئا أصبح التعليم بها لا يعني الجزائريين وإنما هو حكر على أبناء المعمرين, وهذا ما تأكده الإحصائيات التي حملتها ذات المجلة([9]) إذ تذكر:
كان عدد الصبيان الذين بلغوا سن الدراسة من الجزائريين مليون ومائتان وخمسون ألفا صبي, من بينهم مئة ألف فقط يتلقون التعليم الابتدائي.
وكان لدى السكان الفرنسيين مائتا ألف صبي يتلقون كلهم التعليم في 1400 مدرسة تحتوي على 4200 فصل. أي أنه كان عدد التلامذة الفرنسيين ضعف عدد التلامذة الجزائريين مع أن نسبة السكان الفرنسيين إلى الجزائريين هي 09%.
أما النفقات التي خصصتها الميزانية الاستعمارية للتعليم الابتدائي فهي كما يأتي:
880 فرنكا لكل تلميذ جزائري في مقابل 1605 فرنكات لكل تلميذ فرنسي.
وبالتعليم الثانوي فقد بلغ عدد الطلبة الجزائريين حسب إحصائيات سنة 1951م: 3615 طالبا في مقابل 25500 طالب فرنسي, فنسبة الطلبة الجزائريين في المدارس الثانوية للطلبة الفرنسيين هي 12% بينما نسبة السكان الجزائريين للفرنسيين هي 91%.
أما التعليم العالي فهو بمثابة المهزلة الكبرى لفرنسا, فاللغة الأساسية للجامعة الجزائرية هي الفرنسية وفي كلية الآداب قسم للغة العربية هزيل, ومن أجل ذلك فمن النادر جدا أن نجد من له جرأة المخاطرة بمستقبله الثقافي والانتساب إلى هذا القسم. كما كان يشترط في المدرس به أن يكون مستشرقا, أو تخرج على يد المستشرقين وأنه لمن المحرمات أن يكون من بين أساتذة هذا القسم من كان يحمل شهادة من إحدى الجامعات الفرنسية.
وكان عدد الطلبة في هذه المرحلة هو 4006 طالب فرنسي مقابل 398 طالبا جزائريا.]
والاستعمار هنا لم يمنع الجزائريين من التعليم في مدارسه فحسب, بل عمل جاهدا على منعهم من مزاولة تعليمهم التقليدي الذي وجده الاستعمار قائما بحلوله بالجزائر, وهذا ما أكده أحد المفكرين الفرنسيين([10]) الذي يقول في هذا الصدد:
هذا إنما ينطوي على أهداف سطرها هذا الاستعمار تتصل مباشرة بحركة التعليم والتثقيف في الجزائر, فمن جهة عمل على محاربة اللغة العربية والدين الإسلامي وكل ما له علاقة بالتقاليد الدينية العقائدية, معتبرا أن تلك المقومات تعيق تواجده وانتشاره في كامل ربوع الجزائر العريضة, وأراد تعويض كل ذلك باللغة الفرنسية والتعاليم الدينية المسيحية. ولكن سرعان ما تراجع أيضا عن تطبيق هذا البرنامج لأنه أدرك أيضا أن تعليم الجزائريين بأي برنامج كان سيجعلهم دائمي اليقظة ومنه مقاومة تواجده في كل مناسبة مواتية, فسعى لمنعهم من التعليم حتى في المدارس التي أنشأها بنفسه, بغرض نشر الأمية في صفوف الجزائريين.
وأمام هذه الوضعية ظل الجزائريون يحاولون بوسائلهم البسيطة والمحدودة مقاومة ذلك المشروع التغريبي الفرنسي بمختلف تقلباته, والذي استهدف لغتهم ودينهم كأهم عناصر الشخصية الوطنية, فظل متمسكا ببعض المؤسسات التي بقيت صامدة كالزوايا والمساجد, أما المحاولات الجادة والميدانية فتظهر مع بداية القرن العشرين والتي في تقديرنا كان لزيارة الشيخ " محمد عبده " في 1903م للجزائر أثر كبير عليها. حيث تجلت المبادرة في ميلاد جمعية العلماء المسلمين في 1931م, التي أخذت على عاتقها مهمة الحفاظ على مقومات الشعب الجزائري, التي أصبحت مستهدفة من قبل الاستعمار الفرنسي أكثر من أي وقت مضى, لأنه في هذه الفترة قد أحكم سيطرته على كامل الجزائر تقريبا.
ولكن كانت مناسبة الاحتفال بمرور قرن على احتلال الجزائر, بمثابة التيار الذي أيقظ علماء الأمة ومثقفيها لحمل ثقل مهمة مقاومة الاستعمار إذ تأكد الجميع من أن تربية النشء تحتاج إلى عناية مستمرة ودعم كبير من قبل الشعب, وأن العلم هو السلاح الأقوى في مكافحة الاستعمار بكل أنواعه, وكما قال إمام النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس" لن يصلح المسلمون إلا إذا صلح علماؤهم لأنهم بمثابة القلب للأمة, ولن يصلح العلماء إلا إذا صلح تعليمهم " ([11])
وهكذا شرعت جمعية العلماء في تأسيس المدارس لإعداد جيل جديد متشبع بالمبادئ والقيم الإسلامية ومتقنا للغته العربية محافظا عليها, من أجل تحضيره لمهام صعبة لا يقدر عليها سوى من كان مسلحا بكل تلك القيم, فذكر الشيخ البشير الإبراهيمي في ذلك بقوله:
واستطرد كلامه بقوله:
وبذلك استطاعت الجمعية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مليوني طفل عربي مسلم, كما قامت بتشييد مدارس أخرى مع بداية ثورة نوفمبر 1954م وأكثر من ذلك سعت مع الحكومات العربية باسم الأمة الجزائرية لإرسال مئات من الطلبة الجزائريين للدراسة على نفقة هذه الدول.
وقامت ثورة نوفمبر 1954م وأصبح همَ أغلبية الجزائريين كيفية التخلص من الاستعمار بصفة نهائية, واسترجاع السيادة الوطنية, فانقلبت الأوضاع وأعلن الجهاد باسم الإسلام والقرآن وقام الشعب الجزائري كرجل واحد لمكافحة العدو.
ونقول هنا أن ثمار تلك المجهودات التي قامت بها جمعية العلماء, في تربية النشء وتعليمه, قد ظهرت مع ثورة نوفمبر 1954م حيث أن مناهج التعليم التي كانت تقرن بين تعليم اللغة العربية وتعاليم الدين الإسلامي هي التي خلقت ذلك التلاحم الفكري العقائدي أثناء الثورة, ولما كانت الدعوة إليها وفق تلك التعاليم التي انتشرت في ربوع الجزائر فقد كان من السهل على الشعب أن يتبنى العمل الثوري ويدخل فيه دون تردد, على العكس من ذلك لو كانت الدعوة للثورة من أطراف أخرى, وفي هذا المعنى نجد أحد الباحثين ([13]) يقول:
وبعد اشتعال الثورة جاء رد فعل الاستعمار في كل الميادين وفي مقدمتها ميدان التعليم, حيث شرع في محاربة الثقافة العربية الإسلامية من جديد, فبدأ في مضايقة المراكز التعليمية ومنه إغلاق المدارس الحرة, التي كانت في نظره مراكز ضد فرنسا تلقن الحضارة العربية الإسلامية وتبث الوطنية وتطلب من الشعب التسلح بالإيمان وبالحديد والنار وبالعلم والعمل لمكافحة الاستعمار وإجلائه من أرض الوطن. وأكثر من ذلك فقد منع حتى نشر وبيع جميع الجرائد والمجلات والكتب المحررة باللغة العربية.
ولكن قيادة الثورة التحريرية لم تقف مكتوفة الأيدي أمام تلك الإجراءات, خاصة بعد الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العام للطلاب المسلمين الجزائريين, فقد ذكر أحد معاصري تلك الفترة ([14]) قائلا:
ومن هنا بدأت السلطات الاستعمارية في منع العديد من هؤلاء الطلبة من الرجوع إلى مقاعدهم فكان لزاما على قيادة الثورة أن تتولى أمرهم, وفي نفس الوقت جندت كل وسائلها لمقاومة وإبطال مفعول تلك الإجراءات مع الشعب الجزائري كوسائل ضغط فرنسية, فأولت اهتماما بالغا لحركة التعليم بعيدا عن المؤسسات الفرنسية, وذلك في جميع مواثيقها, والتي في مقدمتها مؤتمر الصومام في 20أوت 1956م, والذي تعرضت له مجلة الآداب-سابقة الذكر- في أحد أعدادها ([15]) شارحة ما انبثق عن المؤتمر من قرارات في ذات السياق إذ تقول:
كما خصصت بالحكومة الجزائرية المؤقتة([16]) وزارة خاصة بالقطاع هي وزارة الشؤون الثقافية ([17]). والتي عملت جاهدة على خلق مقاعد دراسية للطلبة الجزائريين خارج الجزائر لدى الدول الشقيقة والصديقة مشرقا ومغربا, وفي هذا الصدد جاء في تقرير الوزارة المعنية لمجلس الحكومة المؤقتة المنعقد بطرابلس بليبيا في 21ديسمبر1959م مايلي:
ومن هنا أصبح عدد الطلبة الجزائريين يزداد يوما بعد أخر في الخارج وفي جميع التخصصات, وفتحت بذلك الثورة التحريرية أبواب تحرير الوطن من الاستعمار الجاثم على ترابه وتحرير العقول من سياسات فرنسا التي منعت الجزائريين من حقهم في التعلم بغرض نشر الأمية في أوساطهم, وفي ذلك ذكر وزير الشؤون الثقافية في الحكومة الجزائرية المؤقتة:
ومن كل ذلك نخلص إلى القول أن الاستعمار الفرنسي قد بنا مخططاته على إحكام السيطرة على الجزائريين بكل الوسائل المتاحة لديه, فكان أخطرها التعليم خاصة لما أدرك أن تجهيل الجزائريين سيطيل عمره في الجزائر, لكن الشعب الجزائري وبالرغم من المحن والأزمات التي مر بها إلاً أنه صمد وثبت وحاول الحفاظ على مقوماته و سعى لمقاومة المشروع الاستدماري الفرنسي إلى أن جاءت الثورة التحريرية في الفاتح من نوفمبر 1954 ولم تقتصر في تنظيم جهادها على الجانب المسلح فحسب والاهتمام بطرق وأساليب إخراج العدو وإلحاق الهزائم العسكرية به, وإنما تجاوبت مع كل السياسات الاستعمارية القمعية, فوصفت لها ما يلزمها من علاج يحبط مساعي فرنسا من جهة ويؤكد شعبية الثورة وشموليتها من جهة أخرى, فإلى جانب المعارك العسكرية السياسية, خاضت معارك اجتماعية ثقافية تتصل بجوانب الثقافة والتعليم والقطاعات المهنية وتنظيمات العمال. وهذا انطلاقا من نظرة مستقبلية لاستقلال الجزائر والوضعية التي تؤول إليها الجزائر آنذاك إن استمرت السياسة التعليمية الفرنسية على نحو منع الجزائريين من التعليم.
هوامش ومراجع:
[1] - عمار هلال, أبحاث ودراسات في تاريخ الجزائر المعاصرة 1830-1962, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر, 1995م, ص: 101.
[2] - المرجع نفسه, ص: 108.
[3] - أبو القاسم سعد الله, تاريخ الجزائر الثقافي, ج1, الشركة الوطنية للنشر والتوزيع, الجزائر, 1981م, ص: 181.
[4] - مجلة الآداب البيروتية.
[5]- عثمان سعدي, مأساة شعب وتبلد ضمير, مجلة الآداب, العدد: 05, بيروت, ماي 1955م, ص: 07.
[6] - الطاهر زرهوني, التعليم في الجزائر قبل وبعد الاستقلال, المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية, الجزائر, 1994م, ص: 12.
[7]- عثمان سعدي, المصدر السابق, ص: 05.
[8] - عثمان سعدي, مشكلة الثقافة في الجزائر, مجلة الآداب, العدد: 03, بيروت, مارس 1955م, ص: 57.
[9] - عثمان سعدي: < مأساة شعب وتبلد ضمير> مصدر سابق, ص: 05.
[10]- سارتر جون بول, نظام الاستعمار الفرنسي في الجزائر, ترجمة سهيل إدريس, مجلة الآداب, العدد:06, بيروت, جوان 1956م, ص: 77.
[11] - الطاهر زرهوني, المرجع السابق, ص: 28.
[12] - المرجع نفسه, ص: 29.
[13] - عبد الكريم بوصفصاف, جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعلاقاتها بالحركات الجزائرية الأخرى <31-1945> المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار, الجزائر, 1996م, ص: 322.
[14] - أحمد توفيق المدني: حياة كفاح, ج3, الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر: 1981, ص: 404.
[15] عبد الحميد مهري: < الجانب الإنشائي من الثورة الجزائرية>, مجلة الآداب, العدد: 06, بيروت, لبنان: جوان 1957م, ص: 19.
[16] - تم الإعلان عنها بالقاهرة في 19سبتمبر1958م.
[17] - أول وزير لها أحمد توفيق المدني.
[18] - أحمد توفيق المدني,المصدر السابق. ص: 466.
[19] - المصدر نفسه, ص: 485.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة