فضاءات أولاد املول

أولاد املول

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـجماعة
ادريس الرحماني
مسجــل منــــذ: 2011-03-12
مجموع النقط: 4.8
إعلانات


محطـات من تـاريخ تطـور الفلسفـة

لم تظهر الفلسفة عند اليونان إلا بعد توافر مجموعة من الشروط الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية سوف تساهم بشكل أو بآخر في تهيئ أرضية سوف يستوي عليها خطاب العقل محطما بذلك كل البداهات حول المعرفة والحقيقة والكون والإنسان والخير والسعادة والحكمة ذاتها، أي إبراز عدم يقينية التصورات السائدة وضرورة بناء تصورات عقلية جديدة. ولم يكن بإمكان الفلسفة أن تؤسس ذاتها كخطاب شمولي جديد إلا من خلال مواجهة صارمة لنوعين من الفكر كانا سائدين عند اليونان قديما هما:
1- الفكر الأسطوري والتصورات الدينية الوثنية المكونة له والتي كان يفسر من خلالها العالم وعلاقته بظواهره.
2- الفكر السفسطائي الذي كان يؤمن بقيمة الجدل في الحوار وبنسبية الأفكار والأحكام وعدم إمكانية التوصل إلى حقيقة شمولية حول الكون والإنسان والمعرفة ذاتها.
وانطلاقا مما سبق يصح لنا القول بأن الفلسفة نجحت في تأكيد ذاتها وملء ذلك الفراغ النظري الذي كان يعيشه اليونان القدامى من خلال كشفه وتعريته. ومادام أن الفكر الإنساني يتميز بالكونية فأكيد أن البنية الإسلامية هي الأخرى سوف تتأثر بالفلسفة اليونانية، إلا أن ظهورها (الحكمة الفلسفية) في العالم الإسلامي سوف يرتبط بظاهرة الترجمة التي تمت في "بيت الحكمة" الذي أنشأه الخليفة العباسي "المأمون" سنة 832م كإستراتيجية حاولت من خلالها الدولة العباسية مواجهة كل القوى المناوئة لها والتي كان على رأسها الفئات الأرستقراطية الفارسية التي قررت استعمال الواجهة الإيديولوجية بعدما فشلت في الواجهة السياسية (عابد الجابري: نحن والتراث). لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو ماذا ستكون وضعية الفلسفة داخل مجتمع يشكل الدين ثقافته الرسمية الأساسية كالمجتمع الإسلامي؟ ثم ما المبرر في تواجد الحكمة الفلسفية إلى جانب الشريعة؟ تلك هي الإشكالية التي سوف يعمل الفلاسفة المسلمون على الإجابة عليها، أي إشكالية العلاقة بين الفلسفة والدين.
إن محاولة الفلاسفة في الإسلام الذين خاضوا في معالجة هذه الإشكالية لم يكونوا يعملون على التوفيق بين الدين والفلسفة وإنما كانت غايتهم التوفيق بين الدين وفلسفة خاصة ألا وهي الفلسفة اليونانية (فلسفة أفلاطون وأرسطو خاصة)، هذه المحاولة سوف تثير نقاشا عميقا داخل البنية الإسلامية وسوف تنتج عنها ردود فعل كثيرة، ذلك ما سوف يتضح من خلال عرض النماذج الفلسفية التالية:
1) الكندي: يمكن القول أن الفيلسوف الكندي قد تعامل بذكاء فيما يخص معالجة هذه الإشكالية (إشكالية التوفيق بين الدين والفلسفة) مما جعل محاولته ناجحة وخالية من الغموض كما ذهب إلى ذلك العديد من الباحثين، وذلك راجع لكون الكندي استمد من الفلسفة اليونانية (الأرسطية خاصة) منهجها وتعامل معها بروح نقدية، مما جعل الكندي يعمل علة إثبات وحدة الله وإبداع العالم من عدم بطريقة فلسفية.كما أن الكندي في بحثه عن الحقيقة، فسواء كان البحث بالجدل أو بالدليل فالنتيجة واحدة بالنسبة إليه.يتحدث عن طريق الشرع الموصل إلى الحقيقة وعن طريق العقل أيضا الموصل إلى الحقيقة، والمهم في النهاية الوصول إلى الحقيقة. ومادام الأمر كذلك فلا يمكن أن يكون هناك تعارض بين الحكمة والشريعة أو بين العقل والنقل.
2) الفارابي ت 339هـ: إنه المعلم الثاني بعد أرسطو كما سماه المسلمون، كناية على تأثره الشديد والواضح بالفلسفة الأرسطية وبسطه لقضاياها المعقدة وخاصة منها المنطق.
حاول الفارابي التوفيق بين الدين والفلسفة مستخدما منهجا تأويليا في تفسير النصوص الأفلاطونية والأرسطية لكي تنسجم وتتناغم مع النصوص الدينية معتبرا أن شخصين هما اللذان بإمكانهما الوصول إلى الحقيقة: الفيلسوف عن طريق العقل والنبي عن طريق الوحي (المخيلة). ولما نتحدث عن مسألة التوفيق بين الفلسفة والدين فإننا قصد طبعا الفلسفة اليونانية وليس الفلسفة بشكل عام والدين الإسلامي، ولعل تأثر الفارابي بالفلسفة اليونانية جعله يطرح العديد من القضايا الشائكة للنقاش، الأمر الذي جعل المواقف تختلف في حق الفارابي، ومن بين أهم الأفكار التي أثارت الجدل العميق داخل البنية الإسلامية:
- مسألة قدم العالم : حيث نجد الفارابي ينطلق من مسلمة أفلاطونية وهي أن "الواحد لا يصدر عنه إلا واحد" وأن الواحد لا يصدر عنه ما يناقضه، لذلك تبنى الفارابي نظرية الفيض والتي مفادها أن العالم القديم قدم الذات الإلهية، من حيث أن الواحد لا يكف عن الخلق لكونه لا يكف عن "العلم بذاته" فعلمه الأزلي لذاته "سبب كاف" في الخلق ومن تم أصبح الوجود أو الكون فيضا وصدورا أكثر مما هو إبداع وخلق.
وانطلاقا من ذلك صدر العقل الأول عن الله ومنه العقل الثاني وصولا إلى العقل العاشر، آخر العقول المفارقة والذي سماه الفارابي بالعقل الفعال الذي أوكلت له مهمة تدبير شؤون العالم الأرض.
_ مسألة البعث: هنا يخالف الفارابي مارة أخرى ما جاء به النص القرآني باعتبارها بعثا روحيا وجسديا معا، حيث سيتردد في حسم هذه النقطة التي تعتبر من أقل المواضيع ترديدا في الفلسفة اليونانية وخاصة فكرة البعث. سوف يعتبر الفارابي البعث مسألة مقتصرة على النفوس الشريفة "المطهرة" دون غيرها لذلك نجد ابن طفيل يرد على الفارابي بقوله: "فهذا قد أيأس الخلق جميعا من رحمة الله وصير الفاضل والشرير في رتبة واحدة، وهذه زلة لا تقال...". ولعل مثل هذه المواقف هي التي جعلت الغزالي (ت 505هـ) يعتبر أن مهمة الفلاسفة قد فشلت في التوفيق بين الفلسفة والدين داخل البنية الإسلامية.
3) ابن رشد (1126-1198): انطلق ابن رشد بالاستدلال بآيات قرآنية على كون الشريعة لا تبيح التأمل العقلي بل توجهه وذلك لقوله تعالى "فاعتبروا يا أولي الأبصار" وبما أن الفلسفة ليست "شيئا أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالاتها على الصانع" فبذلك تكون الفلسفة مأمور بها شرعا. إذ ليس ذلك الاعتبار سوى الاعتبار العقلي وهو القياس العقلي أو البرهان. لكن ابن رشد كان يلح على ضرورة حصر النقاش الفلسفي ين أهل البرهان باعتبار أن طباع الناس تختلف حسب طاقتهم الفكرية فهناك من يصدق بالأقاويل الخطابية (عامة الناس) وهناك من يصدق بالأقاويل الجدلية (علماء الكلام) وهناك من يصدق بالبرهان( الفلاسفة). ومن بين الأخطاء التي ارتكبت من طرف الفلاسفة وعلماء الكلام نجد حشرهم لعامة الناس في نقاشات باطنية وعميقة، لذلك فهو يحملهم وزر وعواقب نشر العقائد البرهانية وبسطها.
لقد اعتبر ابن رشد في سياق أطروحة التوفيقية بين الحكمة (الفلسفة) والشريعة (الدين)، أن الشريعة حقا وداعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق، وأن النظر البرهاني المعتمد في الحكمة لا يؤدي إلى مخالفة الحق أي ما ورد به الشرع، وعليه فإن "الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له" وبذلك فلا وجود للتعارض بين الحكمة والشريعة.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة