فضاءات أم دينار

أم دينار

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
عزالدين الحريرى
مسجــل منــــذ: 2011-01-22
مجموع النقط: 54.37
إعلانات


كلمة الدكتور محمود بن سليمان الحريري

كلمة الدكتور محمود بن سليمان الحريري
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين وعلى آله الطاهرين وصحابته الأبرار الطيبين وبعد:
فقد طلب ابن العم المبارك د.بشير زين العابدين أن أشاركه في جهده الميمون، بوضع توطئة لبحثه في أنساب آل الحريري، وتلبية لرغبته أقول وبالله التوفيق:
صَدّر البخاري رحمه الله تعالى كتاب المناقب في صحيحه بقول الله تعالى: {ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم}،(1) وذلك إشارة منه إلى أن أعظم منقبة للمرء تقوى الله عز وجل، فالناس سواء كلهم لآدم وآدم من تراب، ففي مسند أحمد خطب رسول الله بمنى فقال: “ياأيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، خيركم عند الله اتقاكم”.
ولكن مع هذه الحقائق والمسلمات فإن للأنساب مكانة وأحكاما في الإسلام يجدر بالمسلم تعلمها ومعرفتها، كيف لا؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتعلمها، فقد أخرج الترمذي في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تعلموا في أنسابكم ما تصلون به أرحامكم …” الحديث.(2)
كما أن الإسلام بنى كثيرا من الأحكام المتوقفة على معرفة أنساب الناس، كأحكام الإمامة العظمى، وتوزيع الصدقات، والكفاءة في النكاح والمصاهرة، فتطبيق هذه الأحكام يستدعي معرفة الأنساب وتوثيقها، ولهذا كان للعلماء في عصور الازدهار مؤلفات في علم الأنساب كابن عبد البر وابن حزم وبقهم ابن شهاب الزهري (ت 124هـ)، وأبو اليقظان سحيم بن حفص الأخباري (ت190هـ)، وهشام بن محمد الكلبي (ت 204هـ)، وغيرهم كثير على مرّ العصور.
قال ابن عبد البر في مقدمة كتابه النسب: “لعمري لم ينصف من زعم أن علم النسب علم لا ينفع ، وجهل لا يضر”.(3)
وقد رد ابن حزم على هؤلاء الزاعمين بأن مِن علم النسب ما هو فرض على كل أحد، ومنه ما هو فرض كفاية، ومنه ما هو مستحب، فقال: “فمن ذلك أن يعلم أن محمدا رسول الله بن عبد الله الهاشمي، فمن زعم أنه لم يكن هاشميا فهو كافر، وأن يعلم أن الخليفة من قريش، وأن من يلقاه بنسب في رحم مرحومة ليجتنب تزويج من يحرم عليه منهم، وأن يعرف من يتصل به ممن يرثه أو يجب عليه بره من صلة أو نفقة أو معاونة، وأن يعرف أمهات المؤمنين أنهن حرام على المؤمنين، وأن يعرف الصحابة وأن حبهم مطلوب، وأن يعرف الأنصار ليحسن إليهم لثبوت الوصية بذلك، ولأن حبهم إيمان وبغضهم نفاق”.
وقال أيضاً: “ومن الفقهاء -كالحنفية- من يفرق في الجزية وفي الاسترقاق بين العرب والعجم، فحاجته إلى علم النسب أكثر”.
وقال: “وما فرض عمر رضي الله عنه الديوان إلا على القبائل، ولولا علم النسب ما تخلص له ذلك”.(4)
وقد كان من مفاخر ومناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان عالماً بالأنساب، ولما أراد حسان هجو المشركين، أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى أبي بكر ليعلمه بأنساب قريش ليخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من هجائه لهم ويستلّه من بينهم كما تستل الشعرة من العجين.(5)
والذي لا مراء فيه أن شرف النسب مزية إن اقترنت بالإيمان والتقوى، فلو تساوى رجلان في التقوى وسما أحدهما على الأخر نسبا قدّم صاحب النسب الشريف على قرينه على الرغم من أن النسب لا دخل للإنسان فيه وهو أمر غير مكتسب ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء. وهو تشريف و زيادة تكليف، قياساً على قول الله تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن}(6)
ولقد استقر في طباع البشر أن علو النسب وشرفه مطلوب مرغوب، والإسلام لا ينكره ، وإن قََدّم عليه غيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك”،(7) قال ابن حجر: “يؤخذ من هذا الحديث أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة، إلا إن تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين”.(8)
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن ادعاء النسب أمر عظيم خطير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرّم الجنة على من ادعى إلى غير أبيه كما في سنن أبي داود عن سعد بن أبي مالك قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي من محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم الدين”.(9)
وفي صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ليس من رجل ادعى لغير أبيه -وهو يعلمه- إلا كفر بالله ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار”.(10)
وفي الختام أقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه”.(11)
والله أسأل لأخي وابن أخي الدكتور بشير التوفيق والسداد، وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، نافعا لمن يطلع عليه، سبباً لصلة القربى في الدنيا، وذخرا لنا وله في الأخرى انه جواد كريم مجيب قريب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د. محمود بن حسين الحريري
(1) سورة الحجرات، الآية 13.
(2) تحفة الأحوذي ج6 ص96
(3) فتح الباري ج6 ص527
(4) فتح الباري ج6 ص527.
(5) انظر فتح الباري: ج6 ص554.
(6) سورة الأحزاب، آية: 32.
(7) متفق عليه.
(8) فتح الباري ج9 ص135.
(9) بذل المجهود ج20 ص56.
(10) فتح الباري ج6ص539.
(11) بذل المجهود ج15 ص 331.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة