فضاءات الكراوة

الكراوة

فضاء الإبداعات الأدبية والفنية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
عزالدين الكريوي
مسجــل منــــذ: 2010-10-26
مجموع النقط: 2.2
إعلانات


الشعر عند العرب


الشعر عند العرب
.. بقلم /عزالدين الكريوى
قيل لايزال المرء مستورا وفى مندوحة مالم يصنع شعرا او يؤلف كتابا لان شعره ترجمان علمه وتأليفه عنوان عقله.
وقال حسان بن ثابت:-
وان اصدق بيت انت قائله ……………… .بيتا يقال اذا انشدته صدقا
وانما الشعر لب المرء يعرضه …………… ..على المجالس ان كيسا وان حمقا
هذا هو منظور الشعر عند العرب لا يحبون فيه زيغا ولا تأويلا انما يرونه شعرا مرصوفا فيه من الحكمة والتعقل مافيه وفيه من الرزانة والدراية مافيه وفيه من قوة البنيان وجمال العرض مافيه.
لايحبون فيه جنوحا عن المألوف ولازيغا عما ارتضاه البشر..والشاعر نفسه لايستطيع لذاك ان يقول شعرا يغرى عليه السفلة من الناس او يجرى عليه السنة النقاذ التى ان لم تكن مهلكة فهى لاذعة اشد اللذع.
ولذلك نجدهم فى شعرهم لايميلون 3به عن الواقع =اقصد لا يذهبون به مذاهب الخيال= فهو(اى الشاعر) اما واصفا او مادحا او ذاما او متغزلا او متذكرا لاطلال وفى كل ذلك وغيره لايعارض العقل ولا التعقل .حتى فى المديح او الهجاء وهما اللونين من الشعر اللذين يجب ان يسبغ عليهما الشاعر شيئا من خياله..ففى المديح مثلا لايحبون ان يمتتدحوا ممدوحهم بظواهر الاشياء من زينة وبهرجا وحسن فى الهيئة او قوة فى السلطان وانما يمتدحونه بكل ما أرتضوه من جميل الخصال وحميد الفعال … كما قال الشاعر فى مدح بنى قطن:-
متى تهزز بنى قطن تجدهم ……… سيوفا على عواتقهم سيوف
جلوس فى مجالسهم رزان ……… وان ضيف الم فهم ضيوف
اذا نزلوا حسبتهم بدورا ……… وان ركبوا فانهم حتــوف
لم يمتدحهم بكثرة فى مالهم او لجمال فى وجوههم وان تعرض لشىء من ذلك اذ وصفهم بالبدور وانما مدحهم بالشجاعة فى البيت الاول وبالكرم فى الشطر الثانى من البيت الثانى وبالرزانة والتعقل فى الشطر الاول من البيت الثانى وهذه وتلك صفات من احسن ما تكون الصفات وسجايا من انبل ماتكون السجايا.
ولعل احسن شاهد على حب العرب للمديح الذى لم نجانب الحقيقة ان قلنا انه المديح العقلانى بل اصبنا سويدائها … لعل احسنه ماحدث مع عبدالملك بن مروان عندما امتدحه بن قيس الرقيات قائلا:-
ان الاغر الذى ابوه ابو العاصى ……… عليه الوقار والحجب
يعتدل التاج فوق مفــرقه ……… على جبين كانه الذهب
فوازن عبدالملك بين هذا وبين ماقاله الشاعر نفسه فى مدح مصعب بن الزبير عندما قال فيه:-
انما مصعب شهاب من الله ……… تجلت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك عزة ليس فيه ……… جبروت منه ولا كبرياء
فيقول له :- يابن قيس تمدحنى بالتاج وكانى من العجم !!وتمدح مصعبا بانه شهاب من الله … . ولقد اصاب عبد الملك عندما قال :-كانى من العجم !!فالعجم يعظمون البهرج والنعمة والتاج والذهب … ولكن العرب طرحوا كل هذه الاشياء ارضا ونظروا الى ماهو فوق ذلك من المكارم … فينقل لنا ابو جرير الطبرى ماقاله رستم قائد قوات الفرس فى القادسية قائلا:- قال رستم لحاشيته(ان العرب تستخف باللباس والماكل ويصونون الاحساب ليسوا مثلكم فى اللباس ولا يرون فيه ماترون)هذه كلمة صادقة قالها عدو للعرب والفضل ماشهدت به الاعداء كما يقولون.
وكذلك فى الهجاء فهم لايهجون لقلة فى المال او قبحا فى الوجوه او بليا فى الثياب وانما يهجون لضن بالمال او لخوف من الحتوف او لشئوم فى الاخلاق او لشراسة فى الطباع فقد قال عروة بن الورد يهجو احد الملوك:-
اما الملوك فانت اليوم الامهم ……… لؤما وابيضهم سربال طباخ
فقد هجاه ليس لانه لايعتدل التاج فوق راسه اولانه لايرتدى الذهب والحرير بل هجاه
للؤم فى اخلاقه وبخل بما لديه .ففى الشطر الثانى من البيت كناية عن البخل لان الطباخ لايشكو طبخ القدور لذا تجد ملابسه بيضاء نظيفة. وهذا شاعر اخر يهجو قوما اخرين فقال فيهم:-
بيض المطابخ لاتشكوا اماؤهم ……… طبخ القدور ولا غسل المناديل
هجاهم بالبخل ولم يهجوهم لانهم معسرين او لانهم قبيحى المنظر او لان ملابسهم رثة قمئة انما هجاهم لشئوم فى طبعهم وشراسة فى اخلاقهم.
هذا هو الشعر عند العرب لانرى فيه شخص الشاعر فقط وانما هو نافذة نطل من خلالها على عصر الشاعر باكمله فكل مايرتضيه الشاعر ويذكره فى اشعاره ومدائحه يرتضيه عصره ومن فى عصره وكل ماياباه الشاعر ويذكره فى هجائياته ينكره عصره ومن فى عصره.نرى فيه ملامح عصره من سؤ او جميل لانه نقل لنا وبامانة وصدق احداث عصره فى ابيات شعرية دونما بهرجة خيالية اصطنعها من ذاته اذ لو اسبغ عليها نوع من الخيال لاصبحت تمثله هو ولاتمثل عصره ولفقدت قيمتها التاريخية حينئذ .
ولعل هذه الناحية التاريخية هى التى يمتاز بها اشعار العرب عن اشعار الاريين الذين يسبغون عليها لونا من خيالهم ويسربلونها بسربال العواطف الذاتية للشاعر فيفقدها قيمتها التاريخية … ولذلك ولغيره انقسم نقاذ الشعر الاريين الى فريقين فريق عاطفى وفريق عقلانى يرى الاول ان العاطفة هى ملاك الشعر ويرى الاخر ان العقل والتعقل هما ينبوع الشعر وملاكه … اما نقاذ العرب فانقسموا الى فريقين هم ايضا فريق البلغاء وفريق الحكماء يزن الاول الشعر بميزان اللفظة والكلمة ويرى الثانى ان الحكمة هى جوهر الشعر وسويداؤه وهكذا ترى ان نقاذ العرب يعلون على نقاذ الاريين اذ لا اظنك تجهل قدر الحكيم عن العاقل فكل رجل عاقل وليس كل عاقل حكيم(ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا).
ولكن بعض من جهابذة الادب يعيبون على العرب قلة خيالهم ويطرون على الاريين لكثرة فى خيالهم وخصابة فيه … فهذا ابو القاسم الشابى يقول:- (الشاعر العربى اذا عن له مشهد جميل رسمه كما ابصره بعين راسه لا بعين خياله فاعطى منه صورة واضحة او غامضة على حسب نبوغه واستعداده ولباقته فى الرسم والتصوير دون ان يكشف عما اثاره ذلك المشهد فى نفسه من فكرة وعاطفة وخيال كانما هو الة حاكية ليس لها من النفس البشرية حظ ولا نصيب فهو كالمصور الفوتوغرافى لايهمه الا التقاط الصور والاشباح واظهارها كما هى دون ان يرسم معها صورة فى نفسه ولونا من شعوره).
ويقول الاستاذ عباس محمود العقاد:- (ان الاريين اقوام نشئوا فى اقطار طبيعتها هائلة وحيواناتها مخيفة ومناظرها ضخمة رهيبة فاتسع مجال الوهم لديهم وكبر فى اذهانهم جلال القوى الطبيعية ومن عادة الذعر ان يثير الخيالات فى الذهن ويجسم له الوهم فيصبح شديد التصور قوى التشخيص لما هو مجرد من التشخيص والاشباح … والساميون اقوام نشئوا فى بلاد ضاحية ليس حولهم مايخيفهم ويذعرهم فقويت حواسهم وضعف خيالهم ومن تم كان الاريون اقدر فى شعرهم وعلى وصف سرائر التفوس وكان الساميون اقدر على وصف ظواهر الاشياء ……… وذلك لان مرجع الاول الى الاحساس الباطن ومرجع هذا الى الحس الظاهر … السامى يشبه الانسان بالبدر ولكن الارى يزيد انه يمثل للبدر حياة كحياة الانسان ويروى عنه نوادر الحب والمغازلة والانتقام كانه بعض الاحياء وهذا لامراء اجمع لمعانى الشعر لانه من وشائج التعاطف ويولد بين الانسان ومظاهر الطبيعة ودا واستئناسا يخطئهما الشعر السامى).
ولكى نحاول ان ندحض هده المقولات سنسوق المثال التالى للمقارنة بين الشعرين
يقول ت.س.اليوت.حائز على جائزة نوبل فى قصيدته مخاطبة القطط:-
الان قد تعلمت مايكفى لتعرف
ان القطط اشبه سىء بك وبى
وبالاخرين الذين نراهــم
وقد سيطرت عليهم مختلف انماط الانفعال
بعضهم عقلاء وبعضهم موهوسون
بعضهم من اهل الخير وبعضهم من اهل الشر
وجميعهم يمكن وصفهم بالاشعار
اما الشاعر العربى فقد قال :-
قد صار هذا الناس الا اقلهم …………… ذئابا على اجسادهن ثياب
فالاول بخياله صور للقطط حياة كالتى نحياها نحن البشر واخذ يعدد اخطاء البشر على السنة القطط باسلوب رائع وجميل ولك عندما تقراها ان تصفق وعلى فمك ابتسامة وتقول:- ياللروعة استطاع ان يصور حياة الانسان فى المجتمع القططى ببراعة !!!!!ولكن تنتهى قيمة هذه المقطوعة لديك بانتهاء ابتسامتك … اما الثانى فقد تناول نفس الموضوع بشى من الايجاز فيه من البلاغة الشىء الكثير فقد لمح تلميح لحياة البشر بانهم ذئابا لكل ما للذئاب من شراسة فى الطباع وجفاوة فى الاخلاق وعليك انت ايها القارىء ان تقارن بين الذئب والبشر وليس الشاعر … فالشاعر يعطيك صورة وعليك استقراء تفاصيلها والبحث عما فيها من كنايات … ففى قول العربى براعة لا ينكرها الا جاحد وقيمة هذا البيت العربى تظل دائما عالقة فى ذهنك كانما هى مثل سائر او قبس من حكمة تتذكرها وتتمثل بها عندما ترى اناسا فى طباعهم كانهم الذئاب … وهكذا ترى ان صفة الخيال هذه اوجدتها بعض المدارس الادبية لتنال من قوة الشعر العربى وليس ادل على ذلك من ظهورها بعد تمازج الحضارات وتلاقحها.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة