فضاءات بشار

بشار

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1630.68
إعلانات


إجرام في حق الأئمة.. وصرخة في ضمير الأمة

إجرام في حق الأئمة.. وصرخة في ضمير الأمة

محمد بوالروايح

2023/04/29

لا يزال المحراب يحصي شهداءه، فمسلسل استهداف الأئمة لم يتوقف رغم الأحكام الردعية التي جاء بها قانون حماية الإمام. إن التقصير – في اعتقادي- ليس في القانون، بل في نقص حملات التحذير من الإجرام الأعمى الذي يستهدف الكل في زمن بلغت فيه “ثقافة “الاستهتار والاستهانة بالروح الإنسانية مستوى خطيرا وفي مجتمع غاب فيه العمل بمقولة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”. إن الجريمة التي لا يتصدى لها المجتمع عن بكرة أبيه ستلتهم الجميع من غير تمييز بين صغير وكبير وبين إمام ومأموم فهذا ديدن الجريمة وديدن المجرمين منذ فعلة قابيل إلى يوم الناس هذا.
إن التحليل الجنائي لجريمة اغتيال الإمام سعيد تامتري رحمه الله لا يخرج عن ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول أن يكون الاغتيال بدافع شخصي كيدي أو ثأري و ذا النوع يحدث في كل المجتمعات المتمدنة وغير المتمدنة والمتدينة وغير المتدينة. والاحتمال الثاني أن يكون القتل بدافع تحريضي من جهات، جاهرت بخروجها عن سلطان القانون وأعلنت عصيانها لقيم الأمة ودأبت على تبديع الأئمة وانتقلت من القول إلى الفعل وجندت لهذه المهمة القذرة مجرمين مرتزقة لا يقدرون الروح الإنسانية حق قدرها. والاحتمال الثالث أن يكون الجاني مختلا عقليا، ارتكب جريمته من غير وعي منه أو إدراك لبشاعة ما فعله ولا ما يترتب عليه من عقاب في الدنيا والآخرة.
لن أضع نفسي مكان القاضي الجنائي فهو المخول قانونا لدراسة هذه الاحتمالات وما يصاحبها من حالات وإليه يعود تكييف الجريمة وتقدير العقوبة المستحقة. إن حديثي عن جريمة قتل الإمام سعيد تامتري يصب في الانطباع العام الذي انعقد عليه الإجماع وهو أن هناك مؤامرة مستترة، تستهدف رواد المنبر ستنكشف خيوطها ويعرف فاعلوها ومن يتولون كبرها عاجلا أم آجلا فحبل الإجرام وإن طال إلى زوال، فلن تغلب شرذمة مجرمة أمةً إذا اجتمعت كلمتها واتحدت مواقفها. ليس سعيد تامتري أول المغدورين فقد طالت يد الإجرام أئمة قبله وهم في محراب الله يعظون ويؤمون الناس ففاجأهم البغاة على حين غرة ففعلوا فعلتهم وتركوهم يسبحون في دمائهم.
لقد التحق الإمام سعيد تامتري رحمه الله بقافلة شهداء المنبر وإن حياته ستكون أطول من حياة طاعنه، فقد جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يجيء المقتول متعلقا بقاتله يوم القيامة، آخذا رأسه بيده الأخرى فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ قال، فيقول: قتلته لتكون العزة لك، فيقو : إنها لي، قال: ويجيء آخر متعلقا بقاتله فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ قال: فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له فيبوء بإثمه، قال: فيهوي في النار سبعين خريفا”.
لقد ذهب بعض المحللين مذاهب متطرفة في تأويل هذه الحملة المستعرة ضد الأئمة، فزعم بعضهم أن الأئمة كبش فداء لسياسات وظفوا المنبر للدفاع عنها وتبييض يد أصحابها، وهذا افتراء لا أساس له من الصحة، فما رأينا إماما يتعاطى السياسة بهذا المفهوم المجرد إلا ما كان من قبيل الدفاع عن قيم الأمة وتوجهاتها مما يندرج في باب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية وليس في هذا ما يعاب أو يخالف أحكام القائم بالمنبر والمحراب. وذهب بعضهم في تأويل هذه الحرب المستعرة ضد الأئمة إلى تبني فكرة تخلي الدولة عن ضمان حصانة حقيقية للإمام، ولا أدري ما فحوى وحدود هذه الحصانة التي يتحدثون عنها؟ فهل المطلوب أن توفر الدولة للإمام من يحرسه من بين يديه ومن خلفه أناء الليل أناء النهار؟ وهل المطلوب من الدولة ان تستبدل المنابر الخشبية بمنابر مصفحة من أجل حماية الإمام؟ إن صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام الذي تكفل الله بعصمته “والله يعصمك من الناس” لم تكف عنه هذه العصمة أذى المشركين فكان يعترضه السفيه ويتصدى له الوضيع ومع ذلك لم يدع الله أن يقيض له ملائكة تحرسه. إنه لا يكتمل نبل الرسالة إلا مع شدة الابتلاء. “أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين” (العنكبوت 1).
إن الاعتداء على الأئمة هو مظهر من مظاهر الاعتداء على الأمة في قيمها وأخلاقها وعنصرها ودينها فلما كان الإمام هو لسان الأمة في حفظ هذه المكونات أضحى عنصرا مستهدفا من قبل أهل الضلالة وأعداء الاستقامة وأهل الإثارة أعداء الاستنارة. ولهذا الترابط الروحي بين وظيفة الأمة ووظيفة الأئمة أصبح الاثنان هدفا للمجرمين. إنني من الذين يؤمنون بهذا الثالوث المقدس: الاعتداء على الأئمة اعتداء على الأمة، والاعتداء على وكيل الجمهورية اعتداء على الجمهورية، والاعتداء على المواطن اعتداء على الوطن.
إن الإجرام الذي يستهدف السادة الأئمة هو جزء من الإجرام الذي يطال المجتمع بكل مكوناته، فيد الإجرام التي تغتال الإمام هي اليد نفسها التي تغتال المعلم والمحامي والقاضي والطبيب والمهندس والجندي والسياسي. إن المجرم لا يفرق بين حامل المصحف وحامل البندقية، ولا يفرق بين حامل الكتاب وصاحب المحراب، إنه ينظر إليهم على أنهم جميعا أعداؤه إن اختلفت صفاتهم ووظائفهم، فينبغي علينا – نحن مكونات المجتمع – أن ننظر إلى المجرم على أنه العدو المشترك الذي يتربص بنا جميعا.
إن الإجرام الذي يستهدف السادة الأئمة هو نتيجة -في أكثر أحواله- لبعض الأفكار المتطرفة والمناهج المغشوشة التي تصنف الأئمة صنفين: صنفا متبعا وصنفا مبتدعا، ومعيار الاتباع والابتداع هنا -على رأي بعض المشايخ- هو في مدى موافقتهم أو مخالفتهم لأنهم يزعمون أنهم ورثة العلم الشرعي وحماة الكتاب والسنة وأما غيرهم فكفرة وفجرة يجوز قتالهم، هذا هو فكرهم وإن لم يصرحوا به ففي التلميح في بعض الأحيان ما يغني عن التصريح.
إن الإجرام الذي يستهدف السادة الأئمة هو جزء من المؤامرة الماسونية التي تقوم على فكرة ازدراء الرموز الدينية وإسكاتها بكل وسيلة متاحة، من وصفها بالطوباوية والرجعية إلى عقابها بتكريس العزلة المجتمعية إلى التصفية الجسدية. لقد بدأت المؤامرة الماسونية ضد الرموز الدينية بحدة في الوقت الذي ضعف فيه سلطان الدولة العثمانية وأصبحت العلمانية قاب قوسين أو أدنى من ربح المعركة السياسية، وهذه المؤامرة الماسونية مستمرة وبآليات جديدة مبتكرة. فعلى النخبة الدينية أن تعي أبعاد هذه المؤامرة وأن توحد صفوفها وتستعد للمعركة المفروضة عليها هذا قدرها الذي ليس منه بد ولا منه مفر.
إن الإجرام الذي يستهدف السادة الأئمة هو مظهر من مظاهر التضحية في سبيل الله وفي سبيل الوطن، فليكن قدوتهم في ذلك الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله الذي لم تلن له قناة في محاربة البدع وكاد أن يدفع حياته ثمنا للعقيدة الصحيحة التي آمن بها والتي تصادم عقائد الطرقيين وعوائدهم ومن تبعهم وحلب في إنائهم.
أترحم في نهاية هذا المقال على فقيد المنبر الإمام سعيد تامتري ومن سبقه من أئمة ورجال هذه الأمة. أسأل الله أن يرفع ذكرهم ويجعل ما قدموه في ميزان حسناتهم وأن يصبر أهلهم ويخلفهم في مصابهم وأن ينتقم من قاتلهم إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا محمد وآله.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة