فضاءات شنهور

شنهور

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب سيد أحمد محمد
مسجــل منــــذ: 2011-02-13
مجموع النقط: 1388.59
إعلانات


طرفة بديعة

طرفة بديعة

روي عن أبى عبد الرحمن الهيثم بن عدي الطائي الكوفي الإخباري العلامة المؤرخ

( المتوفى سنة 207 هـ ) ، قال :

نزل رجل بامرأة من بني عامر ، فأكرمته وأحسنت قراه ،

فلما أراد الرحيل تمثل ببيت يهجوها فيه ، قال :

لعمرك ما تبلى سرابيل عامر * من اللؤم ما دامت عليها جلودها

فلما أنشده قالت لجاريتها قولي له ألم تحسن إليك وتفعل وتفعل ؟ هل رأيت تقصيرا ؟

قال : لا

قالت : فما حملك على البيت ؟

قال : جرى على لساني ،

فخرجت إليه جارية فصيحة بليغة ، فحدثته قليلا ، حتى أنس واطمأن ،

ثم قالت له : ممن أنت يا ابن عم ؟

قال : رجل من بني تميم ،

قالت : أتعرف الذي يقول :

تميم بطرق اللؤم أهدي من القطا * ولو سلكت سبل المكارم ضلت

أرى الليــل يجلوه النهار ولا أرى * خلال المخازي عن تميـم تجلت

ولو أن برغوثـا على ظهـر قملة * يكر على صـفي تميـــــم لولـت

ولو جمعت يوما تميم جموعهــا * على ذرة مربـــــوطة لاستقــلت

تميم كجحش السوء يرضع أمـه * ويتبعهـــا بالرغـم إن هي ولــت

ذبحنا فسمينــا على ما ذبحنـــــا * وما ذبحــت يوما تميــم فسمـت ؟

قال : لا ، والله ما أنا من تميم ،

قالت : ما أقبح الكذب بأهله ، فممن أنت؟

قال : رجل من بني ضبة ،

قالت : أفتعرف الذي يقول :

لقد زرقت عيناك يا ابن معكبر * كما كل ضبي من اللؤم أزرق ؟

قال : لا والله ، ما أنا من بني ضبة ،

قالت : فممن؟

قال : من بني عجل ،

قالت : أفتعرف القائل :

أرى الناس يعطون الجزيل وإنما * عطاء بني عجل ثلاث وأربع

إذا مــات عجــلي بأرض فإنمــــا * يخط له فيهـا ذراع وإصبــع ؟

قال : لا والله ، ما أنا من بني عجل ،

قالت : فممن؟

قال : من الأزد ،

قالت : أفتعرف القائل :

فما جزعــت أزديـــة من ختـانهــــــا * ولا أكلت لحم القنيص المعقب

ولا جاءها القناص بالصيد في الخبا * ولا شربت في جلد حوت معلب ؟

قال : لا والله ، ما أنا من الأزد ،

قالت : فممن؟

قال : من بني عبس ،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا عبسيــة ولدت غلاما * فبشرها بلؤم مستفــاد ؟

قال : لا والله ، ما أنا من بني عبس ،

قالت : فممن؟

قال : من بني فزازة ،

قالت : أفتعرف القائل :

لا تأمنن فزاريـا خلوت به * على قلوصك واكتبها بأسيــار ؟

قال : لا والله ، ما أنا من بني فزارة ،

قالت : فممن؟

قال : من بجيلة ،

قالت : أفتعرف القائل :

سألنا عن بجيـلة حين جاءت * لتخبر أين قـر بها القرار

فما تدري بجيـلة إذ سألنــــا * أقحطـــان أبوهـــا أم نزار

فقد وقعــت بجيـلة بيـن بيـن * وقد خلعت كما خلع العذار ؟

قال : لا والله ، ما أنا من بجيلة ،

قالت : فممن؟

قال : من بني نمير ،

قالت : أفتعرف القائل :

فغض الطرف إنك من نمير * فلا كعبا بلغـــت ولا كلابا

ولو وضعت فقاح بني نمير * على خبث الحديد إذن لذابا ؟

قال : لا والله ، ما أنا من بني نمير ،

قالت : فممن؟

قال : من بني باهلة ،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا نص الكرام إلى المعـالي * تنحى الباهلي عن الزحام

إذا ولـدت حليــــلة باهـــلي * غلاما زيد في عدد اللئــام

ولو كان الخليفـــــة باهليــا * لقصر عن مساماة الكرام

وعرض الباهلي وإن توقى * عليه مثل منديـل الطعــام ؟

قال : لا والله ، ما أنا من باهلة ،

قالت : فممن؟

قال : من ثقيف ،

قالت : أفتعرف القائل :

أضــل الناسبيـــن لنــا ثقيف * فما لهـم أب إلا الضــلال ؟

فإن نسبت أو انتسبت ثقيف * إلى أحد فذاك هو المحال

خنازير الحشـوش فقاتلوهم * فإن دمـــاءهم لكم حــلال ؟

قال : لا والله ، ما أنا من ثقيف ،

قالت : فممن؟

قال : من سليح ،

قالت : أفتعرف القائل :

فإن سليحا شتت الله شملها * ...............

قال : لا والله ، ما أنا من سليح ،

قالت : فممن؟

قال : من خزاعة ،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا فخـرت خزاعـة في ندى * وجدنا فخرها شرب الخمور

وباعـت كعبة الرحمن جهلا * بزق بئس مفتخـر الفجـــور ؟

قال : لا والله ، ما أنا من خزاعة ،

قالت : فممن؟

قال : من بني يشكر ،

قالت : أفتعرف القائل :

ويشكر لا تستطيع الوفا * ولو رامت الغدر لم تغدر

قبيلة عيشتها في الكرى * لئــام المناخر والعنصـر ؟

قال : لا والله ، ما أنا من يشكر ،

قالت : فممن؟

قال : من بني أمية ،

قالت : أفتعرف القائل :

وهـي من أميـــة بنياتهــا * فهان على الناس فقدانها

وكانت أميـــة فيما مضـى * جريــا على الله سلطانهــا

فلا آل حرب أطاعوا الإله * ولم يتــق الله مروانهـــــا ؟

قال : لا والله ، ما أنا من بني أمية ،

قالت : فممن؟

قال : من عنزة ،

قالت : أفتعرف القائل :

ما كنت أخشى وإن كان الزمان لنا * زمان ســوء بأن تغتـابني عنزه

فلســت من وائــل إن كنت ذا حــذر * ممن يضل كما قد ضلت الحرزه ؟

قال : لا والله ، ما أنا من عنزة ،

قالت : فممن؟

قال : من كندة ،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا ما افتخـر الكندي * ذو البهجة بالطره

فدع كندة للنســـــج * فأعلى فخرها غره ؟

قال : لا والله ، ما أنا كندة ،

قالت : فممن؟

قال : من بني أسد،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا أسديــــة بلغت ذراعـا * فزوجها ولا تأمن زناها

وإن أسدية خضبت يديها * ولما تزن أشرك والداها ؟

قال : لا والله ، ما أنا من بني أسد ،

قالت : فممن؟

قال : من همدان ،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا همـدان دارت يوم حرب * رحاها فوق هامات الرجال

رأيتهـــم يحثـــون المطايـــا * سراعا هاربيـــن من القتال ؟

قال : لا والله ، ما أنا من همدان ،

قالت : فممن؟

قال : من نهد ،

قالت : أفتعرف القائل :

نهد لئام إذا ما حل ضيفهــــم * سـود وجوههم كالزفت والقـار

والمستغيث بنهد عند كربتـه * كالمستجير من الرمضاء بالنار ؟

قال : لا والله ، ما أنا من نهد ،

قالت : فممن؟

قال : من قضاعة ،

قالت : أفتعرف القائل :

لا يفخرن قضاعي بأسرتـه * فليس من يمن محضا ولا مضر

مذبذبين فلا قحطان والدهم * ولا نزار فسيبهــم إلى سقـــــــر ؟

قال : لا والله ، ما أنا من قضاعة ،

قالت : فممن؟

قال : من بني شيبان ،

قالت : أفتعرف القائل :

شيبان رهط لهم عديـد * وكلهـم معـرق لئيــــــم

شربهم من فضول ماء * يفضل عن أسوة العميم ؟

قال : لا والله ، ما أنا من شيبان ،

قالت : فممن؟

قال : من تنوخ ،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا تنـــوخ قطعــــت منهـلا * في طلب الغارات والثار

أتت من بحري مرار العلا * وشهرة في الأهل والجار ؟

قال : لا والله ، ما أنا من تنوخ ،

قالت : فممن؟

قال : من ذهل ،

قالت : أفتعرف القائل :

إن ذهلا لا يسعد الله ذهلا * شر جيل يظل تحت السماء ؟

قال : لا والله ، ما أنا من ذهل ،

قالت : فممن؟

قال : من مزينة ،

قالت : أفتعرف القائل :

وهل مزينة إلا من قبيلة * لا يرتجى كرم فيها ولا دين ؟

قال : لا والله ، ما أنا من مزينة ،

قالت : فممن؟

قال : من النخع ،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا النخع اللئام عدوا جميعا * تدكدكت الجبـال من الزحــــام

وما يغنى إذا صدقت فتيــلا * ولا هي في الصميم من الكرام ؟

قال : لا والله ، ما أنا من النخع ،

قالت : فممن؟

قال : من طيّء ،

قالت : أفتعرف القائل :

وما طيء إلا نبيــط تجمعـت * فقالوا طيايا كلمة فاستمـرت

ولو أن عصفورا يمد جناحه * على دور طيّء كلها لاستظلت ؟

قال : لا والله ، ما أنا من طيّء ،

قالت : فممن؟

قال : من عكّ ،

قالت : أفتعرف القائل :

عكّ لئام كلهم أبك * ليس لهم من الملام فك ؟

قال : لا والله ، ما أنا من عكّ ،

قالت : فممن؟

قال : من لخم ،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا ما اجتبى قوم لفضل قديمهم * تباعد فخر الجود عن لخم أجمعا ؟

قال : لا والله ، ما أنا من لخم ،

قالت : فممن؟

قال : من جذام ،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا كأس المدام أدير يوما * لمكرمة تنحى عن جـــذام ؟

قال : لا والله ، ما أنا من جذام ،

قالت : فممن؟

قال : من كلب ،

قالت : أفتعرف القائل :

فلا تقربن كلبا ولا باب دارها * ولا يطمعن سار يرى ضوء نارها ؟

قال : لا والله ، ما أنا من كلب ،

قالت : فممن؟

قال : من بلقين ،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا ما سألت اللؤم أين محله * تصب عند بلقين له طرفـان ؟

قال : لا والله ، ما أنا من بلقين ،

قالت : فممن؟

قال : من بني الحارث بن كعب ،

قالت : أفتعرف القائل :

حار بن كعب ألا أحــــلام تحجزكــــــم * عنا وأنتم من الجوف الجماخير

لا عيب في القوم من طول ومن عظم * جسم البغـال وأحلام العصافيـر ؟

قال : لا والله ، ما أنا من بني الحارث بن كعب ،

قالت : فممن؟

قال : من بني سليم ،

قالت : أفتعرف القائل :

إذا ما سليم جئتهــا في ملمة * رجعت كما قد جئت خزيان نادما ؟

قال : لا والله ، ما أنا من سليم ،

قالت : فممن؟

قال : من فارس ،

قالت : أفتعرف القائل :

ألا قل لمعتر وطالـــب حاجــة * يريد بنجح نفعهـا وقضاهــا

فلا تقرب الفرس اللئام فإنهم * يردون مولاهم بخبث دراها ؟

قال : لا والله ، ما أنا من فارس ،

قالت : فممن؟

قال : من الموالى ،

قالت : أفتعرف القائل :

ألا من أراد اللؤم والفحش والخنا * فعند الموالى الجيـد والكتفـان ؟

قال : لا والله ، ما أنا من الموالى ،

قالت : فممن؟

قال : رجل من ولد حام ،

قالت : أفتعرف القائل :

ولا تنكحــوا أولاد حـام فإنهم * مشاويـه خلق الله حاشـا ابن أكوع ؟

قال : لا والله ، ما أنا من حام ،

قالت : فممن؟

قال : رجل من الشيطان الرجيم ،

قالت : فعليك لعنة الله وعلى الشيطان الرجيم ،، أفتعرف الذي يقول :

ألا يا عباد الله هذا عدوكم * وذا ابن عدو الله إبليس خاسئا

قال : الله الله ، أقيليني العثرة ، فوالله ما ابتليت بمثلك قط .

قلت :

و إنها لطرفة بليغة ـــ مع ما يعتريها من طول وشبهة الوضع والصنعة والتكلف ـــ إذ تجلّت فيها بدائع الاستشهاد بديهة وارتجالا ، وهى تطوف بنا على كثير من قبائل العرب وبيوتاتهم ، وقد جمعت بين كثير من الألوان من ثراء معرفي بالأنساب وأسماء قبائل العرب ،، فضلا عن الهجاء

وكأننا بهذه الجارية العربية الشاعرة الفصيحة البليغة قد ضيقت الخناق على هذا الشقي ، شيئا فشيئا ، حتى ألجأته إلى أن يخرج من كريم آدميته ، وينتسب إلى الشيطان الرجيم .


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة