فضاءات شنهور

شنهور

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب سيد أحمد محمد
مسجــل منــــذ: 2011-02-13
مجموع النقط: 1388.59
إعلانات


لحظة تأمل

كانا يتمشيان على النيل والشمس تغيب في الأفق والنسيم يداعب أغصان الشجر ..

قال وهو يمسك يدها في حب : أتعرفين ماذا تحت قدميك الآن ؟

قالت : ماذا تعني ؟!

أتعرفين على ماذا تقفين .. ؟

نظرت إليه تنتظر أن يكمل !

قال : هل تصدقين أن تحت قدميك عصراً رومانياً .. وعصراً فاطمياً .. وعصراً تركياً .. وعصراً فرعونياً وعصراً حجرياً ,

أكاد أسمع صهيل الخيل ، وجلجلة السلاح ,

أكاد أرى الناس تختصم وتتصارع وتتزوج وتتاجر ,

أكاد أرى نظرات الغرور ما تلبث أن تأكلها الديدان ,

أكاد أرى الدموع تلمع على خدود آلت ترابا ...

أين ذهب الغضب ؟؟ .. أين ذهب الجنون ؟؟ .. أين رقد اليأس ؟

أين نامت الفتن ؟ .. أين ذهب الحقد والحسد الذي كان في الصدور !!

قالت له وهي ساهمة تنظر إلى التراب تحت قدميها : ترى هل يبقى شيء من حبنا ؟ أم أننا ماضون نحن أيضاً إلى لا شيء .. ؟

قال ضاحكاً : في عصر السرعة الذي نعيشه يكاد يكون الحب فستاناً تتعلقُ به الفتاة لمدى لبسة واحدة .. ثم بعد ذلك تتغير الموضة

قالت : هل هذا رأيك ؟

قال : هذا حال أكثرُ الناس

قالت : وهل نحن من أكثر الناس ؟

قال : كلُّ الذين تحت قدمكِ قد أقسموا - وهم يبكون - أن ما بينهما كان شيئاً خاصاً نادراً ليس له مثيل ...

قالت : ألم يصدق بعضهم ؟

قال : نعم ، أقل القليل .. الذين استودعوا عند الله شيئاً .. فالله وحده هو الذي يحفظ الودائع ....

وأردف وهو ينظر إلى السماء : الذين أحبوا بعضهم فيه .. و نظروا إلى بعضهم في مرآته .. الذين أفشوه أسرارهم .. وأسلموه اختيارهم .. فأصبح هو مرادهم .. هؤلاء أهله .. الذين هم إليه وليسوا للتراب ...

قالت وهي تنظر في عينيه : وأين نحن من هؤلاء ؟

قال وهو ما زال ينظر إلى السماء : الكل يدّعي أنه من هؤلاء .. لكن الزمن هو وحده الذي يكشف صدق الدعوى ! .. ولهذا خلق الله الدنيا ، ليتميز أهل الدعاوى من أهل الحق...

قالت : ألا ترى نفسك مخلصاً ؟

قال : لست من الغرور بحيث أسبق الزمن إلى الحكم فما أكثر ما يُخدع الإنسان في نفسه .. وما أكثر ما يستدرج إلى ثقة في النفس مبالغ فيها ، ثم أردف : الإخلاص ، هو أخفى الخفايا .. وهو سر لا يكاد يطلع عليه إلا الله !

قالت ويدها ترتجف في يده : إني خائفة

قال : وأنا أعيش هذا الخوف الجميل .. خوف يدعونا يدفعنا إلى إحسان العمل .. خوف لا يوجد إلا عند الأتقياء .. لأنه خوف يحمي صاحبه من الغرور ... ألم يقل أبو بكر الصديق : ما زلتُ أبيت على الخوف وأصحو على الخوف ، حتى لو رأيت إحدى قدمي تدخل الجنة فإني أظل خائفاً حتى أرى الثانية تدخل .. فلا يأمن مكر الله إلا القوم الضالون

قالت : ولماذا يمكر الله بنا ؟

قال : مكر الله ليس كمكرنا ..فنحن نمكر لنخفي الحقيقة .. أما الله فيمكر ليظهرها .. وهو يمكر بالمدعي ، حتى يُظهره على حقيقة نفسه ، فهو خير الماكرين

قالت : ألا توجد راحة ؟

قال : ليس دون المنتهى راحة

قالت : ومتى نبلغ المنتهى ؟

قال : عنده " وأنّ إلى ربكَ المنتهى"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. مصطفى محمود

من كتاب / علـم نفـس قـرآنــي جــديد


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة