فضاءات شنهور

شنهور

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب سيد أحمد محمد
مسجــل منــــذ: 2011-02-13
مجموع النقط: 1381.44
إعلانات


من نثر شوقي

الكثيرون يعرفون أحمد شوقي شاعراً ولا يعرفونه ناثراً.

وهذه إحدى منثوراته في الرد على الملاحدة :

الحقيقة الواحدة - لأمير الشعراء أحمد شوقي

يا متابع الملاحدة ، مشايع العصبة الجاحدة ، منكر الحقيقة الواحدة : ما للأعمى والمرآة ، وما للمُقْعَد والمرقاة [1] ، وما لك والبحث عن الله ؟

قم إلى السماء تَقَصَّ النظر [2] ، وقُصَّ الأثر [3] ، واجمعِ الْخُبْر والْخَبَر [4] . كيف ترى ائتلاف الفلك ، واختلاف النور والحلك [5] ، وهذا الهواء المشترك ؛ وكيف ترى الطير تحسبُه تُرِكَ ، وهو في شَرَك [6] ، استهدف فما نجا حتى هلك [7] ؛ تعالى الله دَلَّ المُلْك على المَلِك !

وقِفْ بالأرض سلها : من زم السحاب وأجراها [8] ، ورحل الرياح وعرَّاها [9] ، ومن أقعد الجبال وأنهض ذُرَاها [10] ، ومن الذي يحلّ حُباها [11] ، فتخر له في غد جباها ؟ أليس الذي بدأها غَبَرَات [12] ، ثم جمعها صَخرات ، ثم فرَّقها مشمخرات [13] ؟

ثم سل النمل من أدقَّها خَلقًا [14] ، وملأها خُلقًا [15] ، وسلكها طرقًا [16] ، تبتغي رزقًا ؟

وسلِ النحل من ألبسها الحِبَر [17] ، وقلَّدها الإبر [18] ، وأطعمها صفوَ الزهر ، وسخَّرها طاهية للبشر [19] ؟

لقد نبذتَ الذلولَ المسعفةَ [20] ، وأخذت في معامي الفلسفة [21] ، على عشواء من الضلال مسعفة [22] . أَوْ لا فخبِّرْني : الطبيعة من طبَّعها [23] ، والنظم المتقادمة من وضعها ، والحياة الصانعة من صنعها ، والحركة الدافعة من الذي دفعها [24] ؟

عرفنا كما عرفت المادة ، ولكن هُدِينَا وضللتَ الجادة [25] ، وقلنا مثلك بالهيولى [26] ولكن لم نجحد اليد الطولى [27] ، ولا أنكرنا الحقيقة الأولى [28] .

أتينا العناصرَ مِن عُنْصُرها [29] ، ورددنا الجواهر إلى جوهرها [30] ، اطَّرَحْنا فاسترحنا [31] ، وسلَّمْنا فسَلِمْنَا ، وآمَنَّا فأَمِنَا ؛ وما الفرق بيننا وبينك إلا أنك قد عجزت فقلت : سر من الأسرار . وعجزنا نحن فقلنا : الله وراء كل ستار !

_________

(1) المُقْعَد : الذي يشكو القعاد ، وهو داء يُقعِد المصاب به عن المشي ، والمرقاة : السُّلَّم .

(2) أرسله إلى أقصاه .

(3) قص الأثر : اقتفاه .

(4) الخُبْر : الاختبار بالمشاهدة ، والخَبَر : الرواية بالسماع .

(5) الحلك : الظلام .

(6) تظنه حرًّا طليقًا ، وهو أينما حل في متناول قبضة الصياد .

(7) استهدف : أصبح غرض السهام والمراد أنه لا يكاد ينجو من سهم مصوب إليه حتى يدركه الموت من سهم آخر .

(8) زم الناقة : خطمها .

(9) رحل البعير : شد على ظهره الرحل تمهيدًا للمسير ، عراها : جردها مما فيها من أمطار .

(10) أقعد الجبال : ثبت قواعدها في الأرض ، وأنهض ذراها : أي رفع عاليها شامخة في السماء .

(11) يحل حُباها : أي يفكها من حبوتها ، ويُنْهضها من ربضتها .

(12) غبرات جمع غبرة ( بتسكين الباء ) ، وهي ذرة الغبار .

(13) فرقها في الأرض ، ومشمخرات أي باذخات .

(14) أدقها : صيَّرها دقيقة .

(15) خلق النمل : تلك النظم المتسقة التي يوحي لها بها الإلهام .

(16) سلكها طرقًا : جعل لها طرقًا تسلكها .

(17) الحبر : جمع حبرة كعنبة ، وهي برود يمنية ملونة ، وقد شبَّه بها المؤلف تلك الألوان الزاهية التي يتخايل بها النحل تحت أشعة الشمس .

(18) قلَّده السيف : وضع حمالته في عنقه .

(19) طاهية : طابخة ، تطبخ للناس في بطونها عسلاً .

(20) الذلول من الدواب : ما كانت سهلة القيادة ، والمراد بها هنا الشريعة السمحة ، والمسعفة : التي تسعف أبناءها باليقين والإيمان .

(21) المعامي : المجاهل .

(22) العشواء : العمياء ، وأعسف : خبط في السير .

(23) طبعها : خلقها ، وهنا يبدأ المؤلف في تعجيز الملحدين .

(24) النظم المتقادمة ، والحياة الصانعة ، والقوة الدافعة : كل هذه قوًى يظن الملحدون - كفرًا - أنها هي الأصل في الكائنات .

(25) الجادة : الطريق القويم .

(26) الهيولى : مادة ، وشبه الأوائل طينة العلم بها .

(27) اليد الطولى : يد الله التي أبدعت هذه الطينة ونفخت فيها الروح .

(28) الحقيقة الأولى : وجود الله .

(29) العناصر جمع عنصر وهو أولاً بمعنى المادة البسيطة ، وثانيًا بمعنى الأصل ، وأتيناها أي بحثنا فيها .

(30) الجواهر : جمع جوهر : وهو الحجر يستخرج منه شيء ينتفع به ، والجوهر ثانيًا بمعنى الأصل والجِبِلَّة .

(31) اطرح الحمل : ألقاه عن عاتقه والمقصود من هذه الجملة وما بعدها : آمنا بالله وتركنا ما دون هذا من التفكير العقيم الذي لا نهاية له ، والبحث الضالّ الذي لا يُؤمَن فيه العثار


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة