فضاءات السهول

السهول

فضاء الموروث الثقافي الشعبي

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـجماعة
asami
مسجــل منــــذ: 2011-04-04
مجموع النقط: 68.52
إعلانات


موسم الطوايط بأولاد بورزين

موسم الطوايط - بأولاد بورزين بجماعة السهول (ضواحي مدينة سلا)

موسم بطقوس غريبة تمتزج فيها الحرب بالسلام والعداوة والحقد بالعناق والدموع... هجوم ونهب ومطاردات وإطلاق نيران وقتلى من الجانبين، يتم تسليم جثثهم قبل أن تنقشع سحب البارود، ثم هدنة ومفاوضات شاقة تنتهي بالالتقاء وسط ساحة الحرب والركوع في مشهد مثير من بين مشاهد عدة يختزلها موسم متميز اسمه موسم «الطوايط» الذي احتضنته هذه السنة فخذة أولاد بورزين بقبيلة السهول قرب مدينة سلا.
حرب بين قبيلتين
منذ الساعات المبكرة لصباح الجمعة الماضي، شرعت قبيلة جناتن الأمازيغية في ترميم صفوفها بعد أن قضت ليلتها في العراء بانتظار يوم مشهود يحج إليه الآلاف من الزوار، قبل أن يتجمع أفرادها شيوخا وأطفالا ونساء في صف طويل لمواجهة «العدو» المتمثل في قبيلةالسهول(( أولاد بورزين ))العربية التي تنتمي إلى منطقة السهول، 32 كلم شرق الرباط، وسط ترديد أهازيج حماسية وزغاريد وكأن الأمر يتعلق فعلا بأجواء مصاحبة لمعركة من عصر مضى.
بعد لحظات تشن قبلية جناتن عملية هجوم بواسطة عبيدات الرمى والخيالة ليستولوا، وسط إطلاق أعيرة البارود، على بعض منقولات وماشية أفراد قبيلة أولاد بورزين.
بعد ذلك يرد عبيدات الرمى من قبيلة أولاد بورزين مؤازرين بأفراد الخيالة على هذا الهجوم، لتبدأ «حرب» يحاول فيها الطرفان إلحاق الهزيمة بكل من يحاول تجاوز الخط الفاصل بين القبيلتين، وسط زغاريد نساء والهتاف في كل مرة يقع فيها فرد «صريعا» على الأرض أو أسيرا في مشاهد تمثيلية تضفي عليها العفوية طابعا من الصدق، قبل أن يتدخل كبار السن والأعيان من أجل الصلح، وتبدأ المفاوضات بين القبيلتين على الأرض والغنائم والأسرى، وحين يتفقون يبلغون هذا الخبر إلى الحضور بواسطة مقدمي الخيالة التابعين إلى كلا القبيلتين، تم تبدأ عملية زحف كل قبيلة نحو الأخرى، ويبدأ الأفراد في البكاء والنواح والمبايعة والركوع، قبل أن يبحث كل فرد من القبيلة عن «طاطته» ليأخذه إلى بيته ويكرمه لمدة 5 أيام، وتنتهي بذلك الطقوس المعلنة عن بداية موسم «الطوايط».
لكل طاطته «الطاطا» كلمة يرجعها أفراد القبيلة إلى أصول أمازيغية، وتعني دلالات مختلفة منها الشريف أو صاحب العهد، ولكل فرد من القبيلة «طاطاواته» الذين يحضون بعناية خاصة عند استضافتهم، حيث يتم نحر الذبائح على شرفهم، وأحيانا يتم اللجوء إلى تقسيم ليالي مبيتهم في الخيام التي تنصب لهم لتفادي الصراع حول أحقية استضافتهم بين أفراد الأسرة، كما أن الطوايط يتوارثون شأنهم في ذلك شأن الأرض والأموال، حيث يقرر الأبناء بعد وفاة والدهم في أمر ترك طاطاواتهم على الشياع أو تقسيمهم في ما بينهم بالتساوي.
ويقوم «الطاطا» بدور مهم في رأب الخلافات التي تنشب بين أفراد الأسرة حول بعض الأمور المتعلقة بالأرض أو الإرث، حيث تكون ل»الطاطا» كلمة حاسمة لها طابع النفاذ المعجل وغرامة عن التأخير تكون في الغالب خروفا يتم ذبحه تتويجا لحفل الصلح..
والمثير أن أفراد القبيلة المستضيفة يحرصون على الاحتفاء بطاطاواتهم والمبالغة في إكرامهم رغم ظروفهم المعيشية المتواضعة، لأنهم يرون في ذلك أمانة تركها الأجداد وحلفا يتباهون به، مما يثير غيرة باقي القبائل المحيطة بقبيلة أولاد بورزين التي تمتلك مناصفة مع قبيلة جناتن الحق الحصري لموسم «الطوايط».
موسم أزلي ليس هناك تاريخ محدد يربط التحالف المقدس بين القبليتين بحقبة تاريخية معينة، رغم أن وثيقة العهد بينهما مازالت موجودة إلى الآن في عهدة أحد الشيوخ الذي يحافظ عليها مثل كنز ثمين، بعد أن تضررت كثيرا وتآكلت بعض جوانبها بفعل تأثير الزمن، إلا أنها لا تحمل أي تاريخ قد يسعف في ربط «الطوايط» بفترة معينة من تاريخ المغرب.
بعض أفراد القبيلة يرون أن تاريخ «الطوايط» يمتد إلى أكثر من 7 قرون أو يربطونه بالفتح الإسلامي، في حين ينفي البعض الآخر علمهم بالعصر الذي انتهى فيه القتال بين القبيلتين بعهد الصلح، ويؤكدون أنهم ولدوا ووجدوا آباءهم وأجدادهم أوفياء لهذا التحالف الذي تضخ فيه دماء جديدة كل سنة من خلال موسم «الطوايط» الذي تتناوب على تنظيمه القبيلتان بشكل سنوي، أما الحاج أحمد (75 سنة) فيؤكد بلغة اليقين أن «الطوايط تعود إلى أيام السيبة وضعف الدولة المركزية»، وما تميزت به تلك الفترة من حروب بين القبائل حول المرعى والمياه، وأن «القبيلتين خاضتا حروبا طويلة سالت فيها الكثير من الدماء، قبل أن يتدخل الحكماء من الجانبين لوضع حد للعداوة وترسيخ قرابة أبدية بين أفراد القبيلتين بطريقة ذكية جعلت من الأعداء إخوة أبد الدهر، من خلال جمع حليب الأمهات المرضعات ومزجه وتقديمه لصغار القبيلتين، ليوحدهم رباط الأخوة بالرضاعة، ويصبح دمهم محرما على بعضهم، وهو التحريم الذي يطال أيضا المصاهرة.
الحفرة السحرية عند زاوية «المحرك» الذي يحتضن التبوريدة، توجد الحفرة التي تحظى بقدسية خاصة لدى القبيلتين، تزيدها الحكايات والأساطير التي نسجت حولها هالة من الرهبة والاحترام، حيث يحكي محمد، وهو يتقاسم كأس «شايه» مع نحلة عنيدة، كيف أن لصا تجرأ على سرقة بيت أثناء الموسم ليتجمد في مكانه، وآخر ظل تائها طوال الليل في القبيلة إلى أن عثر عليه وبحوزته كل المسروقات.
والحفرة عبارة عن رقعة مليئة بالتراب قطرها حوالي متر، تحيط بها حجارة ملساء، وكانت في الماضي مخصصة لاحتضان الأشياء الضائعة من رواد الموسم، سواء كانت نقودا أو أغراض أخرى، حيث يلجأ إلى الحفرة كل من فقد شيئا ليجده فيها بعد أن يكون أحد الأفراد قد عثر عليه، وهو ما جعل الحفرة تحظى باحترام خاص باعتبارها رمزا للأمانة، قبل أن تتحول حاليا إلى مكان للتبرك وتقديم الأموال وإضاءة الشموع طمعا في أمنيات عز الوصول إليها، مثل حليمة التي انحنت على ركبتيها ومسحت جبينها بتراب الحفرة وهي تمتم، ليتكرر نفس الشيء مع أطفالها الأربعة، قبل أن يسألها أحدهم «مي واش هيا هادي الحفرة»، في الوقت الذي كانت فيه ثلاث فتيات مبالغات في وضع المساحيق وتصفيف شعرهن تشعلن شموعهن ويضعنها بجانب الحفرة عسى أن ينير ضوؤها العتمة التي جعلت العرسان يتيهون عن أبوابهن.
رد على النعرات الطائفية رجاء التي قدمت إلى الموسم على متن سيارة تحمل لوحة ترقيم فرنسية، اعتبرت أن مجيئها ومعايشتها لهذه الطقوس هي فرصة لغسل الروح من الصدأ الذي راكمته الحياة الميكانيكية الرتيبة التي تفرضها المدنية، كما أضافت: «المشاعر العفوية لسكان القبيلة في استقبال ضيوفهم تكريسا لعهد قديم عمره مئات السنين، يكشف أن سكان المدن لا يعانون من تلوث الهواء بفعل دخان المصانع فقط، بل إن أفكارهم وأحاسيسهم أيضا أصبحت ملوثة... هنا اكتشفت حقا أن الإنسان يموت بداخلنا حين ننفصل عن الطبيعة».
سكان القبائل المجاورة جاءو لحضور هذا الموسم الذي يحرص أصحابه على عدم تدخل المخزن في التنظيم الذي تتكفل به فرق عبيدات الرمى، مادام يتميز عن غيره من المواسم بالهدوء والأمان، فالمئات ينامون في العراء رفقة أغراضهم دون أن يسجل أي حادث، كما يقول لعربي: «السرقة وغيرها من التصرفات غير الأخلاقية غير موجودة في هذا الاحتفال، وبالتالي فالمخزن لا مكان له هنا... نحن نأسف هذه السنة لأن السلطة أفسدت علينا أجواء الاحتفال بعد تأخر العسكري المكلف بتوزيع البارود، الأمر الذي أثر كثيرا على الطقوس المعلنة عن بداية موسم «الطوايط».
أحد أبناء قبيلة السهول المثقفين الذي نصب بدوره خيمة لاستقبال ضيوفه وانغمس بتلقائية في طقوس الاحتفال، اعتبر، في تصريح »لنا»، أن موسم «الطوايط» يشكل تراثا ثقافيا مميزا ينبغي الحفاظ عليه»، وأضاف: «شيء رائع أن تلامس عفوية هؤلاء الناس البسطاء عن قرب، وتشعر بصدق أحاسيسهم تجاه قبيلة أخرى يختلفون عنها في اللغة والعادات ويتوحدون معها في الوفاء والإخلاص... أعتقد أن هذا الانصهار بين العرب والأمازيغ من خلال موسم «الطوايط» الذي يحيي عهدا قديما، هو رد كاف على النعرات الطائفية التي يحاول البعض اللعب عليها».


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة