فضاءات كفر حافظ

كفر حافظ

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الكاتب الإسلامي عمر سعيدة
مسجــل منــــذ: 2011-11-14
مجموع النقط: 2.4
إعلانات


خطبة جمعة


منهج الإسلام في إقامة دولة العدل
الحمد لله نحمده ونشكره ونستعينه ونستهديه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له . يقول الله تعالى في كتابه العزيز : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [النساء: 135] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , حرم الظلم على نفسه , وجعله بين الناس محرماً , فقال في حديثه القدسي : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما , فلا تظالموا " . وأشهد أن سيدنا ونبينا وأستاذنا وقائدنا ومعلمنا محمداً رسول الله , يقول في حديثه الشريف : « لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ » [رواه مسلم] . صلوات الله وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله , لقد بلغت الرسالة وأديت الأمانة , وكشف الغمة , ومحوت الظلمة .
ورَسَمتَ بَعدَكَ لِلعِبادِ حُكومَةً **لا سوقَةٌ فيها وَلا أُمَراءُ
اللَهُ فَوقَ الخَلقِ فيها وَحدَهُ ** وَالناسُ تَحتَ لِوائِها أَكفاءُ
وَالدينُ يُسرٌ وَالخِلافَةُ بَيعَةٌ ** وَالأَمرُ شورى وَالحُقوقُ قَضاءُ
الإِشتِراكِيّونَ أَنتَ إِمامُهُم ** لَولا دَعاوى القَومِ وَالغُلَواءُ
أَنصَفَت أَهلَ الفَقرِ مِن أَهلِ الغِنى ** فَالكُلُّ في حَقِّ الحَياةِ سَواءُ
فَلَوَ اَنَّ إِنساناً تَخَيَّرَ مِلَّةً ** ما اِختارَ إِلّا دينَكَ الفُقَراءُ
ورضي الله تبارك وتعالى عن صحابة رسول الله الطيبين الأبرار , الذين كانوا رهباناً بالليل فرساناً بالنهار .
أما بعد , فيا أيها الإخوة المسلمون :
لقد ربى الإسلام أبناءه على إقامة العدل في كل أمر من أمور الحياة , ووضع لذلك منهجاً فريداً نتحدث عن بعض جوانبه التي تتمثل في :
( أولاً ) عدل الإنسان مع نفسه التي بين جنبيه , ومع بدنه الذي به قوام حياته :
حيث قال تعالي : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [النساء:29] . وحيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مَا مَلَأَ آدَمَيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بطنٍ حَسْبُكَ يَا ابْنَ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَكَ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فثلثٌ طَعَامٌ وَثُلُثٌ شراب وثلث نفس " [الصحيحة للألباني 2265] .
( ثانياً ) عدله في بيته مع زوجته أو زوجاته ومع أولاده :
حيث يقول عز من قائل : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } [النساء: 3] . وحيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : الرجل في بيته راع , وهو مسئول عن رعيته . ومن مواقف العدل بين الأولاد ما رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أمه طلبت طلبت من أبيه أن يخصه بعطية أو هبة , وأشارت عليه فقالت : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَهَبْتَ لِابْنِي، يقول النعمان بن بشير : فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بَشِيرُ ‍ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ : « أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ » قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» .
( ثالثا) العدل في التقاضي وفض الخصومات :
1 - المساواة في التقاضي بين الحاكم والمحكوم :
وفي ذلك يقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْ} [المائدة: 8] وفي حديث أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة ... " رواه البخاري ومسلم .
ومن أروع صور العدل ما حدث من شريح القاضي حين تحاكم إليه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ورجل ذمي , فحكم شريح للذمي على أمير المؤمنين ,فقد أخرج البيهقي بسنده عن الشعبي , قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إلى السوق ، فإذا هو بنصراني يبيع درعًا قال : فعرف علي رضي الله عنه الدرع ، فقال: هذه درعي ، بيني وبينك قاضي المسلمين ، قال: فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس القضاء وأجلس عليًا رضي الله عنه في مجلسه ، وجلس شريح قدامه إلى جنب النصراني ؛ فقال له علي رضي الله عنه: يا شريح لو كان خصمي مسلمًا لقعدت معه مجلس الخصم ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تصافحوهم، ولا تبدؤهم بالسلام ولا تعودوا مرضاهم ، ولا تصلوا عليهم، وألجئوهم إلى مضايق الطرق ، وصغروهم كما صغرهم الله "، اقض بيني وبينه يا شريح . فقال شريح : ما تقول يا أمير المؤمنين ؟ قال : فقال علي رضي الله عنه : هذه درعي ذهبت مني منذ زمان قال : فقال شريح : ما تقول يا نصراني ؟ قال : فقال : ما أكذب أمير المؤمنين ؛ الدرع هي درعي ، فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده فهل من بينة ؟ فقال علي رضي الله عنه : صدق شريح. قال : فقال النصراني : أما أنا أشهد أن هذه أحكام الأنبياء ، أمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه ، وقاضيه يقضي عليه ، هي والله يا أمير المؤمينن درعك. اتبعتك من الجيش وقد زلت عن جملك الأورق ؛ فأخذتها ، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله . قال : فقال علي رضي الله عنه : أما إذا أسلمت فهي لك ، وحمله على فرس عتيق، قال فقال الشعبي : لقد رأيته يقاتل المشركين . وهذا يبين لنا كيف كان قضاة المسلمين يصدرون أحكامهم العادلة فيما يعرض عليهم من قضايا في حرية تامة ، لا تأخذهم في إقامة العدل لومة لائم ، الأمير والحقير ، والقوي والضعيف كل أمام القضاء سواء ؛ لذا حكم شريح على أمير المؤمنين رضي الله عنه للنصراني بما رآه حقًا ، وأمير المؤمنين رضي الله عنه يرضي بالحكم ويصدق شريحًا على صحة ما قضى به ؛ لأنه حكم بمقتضى قواعد الشرع ، فكان ذلك كله سببًا في إسلام النصراني واهتدائه ، لما رأى من قيام هذه الأمة في رعاياها وأهل ذمتها بالعدل والقسط الذي هو من أحكام الأنبياء والمرسلين .
2 - العدل مع غير المسلمين :
ومن أروع ما يروى في ذلك قصة ماحدث من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاءه رجل من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قائلًاً : "يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم ، قال: عذت معاذًا قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين؛ فكتب عمر إلى عمرو -رضي الله عنهما- يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب؛ فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين، قال أنس -راوي القصة: فضرب، فوالله؛ لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد اشتفيت منه. فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا. قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتنس , فانظر إلى هذه الصورة ، رجل من عامة الناس وفي رواية أنه ذمي من أقباط مصر، يتظلم فيعطى حقه ويقاد من ابن الأمير يجاء به وبأبيه ليعطي الرجل حقه وينصف . ثم انظر إلى الحاضرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كيف أحبوا ذلك وأبدوه؛ "فوالله؛ لقد ضربه ونحن نحب ضربه" لا تشفيا منه، ولا شماته بعمرو وابنه؛ فالقوم فوق ذلك وأبعد ما يكون عن التشفي والشماتة، ولكنهم جيل أحب العدل وعاشه وتربى عليه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذا فهو لا يطيق رؤية الجور ولا يقره في الأمة ولو كان على رجل مخالف لها في الدين، ويسعد لرؤية العدالة تعم الأمة ليؤخذ لضعيفها من قويها .
وقد قدمت الحضارة الإسلامية للدنيا كلها أسمى درجات العدل في الحكم بين المتخاصمين مهما كان شأن أحدهما من الرفعة والعلو في المنصب والدرجة . ومن أروع ما جاء في ذلك إبان الخلافة العثمانية ما حدث مع السلطان محمد الفاتح , حينأمرببناء أحد الجوامع فى مدينة إستنبول وكلف أحد المعماريين الروم وإسمه (إبسلانتى) بذلك وكان من أوامر السلطان: أن تكون أعمدة هذا الجامع المرمرية مرتفعة ليبدو الجامع فخما لكن هذا المعمارى الرومى أمر بتقصير طولها دون أن يخبر السلطان فأفسد التصميم وعندما سمع السلطان بذلك غضب وأمر بقطع يد هذا المعمارى فقطعت ، راجع المعمارى قاضى إستنبول الشيخ(صارى خضر جلبى) وأشتكى إليه ما لحقه من ظلم من قبل السلطان ، فأرسل القاضى من فوره إلى السلطان يستدعيه فحضر السلطان إلى المحكمة وأراد الجلوس فقال له القاضى : لا يجوز لك الجلوس يا سيدى بل عليك الوقوف بجانب خصمك ، وقف السلطان بجانب خصمه الرومى الذى شرح مظلمته وأيد السلطان ما قاله الرومى فقال القاضى بعد أن فكر قليلا : حسب الأوامر الشرعية يجب قطع يدك أيها السلطان قصاصا منك ، ذهل الرومى وأرتجف دهشة من هذا الحكم وأخبر القاضى أنه يتنازل عن دعواه وأن كل ما يرجوه منه هو الحكم له بتعويض مالى فقط لأن قطع يد السلطان لن يفيده شيئا وعلى أثر ذلك حكم له القاضى بعشر قطع نقدية لكل يوم طوال حياته ، لكن السلطان قرر أن يعطيه كل يوم عشرين قطعة نقدية تعبيرا عن فرحه لخلاصه من حكم القصاص وتعبيرا عن ندمه كذلك .

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة