فضاءات سيدي احمد أوموسى

سيدي احمد أوموسى

فضاء التربية والتعليم

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـجماعة
faissal el hiani
مسجــل منــــذ: 2011-04-06
مجموع النقط: 18
إعلانات


أساليب الدعم التربوي في التعليم العتيق وأفاق تطويرها لضمان جودة التكوين


أساليب الدعم التربوي في التعليم العتيق وأفاق تطويرها لضمان جودة التكوين
طرق الدعم التربوي في التعليم العتيق بالمغرب
يتناول المقال دراسة طرق الدعم التربوي في التعليم العتيق بالمغرب وسبل تطويرها وإدماجها من جديد في المدارس العلمية العتيقة، وقد ألقي هذا العرض في الندوة التي نظمتها وزارة الأوقاف بالمناسبة في مقرها بالرباط بالمشور السعيد في شهر نونبر سنة 2006
مقدمة:
يعد التعليم العتيق نظاما تعليما أصيلا نشأ في حضن الحضارة العربية الإسلامية وازدهر في عصورها الماضية، وقد تطور هذا النظام التعليمي في ظل هذه الحضارة ونما ليفي بحاجات مجتمعاتها، وكان أساسه المتين ما أوثر عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يعلم الصحابة رضوان الله عليهم أمور العقيدة وشؤون الدين، ثم تطور هذا المنهج بتطور مجتمع المسلمين وتطور حاجاتهم وازدهار المعارف والعلوم في عهدهم، وإن كان دائما محافظا على المواءمة بين التربية والتكوين وقرن العلم بالعمل، وربط المعرفة بالتطبيق.
ومن المعلوم أن هذا النمط من التعليم الأصيل قد شهد تغيرا بتغير مسار الحضارة الإسلامية، من البدايات الأولى إلى الازدهار والتطور وانتهاء بالانكماش والركود، وهكذا مثلا انتقل هذا التعليم من دراسة الأصول العلمية إلى الاقتصار على المختصرات وشروحها، ومن المعرفة المنفتحة المتطورة المبنية على الاجتهاد إلى المعلومات الثابتة في المنظومات العلمية، غير أن ذلك لم يحل دون إسهام هذا التعليم في كل المراحل التاريخية في تنشئة الفرد وخدمة المجتمع والحفاظ على كيان الأمة وتثبيت قيمها ومثلها.
وقد تعرض التعليم العتيق لهزة عنيفة كما تعرضت لذلك الأمة العربية الإسلامية كلها بعد تسلط الاستعمار الغربي عليها وعمله على تغيير قيمها ومبادئها، ولعل أول السبل التي توسل بها لتحقيق مبتغاه العمل على تغيير نظام التعليم، أو على الأقل تغييب التعليم الأصيل وإحلال التعليم العصري الاستعماري مكانه، لتنشئة أجيال جديدة من المسلمين منسلخين عن أصولهم يحملون الفكر الغربي والقيم الاجتماعية والحضارية الغربية، وقد نجح المستعمر إلى درجة كبيرة في تحقيق أهدافه، واستطاع تهميش التعليم العتيق وجعله منزويا وفرض تعليم العصري أصبح الطريق إلى المعرفة العصرية وإلى الرقي الاجتماعي، وعندما تحررت البلاد الإسلامية وضمنها المغرب، عمل الممسكون بمقاليد الأمور على إعادة الاعتبار إلى التراث التعليمي المغربي وإلى العناية بالتعليم الديني كما كان يسمى، وعوضا الاهتمام بالمؤسسات العتيقة وطلبتها، أحدث تعليم جديد هو التعليم الأصيل، وكأن الجميع اقتنع أن تلكم المؤسسات التعليمية قد فقدت أهميتها وروحها ولم تعد صالحة للقيام بوظيفة التعليم والتربية، وهكذا انزوى التعليم العتيق وسدت شيئا فشيئا أبواب الوظائف الرسمية أمام أبنائه، خاصة بعد تغير الأحوال وصارت مؤسسات التعليم العتيق موجودة في وسط جديد مخالف للمجتمع الذي أنبتها وغذّاها واستفاد منها.
غير أن فشل التعليم العصري في الوفاء بحاجات المجتمع المغربي وعدم استيعابه طموحات أبناء المجتمع في التعلم والترقي الاجتماعي وبقاء الحاجة المحلة إلى مؤسسات التعليم العتيق وإلى خريجيها ذوي التكوين الشرعي المتين، إضافة إلى مستجدات محلية وعالمية جديدة، أعادها إلى مجال الاهتمام وظهر التفكير في إصلاحها وإعادة هيكلتها وفسح المجال أمام خريجيها لممارسة المهام المناسبة لتكوينهم.
أشرنا إلى أن التعليم العتيق نظم تربوي تعليمي نشأ في التربة الخصبة للسنة النبوية الشريفة وترعرع في مسار الحضارة العربية الإسلامية، ولم يكن هذا التعليم على منهج واحد موحد بل كانت أساليب التربية والتعليم مثار اجتهاد من علماء المسلمين منذ القديم، وإلى ذلك أشار ابن خلدون في مقدمته، حينما قارن بين أسلوب المغاربة وأسلوب المشارقة، فقال:
\" فأما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله..لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم لا من حديث و لا من فقه ولا من شعر ولا من كلام العرب إلى أن يحذق فيه أو ينقطع دونه.. وأما أهل الأندلس فمذهبهم تعليم القرآن والكتاب من حيث هو، وهذا الذي يراعونه. إلا أنه لما كان القرآن أصل ذلك وأسه ومنبع الدين والعلوم جعلوه أصلا في التعليم، فلا يقتصرون لذلك عليه فقط بل يخلطون في تعليمهم للولدان رواية الشعر في الغالب والترسل، وأخذهم بقوانين العربية وحفظها وتجويد الخط.. وأما أهل إفريقية فيخلطون في تعليمهم للولدان القرآن بالحديث في الغالب ومدارسة قوانين العلوم وتلقين بعض مسائلها إلا أن عنايتهم بالقرآن واستظهار الولدان إياه ووقوفهم على اختلاف رواياته وقراءاته أكثر مما سواه..\" ( [1> )
إضافة إلى ما سبق لابد أن نذكر أن هذا التعليم لم يكن على وثيرة واحدة بل كان يتأرجح بين الإبداع والجمود خلال مسيرة الحضارة الإسلامية منذ نشأتها الأولى إلى مرحلة الخمود والانحطاط، فالتعليم العتيق الذي نتحدث عنه هو ميراث المراحل السابقة كلها، وقد احتفظ من المراحل الأخيرة بكثير من السمات التي وقر في أذهان كثير من الناس أنها إلى السلبيات أقرب، مثل إيلاء الأهمية للفقه والنحو واعتبار علوم أخرى كالتفسير والحديث من المكملات والاقتصار على سردها، واعتماد المنظومات وشروحها والمختصرات والتعليقات بدل الكتب الأمهات في الفقه خصوصا وغيره من العلوم، والاتكاء على الحفظ والتحصيل. غير أن الحكم على هذه المناهج وصلاحها للمتعلمين لا يستقيم بعيدا عن وضعها في سياقها المعرفي والتاريخي والاجتماعي، ودون التعرف على مكوناتها وأساليبها التربوية التي وصمت غالبا بالضعف والقصور.
‌أ. نظام التدريس:
يعتقد كثير من قليلي الاطلاع أن التعليم العتيق لا يعتمد أي منهج أو أسلوب تربوي في التعامل مع المتعلمين وإيصال المعلومات إليهم وأنه في أحسن الأحوال يركز على تسجيل المعلومات في أذهانهم وقد يتوسل لأجل ذلك بالإرغام والإكراه، والسبب في ذلك أنهم اتخذوا من بعض النماذج السلبية لهذا التعليم نموذجا طبقوه على جميعه واستندوا إليه في الحكم بفساده الناتج عن تجاوز العصر في نظرهم - أساليبه القديمة البالية.
لقد كان على هؤلاء النظر إلى النماذج المشرقة من هذا التعليم، والحكم عليه من خلالها، إضافة إلى وضع هذا النظام التعليمي في سياقه التاريخي والحضاري، وحتى نكوّن هذه النظرة المنصفة علينا أن نلقي نظرة سريعة على نظام التدريس الذي يجسد بصفة عامة السبيل الذي مكن الأمة من الحفاظ على قيمها وثوابتها مدة مديدة من الزمن، من خلال النظام السائد في المدارس العلمية العتيقة بسوس، ولسنا في حاجة إلى التذكير أن هذا النظام كان هو نفسه السائد في المؤسسات العلمية العريقة بالمغرب وغيره كجامع القرويين وجامع ابن يوسف.. وغيرها.
وقبل أن تلقي هذه النظرة الموجزة يجدر بنا أن نشير إلى ملاحظتين هامتين:
- أن هذا النظام كان مطبقا في عمومه بالمدارس العلمية العتيقة التي يتجاوز عددها مائتي مدرسة وأنه انحسر الآن وكاد يختفي فلا يطبق إلا في مدارس تعد على أصابع اليدين.
- أننا هدفنا في هذه الدراسة إلى استجلاء النظام التعليمي العتيق كما كان في أزهى مراحله وعند أعظم أساتذته وفقهائه، فذلك الذي يمثل التعليم العتيق ويبرز نموذجه الزاهي المتألق المثمر.
أما النظام التربوي التعليمي العام الذي قد يختلف من مدرسة لأخرى تبعا لاجتهاد أستاذها وشخصيته، فسنذكره من خلال جانبين هما:
· أولهما: التنظيم الإداري للمدرسة العتيقة، والمرتكز أساسا حول كونها مؤسسة شعبية للتعليم العمومي تتكفل القبيلة الواحدة أو مجموعة من القبائل بالإنفاق المادي عليها احتسابا لوجه الله تعالى وخدمة للعلم الشرعي وللغة العربية، وتتكلف القبيلة قديما والمحسنون في وقتنا الراهن بالتكاليف المادية للمدرسة، فيما يشرف الأستاذ عميد المدرسة على التسيير الداخلي مثل قبول الطلبة الجدد وصرف المغادرين والمتخرجين، وتدبير شؤون الإقامة.. وغير ذلك. ( [2> )
· ثانيهما: النظام التعليمي، ويتعلق بالعلوم المقررة في النصاب الدراسي، وطبقات الدراسة والنظام اليومي، أما طبقات الدراسة فتنقسم إلى ثلاثة: طبقة المبتدئين وهم الذين حفظوا القرآن الكريم وبدأوا حفظ المتون العلمية الصغرى والطبقة الثانية طبقة الشادين وهم الذين أخذوا شيئا من العلوم، والطبقة الأخيرة وهي طبقة المتقدمين الذين يدرسون العلوم في المتون النهائية. ( [3> ) ومن المعلوم أن فأول ما يفعل الطالب الجديد إذ التحق بالمدرسة، أن يوضع بالطبقة التي يقررها الأستاذ بعد أن يمتحنه ليعرف مبلغ تحصيله.
‌ب. البرنامج الدراسي اليومي:( [4> )
أما النظام الدراسي اليومي، فهو نظام دقيق يبدأ من الفجر ويستمر إلى الليل، يتناوب فيه الطلبة على مجلس الأستاذ حسب طبقاتهم، فتبدأ الطبقة الكبرى بدراسة نصاب اليوم الدراسي من مختصر الشيخ خليل، فيقرأ النصاب المقرر ويشرح مع الاستعانة بالشروح المتداولة مثل الدردير والدسوقي والزرقاني.
وبعد انتهاء درس المختصر يليه نصاب رسالة ابن أبي زيد القيرواني ثم بعدها تحفة ابن عاصم، ثم يأتي دور النحو من خلال الألفية لابن مالك وشروحها، فمقامات الحريري بشرح الشريشي، تدرس كذلك بأن يتلو أحد الطلبة ويشرح الأستاذ ، ثم ينتهي المجلس بالدعاء وينفض الطلبة وقد انتصف النهار.
وبعد الظهر يجتمع الطلبة الشادون إلى الأستاذ ليدرسوا عليه بدورهم، فبيدؤون بالألفية بشروح ميسرة كالسيوطي والمكودي وأوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام، وخلال الدرس يتمرن الطلبة على الإعراب فيملي عليهم الأستاذ الكلمات والجمل فيعربونها. وبعد النحو نصاب الفقه من خلال رسالة ابن أبي ويد القيرواني و شرحها للمنوفي، وبعد ذلك يأتي دور المبتدئين فيعرضون على الأستاذ محفوظاتهم من المتون الابتدائية كالأجرومية والجمل والزواوي و المبنيات والمرشد المعين، ثم بعد الاستظهار يدرس نصاب النحو ثم الفقه وبذلك ينتهي اليوم الدراسي قبيل المغرب، ومن المعلوم في المدارس العتيقة حضور الطلبة تلاوة الحزب الراتب وإعراب أوائله للتدرب على تنزيل القواعد على النصوص.( [5> )
هذا هو برنامج اليوم الدراسي بالمدارس العلمية العتيقة للطبقات الثلاث يقضيه الأستاذ الفقيه في التدريس مناوبة للطلبة، وحينما تكون طبقة بصدد الدراسة تكون الطبقة الأخرى بصدد المراجعة والاستذكار، كما أن الأستاذ يستعين بالطلبة المتفوقين في كل طبقة للتدريس للطبقة التي دونها وذلك تخفيفا عليه وتدريبا للطلبة على مهام التعليم.
‌ج. العلوم المدروسة:
تميز التعليم العتيق بالمدارس العلمية بالتركيز في أنصبته الدراسية على العلوم الشرعية خاصة علم الفقه وعلوم اللغة العربية خاصة النحو، وذلك راجع إلى طبيعة هذه المدارس خاصة في البيئة السوسية ووظيفتها في خدمة المجتمع المتمثلة في ربطه بالشرع الإسلامي وباللغة العربية لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. لقد كانت هذه المدارس بنت مجتمع وجدت لخدمته والحفاظ على توازنه وفق الإمكانات المتاحة ماديا ومعنويا، لذلك لا ينبغي أن يطلب منها شيء خارج هذا الإطار.
وتبعا لذلك فإن العلوم التي كانت تدرس بهذه المدارس قسمت إلى ثلاث أقسام: ( [6> )
- القسم الأول: وهو العلوم المقررة في النصاب الدراسي اليومي لما لها من أهمية وعلى رأسها علم الفقه وعلم النحو، وهما العلمان اللذان تتم دراستهما يوميا، في متون ابتدائية أو معمقة حسب الطبقة التي ينتمي إليها الطالب، كما أشرنا من قبل.
- القسم الثاني: وهو العلوم المقررة خارج النصاب الدراسي، والتي تدرس أيام العطل الأسبوعية الخميس والجمعة، ومنها العروض والتفسير والفلك والتوقيت والسيرة النبوية والأدب، ويعني إدراج هذه العلوم خارج المقرر الدراسي كونها اختيارية لا يلزم جميع الطلبة دراستها، فيدرسها من شاء منهم، وإن كان غالب الطلبة يحرصون على عدم خلوهم من معرفتها.
- القسم الثالث: وهي علوم تدرس أحيانا ببعض المدارس العلمية العتيقة كما في رمضان حين يدرس علم الحديث سردا للبخاري والفرائض دراسة وتتبعا والأصول والبيان، وقد يقوم الأساتذة الزائرون بتدريسها إن ألموا بالمدرسة، خاصة إن كان من المشهود لهم بإتقان فن من الفنون فيدرسه مدة إقامته هناك، أو قد يرسل أستاذ المدرسة بعض طلبته الراغبين في دراسة علم ما لدراسته في مدرسة أخرى.
استند الأساتذة المدرسون في المدارس العلمية في التربية والتكوين إلى مناهج تربوية مستقاة من التراث التربوي للحضارة العربية الإسلامية كما بسطها العلماء المؤلفون في المجال، فكانت هذه المناهج مناسبة لأنواع التكوين وأهدافه، وهي نقل المعرفة الشرعية واللغوية إلى الناشئة من شباب الأمة، وأساس ذلك قيام الأستاذ المدرس بتدريس النصاب المقرر بناء على مجموعة من المتون العلمية خاصة المنظومات وشروحها في مختلف الفنون، ويعتمد الأستاذ على التحضير القبلي للطلبة بحفظ المتن والاطلاع على شروحه، وعلى الشرح والمناقشة أثناء الدرس حتى يحصل الفهم والاستيعاب.
كما استند التعليم العتيق إلى أسلوب الدعم والتقوية لتمكين الطالب من تكوين جيد متين ولتحقيق هذه الغاية أدمجت في العمل التعليمي مجموعة من الأنشطة الموازية، القصد منها دعم الطالب في دراسته ومساعدته، ويعد الاعتماد على الذات وعلى الزملاء في الطبقة الدراسية من أهم مقومات هذه الأنشطة، وهي:
أ - حفظ القرآن الكريم:
ركز التعليم العتيق على حفظ الطالب القرآن الكرم وجعل ذلك شرطا لولوج مؤسساته، كما جعل دوام الحفظ من أهدافه لذلك كان من أول مظاهر الدعم التربوي في هذا النمط من التعليم مداومة تلاوة كتاب الله تعالى واستذكاره، ومن جملة الوسائل المقررة لتحقيق هذا الهدف:
- تلاوة الحزب الراتب يوميا صباح مساء.
- التلاوة في السلك القرآنية في المناسبات الاجتماعية.
- ختم القرآن في رمضان كل سنة.
- التباري في القرآن الكريم في مباريات المواسم السنوية كما سنعرض لذلك فيما بعد.
ب - التوطئة:
وهي مراجعة الأستاذ الدرس السابق قبل تناول النصاب الجديد، خاصة ما تعلق منها بالشروح والشواهد والقواعد، فيتتبع ذلك كله تتبعا تاما حتى تحصل الإحاطة به من كل الطلبة، ( [7> ) وهكذا تراجع الدروس قبل الدرس الجديد، وبفضل ذلك يتفوق الطلبة في الحفظ والفهم، وإذا لم يفهم أحد من الطلبة سأل الأستاذ واستفسره ليبين له المسألة المشكلة ويوضحها له جلية.
ج- المراجعة:
وتتجسد في حرص الطلبة على إتقان الأنصبة المدروسة، بمداومة النظر فيها واستذكار مضامينها عن طريق المراجعة حتى ترسخ النصوص ويستقر الفهم، ويدوم الاستحضار ، وتكون المراجعة ( [8> ) إما:
- فردية: حيث يراجع الطالب في كل مساء الأنصبة الدراسية التي قرأها ذلك اليوم، فيعيد النظر في المتن إن شذ عن حفظه منه شيء، ويراجع الشرح ليستدرك ما غاب عن فهمه منه، وقد يجتمع لذلك بطالب أو أكثر من أصدقائه خاصة لإعداد الأنصبة المقررة في الغد، فيكونون جماعة منافسة لغيرها من الجماعات بالطبقة الدراسية التي ينتمي إليها.
- جماعية: ويجتمع فيها الطلبة المنتمون إلى الطبقة الدراسية كلهم لإعداد درس الغد، وقد جعلوا ذلك مناوبة بينهم فينبري أحدهم لإعداد الدرس، ويحرص على التعرض لكل جزئياته وشواهده وإشكالاته ومسائله، خشية أن يصبح مثار السخرية والاستهزاء من زملائه إن سقط دون المدى، وقد يستعين بطلبة آخرين من طبقة عليا. وعندما يحين موعد المراجعة يجتمع الطلبة عليها، ويبدؤون من آخر نصاب وقفوا عنده فيمرون على ما يقارب ستة عشر بابا من الألفية مثلا إذا كانوا بصدد مراجعتها \" من أول الألفية إلى النائب على الفاعل في ظرف ثلاث ساعات أو أربع، من غير أن ينخرم لهم شاهد، أو يشد عنهم بيت أو معنى، لكثرة ما يكررون ذلك كل ليلة، ثم إذا طال عليهم ذلك يتركون كم أوله أبوابا بالتدريج بقدر ما يزدادون آخرا، فلا يصلون باب فعل التفضيل حتى يذروا ما قبل النائب للفاعل، وهكذا حتى تتم الألفية.\" ( [9> ) فإذا وصل الطلبة النصاب المقرر في غدهم توقفوا وانفض مجلسهم عن تعيين صاحب نوبة جديد.
وأعظم ما يشحذ هذه المراجعات المنافسة الشديدة بين الطلبة حيث لا يعذر صاحب النوبة إن كان مقصرا، وقد يتجاوز زملاؤه اللوم إلى التقريع والسخرية. وهكذا تؤدي المداومة على مراجعة الدروس المرة تلو المرة إلى ترسيخ المحفوظ وتثبيت المفهوم إذ لا ينصرم النصاب من المراجعة إلا بعد أن يراجع أزيد من عشر مرات.
د‌- السرد:
والمقصود به تلاوة نص من كتاب معين على الغير أستاذا أو طالبا، وهو يسمع ويصحح ما عسى أن يقع فيه السارد من أخطاء في اللغة أو الفهم أو التلاوة، ( [10> ) ويعد السرد من طرق أخذ العلم التي درج الأقدمون على استعمالها خاصة عند طلب الإجازة، ويذكر الشيخ بن ناصر الدرعي أنه ختم مع أخيه الشيخ أمحمد بن ناصر جمع الجوامع في الأصول لابن السبكي على الشيخ علي الشبراملسي الشافعي بالقاهرة وهو يسمع عام 1077هـ( [11> ).
ولا يقتصر عمل الأستاذ على الاستماع والتصحيح، بل يتجاوز ذلك إلى إثارة المسائل اللغوية فيسأل لطالب عن إعراب الكلمات ومعانيها والأمثال ومغزاها والأبيات وإيقاعها.. وغير ذلك، فإن عجز الطالب أجاب هو معززا أجوبته بالشواهد الشعرية أو النثرية أو القواعد النحوية والصرفية والمعجمية.
ويذكر العلامة محمد المختار السوسي أنه كان يجلس ليسرد على شيخه عبد الرحمان البوزكارني، حيث يقول:\" وأول كتاب تلوته عليه، كتاب حياة الحيوان للدميري وكأنني الآن أستحضر إسفار يوم قبل طلوع الشمس أتلو عليه خطبة الكتاب، ويفسر لي تلك الأمثال التي تحتوي عليها كقولهم: تحككت العقرب بالأفعى، واستنت الفصال حتى القرعاء. كما أنني تلوت عليه أيضا شيئا من نفح الطيب ومن الطبقات لابن خلكان، ومن قلائد العقيان، ومن مروج الذهب، وكل سيرة ابن هشام مرتين.. مع مؤاخذتي بحفظ كل ما يستحسن من القطع والقصائد فضلا عن الأبيات المفردة.\" ( [12> )
هكذا يتمرس الطالب بواسطة أسلوب السرد في تلاوة النصوص العربية فيتدرب لسانه عليها ويتعرف ضبط ألفاظ اللغة خاصة أسماء الأعلام، كما يتدرب على استغلال القواعد النحوية وينتقل من مجرد حفظ هذه القواعد إلى معرفة دورها في ضبط المعاني والتمييز بينها، وهو في كل ذلك معتمد على التذكر واستثمار مهارات الفهم وملكات التحليل والتركيب والتقويم بتوجيه من الأستاذ أو إعانة منه، للتوصل إلى دلالات النص اللغوية ومضامينه الفكرية.
? - المباحثة:
وتعد من الأساليب التعليمية في المدارس العلمية العتيقة حين لا يقتصر الأستاذ المدرس على الطريقة التلقينية التي يكون الطالب فيها سلبيا يسمع ويتلقى دون نقاش أو استفسار، بل يتجاوزها إلى أسلوب المحاورة، وهو من أساليب التكوين الناجعة، قال ابن خلدون متحدثا عن طرق التعليم الناجعة وسبل حذق العلوم:
\".. وأيسر طرق هذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية فهو الذي يقرب شأنها ويحصل مرامها.. \" ) [13> (
وقد أورد الأستاذ صالح بن عبد الله الصالحي نموذجا لهذه المباحثات في كتابه شرح الأجرومية، وذلك عند قوله:\" وصورة محاورتهم.. أن يقول الشيخ في أين الاستفهامية مثلا بعد أن أعربها التلميذ ما نصه:
- أين، اسم أو فعل أو حرف؟
- الجواب: إسم.
- معرب او مبني؟
- الجواب: مبني.
- هل في بنائه سؤال أو لا سؤال فيه؟
- الجواب: فيه أسئلة ثلاثة: لماذا بني؟
- الجواب: لشبه بالحرف.
- في ماذا أشبه الحرف؟
- في المعنى.
- ما حد الشبه المعنوي؟
- أن يكون الإسم متضمنا معنى من معاني الحروف سواء وضع لذلك المعنى حرف أم لا.
- ما الدليل؟
- والمعنوي في متى وفي هنا.
- أي حرف أشبه؟
- همزة الاستفهام.
- ولماذا خالف أصله؟ ولم لم يبن على الذي هو الأصل في كل مبني؟
- مخافة التقاء الساكنين.
- ما الدليل أن الأصل يخالف لذلك؟
- الجواب:
فالحركات لالتقــــاء ساكنــين
والابتداء والفرق بين معنـــين
وسبب التمكين والتقويـــــــه
وشبـــــه ما مكـــــن والمزيـــــه \" ( [14> )
هكذا تسير هذه المباحثات مركزة على إيراد الجزئيات والإحاطة بالتفاصيل مركزة على الحوار.
وإذا كان هذا النموذج الذي أوردناه عن المباحثة يتعلق بالنصاب الدراسي خاصة، فإن للمباحثة مجالها خارج النصاب حينما تصير وسيلة لدعم المتعلم وتقوية معرفته، فإذا اجتمع الأستاذ بطلبته أو بطلبة مدرسة أخرى ألقى إليهم المسائل يمتحنهم بها.( [15> )
ويستعد الطلبة لأمثال هذه المباحثات، فيتباحثون في ما بينهم مستعينين بالكتب واستحضار الشواهد والنصوص، ويجيبون إن سئلوا، فتتحقق فائدة المباحثة حينما تدفع الطالب إلى استذكار دروسه لحاجته الدائمة إليها في أمثال هذه المواقف التي تعد امتحانا متواصلا لفهمه، كما أنها وسيلة لمحاربة الخجل والانقباض، وتدريب الطلبة على تتبع الأدلة وعدم الاقتناع برأي ما لم يكن مدعما بالبرهان، كما يألف الطالب أن ينبه على الخطأ بأدب وتؤدة ووقار سواء صدر عنه أو عن غيره من الطلبة أو الشيوخ.
وتبعا لذلك تؤدي المباحثة إلى اندماج الطلبة في العملية التعليمية \"وتفاعلاتها المستمرة، وهذا الإدماج لا يقتصر على تلقي المعلومات، أو الإجابة عن الأسئلة والقيام بالأنشطة، والتداريب المطلوبة، بل يتعداه إلى التدرب على الاستماع المركز والإصغاء المستمر، والانتباه المتتابع، مع محاولة فهم الخطابات وتحليلها، ثم نقدها نقدا ممنهجا، يعتمد دعائم ومعايير موضوعية، ووسائل إقناعية مضبوطة، كالمهارة في المحاجة واستعمال الاستشهادات، وبفضل كل ذلك يتخرج الطلبة من المدرسة وقد وعوا كل ما ألقي إليهم من معارف شاركوا بشكل إيجابي في قراءتها.\" ( [16> )
و - المجلس الأدبي:
من السنن التي كانت دارجة في مؤسسات التعليم العتيق ولازالت إلى الآن في بعضها سنة المجلس الأدبي، فيجتمع الطلبة مع أستاذهم في مجلس عام للإبداع شعرا ونثرا وللسرد وللمذاكرة وذلك في أمسيات الخميس من كل أسبوع، ( [17> ) وقد يحضر المجلس فقهاء وطلبة من خارج المدرسة، ومن بين الأنشطة التي تجري فيه نذكر ما يلي:
- الإبداع نثرا وشعرا وخطابة وإلقاء، فتلقى الأشعار وتقرأ المقالات والرسائل من الطلبة، وقد يشاركهم الأستاذ أيضا وكذلك الضيوف.
- النقد بأدب ولطف، ويركز على التشجيع والتنويه.
- السرد من كتب الأدب، فيقرأ أحد الطلبة ويسمع الحاضرون ويستوقف لتصحيح خطأ أو لشرح غريب أو ضبط علم وتعريفه.
- المذاكرة في مسائل منوعة من الأدب واللغة وعلوم الشرع.
هكذا يستمر المجلس الأدبي وتتاح فيه الفرصة للطلبة للمشاركة للإدلاء بآرائهم وأفكارهم ويحرص الأستاذ أن يكون ذلك كله باحترام، حتى تتحقق فائدة المجلس الأدبي التي يمكن إجمالها في:
- تعويد الطلبة على الشجاعة الأدبية.
- إكساب الطلبة تقنيات الإلقاء والإنشاد.
- إزاحة الجمود وتربية الطلبة على الأريحية والانطلاق.
- تعميق الصلات بين الأستاذ الفقيه وطلبته.
- تدريب الطلبة على الحوار والنقاش الهادئ.
- تعميق معارف الطلبة في مجالات اللغة والأدب وعلوم الشرع.
- التدرب على الإبداع لغاية ربط معرفة القواعد اللغوية بتذوق البيان القرآني والنبوي والأدبي عموما للوصول إلى إنتاج نصوص تجمع إلى سلامة اللغة التعبير البياني المؤطر بالضوابط الإبداعية خاصة في مجال الشعر.
ز المباريات الموسمية:
من العادات التي كان طلبة المدارس العلمية العتيقة يحافظون عليها حضور المواسم السنوية للتباري وإظهار التفوق العلمي والأدبي ومن أشهر هذه المواسم: موسم \" تازروالت\"، و\" للا تاعلات\" [18> .. ، ويترأس وفد كل مدرسة أنجب الطلبة، ويعد للمشاركة بطريقة قبلية، في مجال حفظ القرآن الكريم وحفظ المتون العلمية خاصة في اللغة والفقه وحفظ الأشعار وإبداع الشعر، فيراجع حفظ القرآن الكريم والمتون العلمية وتحفظ الأبيات المختارة توزع على المشاركين. ( [19> )
وتسهم هذه المباريات السنوية في تكوين الطلبة ودعم تحصيلهم المعرفي وتكوين شخصيتهم العلمية، إذ هي مناسبة:
- للتنافس بين طلبة المدارس العلمية العتيقة.
- للبروز والتفوق للمدارس العلمية في المجال الاجتماعي.
- لمراجعة التحصيل المعرفي اللغوي والشرعي والأدبي لمواجهة المنافسة الحادة والدفاع عن عرض المدرسة.
- لبناء الخلفية الوجدانية للمعرفة، فتشحذ همم الطلبة في تعاطي العلوم وتقوي الدوافع الذاتية في التحصيل.
أ‌- تجديد التعليم العتيق وإشكال الأصالة:
أشرنا في ما قبل إلى أن التعليم العتيق ميراث حضاري للحضارة العربية الإسلامية، انتشر في مختلف مناطق المغرب ولقي دعما من المجتمع بدافع ديني عقدي، وشهد تطورا حتى القرون المتأخرة، وفي عهد الحماية ظهرت الدعوات لإصلاحه ليكون أساس النهضة، ووسيلة الإصلاح، وقد اختلفت دعوات الإصلاح بين القائلين بالحفاظ عليه كما هو، وبين الداعين إلى تطويره ليتجاوز ما يعاني منه من قصور في مواكبة العصر ومجاراة حاجاته، وقد قابل بعض القائمين على هذا التعليم دعوات الإصلاح والتجديد بكثير من المقاومة والصد، ولعل أبرز الجهود في هذا الشأن تلك الذي بذلتها جمعية علماء سوس في محاولتها إصلاح المدارس العلمية العتيقة، ( [20> ) وقد خلصت في الأخير إلى تأسيس معهد بمدينة تارودانت مع فروع له كثيرة في مختلف جهات الجنوب، يلجه طلبة هذه المدارس ليكون طريقهم إلى الدراسات الجامعية العصرية وإلى استدراك ما فاتهم من علوم ومعارف حديثة. ( [21> )
لقد فطن أعضاء الجمعية إلى أن تحديث هذه المدارس أمر في غاية الصعوبة لكونها نتاج تاريخ طويل وتطور اجتماعي عميق يصعب إعادة تشكيله دون خلخلته وإلحاق الضرر الفادح به، إضافة إلى ما يحتاجه ذلك من جهود ضخمة وموارد مادية جمّة غير متوفرة، خاصة حينما يتم التفكير في إدماج المعارف العصرية فيها وإخضاعها للمناهج الحديثة وللأنظمة الإدارية المستجدة، فإذ ذاك يفقد هذا النظام خصوصياته ويتحول إلى تعليم أصيل عصري كالذي نجده في المؤسسات التعليمية الرسمية.
إن الجوانب الإدارية والتربوية للمدارس العلمية العتيقة شديدة الترابط لا يمكن تغيير أي منها دون التأثير على الباقي، وأعظم خصائص هذه المدارس أنها تسير بإسهام عموم الناس قديما والمحسنين خاصة في وقتنا الراهن، وأنهم يمولون هذه المدارس لاعتقادهم أن الطلبة فيها معتكفون على كتاب الله والعلم الشرعي، فكيف سيتم إدماج المناهج والمعارف الحديثة في هذا النسيج الثقافي الاجتماعي.
إضافة إلى هذا هناك تحديات إدارية أخرى تتمثل في الحاجة إلى أطر جديدة لتدريس المواد المراد إدراجها في هذه المدارس مما يعني تعدد الأساتذة بها، وهو ما يخرق النظام الذي درجت عليه في كون الأستاذ الواحد المشارط هو المسؤول عن التدريس والتكوين، مما سيخلق إشكالات جديدة.
إن الغرض مما نحاول أن نطرحه هنا من إشكالات الإشارة إلى أن خطوات التنظيم والتطوير ينبغي أن لا تتم على حساب الأصالة، إننا بصدد الحديث عن الحفاظ على أصالة هذا التعليم وعدم التضحية بها وبتقاليد علمية راسخة، لازالت فعالة ومنتجة لأجل التحديث الذي ينبغي أن يتم بناء على هدف محدد مرسوم أساسه الجواب عن السؤال التالي: ما الذي نريده من هذه المدارس ومن خريجيها؟ ( [22> )
وفي هذا السياق تطرح مسألة الأساليب التربوية للتعليم العتيق وسبل الدعم التربوي، الذي طورت له هذه المؤسسات وسائل بناء على حاجاتها وأهدافها التي أسست لأجل تحقيقها.
ب‌- التعليم العتيق وضمان جودة التكوين:
إن الأساليب التربوية المتبعة في المدارس العلمية العتيقة لدعم النشاط التربوي وتقوية العملية التعليمية، طورت بالتعليم العتيق عبر قرون من التجارب التربوية المسترسلة، مما يجعلها أساليب ناجعة لأنها نبتت في تربة هذا التعليم وفي تربة المجتمع الذي أطره وسانده، ومكنت هذه الأساليب من تخريج علماء ذوي كفاءات غاية في العلو والمتانة في العلوم الشرعية واللغة العربية والمعارف العقلية والنقلية، أي أن هذه الأساليب التربوية في الدعم قد مكنت في ما مضى وفي المدارس التي طبقت فيها، من الحفاظ على جودة التكوين، وتحقيق الفعالية الفكرية والعلمية للخريجين الذين تبوءوا مراتب اجتماعية وعلمية مرموقة في مجتمعاتهم، ويظهر لنا أن الإشكالات التي تعاني منها هذه المؤسسات التعليمية تتعلق بمناهجها الدراسية وطرقها التربوية التي تحتاج إلى إصلاح، ولكنها تتعلق أيضا بدورها في المجتمع وكونها الآن مهمشة محاصرة، لا يعترف بخريجيها ولا يسمح لهم الالتحاق بمؤسسات التعليم الرسمية المتميزة بتوثيق المعرفة بشهادات رسمية معترف بها، لذلك تعاني مؤسسات التعليم العتيق من انقطاع الطلبة وتسربهم الدراسي وعدم الكفاءة في التكوين والتخريج إلا في القليل النادر، ( [23> ) ومع ذلك فإن إعادة الاعتبار إلى هذا التعليم لا يتم إلا بتقوية مناهجه انطلاقا من مصادرها التراثية الأصلية مع تطعيمها بالمناهج التربوية الحديثة، للوصول إلى الجمع بين القديم النافع والجديد الصالح.( [24> )
إن الغاية من الاستعراض السابق لأساليب الدعم التربوي التي كانت سائدة في التعليم العتيق خاصة إبان ازدهاره وقوته، ليس التأريخ لها ولا إحصاؤها وإنما استلهامها في خدمة هذا التعليم الذي أضحى نظاميا رسميا، وخدمته بمناهج نابعة من تراثه، مستنبتة من تربته الخصبة، وتبعا لذلك نقترح الإجراءات التالية في مجال الدعم:
وتبعا لذلك نرى أن ترقية التعليم العتيق والحفاظ على جودة التكوين فيه بالعناية بمناهج الدعم التربـوي ستتحقق انطلاقا من المقترحات الإجرائية التالية:
- العناية بالقرآن الكريم والنص على ضرورة اعتبار حصص التلاوة اليومية بعد صلاتي الفجر والمغرب إجبارية، يتلى فيها الجزء اليومي مع إعراب الربع الأول من الحزب، دعما لحصص الحفظ والتفسير المقررة في مستويات الدراسة.
- تحديد أوقات أسبوعية لتلاوة سلك قرآنية، والأفضل أن تكون في بداية الدراسة يوم السبت مثلا، ترسيخا للحفظ وتقوية لملكة الاستظهار.
- العناية بمراجعة حفظ القرآن خلال شهر رمضان تلاوة وصلاة.
- التركيز على ضرورة توطئة الأستاذ للأنصبة (الدروس) الجديدة بمراجعة السابقة وامتحان فهم الطلبة واستيعابهم لها.
- إيلاء المراجعة ما تستحق من عناية سواء كانت فردية أو جماعية، والأفضل تكوين مجموعات من الطلبة لمراجعة الدروس يوميا أو أسبوعيا، وتعيين حصص أسبوعية للمراجعة العامة تكون على شكل مباراة اختبارية للطلبة، على أن يقتصر دور المشرف عليها على التنشيط والمتابعة، وسيكون من المفيد جدا تحديد حصص أخرى نهاية كل موسمية للمراجعة الفصلية على النحو ذاته.
- تحديد حصص أسبوعية للسرد تكون مناسبة لسرد كتب الأدب المختلفة خاصة المغربية منها كالمحاضرات للحسن بن مسعود اليوسي ونفح الطيب للمقري والرحلات السفارية والحجازية وغيرها.. فيتلو الطالب فقرة فقرة ويستوقف عند اللحن للتصحيح أو غيره لشرح كلمة أو ضبط اسم علم أو شرح مثل.. ومن الأفضل جعل السرد مناوبة بين الطلبة كل مجموعة في حصة، ومن الضروري إشراك الطلبة في المناقشة والشرح .. كما تكون حصص السرد مناسبة لاستعراض مطالعات الطلبة في الكتب والمجلات والدوريات العلمية والأدبية، لتشجيعهم على المطالعة والقراءة خارج أوقات الدراسة.
- جعل المباحثة صنو المراجعة، إذ إن الطابع الحواري المرتكز على السؤال والجواب يشحذ قدرة الطالب المعرفية ويجعله سريع البديهة مستعدا للإجابة، قادرا على تحليل النصوص والمتون المدروسة واستخراج حلول المسائل مع ما يتطلبه ذلك من استحضار وفهم واستيعاب.
- تنظيم أندية أدبية وعلمية في المؤسسات التعليمية العتيقة بمبادرة من الطلبة وإشراف الأساتذة تخصص لإنشاد الإبداعات الشعرية وتلاوة النثرية من خطب ومقالات.. كما تتخللها المناقشات والمذاكرات ويفسح المجال للنقد البناء، ويمكن أن تضاف أنشطة أخرى أدبية وعلمية تكون لها فائدة معرفية وتربوية في دعم تكوين الطلبة، ويفضل أن تعقد هذه الأندية أيام العطل الأسبوعية و يكون الحضور إختيارياّ.
- تنظيم مباريات سنوية بين طلبة المدارس والحفاظ على سمتها الموسمية فتقرر على المدارس العتيقة بالمغرب، وتكون جهوية ثم وطنية، وبالنسبة لمنطقة سوس لازال تقليد موسم الطلبة بالمنطقة المعروفة بـ\"للا تاعلات\" مستمرا، حيث يجتمع الطلبة من كل المدارس لتلاوة القرآن، ويمكن أن تسعى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - وهي الوزارة الوصية على مجال التعليم العتيق- إلى تنظيم مباراة سنوية جهوية بالموسم يتبارى فيها طلبة المدارس العتيقة النظامية في مجال العلوم الشرعية أولا وعلى رأسها حفظ القرآن الكريم وتفسيره، ثم الحديث النبوي الشريف وشرحه، ثم اللغة العربية نحوا وصرفا ومعجما ثم الأدب حفظا وإبداعا، ومجالات التفتح من علوم وتاريخ ولغات.. وغيرها، ويجاز المتفوقون المؤهلون للمشاركة في المباراة الوطنية.
إن هذه الأساليب التربوية العلمية الهادفة إلى دعم التكوين العلمي والمعرفي للطالب في التعليم العتيق قد أثبتت نجاعتها خلال قرون من التجارب ذلك أنها نشأت في تربة التراث الخصبة وشذبتها أيدي المربين الخبراء والعلماء النجباء عبر قرون متلاحقة من الممارسة، كما أنها أصل جميع أنواع الدعم الذي نعرفه في عصرنا الحاضر، ولعل أبرز خصائصها أنها جعلت الدعم التربوي مندمجا في العمل التعليمي التربوي غير منفصل عنه يشارك فيه الطالب المتفوق كما المتأخر، فيساند هذا ذاك ويستفيد كل واحد من الآخر، ويصبح الدعم وسيلة لتقوية الضعيف وترقية المتفوق، بسبب انبنائه على الرغبة الذاتية والدافع الشخصي واعتماده المنافسة، فيكون دعما دراسيا مغايرا لأساليب التحصيل ولأجوائه المألوفة، وبذلك تجاوز نقائص الدعم التربوي المركز على إعادة الحصص كما هي بالأساليب نفسها، فيكون الملل والعجز عن استقطاب اهتمام الطالب سببا في فشلها في تحقيق الهدف منها.
خاتمة:
لاشك أن العناية بالتعليم العتيق وتنظيمه وتطويره ليواكب العصر وليسهم في تكوين المواطن المسلم الصالح، دليل على استشعار أهمية هذا النظام التعليمي ودوره في الحفاظ على هوية الأمة وترسيخ ثوابتها، غير أن هذا التنظيم والتطوير ينبغي أن لا يعمد إلى طمس مميزاته وسماته الخاصة، إذ من الضروري مراعاتها والتمسك بها خاصة حفظ القرآن الكريم وإتقان اللغة العربية والعلوم الشرعية، ولن يتم ذلك وينجح إلا بـ :
- إعادة الاعتبار لمناهج الدعم التربوي في التعليم العتيق.
- تطبيق أساليب الدعم التربوي في التعليم العتيق وجعلها إجبارية من توطئة ومراجعة فردية وجماعية ومباحثة وسرد ومجلس أدبي.
- تقوية الدافع الذاتي في التكوين التربوي بالمدارس العلمية العتيقة عامة وأساليب الدعم التربوي خاصة، كما كان في التراث التربوي الإسلامي بناء على كون الإقبال على التعلم ناتجا عن رغبة ذاتية.
- الاجتهاد في ابتكار أساليب الدعم والتقويم والتسيير مستنبتة في تربة التعليم الإسلامي الأصيل باعتباره تعليما مرتبطا بالمجتمع خادما له، وعدم إسقاط واقع التعليم العصري عليه.
- استلهام التقنيات التربوية الوافدة كلما دعت الحاجة، مع الانتباه إلى خلفياتها المعرفية، لأن لكل معرفة خلفيات لا تنفصل عنها.
- التركيز في تكوين المدرسين في المدارس العلمية العتيقة على المناهج التربوية الأصيلة الدقيقة وعدم الاعتماد على النظريات الغربية المجتزأة من سياقها المعرفي والحضاري والمبنية في خلفيتها الفكرية على الفكر الكنسي أو الفكر العلماني.
الهوامش:
[1> - المقدمة، مراجعة سهيل زكار، ص: 740-741 ، ط 3، دار الفكر بيروت 1417-1996.
[2> - المدرسة الإلغية وإشعاعها الأدبي في سوس، المهدي السعيدي، ص: رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الآداب بإشراف الدكتور علال الغازي نوقشت بتاريخ 7مارس1995 وتكونت اللجنة العلمية من الأستاذ المشرف والدكتور إدريس بلمليح والدكتور محمد أديوان، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
[3> - المرجع نفسه، ص:267.
[4> - أنظر تفصيل نظام الدراسة في المرجع نفسه، ص:
[5> - المعسول1/ والمدارس العلمية العتيقة، نظامها وأساتذتها، ص:
[6> - المرجع السابق، ص:269 وما بعدها.
[7> - نفسه، ص: 275.
[8> - مدارس سوس العتيقة نظامها أساتذتها، محمد المختار السوسي، ص: 79-80
[9> - المصدر نفسه.
[10> - المعسول3/307 الهامش1.
[11> - فهرس الحسين بن ناصر الدرعي، تحقيق أحمد السعيدي، بحث شهادة الدراسات العليا المعمقة بوحدة تحقيق المخطوط بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سنة 2004 بإشراف الدكتورة نجاة المريني.
[12> - المعسول10/118-119.
[13> - المقدمة، ص: 545.
[14> - البيتان من المبنيات لأبراغ الإفراني، ص:42 نسخة مرقونة.
[15> - أنظر مثلا المعسول1/328.
[16> - المدرسة الإلغية وإشعاعها الأدبي في سوس، ص: 281.
[17> - سوس العالمة، محمد المختارالسوسي، ص:103، والمرجع السابق، ص:298.
[18> - تقع تازروالت وسط جبال الأطلس الصغير وبها مدفن الرجل الصالح أحمد بن موسى السملالي، ويقام هناك موسم سنوي للطائفة الولتيتية، إضافة إلى تجمع تجاري، انظر حولها إيليغ قديما وحديثا، لمحمد المختار السوسي، تعليق محمد بن عبد الله الروداني، المطبعة الملكية 1984.أما للا تاعلات، فنسبة لامرأة صالحة بمنطقة شتوكة أيت باها، ويقام هناك موسم سنوي اشتهر باسم موسم الطلبة، أنظر حولها المساء الصالحات بسوس، لحسن العبادي منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 2002.
[19> - أيام عكاظ في تازروالت، الحسن البونعماني، مجلة الثقافة المغربية، عددأكتوبر1942 ، ص:58 وعدد دجنبر1942، ص:99.
[20> - منجزات جمعية علماء سوس في عهد محمد الخامس، منشورات جمعية علماء سوس، 1974، وانظر كذلك الدعوة إلى إصلاح المدارس العلمية العتيقة التاريخ و الحصيلة، المهدي بن محمد السعيدي، ملحق الفكر الإسلامي لجريدة العلم بتاريخ 29 يناير1999 .
[21> - حول المعهد الإسلامي بتارودانت يراجع المعهد الإسلامي والمدارس العلمية العتيقة بسوس، عمر المتوكل الساحلي، ج 1-2 دار النشر المغربية الدار البيضاء1991.
[22> - يراجع: التراث التربوي والإداري للمدارس العلمية الأصيلة ومستقبل التعليم بالمغرب، المهدي بن محمد السعيدي، ملحق الفكر الإسلامي لجريدة العلم بتاريخ الجمعة 20 محرم 1420الموافق 7ماي 1999 عدد 17885 السنة 53.
[23> - خريجو المدارس الأصيلة الحاضر والأفاق المستقبلية، المهدي بن محمد السعيدي، ضمن المدارس العلمية العتيقة أفاق إصلاحها واندماجها في محيطها المعاصر، ص: 167 منشورات جمعية أدوز 1996.
[24> - أنظر وظيفة المدرسة في المجتمع العربي الإسلامي المعاصر، محمد المنوني، مجلة دعوة الحق العددان 6-7 السنة: 20، رجب شعبان 1399?/ يونيو- يوليوز1979 ، ص:80 وما بعدها، تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب. 1- مناهج التعليم العتيق وخصائصه. 2- الدعم التربوي في التعليم العتيق أسسه ووسائله. 3- منهاج الدعم التربوي وخصوصيات التعليم العتيق.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة