فضاءات بن سرور

بن سرور

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ben
مسجــل منــــذ: 2010-11-07
مجموع النقط: 313.4
إعلانات


ماقاله - الرائد عمر صغري- للتاريخ

الرائد عمر صغري

تضغيم قضية المجاهدين

يكشف الرائد عمر صخري، و لأول مرة في التاريخ، الكثير من الحقائق المتعلقة بالثورة، و بالأخص التفاوض مع ديغول حول الاستقلال الذاتي و كذا قضية الخائن بلونيس و علاقته بالولاية و علاقته بالولاية السادسة التي يرى أنه بفضل جهادها تنعم الجزائر اليوم بخيرات حاسي مسعود و حاسي الرمل، أما قضية المجاهدين المزيفين فيرى أنه لا طائل من ورائها لأن المقصود بها هو محاولة تشويه الثورة.

- نبدأ من موضوع الساعة وهي قضية ما يسمى المجاهدين المزيفين، ما موقفكم منها؟
لقد سبق و أن تعرضت لدفعة دوغول ومن مهامها حماية المصالح الفرنسية و الإبقاء على الارتباط الجزائري بفرنسا، ومن مهامها كذلك تقزيم الثورة الجزائرية، و مفجر هذه القضية هذه الأيام هو أحمد بن الشريف و إن كان لا ينتمي إلى دفعة دوغول لكونه التحق بالثورة سنة 1957 فإن مسعاه و تصريحاته تصب في نفس الوعاء مع هؤلاء، فتقزيم الثورة هو تقزيم للشعب الذي أنجز أروع ملحمة في التاريخ الحديث، فإذا شككنا في عدد المجاهدين و شككنا في إطارات الدولة، فاليوم شعباني و علي بن مسعود و غدا آخر غيرهما، فماذا بقي من مجد لهذه الثورة التي لم تكن طلائعية تفضل نخبة معينة، بل هي شعبية ومن رحم عامة الشعب، فبن الشريف الذي يتطاول اليوم على الولاية السادسة، فهي التي آوته حين الشدة لقد وجدته في فيلا جولي بالعاصمة إلى جانب بن بلة و خيذر حين قررت الولاية الرابعة الهجوم على العاصمة، فقال بن بلة أني ذاهب إلى تلمسان، و خيذر قال أني ذاهب إلى القصبة حينها أحس بن الشريف بالعزلة و قال لي أين أذهب الآن، فعرضت عليه المجيء إلى الولاية السادسة، و سنؤمن له الإقامة و الأمن، و فعلا توجه إلى بسكرة ثم بوسعادة، لكن غروره و حبه للسلطة جعله يطلب من إطاراتنا أن يعدو له منشورا على أساس أنه مسؤول للولاية الرابعة، و بأن الولاية الرابعة رفضته وهو الأمر الذي رفضه إطاراتنا، ثم ذهب إلى الجلفة و اتصل بالمجاهدين و قال لهم إن أهلي خانوني لم يشرفوني، ووجد نفسه وحيدا في عائلة المجاهدين.
لكن بعد ما تولى قيادة الدرك الوطني و كان عصى في يد بومدين لضرب الروح الثورية، دخل بن الشريف مدينة بسكرة "متحيكا" في زي امرأة يتجسس على شعباني، فبن الشريف من عائلة ما يسمى بالنبلاء، و لعلمك بأن أغلب هاته العائلات أرسلت واحدا من أبنائها للثورة بناء على حسابات دقيقة، حتى إذا نجحت الثورة سيكون لهم من يدافع عنها و يحمي مصالحها، و إذا فشلت الثورة و انتصرت فرنسا فهذا ابنهم الصغير يضمنون فيه و يرجعوه و هذا ما وقع عمليا، إذا حين أسر بن الشريف من طرف فرنسا و كان برتبة رائد، تدخلوا و لم تقتله فرنسا، و مقابل ذلك لما أسر عمر إدريس وهو رائد و ينتمي إلى أسرة بسيطة أعدموه.

- لكن بن الشريف لم يقل سوى بأن العدد تضاعف بعد موت بومدين.
وجود المزيفين حقيقة ثابتة ولا تخلو منها ثورة من ثورات العالم ويجمع الثوار في مختلف المناطق بالعالم بأن نسبة 10 إلى 15 %من المزيفين مقبولة، لكن عندنا أؤكد لك بأنها تقل عن 5% وعدد المعترف بهم مقبول نسبيا، لأن الثورة كما أسلفت كانت شعبية، فالمواطن إن لم يكن مجاهد يحمل السلاح فهو في رحم الثورة و شارك فيها من قريب أو من بعيد.

- إذن تعتبرون قضية المجاهدين المزيفين لا طائل من ورائها.
بل مجرد زوبعة في فنجان و أهداف هؤلاء ليست بريئة و ليست من أجل الدفاع عن المجاهدين و قداسة الثورة بل تهدف إلى الإساءة لهم، فكيف تريدني أن أصدقهم وهم يشككون في رجال حملوا السلاح و كنت مسؤولا عنهم ولا يكتنف جهادهم أي غبار، و يذكرهم بن الشريف بالاسم أمثال المختار الأمين الولائي للمجاهدين، و المختار شرون، زروالي، فبن الشريف ومن وراءه عن قصد أو غير قصد يخدمون الطرح الاستعماري، فهناك من يشكك حتى في عدد الشهداء و من بين هؤلاء من يريد مكانا تحت الشمس أمثال بن الشريف الذي كان الرجل الأول في جهاز الدرك لعقود، فلم يستسغ الآن أن يصبح مواطنا عاديا، بل من المحيطين به نجد بوقبة الذي اطلعت على تاريخه الذي كتبه بنفسه و فيه يعترف بأن فرنسا هي التي أرسلته إلى صفوف الثورة و بأن المخابرات الفرنسية هي التي تسيره، وادعاء بن الشريف اليوم بأنه مفوض من طرف الرئيس بوتفليقة كذب و بهتان.

- العديد من المؤرخين يرون أن الشيخ عاشور زيان كان يقود الثورة بالصحراء باسم الحركة الوطنية و في تصريحاتكم تعتبرونه قائدا باسم جيش التحرير؟
قبل اندلاع الثورة بقليل و لما تقرر تفجير الثورة اتصل محمد بوضياف بالشيخ زيان عاشور و عرض عليه المشاركة في الثورة، و بحكم عدم وجود علاقة سابقة بين بوضياف و بين عاشور زيان، طلب منه هذا الأخير أن يأتيه ببينة من العربي بن مهيدي تؤكد ذلك، هذا الكلام رواه لي معيزة الذي كان على علاقة بكل من عاشور و بوضياف، لكن بوضياف لم يعد. واتصال بو ضياف بعاشور لم يكن عفويا، لان عاشور زيان كانت له هيكلة للمناضلين بحكم نشاطه في حزب الشعب، ولما اندلعت الثورة ألقي القبض على سي زيان في 8 نوفمبر 1954 وزج به في سجن الكدية بقسنطينة و صادف أن كان مصطفى بن بو لعيد في نفس السجن حينها، إذ تؤكد بعض المصادر حدوث لقاءات بينهما في الكدية، وفي السجن كان يردد دائما ليتني سمعت لبوضياف فلو اتبعته لما تمكن الاستعمار من القبض علي. في أوت 1955 أفرج عن سي زيان فتوجه مباشرة من قسنطينة إلى العلمة حيث التقى ببعض رفقائه القدامى و منها إلى بوسعادة، حيث شكل أول لجنة لفائدة الثورة ومن عناصرها ممن لازالوا على قيد الحياة عبد القادر بن الدلاوي و الحاج زيان طيبي و الشهيد عبد القادر بن حميدة، و كان ذلك في إحدى الكتاتيب القرآنية ببوسعادة و منها توجه إلى زاوية سي قويدر بدائرة عين الملح، حيث أنشأ كذلك لجنة أخرى، مع العلم بأنه كان يدرس القرآن في هاته الزاوية، و بعدها عاد إلى مدينة أولاد جلال و دخل في مرحلة التجنيد فتمكن في الأيام الأولى من تجنيد 30 شابا، لكن عدم وصول الطلائع الأولى لجيش التحرير للمنطقة و عدم وجود تنظيم عسكري في التخوم جعل عاشور زيان يفكر في تدعيم المناطق الأخرى بالثوار فأرسل هؤلاء الشباب إلى الشايب مرزوق الذي نقلهم بدوره إلى جبال زكار بالمنطقة الرابعة.
للتذكير فإن الشايب مرزوق من أولاد سيدي زيان و كان متمردا على الاستعمار قبل الثورة و لما اندلعت الثورة انضم إليها و استشهد سنة 1957، لكن هاته الفرقة لما حلت بجبال زكار لم يمكث أغلبها به وقد يكونوا قد التقوا بمجاهدين لا يعرفونهم أو التقوا بمجموعة من المصاليين و المهم لما لم يطب لهم المقام فعادوا إذ قاموا بأول معركة مع العدو في ديسمبر 1955 في منطقة درمل قرب الهامل. و في نفس الوقت أي آخر 1955 كانت الطلائع الأولى لجيش التحرير قد وصلت إلى منطقة الصحراء قادمة من الأوراس، فاتصل أحد قادتهم وهو الشهيد عمر إدريس بالقائد زيان عاشور الذي أمده بالجنود العائدين و الذين كان يقودهم عبد الله السلمي قبل أن يرتد هذا الأخير. و في نفس الوقت أي آخر1955 كانت الطلائع الأولى لجيش التحرير قد وصلت إلى منطقة الصحراء قادمة من الأوراس، فاتصل احد قادتها و هو الشهيد عمى إدريس بالقئد زيان عاشورالذي أمده بالجنود العائدين و الذين كان يقودهم عبد الله السلمي قبل أن يرتد هذا الأخير. و في نفس الفترة تمكن مصطفى بن بولعيد من الفرار من سجن الكدية، فعين الشيخ زيان قائدا لهاته المنطقة التي فرضت نفسها بحكم وجود أرضية خصبة للكفاح و خير دليل على ذلك بلغ عدد المجندين تحت قيادة عاشور زيان 1200 جندي عشية استشهاده في 7 نوفمبر 1956.
و للتذكير فإن مفجري ثورة التحرير لما قسموا الجزائر إلى 5 مناطق لم ينشئوا منطقة الصحراء إذ أرادوها أن تكون منطقة هادئة لتبقى تعدهم بالسلاح و التموين وهو الأمر الذي رفضه أبناؤها المتعطشون للكفاح ومنهم جماعة وادي سوف إذ كان محمد و لحاج أحد مسؤوليها و لما اتصل به شهاني البشير و أبلغه هذا التصور رفض ذلك قاطعا و في 17 نوفمبر 1954 قاد معركة مع العدو في وادي سوف و هي من أولى المعارك على المستوى الوطني إبان الثورة.

- هل تم تعيين زيان عاشور بوثيقة مكتوبة؟
نعم أرسل مصطفى بن بو لعيد أمرا مكتوبا إلى زيان ليتولى قيادة منطقة الصحراء، و حمل الرسالة العقيد الحواس، لكن أثناء عودة هذا الأخير من الأوراس وقع في كمين بمنطقة تامنقات، و كنت حينها في الأوراس مع الحسين بن عبد الباقي، و هنا تعرفت على الحواس و عدنا معه ثانية إلى مصطفى بن بولعيد الذي أعلمنا بأنه عين زيان عاشور كقائد للصحراء، و لما عدنا إلى منطقة بوسعادة التقينا بسي زيان، الذي انتقل رفقة الحسين بن عبد الباقي إلى الجبل الأزرق في مارس 1956، حيث كان هناك لقاء لجميع قادة الثورة وما أن رأى مصطفى بن بولعيد زيان عاشور حتى احتضنه صارخا لقد جاء الرجل الذي نعتمد عليه في الصحراء، وانفرد به في لقاء خاص حيث تناولا فيه عدة جوانب من وضعية الثورة و حالة الشعب بالمنطقة و تم الاتفاق على مواصلة اللقاء اليوم الموالي، لكن الأقدار ويد الخيانة كانت أقرب فاستشهد مصطفى بن بو لعيد إثر انفجار الراديو الملغم، لكن المهم أن جميع القادة علم آنذاك بأن الشيخ زيان هو القائد الحقيقي للصحراء و بتعيين من أب للثورة الجزائرية مصطفى بن بولعيد.

- إذن ما مصدر هاته الشبهات و أسبابها؟
هاته الشبهات مصدرها من كانوا من الحركة الوطنية مندسين في صفوف جيش زيان وهم محمد بلكحل، و عبد القادر جغلاف، بوفاتح، و العربي مزيان أو كما يسمى العربي قبايلي، فهؤلاء كانوا مصاليين وقد كشفوا عن عدائهم لزيان عاشور منذ أن اجتمع بمصطفى بن بو لعيد في الأوراس، و منها خططوا للقضاء عليه و الاستيلاء على الجيش الذي يقوده، حيث قاموا بالوسوسة لأحد المسؤولين من مساعدي زيان، فعلم زيان بالمؤامرة و أوقف مهندس العملية المدعو أحمد بن عيسى و أرسل به إلى الحواس لمحاكمته و لم يحاكمه هو رغم مسؤولية، ليثبت بأنه عادل و بالفعل حاكم الحواس هذا المتآمر و نفذ فيه حكم الإعدام، أما الذي كان من المفترض أن يحل محل زيان عاشور حين يتم قتله فقد جرده زيان عاشور من المسؤولية فقط و لم يعدمه.

- من هو؟
لن أذكر اسمه الآن، لأنه معروف جدا، و على قيد الحياة وقد نضطر يوما للكشف عنه.

- هناك من الكتاب من يقول بأن الحواس كان ضابطا عند بلونيس في البداية، و هناك من يقول بأن صراعا نشب بين الحواس و الشيخ زيان ما حقيقة ذلك؟
بعد استشهاد مصطفى بن بو لعيد دخلت منطقة الأوراس في أزمة قيادية ووقعت انشقاقات خطيرة، و انقطعت العلاقة بين الحواس و جماعة الأوراس، و كان الحواس يتهم عجول بأنه وراء حادثة اغتيال مصطفى بن بو لعيد، رغم أن الحواس كان يقود المنطقة التابعة إداريا إلى الولاية الأولى و الممتدة عبر كامل الجنوب الشرقي من بسكرة إلى المغير و حتى مناطق وادي سوف، و هناك أسباب أخرى أزمت خلاف الأوراس مع الحواس، ومن بين التهم التي وجهوها إلى الحواس بأنه مصالي، أما بالنسبة لخلافه مع زيان عاشورفقد حدث فعلا لكن تمت تسويته، فالمعروف بأن زيان عاشور كان نفوذه يمتد من بوسعادة إلى الجلفة فجبال العقدة كانت تقع في تراب الولاية الخامسة، لكن تأخر قدوم طلائع جيش التحرير من الولاية الخامسة إلى هاته المنطقة ووجود أرضية مهيأة للثورة، جعل زيان يشرف عليها و يجند الشعب، لكن عدم وضع حدود للمناطق بين زيان و الحواس نجم عنه حزازات بينهما فبوسعادة مثلا كان كل منهما يريد أن تكون في دائرة نفوده، فجنوب بوسعادة يتعامل في الإمداد و التموين مع الحواس بمثل ذلك شمالها مع زيان، و لفك هذا الخلاف انعقد اجتماع ضم لجنتي كل منهما ليتفق الفريقان على تشكيل لجنة واحدة على رأسها محمد بولقرني من جانب زيان و الطيب خالوطة عن الحواس تقوم بجمع الأموال و التموين وتدعم كلا الجيشين.

- ما حقيقة بلونيس وما علاقته بزيان عاشور؟
لا توجد أية علاقة مباشرة بينهما، فبلونيس في بدايته هناك من يقول بأن مصالي و هو الذي كلفه ليكون قائدا باسم الحركة الوطنية المسلحة في منطقة القبائل، و هناك من يقول بأن مصالح الاستخبارات الفرنسية هي التي جندته حين كان مسجونا لديها سنة 1947، بل هناك من يقول بأن أحمد بن بلة هو الذي أوصاه بالقيام بالثورة في منطقة القبائل، و بالتالي فإن بداياته لا زالت غامضة، لكن الثابت أنه و تحت وقع الضربات المتتالية للولاية الثالثة لما رفض الانضمام إلى جيش التحرير، نزح إلى الولاية الرابعة التي حاصرته هي الأخرى فنزح إلى صحراء سيدي عيسى وواصل زحفه إلى جبال مناعة و منها أرسل رسالة إلى الشيخ زيان يقول فيها بأن القبائل حاصروه و اضطهدوه و بأنه بحاجة إلى التموين و السلاح هذا في آخر سنة 1956، و لما بلغت الرسالة إلى زيان راسل هو الآخر سي الحواس يستشيره في الأمر مع العلم بأن خيانة بلونيس لم تظهر إلا بعد جوان 57 و كان رأي الحواس مساعدته بالتموين دون السلاح وهو ماقام به زيان بل حدد له منطقة معينة لا يمكن تجاوزها، لكن تصرفات بلونيس المشبوهة رفقة جنوده مع الشعب الذي استنكر منه وشكاه لزيان جعلت هذا الأخير يأمر عمر ادريس بطرده إلى منطقة الناضور أي خارج المنطقة الواقعة تحت قيادة زيان عاشور وهو ما تم فعلا، ولم يظهر بلونيس في المنطقة إلا بعد صيف 1957 حيث أعلن صراحة خيانته وتم إمداده بالسلاح و الجنود بمنطقة ملوزة، وحينها كان الشيخ زيان قد استشهد قبلها في 7 نوفمبر 1956، و بالتالي لم يلتقيه أبدا و كل العلاقة تكمن في المراسلات التي ذكرناها آنفا.

- لكن هناك من يقول بأن زيان عاشور دعمه بفرقة من الجنود؟
هذا خطأ والتباس، فالأمر يتعلق بالفرقة الأولى التي أرسلها شايب الشريف كما أسلفنا وقد أرسلت لتدعيم جيش التحرير و ليس لتدعيم وحدات بلونيس في الولاية الرابعة سنة 1955 و مما زاد الالتباس كون قائدها كان عبد الله السلمي الذي كان محاربا في صفوف جيش التحرير قبل أن ينظم بعدها إلى بلونيس ويصبح بعد خيانة هذا الأخير قائد مجموعة الحماية الخاصة، بل بقي إلى غاية الاستقلال في غيه و خبثه.

- مادام الأمر كذلك كيف تفسر انضمام جيش التحرير الذي كان تحت قيادة عمر إدريس إلى جيش بلونيس؟
سبق وأن تعرضت إلى محاولة اغتيال زيان عاشور و التي كان من ورائها عناصر مصالية مندسة وهم بلكحل و العربي قبايلي و جغلاف و بوفاتح، و تسامح معهم زيان، ولما استشهد هذا الأخير في نوفمبر 1956 بمعركة وادي خلفون، حاول هؤلاء تنصيب بلكحل على رأس القيادة، لكن تمكن عمر ادريس من خلافة زيان عاشور لكونه كان ينوب عنه فضلا عن كونه قادما من الأوراس، و أثنائها حاول بلكحل أن يجر المناضلين إلى صف الحركة الوطنية فاجتمع بلجنة بوسعادة و حاول إقناعها، فباءت محاولاته بالفشل ووقعت مشاكل نظامية مع الولاية الخامسة التي كان يقودها العقيد لطفي " سنعود لذلك لاحقا"، و أثناء غياب سي عمر إدريس و نائبه الطيب فرحات المدعو السوفي قام هذا الرباعي المصالي بقتل عبد الرحمان حاشي خليفة عمر إدريس أثناء غيابه و استولوا على الختم و استدعوا جميع المسؤولين فرادى و كل من وصل إليهم قتلوه و بلغ عدد الإطارات التي اغتالوها ثمانون ثم أشاعوا بعدها في أوساط الجنود البسطاء بأن جبهة التحرير قتلت عمر إدريس و الطيب فرحات غدرا، و بأن هؤلاء الإطارات خونة، أما بالنسبة للخلاف مع قادة الولاية الخامسة، فقد سبق وإن ذكرت بأن زيان امتد نشاطه إلى جبال القعدة و هي منطقة تابعة للولاية الخامسة شكل فيها جيشا في غياب جنود الولاية الخامسة، و لما تم تعيين عمر إدريس مكان الشيخ زيان ترك في مكانه في القعدة محمد بلهادي وأوصاه إذا وصل جنود الولاية الخامسة يسلم لهم المنطقة و يلتحق مع الجنود الذين معه بمنطقة الصحراء، في نفس الوقت كانت الولاية الرابعة قد أوحت للولاية الخامسة بأن أتباع زيان مصاليين وهاته الولاية هي الأخرى كانت ضحية بلاغ كاذب أوحى لهم به المدعو لزهاري الذي كان كاتبا عند العربي قبايلي و لما رأى من تصرفاته أمورا مريبة فر إلى الرابعة بعد استشهاد زيان وصرح بأن أتباع زيان مصاليين، فما كان من الرابعة إلا أن أرسلته إلى العقيد لطفي فأرسله العقيد كدليل كتيبة إلى جبال القعدة وبهذا الحكم المسبق على الجيش المتواجد بالقعدة، ما أن وصلت كتيبة الخامسة إلى القعدة حتى أمرت المتواجدين به بتسليم السلاح، فسلموا السلاح، لكن شاءت الصدف أن تقع معركة في نفس الوقت فحملوا السلاح إلى جانب الكتيبة و استبسلوا في المعركة ووقع ذلك في الفصل الأول من سنة 1957.
هاته من المشاكل التي جعلت عمر إدريس ينتقل إلى لطفي لدراسة الوضع بعد أن أرسل الطيب السوفي و الذي لم يوفق في المهمة، بل حتى عمر إدريس لم يتفق مع لطفي فواصل مشاوره إلى المغرب حيث التقى مع القيادة العامة للجيش، حيث كان على رأسها بوصوف وتم الاتفاق على تسمية المنطقة محل الخلاف "الجلفة و الأغواط" بالمنطقة التاسعة و إلحاقها عسكريا بمنطقة العمليات بالخامسة، و عاد عمر إدريس مع كتيبة وقاد عمليات عسكرية يوميا لتطهير المنطقة من فلول بلونيس المتآمرين الذين احتووا المنطقة.

- يجمع العديد من الكتاب و منهم مصطفى بن عمر في كتابه "الطريق الشاق نحو الحرية"، و حتى المجاهدين كا بن شريف بأن الولاية السادسة لم تكن موجودة خاصة بعد استشهاد الحواس؟
يقول العرب في أمثالهم الشعبية "البعير إذا بدأ ينبق مات" فالجماعة التي تروج لهذا الحديث وتنكر قيادة شعباني ومن معه مثل سليمان لكحل وروينة محمد المدعو قنتار، لهؤلاء نقول فلنحتكم لعدد الإصابات في أجسادهم و أجساد هؤلاء المتطاولين، بل فلنحصي المعارك التي خاضها هؤلاء و أولئك في هذا الظرف بالذات حين كانوا قادة، فسليمان لكحل وحده أصيب ب 18 إصابة في معارك عديدة، أما مصطفى بن عمر و بن الشريف و حتى النقيب صايكي و من أعطوهم المعلومات فتاريخهم ضعيف و منهم من يستقي معلوماته من المقاهي. أما هؤلاء الأبطال الذين يريدون أن ينالوا منهم فبطولاتهم تشهد لهم بها جبال بوكحيل و الزعفرانية و بودرين و النساقة و سائرالشعاب و الوديان بهاته الصحراء القاحلة و الجرداء، بل بفضل قياداتهم الحكيمة ضمنا وحدة الوطن و لهم و لإخوانهم الشهداء و الجنود كل الفضل في ذلك و هم الذين أحبطوا مشاريع تقسيم الصحراء التي اجتهد جهابذة العدو على تكريسها إلى غاية آخر يوم من مفاوضات إفيان و هؤلاء هم الذين دعوا إلى مظاهرات 27 فيفري 1962 لما جاء مبعوث دوغول للحصول على إمضاءات أعيان الصحراء لرعاية البقاء الفرنسي، فعاد من حيث أتى و على متن نفس الطائرة. إن لحم أكتاف هؤلاء المتطاولين من جهاد هؤلاء الأبطال الذين جعلوا الجزائر تنعم بخيرات حاسي الرمل و حاسي مسعود، و التنظيم الذي كان قائما بالولاية السادسة خاصة منه الهيكلة النظامية و هو ما تشهد به الوثائق الموجودة لا مثيل له بأية ولاية في الجزائر و نتحدى من يثبت عكس ذلك.

- عدم وجود الولاية كهيكلة لا ينفي وجود كفاح وجهاد؟
يا سيدي الكريم الةلاية السادسة موجودة منذ العام الأول للثورة، فالذي عين أوعمران على الولاية الرابعة هو الذي عين الشيخ زيان على الصحراء و جاءت قرارات مؤتمر الصومام سنة 1956 لتقر ذلك، و لما أنشأت القيادة العامة للجيش و الحكومة المؤقتة عينت العقيد الحواس، و لما استشهد الحواس عينت الحكومة المؤقتة الطيب الجغلالي، و لما قتل تولى القيادة قادة المناطق و كان على رأسهم محمد شعباني الذي قاد الولاية إلى غاية الاستقلال، و كانت آلاف الرسائل و المناشير و التعليمات بينه و القيادة العامة للجيش و الحكومة المؤقتة ترسل منه و إليه كقائد للولاية السادسة، و جميع الوثائق التي تشهد على ذلك موجودة في أرشيف الحكومة المؤقتة و عند المرحوم سليم و الحسين ساسي على قيد الحياة.

- لكن حدود الولاية لم تكن ثابتة.
هذا صحيح، فمؤتمر الصومام رسم حدود الولاية السادسة من بئر غبالو إلى قصر البخاري إلى تمنراست، و تم تعيين على ملاح قائدا لها لكن و حداته بقيت في منطقة سور الغزلان، و قصر البخاري و البرواقية، أما عاشور زيان فقد كان في منطقة بوسعادة و الجلفة حتى القعدة، و لما استشهد عادت المنطقة التي كان ينشط فيها علي ملاح إلى الولاية الرابعة و بقيت إلى أن تم تعيين الحواس قائدا للولاية السادسة فاسترجع المنطقة أي منطقة سور الغزلان و سماها بالمنطقة الرابعة و عين على رأسها على بن المسعود و لما استشهد الحواس و تم اغتيال على بن المسعود عادت هاته المنطقة إلى الولاية الرابعة ثانية و سموها بالمنطقة الخامسة.
أما الضفة الأخرى من الجنوب الشرقي في الولاية السادسة أي منطقة جنوب بوسعادة و بسكرة و توقرت فقد كانت تسمى بالمنطقة الثالثة و تابعة للولاية الأولى و كان على رأسها الحواس، و لما تم تعيينه قائد للولاية السادسة طلب إلحاق هاته المنطقة بالولاية السادسة فوافقت لجنة التنسيق و التنفيذ على ذلك و هذا كان سببا في مشاكل جمة وقعت بيننا و بين الولاية الأولى، و فيما يخص المنطقة التاسعة للولاية الخامسة و التي كانت تحت قيادة عمر إدريس فقد عادت للولاية السادسة بعد تعيين الحواس و تعيين عمر إدريس معه كقائد عسكري في مجلس الولاية.

- نعيش هاته الأيام ذكرى استشهاد العقيدين الحواس و عميروش و هناك عدة أقاويل و كتابات حول ظروف استشهادهما.
تعلمون بأن قادة الداخل للولايات الرابعة و السادسة و الثالثة و الأولى اجتمعوا في أواخر ديسمبر 1958 لتدارس واقع و آفاق الثورة التي اشتد عليها الحصار بفعل مخطط شال و خط موريس و غيرها، و قلة مصادر التموين و السلاح، ومن بين القرارات المتخذة خلال هذا الاجتماع ضرورة دخول الجيش المتواجد على الحدود و الحكومة المؤقتة و قيادة الجيش إلى الداخل، و لن يبقى في الخارج إلا وزير الخارجية، و تم تكليف العقيد عميروش و الحواس بنقل هاته القرارات إلى الخارج، أمر هاته القرارات كان معلوما عند قادة الخارج وهو الأمر الذي لا يرضيهم.
وخلال تنقل العقيدين تم الاتصال بهم باستعمال شفرة مكشوفة، مما مكن العدو من تحديد الناحية التي كانوا متواجدين فيها، لكن هذا لا يعني بأن مكان استشهادهما كان معلوما عند القوات الفرنسية.
ففي اليوم الذي سبق استشهادهما، كان العقيدان ورفقاؤهم قد قطعوا مسافة لم تطولها أي كتيبة قبلهم في قلب جبل الميمونة إلى جبل ثامر موقع الاستشهاد هناك ثلاثة مراكز، و بالتالي ثلاث محطات.
و قبلها بيومين كنت بجبل مساعد و لاحظنا تحرك القوات الفرنسية وظننا بأن الجيش الفرنسي سيقوم بعملية تمشيط، فنزلنا إلى الغابة للاحتياط من ذلك، وحينها بلغني بريد من الحواس يستدعيني للحضور إلى قلب العرعار في جبل الميمونة حيث كان متواجد إلى جانب عميروش، و عن سبب استدعائي فقد كان ذلك بإيحاء من شعباني الذي طلب من الحواس أن يرافقهم مسؤول من منطقة جبل ثامر وتم اختياري لكوني أعرف المخابئ و منافذ الإفلات في حالة الحصار، لكن لما وصلت إلى المكان المقصود وجدت العقيدين قد رحلا و علمت بأن المعركة التي وقعت في ذلك اليوم قد استشهد فيها العقيدان و رفقائهم.
و عن سبب إقدام الحواس و رفقائه على التسرع في السفر دون دليل علمت بأن تحركات العدو في ضاحية المكان المتواجدين به جعلت الحواس يخاف على ضيفه ومن معه وظن بأن القوات متجهة إلى مكان تمركزه الميمونة فارتأى تأمين سلامة ضيوفه و الذهاب بهم بعيدا عن أماكن تحرك العدو، لكن الأقدار كانت أسرع.
وحول تمكن القوات الفرنسية من الاشتباك معهم، فقد كان ذلك عن طريق الصدفة، فالقوات الفرنسية كانت متجهة إلى قرون الكبش حيث أخبرت بتواجد مجموعة من الجيش بقيادة حشاني الشيخ، و الوصول إلى هذا المكان يمر حتما بجبل ثامر، و طبيعة المكان مكشوفة و خلال مرور هاته القوات بجنب جبل ثامر رأوا بعض الجنود يتسلقون الجبل فعدلوا عن اتجاههم و عادوا إلى جبل ثامر و دخلوا في اشتباك و كان الوقت صباحا، و حتى أثناء الاشتباك لم تكن فرنسا تعرف بأن العقيدين متواجدين ضمن هاته المجموعة، حيث تمكنت من أسر أحد مرافقي عميروش و كان محل عقوبة أي مجرد من السلاح، أقر بوجود العقيدين، و هنا تضاعف عدد القوات الفرنسية بما فيها الطائرات و المدفعية و كانت المعركة غير متكافئة 2500 جندي فرنسي مقابل 40 جنديا من جيش التحرير أغلبهم كتاب و يحملون أسلحة خفيفة و بالتالي فإن القدر من جهة ووشاية الخارج من جهة أخرى كانا سببا في استشهاد العقيدين و إلقاء القبض على عمر إدريس الذي كان مصابا قبلها و اغتياله فيما بعد.

- و ماذا عن باقي عقداء مؤتمر الداخل؟
بالنسبة للمرحوم الحاج لخضر عبيد فقد استدعي بعدها إلى تونس و لم يبح بتفاصيل هذا المؤتمر إلى غاية وفاته و بقي السر مكتوما، أما بالنسبة للشهيد امحمد بوقرة الذي حضر المؤتمر، فهو من الطراز العالي من المجاهدين القادة، مثقف جدا و شجاع و ثابت و قوي الشخصية، وواقعة استشهاده لازالت لغزا و حولها عدة تأويلات، بل حتى وفاته مجهولة، و قد يكون سبب ذلك مؤامرة "لابلويت" التي اكتشفها بأيام قليلة قبل استشهاده وعدم وجود رفاته لازال حرقة في نفوسنا.

- بعد استشهاد العقيد الحواس و تعيين الطيب الجغلالي مكانه تمت تصفيته من طرف شعباني و معاونيه، لماذا؟
ما أعرفه بأن الطيب الجغلالي، اعترف لدى التحقيق معه أنهم بصدد التفاوض مع الفرنسيين من أجل الاستقلال الداخلي، و المحاضر موجودة وقد أرسلناها إلى القيادة العامة للجيش آنذاك، بل اعترف بوجود مخطط لتصفية جميع المعارضين للاستقلال الداخلي في مختلف مناطق الولاية، و الذين حضروا التحقيق معه هم شعباني، سليمان لكحل، محمد بلقاضي و علي بن المسعود و كلهم مسؤولون، و الذي نقل محضر التحقيق إلى القيادة هو المرحوم بوكرشة، فضلا عن التقارير التي أرسلناها بالفون" ."TBNS

- كيف اشتبهتم في الطيب الجغلالي؟
علي بن المسعود هو الذي اكتشف المؤامرة في المنطقة الأولى، التي كما أسلفت كانت تحت وصاية الولاية الرابعة، و اكتشف كذلك مؤامرة لا بلويت وقد تم العثور على رسالة من رئيس بلدية الشمامبلا سابقا ( العمارية حاليا) في جيب الطيب الجغلالي و هي حجة دامغة تؤكد تلك الاتصالات.

- هناك كتابات تقول بأن أسباب اغتيال الجغلالي ورفقائه ذات دوافع عنصرية و حبا في المسؤولية.
بالنسبة لتهمة الجهوية لا أساس لها من الصحة، فجيش الولاية السادسة مكون من عرب و قبائل و شاوية ومن مختلف مناطق الوطن وحتى القيادة المتهمة بالعنصرية تشكيلتها تفند ذلك فشعباني من أوماش أي الأوراس، و سليمان لكحل من المشرية أي الجنوب الغربي، و محمد بلقاضي من جيجل، و علي بن المسعود من أولاد نائل، فإذا كانت هناك عنصرية أو جهوية فكيف ارتقى هؤلاء و سار جيشنا بقيادتهم، فلو كان صايكي أو مصطفى بن عمر و حتى تقية يعرفون علي بن المسعود لما تجرؤوا على الحديث عنه، فعلي بن المسعود قبل اندلاع الثورة قام بمثل ما قام به الشيخ عاشور زيان، بحكم ثقافته العسكرية إذ شارك في الحرب العالمية الثانية، كان يعد للثورة و يجمع السلاح و يهيئ الجنود، و ما أن حلت الطلائع الأولى للثورة حتى تم تعيينه مباشرة كمسؤول عن منطقة بن سرور و محارقة، و هاته الكتابات التي تريد أن تصوره لنا سفاحا و الحقيقة غير ذلك، فقد كان معي عضوا في المحكمة العسكرية التي أنشأها الحواس، و طيلة سائر الجلسات التي كانت تعقد لم يوافق على أي حكم بالإعدام من الأحكام التي كنا نصدرها حتى و لو كانت في حق خبيث أو عميل، بل كانت عيناه تدمع عند صدور الحكم، هذا في البداية، لكن ظروف الاستعمار و ضرورة الصرامة في ظل الأخطار التي كانت تحدق بالثورة من جراء مؤامرة لابلويت وسياسة سلم الشجعان جعلته يتشدد، و اغتيال علي بن المسعود ورفيقه محمد بالقاضي على يد قادة الولاية الرابعة آنذاك لأنهما اكتشفا مؤامرة التفاوض من أجل الاستقلال الذاتي، و يكفي دليلا على ذلك أن الذي كان يحاكمهما هو الذي ذهب إلى الإيليزي، و نحن سكتنا قبل هذا اليوم حفاظا على ذاكرة إطارات الثورة، لكن بعض الكتابات و منها كتابات صايكي و بن عمر تستقي معلومات من المقاهي، و التجريح في ذاكرة بعض الشهداء وهو الأمر الذي لن نقبله.

- نعود إلى حرب الولايات و موقف السادسة منها؟
تعرفون بأن الخلاف بين الحكومة المؤقتة و قيادة الأركان هو السبب فيما وقع، و بالنسبة للولاية السادسة فقد سعت إلى توحيد الكلمة مع قادة الولايات الداخلية، ففي إطار هذا المسعى و بتكليف من العقيد شعباني اتصلت بالولاية الأولى و كان على رأسها الزبيري، و كان ذلك بعد توقيف القتال وقبل الاستقلال، فتم تبادل وجهات النظر و الاتفاق على مبدأ توحيد المواقف و بعدها عدت فنقلت الزبيري و بومدين و السعيد عبيد و شبيلة الذي لازال حيا، إلى الشارف و اجتمعوا مع شعباني، ثم تنقلت إلى الولاية الثانية، فاجتمعت مع بوطالب ورابح بلوصيف و الطاهر بودربالة " لازال حيا" و كحل الرأس رحمه الله و عرضت عليهم التصور فقال لي صالح بوبندير صوت العرب أنه من هو مع الحكومة فهو معنا ومن هو ضدها فهو ضدنا، ثم توجهت إلى الولاية الثالثة فعرضت الطرح على الرائد حسن فقال لي بالحرف الواحد "من كان مع كريم بلقاسم فهو معنا و من كان ضده فهو ضدنا" و في لقاء آخر مع العقيد محمد و لحاج قال لي بعد أن تحدث عن مخطط زعموم و محاولة جره للاستقلال الذاتي : "يا وليدي هذا الرأي صحيح و سديد لكن أنا وحدي معك و الجماعة التي معي لا تقبل هذا".

- لكن هذا نفس الطرح الذي تنادي به الولاية الرابعة؟
لم يشاركونا في الرأي و لم يعرضوا علينا الفكرة، رغم لقائي بهم مرتين أو ثلاثة، فحين قررت الولاية الرابعة الزحف على العاصمة كنت في العاصمة مع بن بلة و خيذر و بن الشريف و لم يخبروني. بعد هاته المحاولات اليائسة انضممنا إلى ما يسمى بالديوان السياسي لأنه هو الشرعي و لكونه منبثقا عن مجلس الثورة الذي كان على رأسه بن بلة و خيذر و بيطاط و محمدي السعيد.

- هناك اتهامات لقادة الولاية السادسة بالغدر بجماعة عبد الله السلمي بعد الاتفاق معهم؟
ما رأيك لو بقي السلمي و مجموعته إلى يومنا هذا، هل سيفعلون خيرا بالبلاد؟ فهؤلاء كانوا مع بلونيس، و بعد مقتله بقوا تحت مظلة فرنسا، و حين نشأت منظمة "اليد الحمراء" انضموا إليها، وحتى بعد توقيف القتال و الاتفاق معهم على تسليم السلاح، ذهب حمة الطاهر إليهم فوجد جنرالا فرنسيا من المدية في اجتماع مع عبد الله السلمي لإعادة تسليحهم من جديد و بقوا يتلاعبون إلى ما بعد الاستقلال، و لعلمك فإن أتباع عبد الله السلمي قتلوا لنا خيرة الإطارات و الجنود، ناهيك عما فعله هؤلاء بالشعب من قتل و نهب و ابتزاز حتى بعد الاتفاق معهم، إذ قتلوا العشرات من المواطنين في "لا روكات".

- يعاب عليكم عدم احتواء جماعة بلونيس بعد و فاته، بل تعصبتم مع أتباعه.
هناك العشرات من انضموا إلينا و أكرمهم الله بالشهادة و منهم من هم أحياء، و قد دأبنا طيلة سنوات الكفاح على إرجاعهم إلى جادة الصواب و استنفذنا جميع الوسائل، ووزعنا آلاف المناشير لدعوتهم، بل أرسلنا لهم أهلهم و ذويهم، فيهم من عاد و فيهم من بقي على ضلالته، و أذكر يوما كنا في منطقة مناعة، فجاءت مجموعة كبيرة منهم للانضمام، كنا في قمة الجبل و كانوا في أسفله، و في الغد هجمت علينا القوات الفرنسية فاشتبكنا معها، أما هم فقد انسحبوا و لم يعودوا، و مشكلة ما يسمى بجيش بلونيس تكمن في قياداته التي هي صعبة المراس، أما الجنود فهم بسطاء ليس لهم مستوى ثقافي، أعرف مثلا أحد يدعى بوطمين من بسكرة كان عندنا في الجيش قبل أن يرتد و أصبح نائبا لبلونيس، فهو شاب مثقف جيدا بالعربية و الفرنسية فأغواه المنصب، ولم نتمكن من إرجاعه إلى جادة الصواب.

- معركة زمرة قتلت فيها فرنسا134 من أتباع بلونيس ما سبب ذلك؟
يقال بان قائد هاته المجموعة وهو دقمان كان يريد الانضمام إلى جيش التحرير لكن ليس هناك ما يؤكد ذلك، و الفرضية الثانية تقول بأن فرنسا أخطأت لظنها بأنهم جنود جيش التحرير.

- نعود إلى ما بعد الاستقلال، حيث يشاع بأن محمد شعباني أراد فصل الصحراء و قام بتمرد عسكري؟
محمد شعباني بريء من كل الاتهامات و مساره الجهادي يفند هاته الادعاءات، فمن غير المعقول أن يستميت من أجل وحدة الشعب و الوطن إلى آخر يوم من الحرب التحريرية ثم يدبر و ينادي بتقسيم الوطن، فهو بريء من هاته التهم براءة الذئب من دم يوسف، فخلاف شعباني آنذاك هو نفس الخلاف القائم اليوم مع التيار التغريبي، فهو معرب و متشبع بالقيم العربية الإسلامية التي دعا إليها بيان نوفمبر، و خصومه ضد المعربين وضد دعاة التمسك بالأصالة العربية الإسلامية وهم من المستلبين فكريا و حضاريا، اذكر أنه حين انعقد المؤتمر الحزب صب جم غضبه على أحمد توفيق المدني حين كان وزير الأوقاف، وانتقد موقفه السلبي من اعتقال الشيخ البشير الإبراهيمي، بل سعى من أجل رفع الإقامة الجبرية عنه، و في نفس السياق دائما كان شعباني يدعو إلى إسناد المسؤوليات في الجيش إلى قيادة جيش التحرير، ويرفض تعيين الضباط المتخرجين من الكليات الفرنسية، بل كان يرى في تعيين الرائد شابوا كأمين عام لوزارة الدفاع وهو خريج المدارس العسكرية الفرنسية استفزازا للثوار، أما بالنسبة لما تسمونه تمردا عسكريا فشعباني استفزوه أكثر من مرة بل ليلة تمرده كان على علم بأن الأوامر قد صدرت من أجل القبض عليه، و بالتالي كان في وضعية دفاع، و التعليمات صدرت من بومدين إذ كان هذا الأخير يسعى إلى تصفية قادة الجيش بالداخل وفقا لتعليمات أعطيت له مكونة من 17 مادة تسطر له كيفية الوصول إلى الحكم.

- ممن كان يتلقى هاته التعليمات؟
من شخصية جزائرية لا أذكر اسمها الآن.

- ومن هم ضباط فرنسا؟
هم من يسمون بدفعة دوغول، و شابوا واحد منهم، و أصل الفكرة جاءت حين اجتمع دوغول في 14 جويلية 1958 بمن يسمون بالنبلاء الجزائريين المتواجدين في فرنسا وهم الأغوات و القياد و الباشاغوات، فقال لهم دوغول ما رأيكم إذا استقلت الجزائر في يوم ما، فماذا لو تعينوا حكومة منكم، فكانت إجابتهم ذكية، إذ قالوا: إن الشعب يعرفنا ولا يقبل بنا و بالتالي نرى في أن تدعم أبناءنا ليكونوا في السلطة، بعدها عقد دوغول اجتماعا للضباط المنحدرين من أصل جزائري و المتمدرسين في الكليات الحربية الفرنسية واختار نخبة منهم وطلب منهم الانضمام إلى الثورة لأن فرنسا تحتاجهم في المستقبل، و فعلا انضموا إلى جيوش الحدود، و الغريب أن بومدين كان يرسل لنا التعليمات و يحذرنا من القوة الثالثة في أكثر من برقية، وفي نفس الوقت يحتضن هؤلاء و دخل بهم بعد الاستقلال و مكنهم من مقاليد الحكم، وهذا المخطط كان يدركه محمد شعباني، بل انتفض ضده، و في البداية حاولوا إسكاته بمنصب فعرضوا عليه قيادة الأركان العامة فرفض، و بن بلة مازال حيا و يشهد على ذلك، بل اقترح شعباني تعيين المرحوم محمد ولحاج لأنه الأكبر سنا من قادة الداخل ثم اقترحوا عليه تولي مهمة إلى جانب الطاهر الزبيري فرفض و عينوه في المكتب السياسي فرفض، و كان مطلبه الأساسي منح المسؤوليات داخل الجيش إلى الوطنيين الأصلاء، و إبعاد ضباط فرنسا، وقد أكدت الأيام و السنون صدق تصوره وما عاشته البلاد من جراء هذا التيار التغريبي يشهد على صحة نبوءته.

- تحملون مسؤولية إعدام شعباني لبومدين بينما الرئيس كان بن بلة؟
إن بومدين هو الذي عين المحكمة العسكرية التي حاكمت محمد شعباني، و أعطاها الأوامر بأن تصدر حكم الإعدام، و ما كان بإمكان أحمد بن بلة أن يصدر قرار العفو، فبن بلة كان محاصرا، فقد منع بومدين جميع المحيطين بالرئيس من التوسط لإصدار قرار العفو، و الزبيري حي و شاهد على ذلك، فقد طلب منه بومدين عدم التدخل لصالح شعباني، و شخصيا اتصلت ببومدين بعد صدور حكم الإعدام فقال لي : لا أعرف العفو بل أعرف التنفيذ و بن بلة ذاته مازال إلى غاية اليوم نادما و في كل مرة يردد "إن الجرح الذي لا زال يؤلمني هو إعدام شعباني".


تقييم:

0

2
مشاركة:


التعليق على الموضوع

| ابن الاستلال | 27/09/20 |
نصف المعلومات متضاربة وفيها مغالطات وخاصة اغتيال الشهيد الطيب الجغلالي فهو من الرعيل الاول و تهمة الخيانة ملفقة بين قادة المناطق لااساس لها


...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة